إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرغبة المجنونة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرغبة المجنونة




    الرغبة المجنونة

    دائما ما يلام الأهل على تصرفات أبنائهم السيئة ، فيقال فلان لم يحسن أهله تربيته ، إذا كان ذو خلق سيء . ولا ريب أن الأهل يلعبون دورا مهما في تنشئة أبنائهم وتوجيههم سلوكيا ، والأبناء غالبا ما يعكسون القيم الأسرية التي تربوا عليها ، لكن الدنيا لم تعدم آباء وأمهات ذوي خلق وسيرة حسنة تفانوا من أجل غرس القيم النبيلة في نفوس أطفالهم ومع هذا شب أحدهم سيئا متمردا على كل شيء . الكثير من العائلات تمتلك طفلا كهذا ، ترى جميع أشقاءه وشقيقاته هادئين لطيفين إلا هو ، كأنه مجبول على خلق المشاكل وجلب النكد

    لكن لماذا بعض الأطفال مختلفون ؟ .. ربما السر يكمن في الجينات ، تلك المورثات الدقيقة الشبيهة بدفتر التعليمات الذي يأتي مع الأجهزة الكهربائية ، فكل طفل يولد في هذا العالم يأتي معه دفتر كهذا ، المشكلة أنه مكتوب بلغة دقيقة ومعقدة لا نستطيع نحن الناس العاديين قراءتها ، لو استطعنا فعل ذلك لأمكن التنبؤ بالكثير من الصفات والطباع والأمراض التي ستلازم هذا الطفل لما تبقى من حياته

    بمختصر العبارة هناك نوع من الأطفال "فاسد من البيضة" ! .. مهما حاولوا إصلاحه وتعديله يبقى أعوج . فإذا كان لديك او لدى احد اصدقائك أبن على هذه الشاكلة ، كأن يكون غضوبا يثور ويقلب الدنيا رأسا على عقب لأتفه الأسباب ، وربما تطاول عليكِ ، ولم ينفع معه شيء ، لا الكلام الطيب ولا العقاب ولا حتى الطبيب النفسي ، فلا تلم نفسك وليكن ضميرك مرتاح ، فالذنب ليس ذنبك ، بل هو ذنب الجينات اللعينة ، أو ربما ذنب الجن والمس الشيطاني ، أو قد يكون ذنب الاستعمار والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة العربية .. الله أعلم .. على كل حال كن متيقن من شيء واحد فقط ، هو أنك ستنال الكثير من الشتائم والسباب في المستقبل بسبب أبنك هذا
    وقصتنا لهذا اليوم تدور حول واحد من هؤلاء الأبناء .. "فاسد من البيضة" بامتياز ..

    الولع بالحبال
    ألبرت جلاتمان رجل مسالم ، كان لديه محل صغير لبيع القبعات النسائية في نيويورك . زوجته أوفيليا كانت ربة منزل . الزوجان عاشا بهدوء ، لم يسمع الجيران لهما حسا ولم يتدخلا يوما فيما لا يعنيهما . وفي عام 1927 أنجبا أبنا واحدا وحيدا هو كل ما خرجا به من هذه الدنيا الفانية ، أسمياه هارفي . كانت فرحتهم بمقدمه كبيرة . لكنها فرحة لم تدم طويلا ، إذ سرعان ما لاحظا أن بعض تصرفات الصغير غير سوية ، كان يفتقد الرغبة في أي شيء ، نادرا ما يجذب انتباهه شيء ، سارح في معظم الأحيان كأنه في عالم آخر ، يبكي حين لا يكون هناك داعي للبكاء ويضحك من دون موجب للضحك.




    - " هل هو مجنون ؟ " .. تسأل ألبرت وهو يتفحص الطفل النائم في سريره بنظرات ثاقبة
    - " صه يا رجل ! .. كيف توسمت فيه الجنون وهو لم يكمل عامه الثالث بعد ؟ " .. أجابت اوفيليا محتدة
    - " لكنه سارح في أغلب الأحيان يبكي ويضحك دونما سبب ! " .. قال ألبرت معللا .
    " أنه طفل .. ماذا تريده أن يفعل ؟ .. أن يذهب ليحاسب زبائنك في المحل ! " .. همهمت اوليفيا بغضب وهي تنظر إلى زوجها شزرا فصمت ألبرت ولم يقل شيئا آخر ، فهو يعرف بأن السكوت خير وسيلة للدفاع أمام غضب زوجته ، وما لبث أن استدار ذاهبا إلى سريره لينام ، أما اوفيليا فوقفت تتأمل طفلها وقد بان على محياها القلق والاضطراب ، في حقيقة الأمر ، وبرغم استنكارها لكلام زوجها ، لكن في داخلها كانت تعلم بأن ثمة أمر غير سوي ، بيد أنها ظلت تكابر ، حتى أنها لم تخبر ألبرت عما فعله هارفي الصغير اليوم ، فلقد دخلت عليه بغتة وهو يلعب في حجرته فوجدته وقد ربط عضوه التناسلي بطرف خيط وشد الطرف الآخر إلى قائمة دولاب الملابس ثم راح يسحب جسده إلى الوراء بكل قوة منتشيا للألم الذي يلاقيه جراء ضغط الخيط على عضوه التناسلي .. تصور طفل في الثالثة !



    كانت تلك أشارة على ميول مازوخية مبكرة ، لكن أنى لربة بيت بسيطة مثل اوفيليا أن تعلم ما هي المازوخية . ولم تكن تلك الإشارة الوحيدة ، فبعد سنوات ، حين كان هارفي في الثانية عشر من عمره ، دخل يوما إلى الحمام وتأخر هناك فقلقت أمه عليه وطرقت الباب ، فأخبرها بأنه بخير ، لكن حين خرج أخيرا كانت عنقه متورمة وهناك ندب حمراء عليها ، فاستدعت أوفيليا زوجها ليعرف ما خطب الولد ، وألح عليه والده في معرفة سبب الندب ، فأعترف بعد تمنع وهو يغالب دموعه قائلا بأنه يقوم بتمرير حبل فوق ركيزة دش الحمام المعدنية ثم يلف طرف الحبل حول عنقه كالحلقة ويسحب الطرف الآخر بيده كأنه يشنق نفسه ، وبيده الأخرى يقوم بالاستمناء ( يمارس العادة السرية ) ، وكلما شد الحبل أكثر كلما شعر بلذة ونشوة أكبر

    كان هذا اعترافا صادما ، ألبرت المسكين وقف صامتا لبرهة ، فهو لم يسمع بحياته عن شيء كهذا . بالنهاية لم يجد ما يقول سوى تحذير أبنه من أن الإفراط بممارسة العادة السرية يؤدي لظهور "حب الشباب" على الوجه ! . أما أوفيليا فقد أصرت على عرض أبنها على طبيب ، وبالفعل أخذته غداة اليوم التالي إلى طبيب العائلة العجوز ، شرحت له الحالة ، فأخبرها ضاحكا بأنه لا يوجد ما يوجب القلق ، فهذه الأمور تحدث للمراهقين ثم تزول مع الوقت . وللأسف لم يكن الطبيب العجوز مصيبا برأيه ، وكان أحرى بأوفيليا أن تعرض أبنها على طبيب نفسي ، لكان له رأي آخر حتما ، فمن الواضح أن هارفي يعاني من حالة خطيرة تدعى الولع بالاختناق (Hypoxyphilia ) وهي نوع من أنواع الشذوذ الجنسي بحاجة لمتابعة وعلاج

    يتبع

  • #2

    أس البلاء .. المدرسة
    بالرغم من اضطراب شخصية هارفي إلا أنها لم تخلو من بعض الحسنات ، إذ كان طالبا ذكيا متميزا يحصد أعلى الدرجات في صفه ، أحبه مدرسوه لهدوئه ، وقد شارك لفترة بالعزف على آلة البوق ضمن جوقة المدرسة الموسيقية ، وكان يهوى التصوير الفوتوغرافي

    لكن المدرسة عموما لم تكن كريمة مع هارفي ، فبدل أن تساهم في معالجة مشاكله النفسية واضطراباته ساهمت للأسف في تعميقها . تعرض هارفي للتميز والسخرية وأدرك مبكرا بأنه مختلف عن الآخرين ، كان من عائلة يهودية ، ذو وجه شاحب وأنف مفلطح غير متناسق ، عينان صغيرتان تختبئان خلف نظارة سميكة ، وأذنان عملاقتان . وهاتان الأذنان بالذات كانتا وبالا عليه ، كان التلاميذ يشبهونها بأذان الفيلة ، وقد ترك ذلك جرحا لا يندمل في نفسه . وزاد الطين بله غزو "حب الشباب" لوجهه ، فصار الفتى خجولا مهزوز الثقة ، يتحاشى مخالطة الآخرين وتكوين الصداقات ، ويخشى الفتيات على وجه الخصوص ، لازمه شعور حاد بالنقص تجاههن ، كان يسمعهن يتهامسن ويضحكن على أذناه الكبيرتان . ومع أنه كان في داخله يعشقهن ، إلا أن خوفه وخجله الشديد منعه التقرب منهن ، وبدلا عن ذلك راح يفرط بممارسة العادة السرية وعثر والداه مرارا على صور خلاعية مخبأة أسفل سريره



    كان الخيال هو المهرب والمتنفس الوحيد لرغبات هارفي المتقدة ، وأمتزج ذلك الخيال بعقد سادومازوخية دفينة فنتج عن ذلك مزيج متفجر من الأفكار والنوايا المريضة . راح هارفي يتخيل زميلاته اللواتي اعتدن السخرية منه عاريات مقيدات بالحبال يتوسلن رحمته . كان ينتشي لفكرة الانتصار على "بعبع" المرأة .. ولو بالخيال
    بواكير الإجرام

    أوائل عام 1938 انتقلت عائلة جلاتمان إلى دينفير بولاية كولورادو ، هناك التحق هارفي بمدرسة جديدة وظن والداه لوهلة بأنه أصبح أكثر سعادة واندماجا مع مجتمعه الجديد . لكن في الحقيقة لم يتغير شيء بالنسبة لهارفي ، مرت السنوات وبقى وحيدا ، لا أصدقاء ولا رفيقات ، ظل كل شيء على حاله باستثناء خيالاته ورغباته المريضة التي طفقت تكبر وتكبر حتى لم يعد قادرا على كبح جماحها وإسكاتها
    أخذ يتسلل من المدرسة ممضيا وقته بالتجوال في شوارع المدينة . حين كان والداه يسألانه عن سبب تأخره كان يجيبهما بأنه يشارك في أنشطة مدرسية بعد الدوام ، وكان هذا الجواب يسعدهما ويسكتهما



    أخذ يتسلل من المدرسة ممضيا وقته بالتجوال في شوارع المدينة . حين كان والداه يسألانه عن سبب تأخره كان يجيبهما بأنه يشارك في أنشطة مدرسية بعد الدوام ، وكان هذا الجواب يسعدهما ويسكتهما
    هناك في دينفير أكتشف هارفي متعة جديدة ... التسلل إلى بيوت النساء الجميلات وسرقة بعض حاجياتهن ، لا من أجل السرقة بحد ذاتها ، فهو لم يكن محتاجا ، لكنه كان مدفوعا بالإثارة التي تغمره حين يفعل ذلك ، بالنهاية هو يعلم بأنه لا توجد فرصة لشخص مثله في أن يكون بصحبة أولئك النسوة الحسناوات ، لذا قال لنفسه : " إذا لم يكن بإمكاني الحصول عليهن فعلى الأقل أحصل على بعض أغراضهن واجعلهن يشعرن بالحسرة " .. كان ذلك يشعره بنشوة الانتصار
    بالتدريج أصبح هارفي أكثر جرأة ، لم يعد يكتفي بالسرقة ، خصوصا بعد أن أمتلك مسدسا عثر عليه صدفة في احد المنازل ، أصبح يهاجم النساء اللواتي يتسلل إلى منازلهن ، وكان الحبل .. رفيق طفولته .. معه دوما ، يستعمله في تقييد ضحيته ثم يبدأ في تحسس جسدها بأصابعه ، لم يكن يغتصب ، ربما لم يجد الجرأة بعد ، لكن مجرد اللمس كان يشعره بنشوة عارمة ، أخيرا تمكن من إخضاعهن ، بنات حواء ، كم ضحكن عليه وسخرن منه ، كم تسببن له بالخوف والخجل ، وها هن اليوم في قبضته .. تحت رحمته .. يفعل بهن ما يشاء . ولمزيد من الشعور بالقوة والانتصار كان يجبرهن على التمدد بجانبه والتظاهر بأنهن حبيباته
    لكن غزوات هارفي لم تنتهي جميعها بالنصر..


    في 18 أيار / مايو 1945 قبضت عليه الشرطة أثناء محاولته التسلل عبر نافذة أحد المنازل ، عثروا في جيبه على حبل ومسدس فأخذوه إلى القسم . ومع أول صفعة تلقاها من المحقق أعترف بكل سرقاته ، لكنه لم يذكر شيئا عن تحرشه بالنساء .
    كان لخبر إلقاء القبض على هارفي وقع الصاعقة على والديه ، لم يتخيلا يوما أن يكون هذا مصير ابنهم الوحيد .. لص! .. ألبرت غضب بشدة ، أراد تركه ليتعفن في السجن ، لكن قلب الأم حمل اوفيليا على دفع الكفالة وإخراج أبنها الذي أقسم بأنه لن يكرر فعلته وسيهتم بمستقبله ودراسته . لكنه قسم سرعان ما حنث به ، فبعد أقل من شهر ، أثناء انتظار محاكمته بقضية السرقة ، أقدم هارفي على خطف فتاة تدعى نورين لوريل ، كانت لديه سيارة هذه المرة ، سحب الفتاة عنوة من الشارع وأخذها إلى خارج المدينة ، هناك فعل معها ما اعتاد فعله مع الأخريات ، التقييد بالحبال ثم اللمس ، لكن من دون اغتصاب ، وبعد أن اكتفى منها أعادها إلى المدينة وأطلق سراحها فمضت الفتاة فورا إلى الشرطة ، أروها صورا لمشتبهين ومحكومين سابقين ، فتعرفت على صورة هارفي بسرعة وألقي القبض عليه . هذه المرة لم يقبل قاضي بكفالته ، بل أبقاه في الحجز إلى موعد تقديمه للمحاكمة حيث نال حكما مخففا بالسجن لسنة واحدة . كان في السابعة عشر من عمره آنذاك

    صياد فاشل

    بعد أن أمضى ثمانية أشهر بالسجن أطلق سراحه في منتصف عام 1946 . وفور خروجه عرضته أمه على طبيب نفسي ، الطبيب قال بأن مشكلة هارفي الرئيسية هي خوفه من الجنس الآخر ، وللتخلص من هذا الخوف نصحه بتعلم بعض المهارات التي تمكنه من التواصل مع بالنساء
    هارفي أختار تعلم الرقص ، على اعتبار أنه نشاط محبب لجميع النساء ، وبالفعل أخذ دروسا في الرقص لكنه وجد صعوبة في التعرف إلى أي فتاة في مدينته بسبب ماضيه كسارق ومتحرش . لذلك قررت أمه أن تأخذه إلى مدينة أخرى ليبدأ حياة جديدة ويطوي صفحة الماضي . ووقع اختيارها على مدينة يونكرز بالقرب من مسقط رأسه نيويورك ، اكترت له شقة صغيرة ومحلا ليمارس فيه مهنة تصليح التلفزيونات التي تعلمها في السجن . وبعد أن أمضت معه عدة أسابيع أطمئنت خلالها على حاله عادت إلى منزلها في دينفير
    حالما غادرت أمه عاد هارفي لممارسة هوايته السابقة ، أشترى مسدسا مزيفا من محل خردوات ، وحمل معه سكينا وحبلا ثم انطلق كالوحش المسعور يدور في شوارع يونكرز بحثا عن طريدة . كان صيده الأول عبارة عن حبيبين هما توماس سترو ودوريس ثورن ، وجدهما يتمشيان في شارع مظلم ، هاجمهما واجبرهما على المضي معه تحت تهديد المسدس المزيف ، ادخلهما قطعة أرض مهجورة تغطيها الأشجار . هناك قام بتقييد سترو ثم سحب دوريس وراء شجرة وفك أزار ثوبها وراح يتحسس جسدها ، لكن أثناء انشغاله باللمس لم ينتبه إلى تمكن سترو من فك وثاقه ، ولم يشعر إلا بالشاب الغاضب يهاجمه من الخلف ويمسك بخناقه ، تصارعا لبرهة قبل أن يسحب هارفي سكينه ويجرح الشاب في يده فتراجع مذعورا فيما أطلق هارفي ساقيه للريح ولاذ بالفرار



    بعد ثلاثة أيام أقتنص هارفي صيدا جديدا ، هذه المرة ممرضة تدعى فلورنس هايدن ، هاجمها أثناء عودتها من مناوبة ليلية ، هددها بالسلاح فاستسلمت له ظاهريا ، وبينما كان يهم بتقييدها استدارت فجأة ودفعته بكل قوتها فطرحته أرضا ثم أخذت تصرخ صراخا يوقظ الموتى في القبور . من شدة رعبه أطلق هارفي قدميه للريح ولاذ بالفرار
    الفشل مرتين لم يفت بعضد هارفي ، إذ خرج للصيد مجددا بعد عدة أيام وهاجم فتاتين تسيران في شارع خالي عند المساء ، هددهما بمسدسه المزيف ، لكنهما وعلى غير توقع منه أخذتا تصرخان فأصابه الذعر وفر هاربا من جديد
    اعتداءات هارفي الفاشلة لم تمر مرور الكرام ، فالضحايا توجهوا إلى الشرطة ، قدموا أوصافا للمهاجم الغامض ، أهمها أذناه الكبيرتان ، فتمكن رجال الشرطة من التعرف على هارفي من خلال سجل المدانين السابقين ، لكنهم لم يقبضوا عليه فورا ، بل وضعوه تحت المراقبة حتى أمسكوا به متلبسا وهو يتجول ليلا مع مسدسه المزيف وسكينه وحبله
    سرعان ما وصلت الأخبار السيئة إلى اوفيليا ، لم تصدق أن كل جهودها لإصلاح ابنها ضاعت سدى . لكن هرعت لنجدته رغم خيبة أملها وحاولت إخراجه بكفالة ، غير أن القاضي رفض ذلك ، وتم الحكم عليه بالسجن بين خمسة إلى عشرة أعوام



    هارفي لم يمضي في السجن سوى أقل من ثلاث سنوات ، حصل على عفو بسبب سلوكه الجيد وانضباطه ، كان سجينا مثاليا . قبل إطلاق سراحه جرى عرضه على طبيب نفسي . الطبيب شخص حالته على أنها سايكوباثية مع انفصام بالشخصية وسادومازخية ، وأوصى بأن لا يطلق سراحه وأن يخضع لمزيد من المراقبة والعلاج . لكن على ما يبدو فأن أحدا لم يقرأ تقرير الطبيب النفسي
    القاضي أشترط أن يعيش هارفي تحت وصاية أمه وأن يجد مهنة ويخضع لرقابة الشرطة للمدة المتبقية من محكوميته

    يتبع

    تعليق


    • #3
      سنوات الصمت

      خلال بقاءه تحت المراقبة كان هارفي حريصا على أن لا يخرق القانون ، لم تعجبه تجربة السجن ولم يرد العودة إليها . عمل في مهن عدة ولم ينجح في أي منها ، مات والده عام 1951 ، وبإلحاح من أمه أخذ يتردد على عيادة طبيب نفسي ، واظب على ذلك لمدة سنتين حتى تقاعد ذلك الطبيب
      في عام 1956 حصل أخيرا على عفو كامل ، لم يعد تحت المراقبة ولن يحتاج مجددا لإبلاغ الشرطة عن مكان تواجده
      هناك غموض حول السنوات بين عامي 1951 – 1957 من حياة هارفي جلاتمان ، هل تمكن فعلا من السيطرة على رغباته وقمع خيالاته فلم يقترف أي جريمة . في عام 1954 عثرت الشرطة على جثة مجهولة لفتاة بالقرب من المنطقة التي كان يعيش فيها هارفي آنذاك ، هل كان هو قاتلها .. يبقى ذلك لغزا من دون حل
      بسبب ماضيه الأسود في دينفير ونيويورك قرر هارفي أن يرحل نحو الغرب ، إلى مكان لا يعرفه فيه أحد ، وانتهت رحلته إلى لوس انجلوس ، المدينة التي تتوافد إليها مئات النساء الحسناوات من أرجاء الولايات المتحدة طلبا للمجد والشهرة والثراء من خلال العمل كممثلات في هوليوود ، لكن عدد من ينجح منهن في هذا المسعى لا يتجاوز أصابع اليد أما البقية فسينتهي بهن المطاف كراقصات تعري أو عاهرات أو نادلات ... وفي أحسن الأحوال سيجدن زوجا ويقنعن بحياة الأسرة بعيدا عن الأوهام الكاذبة
      حال وصوله إلى لوس انجلوس قام هارفي ، بواسطة المال الذي أرسلته أمه ، بتأجير شقة صغيرة ، ودكان ليمارس فيه مهنته كمصلح لأجهزة التلفاز ، وبما تبقى من المال أشترى سيارة دودج مستعملة ، وكاميرا حديثة مجهزة بعدسات مكبرة وفلاش ، ومسدس
      ولم يطل الوقت حتى بدأت رغباته المكبوتة تلح عليه مجددا ، فهو الآن في مدينة لا يعرف فيها أحد شيئا عن ماضيه ، وغير خاضع لرقابة أمه ولا الشرطة ، وليس عليه أن يستمع لترهات طبيبه النفسي .. لماذا أذن لا يعيد أمجاد الماضي . هارفي تعلم جيدا من دروسه السابقة ، فمسألة اختطاف النساء من الشارع تحت تهديد السلاح أثبتت فشلها الذريع وتسببت بسجنه . لذا راح يفكر في طرق آمنة نسبيا ، وقد واتته الفكرة بينما كان يطالع إحدى مجلات الجرائم التي كانت مشهورة في ذلك الزمان وكانت صفحاتها تغص بقصص القتل والخطف والاغتصاب مرفقة بصور لفتيات جميلات وهن في وضعيات مثيرة . تلك الصور أهدت لهارفي فكرة جهنمية ، فهو يعلم بأن الفتيات المثيرات اللواتي يظهرن في تلك المجلات هن عارضات (موديل) يعملن مقابل أجر ، وهن مستعدات لخلع ثيابهن مقابل 20 دولارا في الساعة . ويعلم أيضا أن جميع تلك الفتيات متعاقدات مع استوديوهات تصوير ، أي أن صاحب الأستوديو يكون بمثابة الوكيل الفني للفتاة ، تضع عنوانها ورقم هاتفها عنده ثم يلتقط لها بعض الصور ليعرضها على زبائنه الراغبين بموديلات لأعمالهم الفوتوغرافية والفنية . ويتم إرسال الفتاة للزبون أو يأتي الزبون إلى شقتها مقابل عمولة لصاحب الأستوديو . كان المفروض أن العمل يقتصر على التقاط صور ، لكن أحيانا كان يتحول إلى ما هو أكثر من ذلك ، لذا كان البعض يصف هذا العمل على أنه دعارة مقنعة . وفي تلك الحقبة ، أي عقد الخمسينات ، كانت لوس انجلوس تغص بالفتيات الراغبات في العمل كموديل ، حلمن بالشهرة والثراء الذي حققته مارلين مونرو حين بدأت حياتها الفنية كموديل في منتصف الأربعينات
      هارفي أخذ يدور على الاستوديوهات يتعرف على أسلوب علمها ويراقب فتياتها . ضحيته الأولى كانت حسناء تدعى جوديث آن دول – 19 عاما – . مطلقة حديثا وتخوض معركة قضائية مع زوجها السابق للحصول على حضانة طفلها ، كانت بحاجة لكل سنت من المال لكي تدفعه للمحامي ، ومستعدة لفعل أي شيء من اجله . أتصل بها هارفي عن طريق الأستوديو وأخبرها بأنه مصور محترف لدى إحدى مجلات الجرائم ويريد صورا من اجل الصفحة الرئيسية للعدد القادم . كانت تلك فرصة تتمناها أي موديل مغمورة ، فتلك المجلات كانت تلقى رواجا كبيرا بين الشباب آنذاك لما تحتويه من إثارة وعري . لذا وافقت جودث في الحال وتم الاتفاق على أن يأتي هارفي لشقتها عند الساعة الثانية بعد الظهر ليلتقط لها صورا مقابل 20 دولار في الساعة . في الموعد المحدد ، يوم 1 أغسطس 1957 ، وقف هارفي جلاتمان عند باب شقة جودث ، كان يحمل كاميرا بيديه ، وتحت السترة كان يحمل مسدسا وحبلا وسكين . جوديث فتحت الباب ، لم يعجبها ما رأت أمامها ، ذلك أن هارفي بدا كمشرد أكثر مما هو مصور محترف ، لكن ما همها .. المهم هو المال وبما أنه سيدفع فلا مانع من استقبال أذناه الكبيرتان في منزلها



      في الداخل ألتقط هارفي صورة أو صورتين لجودث ثم توقف ، قال بأن إضاءة الشقة غير مناسبة للتصوير ، وطلب من جوديث أن ترافقه لشقته حيث يمتلك أستوديو مجهز بإضاءة مناسبة . فوافقت الفتاة ومضت معه إلى شقته . هناك طلب هارفي أن يقوم بتقييدها لأن الصور يجب أن تكون عن فتاة مختطفة ومقيدة بالحبال ، فوافقت أيضا ، وقام هارفي بتقييدها من دون أي مقاومة منها ..
      الآن أصبح كل شيء جاهز .. يا لها من خطة عبقرية ! .. الفتاة أصبحت تحت رحمته من دون أي جهد أو عنف ، حان الوقت لمفاجئتها ... أخرج هارفي مسدسه ووضعه تحت ذقنها .. طلب منها أن تفعل كل ما يطلبه منها وأقسم بأنه سيدعها تمضي بسلام لو أطاعته من دون مقاومة ، فوافقت الفتاة وهي تأمل بالنجاة . أذعنت له تماما فراح يلتقط لها صورا كما يشاء ، في مختلف الوضعيات ، ثم سحبها إلى حجرة نومه ولم يكتفِ باللمس كما في السابق ، بل قام باغتصابها ، وطلب منها أن تتمدد إلى جانبه على الأريكة أثناء مشاهدته لمسلسله التلفزيوني المفضل وأن تتظاهر بأنها حبيبته .

      قرابة الساحة الحادية عشر مساءا أخبرها هارفي بأنه سيطلق سراحها ، لكنه سيأخذها إلى خارج المدينة ويتركها هناك لتجد طريق العودة بنفسها ، فوافقت الفتاة ، قالت لنفسها ربما هو يريد الحصول على وقت كافي للابتعاد والهرب . صعدت إلى سيارته الدودج ومضى بها في طرقات لوس انجلوس الصاخبة حتى خبت الأصوات والأضواء واختفت المباني والعمارات الشاهقة ورائهما ، لم يعد هناك سوى صحراء ممتدة على جانبي الطريق .. كانت الغاية بقعة معزولة ومحاطة بالأشجار على بعد مائة ميل عثر عليها هارفي مسبقا أثناء تخطيطه لجريمته .

      حين وصلا أخيرا أنزل جوديث من السيارة وألتقط لها مزيدا من الصور وأغتصبها مجددا ، ثم طلب منها أن تستدير ليفك وثاقها ويطلق سراحها ، ففعلت الفتاة بكل سرور . لكن بدلا من أن يفك وثاقها قام هارفي بلف الحبل حول عنقها بحركة سريعة ومباغتة ثم وضع ركبته فوق ظهرها وراح يسحب بكل قوته حتى لفظت الفتاة أنفاسها اختناقا . ولم يكتف هارفي بذلك ، أراد مزيدا من الصور ، كان بحاجة لتذكار يستعمله لاحقا في خلواته أثناء ممارسة العادة السرية . فراح يحرك الجثة في وضعيات مختلفة ويلتقط لها الصور . ولم يكلف نفسه عناء دفن الجثة ، تركها في حفرة ، كان يعلم بأن الذئاب وبنات آوى ستقوم بعملها على أحسن وجه .كانت تلك جريمته الأولى .. سهلة ومريحة .. مما فتح شهيته لجرائم أخرى .

      يتبع

      تعليق


      • #4



        القلوب الوحيدة


        الضحية التالية شيرلي آن بريجفورد – 24 عاما - ، لم تكن موديلا ولا فتاة جامحة ، كانت ربة بيت بسيطة ، مطلقة حديثا مع اثنين من الأبناء ، تعرف عليها هارفي من خلال أحد نوادي العزاب ، وكان قد أشترك في ذلك النادي تحت أسم وهمي هو جورج ويليامز . ونادي العزاب ، يعرف أيضا بنادي القلوب الوحيدة ، هو مكان يجتمع فيه الرجال والنساء للعثور عن شريك حياة . شيرلي لم تكن جميلة ، كانت مطلقة وعاطلة عن العمل مع طفلين ، لذا لم يكن سطح توقعاتها عاليا ، رضت بالمقسوم ، حتى لو كان هذا المقسوم رجلا بدمامة جورج وليامز (هارفي) الذي تقرب منها وطلب أن يخرج معها في موعد ، لم يكن مظهره مغريا بنظارته السميكة وأذناه الكبيرتان ، لكنه أفضل من لا شيء ، فهي تريد رجلا تحتمي بظله ، لذا لم يكن الشكل في مقدمة أولوياتها
        في مساء يوم 9 مارس 1958 توقفت سيارة دودج أمام منزل شيرلي ، أتى هارفي ليقلها إلى صالة الرقص حيث تواعدا على قضاء السهرة هناك . قبل أن ينطلقا دعته شيرلي لدخول منزلها وقدمته لوالديها وطفليها وصديقاتها ، وبالرغم من خجله الفطري ونفوره من الناس إلا أنه أجاد تمثيل دور الرجل الودود اللبق ونال أعجاب الجميع
        في الطريق إلى المرقص زعم هارفي بأن صداعا حادا ألم به وطلب من شيرلي أن لا يذهبا للرقص ، أقترح بدلا عن ذلك أن يذهبا إلى مكان مفتوح بالريف حيث الهواء العليل خارج المدينة ليتناولا عشائهما ويتجاذبا أطراف الحديث تحت ضوء القمر . وافقت شيرلي ، فاستدار بالسيارة في الحال نحو الطريق المؤدي إلى خارج المدينة
        مضت السيارة بعيدا وأحست شيرلي ببعض الضيق وهي تراقب الأنوار خلفها تبهت وتتوارى في سواد الليل الحالك . بعد ساعة تقريبا أنعطف هارفي بالسيارة إلى داخل طريق ترابي مقفر ، عندها شعرت شيرلي ببعض الخوف ، قالت بصوت مرتجف : "ماذا نفعل هنا ؟ .. رجاءا فلنعد إلى المدينة " .. لكن هارفي أستمر بالقيادة من دون أن يلتفت إليها
        أخيرا وصلا إلى أرض خلاء مع بضعة شجيرات هنا وهناك ، لم يعد بإمكان شيرلي رؤية الطريق العام وأنوار السيارات ، لقد مضوا بعيدا وما من سبيل للعودة . توقفت السيارة أخيرا واستدار هارفي نحو شيرلي وهو يوجه مسدسا نحو رأسها ويردد عبارة واحدة : "أخلعي ثيابك"

        شيرلي بكت وتوسلت ، طلبت منه أن يعودا للمدينة ، أقسمت بأنها ستنسى كل شيء ولن تخبر أحدا ، لكن فات الأوان بالنسبة لهارفي ، سحبها من السيارة ورماها أرضا ثم شرع باغتصابها ، وحين انتهى أوثقها بالحبال وراح يلتقط لها صورا بمختلف الوضعيات ، بملابس وبدون ملابس ، لم يكن على عجلة من أمره ، أنتظر طلوع الفجر ، أراد أن يلتقط صورا في ضوء النهار ، وحين تم له ذلك أوهم شيرلي بأنه سيفك وثاقها ويطلق سراحها ، وكما في المرة السابقة ، لف الحبل حول عنقها بحركة مباغتة ثم راح يسحب ويسحب حتى توقفت الفتاة عن التنفس . ولم ينس طبعا أن يأخذ تذكارا فالتقط صورا لجثتها ثم ركب سيارته وغادر
        24 عاما - . حلمها أن تصبح ممثلة ، ومستعدة لفعل أي شيء في سبيل تحقيق ذلك الحلم . أخبروها بأن الخطوة الأولى نحو النجومية هي العمل كموديل ، فتعاقدت مع أحد الاستوديوهات وكان زبونها الأول رجل يدعى مارك ويلسون ، أتصل بها عارضا التقاط صور لها لتنشر على غلاف إحدى مجلات الجرائم ، فوافقت في الحال مقابل 20 دولار بالساعة ، وتواعدا أن يأتي لشقتها في مساء اليوم التالي .
        ولا داعي لأن أخبركم من هو مارك ويلسون .. عند تمام الساعة الثامنة من مساء يوم 24 يوليو 1958 سمعت إنجيلا طرقا على بابها ، فتحت الباب لتجد رجلا نحيلا ذو سحنة كئيبة يرتدي نظارة سميكة ، قال بأنه مارك ويلسون ، فرحبت به رغم أنها لم ترتح لمظهره ، لكنه كان زبونها الأول ، وهي بأمس الحاجة للمال لدفع إيجار الشقة . لاحظت بأنه لم يكن يحمل كاميرا ، فبادرته متسائلة : "أين الكاميرا؟" عند تمام الساعة الثامنة من مساء يوم 24 يوليو 1958 سمعت إنجيلا طرقا على بابها ، فتحت الباب لتجد رجلا نحيلا ذو سحنة كئيبة يرتدي نظارة سميكة ، قال بأنه مارك ويلسون ، فرحبت به رغم أنها لم ترتح لمظهره ، لكنه كان زبونها الأول ، وهي بأمس الحاجة للمال لدفع إيجار الشقة . لاحظت بأنه لم يكن يحمل كاميرا ، فبادرته متسائلة : "أين الكاميرا؟" . ولشدة دهشتها أخرج الرجل مسدسا من تحت سترته ووضعه تحت ذقنها ثم قال عبارته المعهودة : "أخلعي ملابسك" .

        عند تمام الساعة الثامنة من مساء يوم 24 يوليو 1958 سمعت إنجيلا طرقا على بابها ، فتحت الباب لتجد رجلا نحيلا ذو سحنة كئيبة يرتدي نظارة سميكة ، قال بأنه مارك ويلسون ، فرحبت به رغم أنها لم ترتح لمظهره ، لكنه كان زبونها الأول ، وهي بأمس الحاجة للمال لدفع إيجار الشقة . لاحظت بأنه لم يكن يحمل كاميرا ، فبادرته متسائلة : "أين الكاميرا؟" . ولشدة دهشتها أخرج الرجل مسدسا من تحت سترته ووضعه تحت ذقنها ثم قال عبارته المعهودة : "أخلعي ملابسك"
        ومن جديد تكررت نفس المشاهد ..
        اغتصاب .. تصوير .. مشاهدة المسلسل التلفزيوني معا .. الذهاب إلى خارج المدينة .. الابتعاد عن الطريق العام نحو بقعة معزولة .. تصوير .. قتل .. تصوير .. رحيل
        هارفي توقف لفترة عن مطاردة النساء حتى عاوده الحنين للاغتصاب والقتل فطفق يبحث عن ضحية جديدة ، كان قد وضع نصب عينيه حسناء تدعى ديانا ، لم تكن موديلا فقط ، بل تمتلك أيضا واحدا من أرقى استوديوهات التصوير في لوس انجلوس . لكنها على ما يبدو لم ترتح لمنظره وهندامه الرث لذا رفضت التصوير معه بحجة أن جدول أعمالها مليء بالمواعيد المسبقة ، وعوضا عن ذلك حولته على إحدى الفتيات التي كانت قد تعاقدت معها قبل أسبوع واحد فقط ، كانت تدعى لوريان فيجل ، وكانت متحمسة لجلسة تصويرها الأولى لذا لم تهتم كثيرا لتحذير صاحبة الأستوديو من أن هذا الزبون لا يبدو كمصور محترف وينبغي الحذر منه

        تم الاتفاق على أن يأتي الزبون لاصطحاب لوريان إلى أستوديو التصوير الخاص به وأن يعيدها إلى منزلها بعد انتهاء العمل . وعند تمام الساعة الثامنة من مساء يوم 27 اكتوبر 1958 صعدت لوريان إلى سيارة الدودج التي أتت لتقلها من أمام منزلها ، ألقت نظرة سريعة على السائق ، كان منظره مريبا كما وصفته صاحبة الأستوديو ، وكان قليل الكلام ، لم يتبادل معها سوى بضعة كلمات قبل أن ينطلق بالسيارة ، ولم يمض وقت طويل حتى وجدت لوريان نفسها في ضواحي المدينة فتساءلت : " إلى أين تأخذني؟" ، فأجابها بكلمات مقتضبة بأنه يملك أستوديو في ضواحي المدينة



        يتبع

        تعليق


        • #5




          لكن السيارة لم تتوقف بالضواحي ، بل استمرت بالسير حتى أصبحا خارج المدينة ، وحين احتجت لوريان على ذلك صرخ بها هارفي قائلا : "أصمتي أيتها عاهرة" ، لكن لوريان لم تصمت وأصرت على العودة إلى المدينة ، فأضطر إلى التوقف على جانب الطريق ثم أخرج مسدسه وصوبه نحوها . ولندع إنجيلا تروي لنا ماذا جرى بعد ذلك ، تقول

          "صوب المسدس نحوي ثم أخرج حبلا وارتمى علي محاولا تطويق جسدي بواسطة اليد التي لا تحمل المسدس ، قال لي : أفعلي كما أخبرك ولن تتعرضي للأذى .. لكني بطريقة ما تمكنت من فتح باب السيارة بجانبي فسقطنا معا إلى الشارع ، تدحرجنا فوق بعض مرة تلو أخرى على حافة الشارع .
          ملايين السيارات مرت بنا .. لكن ولا واحدة توقفت . ثم أنطلق المسدس فجأة ، الرصاصة اخترقت تنورتي فشعرت بحرقة رهيبة في فخذي ، لن أنسى أبدا الصوت المدوي للرصاصة وهي تمزق سكون الليل

          رغم إصابتي لم استسلم ، قمت بعض معصمه فصرخ من الألم ، وفجأة وجدت المسدس وقد أصبح بيدي ، فوجهت فوهته نحوه ، لو كنت أعلم كيف أستخدمه فعلى الأرجح كنت سأرديه قتيلا . لم يفعل شيء بعدها ، جلس هناك وهو يحدق إلي حتى مرت سيارة شرطة " . الغريب أن لوريان وبدل من أن تكافأ على شجاعتها تعرضت للفصل من عملها بعد الحادثة ، صاحبة الأستوديو قالت بأن التفاصيل العنيفة التي روتها إنجيلا للصحافة لا تتلاءم مع رقة ولطف فتيات الموديل ! . وهكذا فأن هارفي كان أول وآخر زبون في حياة لوريان كموديل

          ألقي القبض على هارفي متلبسا بالجرم المشهود ، وتولى التحقيق معه أربعة من كبار ضباط الشرطة ، سجله الجنائي كان يحكي عن جرائم تحرش واغتصاب وفترتي سجن . وكان أفراد عائلة شيرلي آن بريجفورد قد تعرفوا على صوره التي نشرتها الصحف المحلية ، قالوا بأنه هو الرجل خرجت معه في ليلة اختفائها . كانت لدى المحققون شكوك قوية في أن هارفي يقف وراء بعض حوادث الاختفاء الغامضة التي وقعت في المدينة مؤخرا ، لذا لم يعطوه أية فرصة للراحة ، أمطروه بوابل من الأسئلة حتى أنهار ، أخبرهم بأن كل ما يريدون معرفته موجود في صندوق الأدوات الخشبي في شقته . فذهب المحققون إلى الشقة وعثروا على صندوق الأدوات الذي كان يغص بمئات الصور الفوتوغرافيات التي ألتقطها هارفي لضحاياه .

          سقط هارفي أخيرا .. لكن المحققون أرادوا قضية متكاملة الأركان ، كانوا يعلمون بأنه من دون جثث فأنه يمكن لمحامي شاطر أن يحصل على حكم مخفف لهارفي . لذا ألحوا على معرفة مكان الجثث ، فأصطحبهم هارفي إلى الأمكنة التي ترك فيها جثث ضحاياه . لم يكن قد تبقى منهن الكثير ، فعلى مدى أشهر نهشتهن الحيوانات البرية ، لكن العظام والملابس وخصل الشعر القلية التي وجدها المحققون كانت كافية لإثبات أنها تعود لنفس الفتيات اللائي ظهرن في صور صندوق الأدوات الخشبي .
          لم يتبقى شيء سوى محاكمة الذئب البشري ..

          الصحافة أطلقت عليه لقب : "قاتل القلوب الوحيدة" بسبب الطريقة التي أصطاد بها شيرلي آن بريجفورد . الجميع نقموا عليه وأرادوا له الموت إلا شخص واحد ، أمه أوفيليا ، زارته في زنزانته ، وحين خرجت كان مرسلو الصحف بانتظارها ، هتفوا : " ها هي أم القاتل" .. فأجهشت العجوز ذات السبعين عاما بالبكاء وصرخت فيهم قائلة : "انه ليس رجل شرير .. أنه مريض " .

          المحامون حالوا إنقاذ هارفي بحجة أنه مريض عقليا ، وللإنصاف فأن الرجل كان مريضا بالفعل ، لكنه لم ينل تعاطف أحد . الأطباء النفسيون الذين فحصوه أخبروا المحكمة بأنه يعاني من مشاكل واضطرابات نفسية عميقة لكنه كان واعيا تماما بما اقترفت يداه . بصراحة لم يرد أحد رؤيته ينجو بغض النظر عن حالته العقلية . والأهم من ذلك هو أن هارفي نفسه لم يكن يريد النجاة ، خاطب المحكمة قائلا : " أفضل أن يتم إعدامي على أن أقضي حياتي وراء القضبان" . وحين صدر عليه الحكم بالإعدام في حجرة الغاز ، أصر على أن لا يستأنف محاميه الحكم .
          لكن حتى قرار إعدامه لم يرق لبعض الناس ، أرادوا رؤيته مشنوقا بالحبل ، بنفس الطريق التي قتل فيها ضحاياه .

          في صباح يوم 18 سبتمبر 1959 أخبر أحد الحرس هارفي بأن هناك التماسات قدمت لوقف تنفيذ الحكم ، فرد قائلا : " لا أريد أي جهود لإنقاذي .. أريد أن أموت " . بعدها بخمسة وأربعين دقيقة اصطحبوه إلى حجرة الغاز ، لم يكن هناك الكثير ليقال ، وضعوه في الحجرة المعدنية الخضراء وأغلقوا الباب .. فتحوا الغاز .. مرت ثمان دقائق .. مات هارفي جلاتمان ..
          رحل عن الدنيا لكن بقي أرثه . لم يكن القاتل أو المغتصب الوحيد الذي عرفته البشرية ، لكن أسلوبه الفريد وتلك الصور البشعة التي تركها وراءه هي من سلطت الضوء عليه . قال الناس عنه بأنه مجنون ..

          لكن المفارقة هي أنه خضع لاختبار الذكاء في السجن فتبين أن درجة ذكاءه تبلغ 130 درجة ، أي أنه عبقري بحساب مستويات الذكاء البشري (المعدل الطبيعي 90 )
          أحد الأفلام التلفزيونية التي أنتجت عام 1966 – المصيدة
          Dragnet
          – كان مقتبسا عن اعترافات هارفي للشرطة ، أحد الحوارات كان جالبا على وجه الخصوص ، حيث سأل المحقق هارفي عن سبب قتله للفتيات ، فيجيب قائلا :
          هارفي : الدافع وراء قتلي لهؤلاء الفتيات هو أنهن طلبن مني ذلك .
          المحقق : هن طلبن منك ذلك ؟!! ..
          هارفي : بالتأكيد ، لقد قلن بأنهن يفضلن الموت على البقاء معي .
          ختاما ..
          هل أقترف هارفي جلاتمان جرائمه لأنه كان "فاسد من البيضة" ، أم لأنه مجنون ، أم بسبب تعرضه للتمييز والسخرية ؟ .. لا أعلم .. لكني اعلم علم اليقين كم هي مزعجة تلك الأفكار التي تلمع في رأسك فجأة وتدعوك لفعل أمر شنيع بالنسبة لقناعاتك أو تجعلك تشكك فيها . كم وددت شخصيا أن أحطم رأسي على جدار بسبب فكرة ، كم شعرت بالذنب بسببها ، كم قاومتها وقمعتها .. لكن بعض الأفكار كحفر الطين ، كلما هممت بالخروج منها كلما سحبتك داخلها أكثر .. كل شيء يبدأ بفكرة .. الإيمان .. الإلحاد .. الخطيئة .. الشذوذ .. النزوات .. وحتى تقييد النساء بالحبال .. الجيد في الأمر هو أن معظم الناس يتجاوزن أفكارهم السوداء لأن لديهم ما يشغلهم عنها من أمور الحياة ، لكن أولئك الانعزاليون أمثال هارفي ، الذين ليس لديهم سوى أفكارهم وخيالهم الخصب ، أولئك هو الأكثر عرضة للافتراس على يد عقولهم ..

          وذلك هو أكثر ما يرعبني في قصة هارفي .




          تعليق

          يعمل...
          X