إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السحر بالمغرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السحر بالمغرب


    بحث




    تاريخ السحر بالمغرب


    دخان البخور يتصاعد وسط همهمات غير مفهومة,,,
    أحجبة وتمائم يضعها البسطاء في صدورهم,,,
    فناجين القهوة ترسم أحداث المستقبل,,,
    خطوط الكفوف تنبئ بغد صاحبها,,
    أموال طائلة يطلبها «العفاريت» في العلن وتدخل حسابات السحرة في الخفاء!

    هذه هي مفردات عالم غريب مليء بالألغاز والمفاجآت والأوهام، عرفته البشرية منذ فجر التاريخ ومازالت ممارساته رائجة حتى اليوم,,,
    انه عالم الجن والسحر المغلق على رواده وزبائنه ونجومه الذين يحددون قانونه وأدواته وطقوسه وأسعاره في أقصى شمال أفريقيا فى المغرب , حكايات وأسرار في عالم السحر، حتى أن البعض يخاف الحديث مع أحد لاعتقاده أن السحر يسيره وأن الكتابة والقراءات وما شابه معه أينما حل , وسوف نستعرض سويا خبايا هذا العالم المجهول .


    المرابطون والموحدون شجعوا السحرة وكانت لهم أسواقا عامرة يؤمها الناس
    ما الذي يجمع بين دخان البخور وامواج البحر ونور القمر وبيض الحرباء وعش الغراب وروث الدواب ومخ الضبع؟
    ليس الامر لغزا فكل مطلع على أحوال المجتمع المغربي ، الذي يجمع كل هذه العناصر المتفرقة الى بعضها هو علاقة غامضة ومخيفة تدعى السحر, وتشمل الممارسات والطقوس الغريبة التي تمكن الفرد من جلب المنافع او المضار لنفسه او للاخر بحسب الطلب، وتحقيق كل غريب وعجيب من رغبات الناس التي تختلف ولا تنتهي !

    إن السحر من اقدم المعتقدات والظواهر التي عرفتها البشرية , وليس معروفا عن شعب من شعوب الارض انه كان يجهله، في الماضي أو الحاضر, وذلك ما دفع علماء الاجتماع والانثربولوجيا الى الخروج باستنتاج مفاده ان السحر هو نتاج حاجات طبيعية مشتركة، كامنة في اعماق النفس البشرية المعقدة.

    ومثل غيرهم من امم وشعوب الارض، عرف المغاربة منذ العصور الغابرة معتقدات تعبدية وسحرية ما زالت بقاياها صامدة ومتداولة بينهم حتى الان, فقد عبد البربر وهم المغاربة الاقدمون عيون الماء والاشجار والكبش ملك القطيع والكواكب وجن المغارات والعيون والهواء, واعتقدوا في السحر، اي في امكانية خلق شيء أو حيوان او بشر اما برسمه او بكل بساطة من خلال النطق باسمه, واعتقدوا انهم بذلك يستطيعون التحكم فيه والامساك به وتدميره او معاقبته, ومارسوا ايضا عبادة الموتى، وكانوا يوجهون قبورهم جهة مشرق الشمس ويدفنون مع موتاهم المجوهرات والجرار والقصاع الطينية لاعتقادهم في خلود الروح.

    سوف يكتشف الزملاء خلال مايلى ان الكثير من المعتقدات والممارسات السحرية التي لا تزال رائجة حتى اللحظة الراهنة في المغرب، هي استمرار لتلك المعتقدات القديمة التي سادت منذ ما قبل التاريخ, واضيفت اليها خلال المراحل التاريخية اللاحقة بعض المعتقدات والطقوس الرومانية، خلال فترة الوجود الروماني بالمغرب، قبل الفتح الاسلامي, كما اضيفت اليها في العصور الوسطى تأثيرات افريقية حملها معهم الى المغرب التجار الذين كانوا يجلبون العبيد من غرب افريقيا، بالاضافة الى التأثيرات القادمة من الشرق الاسلامي.

    ويشهد التاريخ ان ملوك اكثر السلالات الحاكمة تشبثا بأحكام الشريعة الاسلامية، وهم المرابطون والموحدون، كانوا يشجعون او يغضون الطرف عن انتشار السحر والسحرة, وكانت في عصورهم للسحر اسواق عامرة يؤمها عامة الناس على مرأى ومسمع من السلطات، بل ان الملوك المرابطين حسب روايات تاريخية كانوا يستشيرون المنجمين

    وحسبنا هذه الاشارة التاريخية العابرة لنصل الى مغرب الحاضر، الذي لا يزال للمعتقدات السحرية القديمة فيه حضور قوي، من ابرز تجلياته ما نراه من رسم لاصابع اليد الخمسة على مؤخرة شاحنة,, او كتابة عبارة «عين الحسود فيها عود»، او تعليق حدوة الحصان على بعض ابواب الدور، بالاضافة الى الاقبال الذي لا يزال كبيرا على زيارة اضرحة الاولياء ودكاكين السحرة واسواقهم، الخ في كافة مدن المغرب .

    ويدفعنا ذلك الى اعادة طرح السؤال القديم الذي طرحه بعض الانثربولوجيين منذ بدايات القرن الماضي: من اين اكتسب المغاربة تفوقهم على غيرهم من الشعوب المغاربية والعربية في مجالات السحر؟

    المؤكد ان انفتاح البلاد عبر التاريخ على رياح التأثيرات التي حملها معهم، بشكل متلاحق، تجار وغزاة او فاتحون فينقيون ورومانيون وقرطاجيون وافارقة ويهود ثم مسلمون، كان له دور ما في هذا «التفوق»، لكن من جانب آخر، يسجل تاريخ السحر في المغرب ان نخبة من الفقهاء، السحرة المغاربة وضعوا قبل قرون مصنفات تعتبر رائدة واعمالا مؤسسة في هذا المجال, ونخص منهم بالذكر ابا العباس البوني وابن الحاج المغربي، اللذين ألفا الكثير من الكتب في العلوم الخفية، لا يزال رواجها الكبير على طول الوطن العربي وعرضه حتى اليوم، دليلا قائما يشهد على تفوقها في الميدان.

    وقد شكلت تلك المصنفات تحولا غير مسبوق زاد من نشر «المعارف الخفية» على نطاق واسع، حيث لم تبق أسرارا ثمينة تحتكرها صفوة الفقهاء السحرة، ونزلت الى الارصفة لتباع بأبخس الاثمان, وصارت ربات البيوت يتسابقن الى تجريب الوصفات الغربية التي تعج بها تلك الاوراق الصفراء، من اجل علاج طفل مريض او كبح تسلط زوج!

    ويجب ملاحظة ان هذه الموضوعات ليست مرجعا لمن يرغب في تعلم السحر, والوصفات التي سيجدها في بعض الاجزاء تعمدت التصرف فيها بشكل يحبط كل محاولة لتطبيقها, وأوردها هنا لتقريب نمط التفكير السحري اليكم وعندما شرعت في تجميع المادة اللازمة لاعداد هذه المقالات حول السحر في المغرب، هالنى حجم الفراغ الكبير الذي تعانيه المكتبة العربية حول الموضوع, فكل ما هو منشور باللغة العربية حتى الان لا يتجاوز بضع مقالات وكتابين او ثلاثة تتناول موضوع السحر بشكل عام, ولا تعكس بالتالي عمق وحجم انتشار الظواهر والمعتقدات السحرية في المغرب.

    قد يلاحظ الاخوة الزملاء أن هذه الموضوعات تهتم بالمعتقدات والممارسات السحرية وارتباطها بظاهرة الاولياء المتصوفة التى لها نفوذ روحي كبير في المغرب نلمسه من تمسح بالمزارات والاضرحة التي لا تزال وستبقى لفترة طويلة قبلة للسحرة وباعة الوهم, اولئك الذين يزعمون تخليص مرضى الخرافة من شر يلاحقهم ليمنحوهم في المقابل «البركة»، هذه القوة السحرية التي تفعل كل شيء تجلب العريس للفتاة العانس، وتشفي امراض البدن والعقل، كما تقرأ لاصحاب النفوس القلقة من المجهول صفحات المستقبل من دون غموض وبصيغ التفاؤل.

    أليس ذلك هو التخصص الكبير للاضرحة وللسحر ؟

    يتبع

  • #2




    تعرفنا على قِدم الممارسات السحرية في المغرب وغرابة الطقوس المستخدمة فيها، حتى بات هذا العالم الغريب المليء بالألغاز والأسرار معلماً أساسياً في حياة الشعب المغربي، في أفراحه وأحزانه وطقوسه اليومية، ويعتبر البعض أن أماكن السحر تنتشر بين الحدود المغربية والجزائرية!
    يستكمل هذا الجزء بالبحث في معنى كلمة «السحر» في اللغات العربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية، كما نبحث عن وجهات نظر العلوم الإنسانية في السحر لمعرفة أبرز أنواعة .

    السحر، حسب مجمع اللغة العربية هو «كل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع»، أما في لسان العرب، فإن «أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته».
    ويفرد عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة فصلاً للحديث عن «علوم السحر والطلسمات التي يعرفها بأنها «علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر، إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية، والأول هو السحر والثاني هو الطلسمات».

    والملاحظ أن مصطلح الطلسم، ذا الأصل اليوناني، ويعني «كل ما هو غامض ومبهم من الألغاز والأحاجي»، قد فقد في اللغة العربية المعاصرة أهميته، بعد أن كان رائجا على عهد ابن خلدون وذلك لفائدة مصطلح السحر الذي اتسع استعماله، بالمقابل، ليستأثر بكل المعاني المرتبطة بالممارسات الخفية ويقودنا هذا إلى الحديث عن التصنيفات المتخصصة لأنواع السحر.

    أنواع السحر
    يقسم السحر في المغرب إلى قسمين:
    سحر دفاعي وسحر عدواني
    ويرتبط كل قسم منهما بطبيعة الأغراض المرجوة، وبموقع كوكب القمر الذي يلعب دورا حاسما في إنجاح أو إفشال العملية السحرية.
    فالسحر الدفاعي لا ينجح إلا خلال النصف الثاني من الشهر القمري، ويلجأ إليه كل المصابين بالعين الشريرة والملاحقين بلعنة سوء الحظ، كالنساء اللواتي يجهضن (دون رغبة)، الفتيات اللواتي لم يتمكن من الزواج، والعشاق المهجورون، الرجال الذين لا تنجح أعمالهم، إلخ.

    أما السحر العدواني، فيختص بأغراض الحب والهجر والمصائب والموت، التي لا تنجح إلا خلال النصف الثاني من الشهر القمري، لأنه في أعمال السحر التي تستهدف الانتقام والحقد، يقال: «كيف ما غاب القمر، يغيب فلان يغيب» أي (مثلما غاب القمر، أريد لفلان أن يغيب).
    والحقيقة أن التصنيفات الثنائية للسحر طغت على غيرها من التصنيفات الأخرى الكثيرة، التي اجتهد في وضعها العلماء، وذلك على الرغم من صعوبة تصنيف كل الممارسات السحرية الموجودة لدى شعوب الأرض، لصعوبة حصرها جميعا, ومن أشهر تلك التصنيفات الثنائية، نذكر: السحر الأبيض والسحر الأسود- سحر العامة وسحر النخبة- السحر الإيجابي والسحر السلبي- السحر التشاكلي والسحر الاتصالي، إلخ, وسنكتفي هنا باستعراض خاصيات أهم صنفين، سيتكرر ذكرهما كثيرا في المقالات الموالية، وهما السحر الأبيض والسحر الأسود ثم السحر التشاكلي والسحر الاتصالي.
    يعتبر تصنيف السحر إلى أبيض وأسود أشهر التصنيفات الثنائية على الإطلاق, فالسحر الأبيض يلبي أغراضا تعود على الفرد والمجتمع بالنفع، دون أن تلحق الأذى بأي شخص أو تتعارض مع أعراف وقوانين المجتمع, «ويجمع العلماء على أن أهم نوعين من السحر الابيض، في كل أنحاء العالم هما السحر الخاص بالتنبؤ بالمستقبل أو التنبؤ بالغيب، والسحر الخاص بالعلاج أو التداوي والتطبيب».

    أما السحر الأسود: فهو لكي يحقق مصلحة شخصية، يلحق الأذى بالآخرين، ومن أهم أشكاله سحر الانتقام، وهذا النوع هو الذي أطلق عليه موشون السحر العدواني.
    ويعتبر السحر التشاكلي والسحر الاتصالي فرعين من السحر التعاطفي القائم على قانون التعاطف، «وهما يفترضان إمكانية تأثير الأشياء في بعضها عن طريق نوع من التعاطف الخفي» حسب الباحثة المصرية الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب- جامعة عين شمس.

    فبالنسبة للسحر التشاكلي (أو سحر المحاكاة)، يقوم على مبدأ التشابه أي «الشبيه ينتج الشبيه», ومن أبرز الأمثلة عنه، ما يقوم به كثير من الناس من محاولة «الحاق الأذى أو الدمار بأعدائهم عن طريق إيذاء صورهم أو تدميرها».

    بينما السحر الاتصالي «يقوم على فكرة أن الأشياء المتصلة- حتى بعد أن ينفصل تماما أحدها عن الآخر- تظل في علاقة تعاطف، بحيث ان ما يطرأ على أحدها يؤثر على الآخر بالضرورة تأثيرا مباشرا», وتقدم سامية الساعاتي مثالا عن هذا النوع من السحر، وهو تلك الخرافة الشائعة في العالم كله، والتي تجعل الإنسان يحاذر من وقوع أجزاء من جسمه كالشعر والأظافر والمشيمة وحبل السرة وغيرها، في يد إنسان آخر قد يستغلها في أعمال سحرية ضده، «بحيث تجعله خاضعا لارادته مهما بعدت المسافة بينهما».

    حقيقة السحر
    في تاريخ الفكر الإسلامي، تميز المعتزلة بإنكارهم لوجود السحر، بل وذهبوا إلى حد تكفير كل من يعتقد في وجوده, ويعتبر موقفهم الرافض هذا مناقضا لما نص عليه القرآن الكريم من وجود للسحر، وما نص عليه الشرع الإسلامي من وجوب قتل المتعاطين له، لما فيه من شرك بالله، ومضار للمجتمع.
    ويؤكد العلامة ابن خلدون، من جهته، ان «وجود السحر لا شك فيه بين العقلاء», لكنه يميز في ذلك بين الساحر وصاحب المعجزة, ويضع الفرق بينهما «فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين، فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل فيه أسباب الشر، وكأنهما على طرفي النقيض».
    ومن أغرب الطرائف التي يحفل بها سجل خوارق السحرة، ما ذكره العلامة المغاربي عن صنف منهم، كان معروفا في عهده بالمغرب يسمون «البعاجين» وكانوا يمارسون الابتزاز على الفلاحين تحت تهديد السحر.

    ويؤكد ابن خلدون أنه شاهد من هؤلاء «المنتحلين للسحر وعمله من يشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج، فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض (,,,) يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم مشترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام,,,», ويشدد العلامة في التأكيد على أنه لقي «منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك، وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك الروحانيات والجن والكواكب,,,», ونستغرب أن يصدر مثل هذا التأكيد عن مفكر كان متقدما فكريا على عصره بقرون، إذ كيف يحصل «البعج» وتتدلى أمعاء الغنم لمجرد إشارة من يد ساحر؟

    وعكس ابن خلدون، يبدو الحسن الوزان (ليون الإفريقي) أكثر ادراكا لحقائق بعض السحرة، خصوصا منهم أولئك الذين يمارسون صرع الجن, فبعد أن يعرض في (وصف افريقيا) للكثير من ممارسات السحرة التي كانت منتشرة على نطاق واسع في مغرب العصور الوسطى، يستنتج الرحالة المغربي أن «السحرة يعتبرون أنفسهم قادرين تماما على انقاذ من اعتراهم مس من الشيطان، لسبب واحد هو أنهم يوفقون أحيانا في ذلك, واذا لم يوفقوا زعموا أن الشيطان كافر أو أن الأمر يتعلق بروح سماوية,,,», فنجاح مهمة الساحر، في فهم ليون الافريقي، لا يعدو أن يكون محض صدفة، واذا لم يتحقق زعمه، لجأ الساحر إلى مبررات تتخفى خلف الدين تجنبا للإحراج.
    أما العلوم الإنسانية المعاصرة، فإنها تربط السحر بالأساطير وبالماضي السحيق وعهود الآلهة والأبطال، وتربطه كذلك بجذور الانسان الأولى وبدايات الثقافة القبلية.
    وسنرى لاحقا ان أغلب وصفات السحر في المغرب تقوم على طقوس، هي في الحقيقة تقليد للغايات المراد بلوغها , كأن يذهب الشخص الذي ينم فيه الآخرون إلى «العيساوي» ويطلب منه أن يجز أمامه رأس أفعى حية, وفي الوقت الذي يتساقط الرأس، يصرخ: «كيف ما تقطع رأس الأفعى، تنقطع رؤوس العديان» (أي: مثلما سقطت رأس الأفعى، لتقطع رؤوس الأعداء) ثم يحمل رأس الأفعى إلى منزله، ليضع في مكان كل عين منه خرزة، وفي فمها الفلفل الأحمر الحار (السودانية)، وهو يقول: «كنسد عيني العديان» و«كنسد فم العديان» (اغلق عيون الأعداء) و(اغلق افواه الأعداء) إلى آخر الوصفة, إن الأفعى في هذا المثال، هي نموذج يشخص الشر وقطع رأسها ينقل الرغبة في قطع رؤوس الأعداء النمامين (الفعلية أو الرمزية) ويشخصها, وكذلك الأمر بالنسبة لإغلاق عينيها وفمها



    يتبع

    تعليق


    • #3


      إذا تأملنا أشكال الممارسات السحرية التي تنتشر في مجتمعنا، وجدنا أنها تنقسم بشكل عام، إلى نوعين رئىسيين هما:
      السحر العلاجي وقراءة الطالع
      وتدخل ضمنة أغلب الممارسات السحرية، لاعتقاد العامة في أن كل ما يلحق بها من شر، سواء كان مرضا عضويا (عقم، حمى) أو نفسيا (جنون، صرع، إلخ) كلها من أعمال السحر العدواني، وليست وليدة ظروف ذاتية أو اجتماعية معنوية عادية.
      أن الأهمية التي يحتلها السحر العلاجي وقراءة الطالع تعود إلى أن المرض والشك هما دائما مصدر أشد وأقسى أسباب القلق الشخصي والاجتماعي», وهذا القلق هو الذي يفسر الكثرة العددية لـ «الشوافات» (العرافات قارئات الغيب) والفقهاء المعالجين، من حولنا، في المغرب.
      لكن، إذا كانت «التمثلات السحرية تشكل مجالات لتحقيق الرغبات، ظهرت تحت ضغط حاجة مجموعة من الناس اليها» فكيف تستطيع طقوس يكررها مئات آلاف من الأشخاص، في شروط معينة، ان «تحقق» الغايات المرجوة منها؟
      هنا تتعدد المقاربات وتتشعب إلى نقاشات بلا نهاية، لكن يمكن اختصار الجواب في إن التكرار البسيط، بمساعدة الخيال النشيط، لبعض الرموز الدينية يترجم بتحسن نفساني، قد يفضي في نهاية المطاف إلى العلاج».

      شروط الممارسة السحرية
      تتمحور العملية السحرية حول اعتقاد ثلاثي:
      1- الاعتقاد في سند ايديولوجي للمجموعة التي ينتمي اليها الفاعل.
      2- اعتقاد الفاعل في نجاعة الطقس الممارس.
      3- اعتماد الساحر في نجاعة تقنيات.
      (بالنسبة للسند الايديولوجي، قد يكون ضريح ولي، أو يكون هو الساحر نفسه, فالسحر لا يعتبر سحرا إلا بتوافر شرط الاعتقاد فيه من قبل الممارس، والاعتقاد في نجاعة الطقوس التي يليها، أي حين يعتقد في نجاعة وصدق الممارسة السحرية كل من الساحر والزبون.
      وهذا الاعتقاد هو الذي يسميه المغاربة «النية» أي الاعتقاد الصادق في أن حركة ما، أو كلمة ما، أو مادة معدنية، أو نباتية أو حيوانية، إذا استعملت بطريقة ما، تنتج تأثيرا سحريا معينا.
      إن «النية» هي تلك الارادة المضمرة أو المعبر عنها في كسب مصلحة أو تفادي شر, ويتم التعبير عنها من خلال ممارسة طقس سحري، من دون أن يطرح لا الساحر ولا زبونه السؤال المعتقد والمحرج: كيف ولماذا نفعل هذا لكي يحصل كذا؟ وهي بهذا المعنى شرط أساسي لنجاح الممارسة السحرية في تحقيق الهدف، حيث إن الممارس إذا لم يقم بالطقس السحري «من نيته» فإن ذلك يؤدي إلى بطلان مفعول العملية.
      ويلخص ذلك، القول الدارج الذي يكرره السحرة، مثل لازمة «النية بالنية والحاجة مقضية» أي أن النية المتبادلة بين الساحر والزبون شرط لقضاء الغرض المطلوب.
      إن الساحر ليس بالضرورة محتالا يمارس ضحكه على ذقون زبائنه المغفلين، فحسب دراسات لبعض مؤسسي انثربولوجيا المعتقدات، «حتى عندما لا يكون الساحر معتقدا في سحره، فإنه يظنه ممكنا: حيث يمتزج غالبا، قليل من التظاهر (بالاعتقاد) مع الصدق، كما يحدث دائما في الظواهر المرتبطة بالتنويم المغناطيسي لكن بصفة عامة، ليس ثمة كذب، فاعتقاد الجميع (في صدق السحر) يفرض نفسه عليه (على الساحر).

      وبالإضافة إلى شرط توافر النية، هناك شرط السرية, فإذا كانت المعتقدات السحرية جماعية، فإن ممارستها تتم بشكل فردي، مادام السحر في حقيقته شخصنة لرغبة فردية يبتغي الممارس حصولها من خلال الطقس السحري, وممارسته في الخفاء هي شرط أساسي لصحته فانة «لكي يكون لسحر أثر، يجب ممارسته في سرية».

      وهناك شرط آخر، يتمثل في وجوب اختيار الزمان المناسب لكل عملية سحرية, يقول البوني في «الأصول والضوابط المحكمة: «واعلم ان الكواكب السيارة السبعة (وهي في مصنفات السحر: زجل، المشتري، المريخ، الشمس، الزهرة، عطارد والقمر) لكل واحد منها وفق منسوب إليه وفق تأثير يظهر منه بحسب تأثير الكوكب» فالكواكب السيارة حسب السحرة، تؤثر في المخلوقات ويختلف نوع ودرجة تأثير كل كوكب حسب موقعه في الفضاء, ولذلك يترصد السحرة المحترفون حلول «منزلة» كوكب حسب جدول «المنازل» المعروف لديهم بدقة متناهية، من أجل القيام بالعمل السحري الذي يتوافق مع تأثير الكوكب, فإذا أخذنا القمر مثلا، نجد أن له منزلتين تناسب كل واحدة منهما نوعا من الممارسات السحرية:
      فالنصف الأول من الشهر القمري يناسب أعمال السحر خاصة بالخير (السحر الابيض)، بينما النصف الثاني منه مناسب لأعمال الشر (السحر الاسود) بل إن التأثير السحري يختلف حسب أوقات اليوم الواحد، فهناك سحر يصلح للنهار، آخر لليل, حيث ينسب البوني، في هذا الصدد، إلى «أستاذه أرسطو طاليس» قوله إنه «وضع في يوم وليلة أربعة وعشرين عملا (سحريا) متضادة أجابت روحانيتها » وبالاضافة إلى ضرورة اختيار الوقت المناسب، يشترط في بعض الطقوس السحرية أن تتم في مكان معين: الحمام البلدي، أو البحر، أو المقبرة، أو غيرها,
      كما يعتبر احترام ترتيب الطقوس شرطا أساسيا، إذ ينجم عن عدم احترام عناصر الطقس السحري أو الإخلال بها، بطلان العمل السحري بأكمله، أو حدوث تأثير عكسي.

      ونصل أخيرا إلى العناصر الأهم في العملية, أي تلك المواد التي تدخل في إعداد الوصفات السحرية, ويمكن تمييزها هنا بحسب أصولها إلى:
      - مواد حيوانية: حشرات، جلود وقرون واطراف بعض الحيوانات وكذا دماؤها، إلخ.
      - مواد معدنية: بخور، صفائح فضة، رصاص، حديد، نحاس.
      - مواد نباتية: بخور، جذور ولحاف بعض الاشجار، أزهار بعض النباتات، إلخ.
      - مستحضرات خاصة، دم الإنسان الثوب المستعمل , شعر وأظافر الشخص المراد سحره، إلخ.
      ومن أجل انتاج عدد غير محدد من الوصفات، والطقوس السحرية، التي تصلح لتحقيق كل ما يخطر ولا يخطر على البال من الأغراض، يتم التأليف بين هذه العناصر والشروط وفق قواعد معقدة وغامضة.

      الطقس والوصفة
      يعرف علم الاجتماع الطقس بأنه «مجموعة من الأفعال المتكررة التي تكون غالبا احتفالية ومن النوع الشفوي، الإيماني والوضعي بشحنة رمزية قوية، متأسسة على الاعتقاد في القوة المؤثرة للأشخاص أو للقوى المقدسة التي يحاول الرجل الذي يقوم بالطقس الاتصال بها، لكي يحصل على تأثير محدد , ينبغي اعتبار الطقس:
      1- كمتوالية زمنية من الأفعال.
      2- كمجموعة من الأدوار التي تمسرح في نوع من المسرحية المؤسسة.
      3- كنسق غائي للقيم.
      4- كوسائل رمزية مرتبة للأهداف المراد تحقيقها.
      5- كنسق للتواصل.

      أما الوصفة، فتعني تفصيل المواد والظروف والطقوس التي تدخل في تحضير العملية السحرية، وبعض هذة الوصفات تتضمن عددا من العناصر والطقوس التي يحدث تداخل تأثيراتها السحرية- حسب المعتقد- في تحقيق الغرض المطلوب, فهناك طقوس يدوية مثل كتابة الأسماء على الورقات- تعليقها في الهواء وعلى الرأس- إعداد الحناء وتخصيب اليد بها)، وطقسا شفويا (قراءة الأسماء 63 مرة على الورقات)، تضاف جميعها إلى عناصر التأثير الاخرى (البخور- العدد ثلاثة- العدد 63) لتنتج الغرض.

      كيف تمارس الوصفات والطقوس تأثيرها السحري على الواقع الملموس؟
      - إن الاعتقاد في وجود الجن، وفي قدرته الخارقة على التأثير في عالم العناصر المحسوسة، يعتبر أساس المعتقدات السحرية في المغرب، ولذلك فإن الطقس السحري «يولد الجن» ، وبمعنى أكثر وضوحا، تستهدف كل الممارسات السحرية التأثير في الواقع، عبر طقوسها وعناصر تأثيرها .
      ولكل غرض «خادم» تتطلب استمالته القيام بطقوس معينة في شروط معينة, ولأجل ذلك تحفل مصنفات السحر الأساسية بأسماء وصفات «خدام» كل حرف من الأحرف، (وهم من الجن طبعا) وكل يوم من أيام الأسبوع، وكل كوكب من الكواكب السبعة السيارة, وهكذا



      يتبع

      تعليق


      • #4


        في هذه الجزء نتابع ما كنا قد قد تحدثنا عنه سابقا عن واقع السحر في المغرب حيث تطرقنا الى السحر الدفاعي واصول السحر الابيض وانواعه، وهنا يميز الباحث المصري محمد الجوهري، المتخصص في علم الفولكلور، بين السحر الرسمي والسحر الشعبي، الاول هو سحر الخاصة الذي يتطلب من ممارسيه ان يتوفروا على معرفة خاصة بعلوم وتقنيات السحر المعقدة، وهو يدور في اطار حلقة ضيقة من السحرة المحترفين، اما النوع الثاني فهو سحر العامة المتداول على نطاق واسع لبساطة وصفاته وسهولة تنفيذها.

        ولتقريب الاحوة الزملاء من اطروحة الجوهري، نورد المثال التالي: عندما تفشل الشابة المغربية في الحصول على عريس، تنصحها النساء اللواتي في محيطها الاجتماعي المباشر بضرورة التبخر بحرباء تقتنيها من عند العطار (بائع مستحضرات السحر) الذي يؤكد لها انها حرباء عذراء(تاتة عويتقة)، كما هو مشترط فيها ان يكون، ترمي الفتاة العانس بتلك الحرباء المسكينة حية في النيران المتأججة، ثم تعرض جسدها الواقف للدخان المتصاعد منها، الذي تمنحه المعتقدات الخاصية السحرية لإبطال «العكس»، وهذا العمل نموذج للسحر الشعبي، ولكن لا يفيد التبخر في جلب العريس، تشد الشابة الرحال نحو ساحر متخصص، فيؤول لها الامر ويهوله، زاعما ان في القضية جنيا مسلطا عليها بواسطة جدول, ويفرض عليها شروطا باهظة (قد تصل الى حد مراودتها على نفسها)، كي يبطل لها مفعول السحر المعمول لها, وهذا النموذج الثاني وهو ما يسميه الجوهري بالسحر الرسمي.

        ولأن السحر الشعبي سمته البساطة الشديدة في الوصفات، وسنعود اليه كثيرا في الحلقات اللاحقة، فإن الذي يهمنا هنا، هو أن ندقق النظر في انواع السحرة المحترفين، في هويتهم الاجتماعية والمسارات التكوينية التي يتدرجون عبرها، قبل أن يتوجوا سحرة معالجين.

        تخصص مغربي
        وفي تعريف الساحر ، يقدم احدهم وهو متخصص في معالجة السحر بالقرآن «العلامات التي يعرف بها الساحر» كما يلي: الساحر يسأل المريض عن اسمه واسم امه، ويأخذ أثرا من اثار المريض (ثوب، قلنسوة، منديل,,) واحيانا يطلب حيوانا بصفات معينة ليذبحه ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطخ بدمه اماكن الألم من المريض أو يرمي به في مكان خرب, يكتب الطلاسم، يتلو العزائم والطلاسم غير المفهومة، يعطي المريض حجابا يحتوي على مربعات بداخلها حروف وارقام، يأمر المريض بأن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس او يعطيه اشياء يدفنها في الارض او اوراقا يحرقها ويتبخر بها.
        ويتمتم بكلام غير مفهوم، واحيانا يخبر الساحر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته التي جاء من اجلها، او يكتب له حروفا متقطعة في ورقة (حجاب) او في طبق من الخزف الابيض ويأمر المريض باذابته وشربه.
        إن الساحر في المغرب ، كما في غيره من الدول العربية والاسلامية يولي العناية لاظهار تمسكه بالدين، فهو حافظ القرآن وعلام جيد بقواعد اللغة العربية، وبهذه الصفة، يضع نفسه في منأى عن اي شك في وثنيته، كما يلاحظ عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون.
        والساحر في المغرب هو مصدر ثقة، يحظى بمزيج من مشاعر الخوف والتقدير في نفوس الناس, فهو يمتلك - في نظرهم - القدرة على التأثير في مصير حياتهم بالسلب او بالايجاب، حسب مشيئته، أليس الساحر الذي يكتب او على الاصح، يرسم الطلاسم، هو في البدء والمنتهى «الفقيه» و«الطالب» اي رجل الدين؟ وحتى مدارس تكوين السحرة التي سنتحدث عنها في سياق هذا المقال، هي في حقيقتها الظاهرة زوايا لتدريس الدين.
        رجال الدين
        إن هيئة رجال الدين المغمورين هؤلاء - والكلام مرة أخرى لبول باسكون - المنتشرون في البوادي تلعب دورا رئيسيا في صيانة المعتقدات السحرية وفي استمرار التصوف الشعبي، وحسب الباحث المغربي الراحل فإن «فقهاء» و«طلبة» البوادي يمارسون اعمال السحر كنوع من رد الفعل على ظلم اجتماعي لحقهم، حيث يقول عنهم باسكون انهم في الغالب ابناء عائلات مجردة من حقوقها او ابناء صغار لعائلات قوية، مبعدون عن السلطة (الاسرية) أو محرمون من الارث من قبل اخوة لهم اكثر حذقا منهم، ولانه يفترض فيهم انهم محرومون ومنتزعو الحيازة، لذلك وجهوا رغباتهم في الهيمنة نحو تصرفاتهم التحت ارضية (الشيطانية).
        ولكن السحر ليس دائما خيارا انتقاميا تلاحق بشوره دفئة اجتماعية مهمشة افراد المجتمع، كرد فعل على حيف لحقها, السحر هو ايضا وأساسا امتياز اجتماعي يتهافت على نيله الكثيرون وتتوارث اسراره الثمينة أسر السحرة أبا عن جد، لما يحققه للمتعاطين له من وضع اعتباري متميز وعائدات مالية مهمة.هل نمنح المغاربة سبق التفوق في علوم السحر؟

        في كتاب «ألف ليلة وليلة»، يتردد في حكايا شهرزاد ان السحرة عادة، متحدرون من المغرب، لكن ومن دون ان يكون في نيتهم الرد على تلك التهمة، يفاخر أبرز واضعي مصنفات السحر من المتصوفين المغاربة، بالفضل البارز لاساتذتهم المشارقة عليهم، في ما وصلوا اليه من «العلم» و«الحكمة» يفعلون ذلك، في مقدمة وخاتمة كل كتاب، كنوع من التباهي باستقاء «العلوم الحكمية» من منابعها الغزيرة والاصيلة، هناك في المشرق.
        وفي كل الاحوال وحتى اذا ما صح أخذ المغاربة عن اساتذتهم المشارقة، فالنتيجة تسمح لنا بالقول ان التلميذ تفوق على استاذه في مجال التأليف في العلوم الخفية، فمؤلفات ابن الحاج المغربي، تعرف انتشارا واسعا منذ قرون، في كل البلاد العربية، ولعل أكبر دليل على حجم انتشارها، ما نلاحظه اليوم من توافرها في السوق المغربية بشكل كبير وفي طبعات مختلفة، صادرة عن دور نشر مغربية واردنية ومصرية وغيرها.
        ويعتبر ابوالعباس البوني (المتوفى في القاهرة حوالي 1225) من اوائل المتصوفة الذين قاموا بجمع وتصنيف السحر الرسمي، الذي كان محصورا وسط حلقات الفقهاء السحرة في مغرب العصور الوسطى، ونشره في مصنفات .

        مدارس السحرة
        لا يكفي الاطلاع على مصنفات السحر المتوافرة ليصبح الانسان ساحرا، فالسحر في عرف ممارسيه، له قواعد وشروط معقدة تجعله غير متاح للعامة الا من خلال المتخصصين، ومهما تكشف كتب السحر المتداولة من اسرار تلك القواعد، فإن ما خفي منها يظل اهم واعظم في نظرهم.
        إن الساحر لا يولد ساحرا، ولكي يصبح الاسنان العادي ساحرا (او ساحرة)، يكون امامه مسار شاق عليه ان يقطعه في اماكن سرية، قبل أن يحظى باعتراف معلميه السحرة وتتويجهم له ساحرا معالجا, ويتداول في اوساط العامة ان تلك الاماكن توجد بمنطقة سوس في الجنوب المغربي، وان المتخرج من مدارس السحر تلك يتوفر على مهارات في مجالات تخصصه، تجعله يتفوق على كل زملائه الاخرين.

        ويبرز ذلك طبعا، المقابل الباهظ الذي يطلبه «الفقيه السوسي» مقابل خدماته، وقد قرأنا في بريد القراء رسالة نشرتها جريدة وطنية بعثت بها اليها شابة، يبدو انها راكمت من خيبات واوهام البحث عن عريس ظل يهرب دائما منها، في اللحظة التي تطمئن اليه، اعترافها بأنها دفعت مبلغ مليوني سنتيم مغربي، كي يضع لها فقيهاً سوسياً (او من يزعم انه كذلك) في خاتم يدها، طلسما لابطال السحر المعمول لها.

        يتبع

        تعليق


        • #5



          ويقدم الدكتور اخميس تصورا واضح المعالم عن مسار التكوين الشاق الذي يجتازه الساحر المتعلم، في مدارس تعلم السحر السرية في سوس، على النحو التالي:
          - ينسحب الفقيه الراغب في أن يصبح معالجا (بتعبير د- اخميس: Guerisseur) من الحياة العادية لينغمس في حياة أخرى مسكونة بالارواح، وهناك يختار الجني «الخديم» (الخادم) الذي لن يفارقه بعد ذلك، ابدا, ولكي يرتبط بالجني لا ينبغي على الفقيه ان يرى أحدا طيلة مئة يوم ويوم، ولا أن يحلق وجهه أو يغتسل, ولا يأكل طيلة تلك المدة سوى التمر والحليب وخبز الشعير المعجون بدون خميرة, وعليه أن يحرق عند كل مطلع ومغرب شمس خليطا من الملح والحرمل والشب وجلد الثعبان.
          وفي متم اليوم الواحد بعد المئة، ينظر الفقيه في معزله الى مرآة على ضوء شمعة، فيرى بدل انعكاس صورة وجهه فيها، صورة الجني «الخديم», ويكون ذلك تتويجا له كفقيه معالج، وايذانا له بالبدء في تدريب ميداني يتمرس خلاله على العيش مع شيطانه، الذي لن يتكلم معه الا لغة خاصة تتضمن صيغا لغزية، ويختتم الساحر تدريبه بدراسة العلامات التي سيستعملها في اعداد الطلاسم، خلال حياته المهنية المستقبلية.

          إن هذا المسار التكويني الغرائبي، الذي ما زال يمارس حتى اللحظة الراهنة في بعض المدارس السرية بسوس، يشبه في بعض تفاصيله طريقة أخرى لتسخير الجن في خدمة الساحر، رواها أحد السحرة المغاربة للطبيب الفرنسي موشون، فضمنها هذا الاخير ملاحظاته حول السحر في مغرب بدايات القرن الماضي.
          فلكي يصبح المرء ساحرا (او «طالباً» بتعبير موشون) يطلب من الشياطين ان يبلغوا رغبته الى السلطان الاكبر (للجن)، ثم ينسحب الى أحد الاودية بعيدا عن المدينة، حاملا معه مرآة اطارها من خشب الابنوس, يأخذ طالب السحر تلك المرآة في يده بينما يتمتم بأدعية والبخور يتصاعد من موقد مجاور، ويقوم بتغيير ملابسه على رأس كل ساعة زمن، ويكتفي بأكل الخبز الذي تم اعداده من دون ملح وبقليل من الخميرة، مع التين المجفف والزبيب.

          وفي غضون ايام قليلة، يظهر «الخديم» في المرآة، فيخاطب الساحر قائلا: «لقد أزعجت كل الدار السفلي» (أي عالم الجن)، ثم يردف ناصحا اياه: «سوف ترى مرور الجيوش السبعة للسلطان سلطان الجن، طبعا وهي مكونة من الافاعي والعقارب والحيوانات المتوحشة,, فلا تخف وحاذر ان ترد على من يكلمك منهم».

          الكتائب السبع
          وبعد أن ينسحب «الخديم» يشاهد الساحر الكتائب السبع، يليها السلطان فوق جواده، فيكون عليه ان يمسك بالدابة التي يركبها سلطان الجن من لجامها ثم يقدم ملتمسه, وفي الغالب يمنح السلطان للساحر خديما يكون عليه ان يقيم معه اواصر علاقة حميمة ستجمعهما للابد, ولهذه الغاية، يوقد البخور فيتصاعد عمود من الدخان، يتحول الى قطعة خشب تتمدد فشيئا لتتحول من جديد وتصبح ثعبانا، لا يلبث ان يتحول بدوره مرات عدة، ليأخذ اشكالا مختلفة، فيصبح في النهاية شابا جميل الخلقة، يحمل في يده سكينا دامية: انه الخديم.
          يتبادل السحر وخديمه (خادمه الجني) التحية من خلال التصافح بظاهر يديهما، ثم يتملك كل منهما الاخر، ويأخذ الساحر المكرس علبة صغيرة يقدمها للشاب الذي يشرع في تقصير قامته الى أن يتمكن من دخولها، فيغلقها عليه الساحر، ويحملها معه، بعد ذلك باستمرار.

          اما اذا كانت المرأة هي التي تريد ان تصبح ساحرة، فإن عليها ان تعهر وتمارس أقذر الطقوس، الى أن يقتنع «خديم» بالارتباط بها، وعدم مفارقتها طيلة حياتها, تبدأ المرأة بعرض نفسها على أي كان، خلال فترة الحيض (انسان غير مسلم، او حتى حيوان)، وتستحم كل صباح ببولها لتصبح غير طاهرة مطلقا، ثم توقد للشيطان الذي سيصبح عشيقها وخديمها الابخرة، الى أن يظهر لها فتمنحه نفسها ليفعل بها ما يشاء، كما ستفعل هي به ما تشاء!
          ولن ترى تلك الساحرة الجنة أبدا، بل ستظل مع الشياطين بعد وفاتها.

          لماذا يعتبر التعهر وفقدان العفة والطهارة شروطا لازمة، في معتقد المغاربة من اجل قبول المرأة في نادي السحرة؟ بينما الرجل يكفيه الالتماس ومرآة الابنوس والنظافة (تغيير الملابس كل ساعة) والاكل الخفيف؟ يبدو ان السر كامن في النظرة الدونية للمرأة في مجتمعنا، بشكل عام، وللنظرة الدونية للمرأة التي تتعاطى السحر، بشكل عام في مجتمعنا, ان السحر في المغرب ينسب الى الاقليات الدينية (اليهود، على الخصوص,,,) والعرفية (الزنوج، اهل سوس,,,) او اصحاب المهن الوضيعة، التي تصنف المومس ضمنها, فالساحرة هي بالضرورة مومس، والمومس تتعاطى السحر, ومن هنا يصير على كل امرأة تنوي ان تصبح ساحرة، أن تبدأ بفقدان عفتها وطهارتها الجسدية والمعنوية، حتى تمتلك باغراء قدراتها الشيطانية شيطانا مثلها، فيرتبط بها بينما الرجل الذي يصبح ساحرا يضع «خديمه» بكل اطمئنان في علبة، دون ان يفقد من كرامته شيئا!

          خوارق السحرة

          على أبوابهم علامات تدل عليهم، رايات بيضاء مخضبة بالحناء او خضراء, واكثرهم تواضعا يتخذون لهم في الاسواق القروية مجالس منزوية، او دكاكين ضيقة في الحواضر, اما اكثرهم «اناقة» فلهم مكاتب للزيارة في شقق راقية وبطاقات للزيارة تحمل ارقام الفاكس والهواتف القارة المحمولة.
          السحرة اصناف ومستويات وتخصصات، منهم من يقنع بفتات الدراهم في مقابل خدمة لا تكلفه اكثر من خربشات على ورق اصفر او ابيض أو ازرق, واخرون تصل «أتعاب الزيارة» الواحدة عندهم الى الاف الدراهم، من دون احتساب الهدايا والعطايا، حيث يتحقق المطلوب.

          إن قوة الساحر تكمن في مهارته، التي يكتسبها مع التجربة، في اقناع الزبائن بقدرته على التصرف في مصائرهم وفق ما يشتهون, وهو بذلك معالج نفساني, من حيث لا يعلم: يقرأ في نفسية مرضاه جيدا نقط ضعفهم ويمارس عليهم تقنية «التفريغ»,, والساحر هو ايضا واساس في احايين كثيرة مخادع كبير يتقن الساحر استغفال الزبائن فيزرع في قاعة انتظاره زبائن وهميين لاستنطاقهم وترويج فتوحاته وخوارقه بينهم, ليس الأميون وحدهم!
          إن زبائن السحرة هم مزيج غير متجانس من المرضى الحقيقيين ومرضى الوهم منهم الرجل والمرأة، الفقير والغني، الأمي والمتعلم، فليس الاعتقاد في السحر حكرا على الأميين، واصحاب العقول التي لم تنورها شموس العلم, على عكس ما تشي به المظاهر، بل هو يشمل كذلك كثيرا من المثقفين (الذين) يعمدون الى انكار وجود اي اعتقاد لديهم في السحر خوفا من ان يتهموا بالجهل او التخلف، ولكن اذا نحن تتبعنا سلوك الواحد منهم، وقمنا بتحليل الوان سلوكه، لوجدنا ان قطاعا كبيرا من سلوكه مشوب بالسحر او الخوف من السحر».

          وتفسر الباحثة المصرية سامية حسن الساعاتي هذه الظاهرة المفارقة بأسبقية التنشئة الاجتماعية واهميتها الحاسمة في توجيه حياة الفرد، قبل تحصيله للمعرفة العلمية لاحقا، خلال مراحل تعليمه, تقول الباحثة : إن الشخص الذي حصل على قدر عال من التعليم يلجأ عندما يقع تحت وطأة الظروف القاسية، مثل المعاناة من مرض عضال تعجز اساليب العلم عن علاجه، الى الاستعانة بهذه الاساليب السحرية والخرافية، لانه رغم تعلمه الراقي، فإنه قد تعرض في تربيته الاولى للمؤثرات السحرية والخرافية فالتنشئة الاجتماعية هنا دورها اخطر من دور التعليم».
          إذا نحن تأملنا مجالات عمل السحرة، فإننا سنجدها تمتد لتشمل كل ما يرتبط بحاجيات الانسان الاساسية وحتى الكمالية,, كل ما يخطر اولا ببال الانسان وارد في فهارسهم المكتوبة او الشوفية, واذا كان السحر قديما قدم الانسان، فكم هو عدد الوصفات التي اندثرت؟ وما معدل عمر وصفة سحرية؟ جيل، جيلان؟ قرن من الزمان؟ لا احد يعلم بالضبط.

          ومن الكتابات العميقة التي خلفها علماء الاجتماع والانتربولوجيا الفرنسيون منذ قرن، يبدو ان العديد من الوصفات السحرية التي عرفها أسلافنا، لا تزال متداولة حتى اللحظة الراهنة، مع تعديلات طفيفة مست بعض التفاصيل الثانوية، بينما وصفات اخرى قرأنا عنها ولم نعد نسمع لها ذكرا (دون أن يعني ذلك أنها اندثرت), ونتحدث هنا طبعا، عن السحر الشعبي الذي تمنحه حيوية المجتمع القدرة على التجدد باستمرار ,اما السحر الرسمي الذي توقف عن التجدد واعادة انتاج «نشء جديد» بتعبير الباحث الفولكلوري المصري محمد الجوهري - ليكتسب لنفسه صفة العلم المطلق، فإن وصفاته مستمرة في التداول على نحو ما أسس له الآباء المؤسسون, وسيكون صعبا بكل تأكيد، إن لم نقل مستحيلا، حصر جميع الاغراض التي يزعم الساحر بقدرته على تحقيقها، لذلك أقترح هذه اللائحة غير المكتملة، والتي حاولنا فيها تجميع كوكتيل طريف من اغرب الاغراض، اعتمادا على مصادر شفوية واخرى مكتوبة، ونقدمها مرتبة حسب التصنيف الشهير: السحر الابيض والسحر الاسود.


          يتبع

          تعليق


          • #6



            السحر الابيض
            توجد وصفات سحرية لتحقيق الاغراض التالية: لإزالة الهم والغم - لمنع الوقوع في المعاصي وشرب الخمر - إذا أردت نسف تل قديم - أن تختفي عن أعين الاعداء والظلمة والحساد - أن تختفي أو تمشي على الماء أو تطير في الهواء - اذا اردت نقل الصخور - لتحقيق السعادة الابدية: للوقاية من العين - لحفظ الاشياء التي يخاف عليها من العين - لجلب الخطاب - للحفظ من التعب واللصوص والحريق- لاصلاح الفاسد من الناس والاشياء - لجلب الزبون ونجاح التجارة - لحفظ السفينة من الغرق - للمساعدة على الحفظ والفهم - لازالة البلادة وعلاج بليد الذهن الذي ينسى ما يلقى اليه - لازالة الكسل والعياء - لزوال النسيان - لاظهار شيء ضائع او مسروق واعادته - لاظهار اسم السارق - لعلاج لسعة الحية والعقرب والكلب - لعلاج عضة الكلب المكلوب (اي المصاب بداء السعار) - لطرد البراغيث والبق والخنافس والعناكب والحيات - لذهاب النمل والناموس - لجلب الرجل للمرأة - لجلب المرأة للرجل - لجلب الغائب - لشفاء العاقر - لتسهيل الولادة - للحصول على مواليد ذكور - للحصول على مواليد اناث - لزوال نزيف المرأة - لعلاج الطاعون - لسداد الديون - لتيسير الارزاق - للجمع بين المتخاصمين - لرد الثيب بكرا -اي لارجاع العذرية الى من فقدتها، من دون جراحة) - للحصول على القوة لحمل الاثقال - لعلاج أبو تليس (الذي يصيب الانسان حتى لا يبصر بالليل شيئا) -لعلاج الغيرة للرجل والمرأة - لخلاصة المسجون - لجلب العز الدائم - لمنع الوحوش والطير عن الزرع - لنيل القبول والسعادة - لنيل المناصب والترقي - للتغلب على الاعداء - لزيادة لذة الجماع - لتهييج المرأة - لجلب الحمام الى البرج,,, الخ.

            السحر الأسود
            هناك وصفات : لتمشية الجماد - لعقد الالسنة - لعقد لسان الزوج - لعقد لسان الكلب - لعقد المرأة كي لا يطأها (يجامعها) غيرك - لهزم عدو - لقتل عدو - لقهر الاعداء واهلاكهم - لتمزيق شمل العدو - لاهلاك ظالم - لاخضاع الجبابرة - لتسليط جني على ظالم - لاخضاع الحاكم الجبار وتسخيره - لايقاف المراكب والعساكر - لرجم دار العدو - لتخريب دار العدو واخراجه منها - لاشعال النار في دار ظالم - لتعطيل سفن الاعداء - لتوقيف المركب وجعله لا يسافر أو لاعادته من طريقه - لالحاق الامراض المختلفة بالعدو - لالحاق العقم برجل او بامرأة - لعقد ذكر الرجل - لافراغ المكتري غير المرغوب فيه - لاخلاء برج الحمام - لعسر الولادة - لترقيد الجنين في رحم امرأة لسنوات - لانطاق من أردت وهو نائم - لاحضار ارواح الموتى - للتصرف بطوائف الجن وملوكها - لابطال موانع الكنوز - لتعطيل البنت عن الزواج - لاسقاط الشعر - لاسقاط الاسنان - لسليط سلسل البول على عدو - لمنع عدو من التبول - لتسليط الارق الدائم او النوم على عدو,,, الخ.

            السحر بالكتابة بين الحروف والجداول والأرقام
            يعد السحر المكتوب أكثر ضروب السحر الرسمي اهمية لدى العامة, وتنبع اهميته البالغة من حيث هو ـ في نظر العامة ـ «سحر عالم» بمعنى انه يقوم على علوم مضبوطة القواعد تدرس عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة الى السحر الشعبي الذي تتناقل وصفاته بين عامة الناس عن طريق المشافهة.
            واذا كانت فعالية السحر الشعبي نسبية اعتبارا لكونه يتداول بشكل مفتوح بين العامة فإن سحر الاحرف والأرقام يعد «مؤكد الفعالية» بسبب توفره على شرطي الغموض والسرية الضروريين لتمام العملية السحرية ونجاحها.

            الوفق
            الوفق ويسمى ايضا في لغة اهل «الحرف» الجدول او المربع ويسمى ايضا الخاتم هو جدول يتكون من عدد معين من الخانات افقيا ومثلها عموديا وتتوافق اعدادها واحرفها وتستوي في الاقطار والزوايا وعدم التكرار لتنتج مفعولا سحريا وتختلف اسماء الاوفاق بحسب عدد اضلاعها ففي الحال التي يكون عددها ثلاثا يسمى الوفق مثلثا وفي حال الاربعة مربعا وهكذا الى المعشر الذي هوالجدل المشكل من عشر خانات عمودية وعشر افقية.
            وبحسب البوني فإن لكل صنف من الاوفاق اغراض يتوسل به الى قضائها وهكذا، فإن:
            المثلث: لأعمال الخير وتيسير الاعمال العسرة كإطلاق المسجون وتسهيل الولادة ودفع الخصومة والظفر بالعدو والأمن من الغرق وابتداء الاعمال وذهاب ريح القولنج.

            المربع
            لأعمال الخير كالمحبة والجذب ومنع التعب والنصرة على الحرب والجاه والقبول ولقاء الأمراء وكسب مودة النساء.

            المخمس
            لأعمال الخير كتسليط المرض والفرقة والعداوة والخراب والرجم ومحبة النساء.

            المسدس
            لأعمال الخير كالرفعة والجاه والعمارة والنصر وزيادة المال.

            المسبع
            للظفر بالعدو وتسهيل العلوم ومنع السحر واذهاب البلادة.

            المثمن
            لأعمال الخير والشر والجاه وجلب الامطار والبرء من المرض وذهاب الجنون وتسهيل العلوم وابتداء الاعمال والاخفاء عن اعين الناس.

            المتسع
            لأعمال الخير كالجاه والقبول ودفع الخصومة والامن من المكائد وللمحبة والنصرة في الحرب ومنع البرودة من الاعصاب واذهاب البلغم.

            المعشر
            للعظمة والشرف ومنع الحديد ودفع السموم وذهاب الوباء وتسهيل الامور الشاقة وقضاء الحوائج من الامراء والسلاطين والنصرة في الحرب وغير ذلك

            فإذا اخذنا المثلث منها مثلا وهو الاقل تعقيدا بين كل الاوفاق فإن وضع الارقام بداخله يتم وفق ترتيب معين ويستعمل السحرة حسابات معقدة باستعمال الاوفاق في العمليات التي يزعمون انها تمكن من تحقيق الاهداف .

            ولأجل ذلك يستحسن السحرة كتابة الوفق عندما تكون الابراج مناسبة للغرض المطلوب بحسب الجن والملائكة الذين يتوسل اليهم تحقيقه، اذ لكل خادم سفلي (جني) خادم علوي (ملاك) ـ بحسب زعيمهم ـ يساعده في تحقيق المطلوب لكن شريطة اختيار اليوم المناسب

            يتبع

            تعليق


            • #7


              الحرز
              «الحرز» او «الحجاب» في الغالب عبارة عن تعاويذ وآيات من القرآن خصوصا المعوذتين (سورتي الفلق والناس) وفي احيان اخرى يحمل الحرز الرقية التي تقول «بسم الله ارقيك من كل داء يؤذيك من شر كل حاسد وعين الله تشفيك» او قد تحمل اسماء الملائكة او بعض مشاهير الانبياء وتتخلل تلك الكتابات اشكال هندسية يقال ان لها مجتمعة اثرا لا يعلم سره الا واضعو «الحروز» وحدهم,وتكتب «الحروز» بريشة تصنع من القصب الجاف ومداد «سحري» يعرف محليا باسم «الصمخ» او «الصمق» او «الصمغ» بحسب الجهات وهو عبارة عن مداد يميل الى الصفرة يصنع عادة بنقع الصوف المحروق في الماء كما تكتب الحروز بماء الورد او ماء زهر الليمون او محلول الزعفران في الماء وغيرها

              الارواح الشريرة.
              اما السند التي تكتب عليه الحروز فقد يكون قطعة ورقة بيضاء او ورق بصل او حبة لوز او تمر، او آنية المطبخ، وبحسب نصيحة «الفقيه - الطالب» ينصح المريض اما بنقع الحرز المكتوب على ورقة في اناء به قليل من الماء ثم تناول المحلول المتحصل عليه من طرف المريض على جرعات منتظمة او التوضؤ بذلك الماء او مسح مناطق من جسمه التي تكون مريضة، كما قد ينصح المريض بأكل الرغيف الذي كتب عليه العبارات السحرية او ورق البصل او التمرة او ما إلى ذلك.

              وفي احيان اخرى يأخذ «الطالب» صحن الخزف الصيني ليكتب داخله الحرز ثم يغسل ما كتب بقليل من الماء ويشربه المريض وقد تكتب الحروز ايضا على بيض الدجاج او يلجأ «الطالب» الى القراءة بدل الكتابة على كأس ماء او زيت ليبيعه للمريض كما يباع محلول الدواء في الصيدلية.
              ولكن الشكل الاكثر تداولا للحروز يبقى هو النموذج الذي يصلح لكل شيء ويتم تعليقه على اجزاء من الجسم (في العنق او اليد او البطن) بواسطة خيط صوفي احمر او اخضر، وذلك بشكل من التمائم يباع جاهزا وملفوفا في مربعات صغيرة من ورق النحاس الاحمر او الثوب الابيض نجده لدى العطار (بائع الاعشاب والمستحضرات العلاجية والسحرية) كما يباع للزوار مقابل اي مبلغ يقدمونه في جنبات اضرحة بعض مشاهير الاولياء في المغرب, وبالنسبة للحرز الذي يصنعه «الطالب» برغبة من مريض تقتضي طقوس العلاج ان يبدأ الفقيه المعالج (الطالب) بتلاوة سرية وغامضة موجهة للجني الذي يصادف «يومه» اليوم الذي بدأ المريض يستشعر خلاله الداء (فلكل جني يوم يكون تحت سلطته).

              الفقيه
              وعندما يتعرف الفقيه على «هوية» الجني المسؤول عن اصابة المريض يرسم الرمز المخصص له على الحرز ثم يقدمه للمريض ناصحا إياه بحمله في العنق باستمرار اذا كانت الاصابة مست الرأس او الصدر او البطن.
              اما في حال الامراض الخاصة بالمعصم والكعب والاطراف والجهازين العصبي والهضمي فإن طقس العلاج يقتضي من المريض تعليق الحرز المعالج في حزامه.
              وهكذا لعلاج اوجاع المفاصل مثلا يكتب الفقيه العلاج السحري على ورق ازرق من النوع الذي تلف داخله قوالب السكر (في المغرب فقط) فيقوم المريض بنقع ذلك «الحرز» في قليل من الماء حتى يتحلل فيه المداد الذي كتب به الحرز وعلى مدى ثلاثة ايام يقوم بشرب جرعات من ذلك الماء السحري على الريق وحين يفرغ الاناء الذي نقع فيه الحرز من الماء يفرغ فيه المريض بضع قطرات من الزيت (زيت الزيتون او زيت المائدة) ويتناول الورق الازرق الذي كتب عليه الحرز يمسح به الاناء وقطرات الزيت ثم يحك به مفاصله المريضة ولعلاج مرض شلل عضلات الوجه (المعروف مغربيا باسم «اللقوة» فإن الطالب يقوم بكتابة الحرز على لحم المريض مباشرة ويتكون المداد السحري من محلول مصنوع من مزيج الثوم المهروس والقطن المحروق المذاب في الخل.

              اما في حالات الاصابة بأمراض معدية يكتب الطالب حرزا بالقطران على الورق الازرق ويرميه في محرقة المبخرة بعد ان يضيف اليه قليلا من الحرمل ثم يبخر المريض بالدخان المنبعث منها وبذلك يتم طرد الجن الاشرار الذين كانوا سبب الاصابة بالمرض فتتوقف العدوى, ولجانب الوقاية استعمالات كثيرة اخرى حيث تذهب النسوة الحوامل اللواتي يتعرضن للاجهاض المبكر ولا يتمكن من الاحتفاظ بحملهن الى الفقيه فيكتب لهن حرزا يحملنه تحت ملابسهن بحيث يلمس جلد البطن، ويقتضي الامر منهن ان يعاودن عيادة الفقيه مرة كل شهر لتغيير الحرز الجديد ضمانا لفاعلية العملية.

              ان الحرز هو اكثر من اسلوب علاجي او وقائي فهو يحظى بمزيج من مشاعر الخوف والتقديس التي تثيرها قدرته على معالجة اكثر الامراض استعصاء على العلاج من الطب الحديث ولذلك لا ينبغي تدميره بالتمزيق او الحرق، بل ارجاعه الى من هم ادرى بأسراره (اي الطلبة صانعي الحروز) من دون حتى فتحة للاطلاع على ما هو مخطوط بداخله تحت طائلة التعرض للعنة غامضة.

              «السبوب» علاج الاطفال بالكتابة
              يعتبر «السبوب» من بين اكثر اشكال الحروز تداولا في المغرب وتؤكد ربات البيوت انه فعال جدا في وقاية وعلاج الاطفال وخصوصا الرضع من الامراض الكثيرة والغامضة التي تصيبهم بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم، بينما تعتقد امهاتهم انا من التأثيرات الشريرة للجارات او القريبات الحاقدات.

              وفي صناعة «السبوب» يصنف الفقهاء الى مستويات والذي يكثر الاقبال عليه هو من تكون «يدو مزيانة» اي ان ما يكتبه لربات البيوت الخائفات يهدئ من اضطرابات فلذات اكبادهن وتشكو الامهات غالبا من نفس الاعراض نوبات بكاء مستمرة تقطع انفاس الرضيع , ارتعاش في النوم (حركات عصبية لا ارادية) عيوب خلقية تشوه شكل الرأس، ولعلاج البكاء لدى الرضيع يأخذ الفقيه ريشة من قصب يغمسها في صمغ ويكتب على ورقة بيضاء كلاما لن تقرأه الأم (اذا كانت متعلمة) لأنه محظور عليها فتح السبوب والاطلاع على مضمونه فاحترام الغموض الذي يميز السحر هو من شروط نجاح العلاج، كما رأينا وما يكتبه الفقيه نقلا عن «كتب العلم» يشبه في الحقيقة ما يلي: «عيسى ولد يوم السبت فلا كلب ينبح ولا ريح تلفح ارقد ايها الطفل بغير بكاء الى ان تصبح بألف حول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اذ اوى الفتية الى كهف سنين عدد وخشعت الاصوات الا همسا» ثم يطوي «السبوب» ويعطيه للأم ناصحا اياها بأن تضعه في ماء نقي حتى يتحلل ورقة وصمغه، ثم تنازل قطرات من ذلك المحلول السحري لصغيرها او ان ترمي بالسبوب في مجمر متقدة ناره وتعرض صغيرها للدخان المتصاعد منه او ان تلف «السبوب» في ثوب ابيض وتعلقه بخيط احمر في عنقه.

              وهناك زوايا وطوائف مشهورة في المغرب بإنتاج السبوب تحظى بمصداقية لا تضاهي ومن اشهرها زاوية «الخيايطة» في نواحي الدار البيضاء ويعتمد اسلوب عمل هذه الطائفة على تسليم سبوب للزبون حسب نوع الاصابة ومطالبته ارجاعه سواء حصل العلاج او لم يحصل لأخذ سبوب آخر وهكذا تستمر عيادة ذوي المريض الى الزاوية حتى يشفى وهو ما يخلق ترابطا روحيا بين الطفل والزاوية.

              الجدول
              يعرف المعجم الوسيط الطلسم بأنه خطوط واعداد يزعم كاتبها انه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية لطبائع السفلية لجلب او دفع اذى وهو لفظ يوناني لنعت كل ما هو غامض ومبهم كالألغاز والاحاجي وحسب ابن خلدون فإنه اذا كان السحر هو اتحاد روح بروح، ولا يحتاج الساحر فيه الى معين فإن الطلسمات يحتاج فيها الساحر الى معين فيستعين بروحانيات الكواكب واسرار الاعداد وخواص الموجودات واوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر ولذلك فإن الطلسمات اتحاد روح بجسم اي ربط للطبائع السماوية (التي هي روحانيات الكواكب) بالطبائع السفلية.
              ويعني ذلك ان الطلاسم (او الطلسمات) ليست شيئا آخر سوى الجداول (بالتعبير المغربي الدارج الذي ينطق الكلمة بجيم ساكنة مع تشديدها) ان صناعة الجداول تخصص لا يتقنه سوى نخبة الفقهاء السحرة الذين اكتسبوا معرفة دقيقة بأكثر «علوم السحر» تعقيدا ولأجل ذلك يطلبون مقابل عملهم تعويضات من الزبائن تكون قيمتها المالية كبيرة.

              واهم العناصر التي صنع منها الجداول هي: حروف غير مفهومة مثل السبع خواتم، (معروفة بخاتم سليمان) حروف ابجدية، ارقام، اسماء هجرية، اسماء عناصر، اسماء ملوك الجن والملائكة، اسماء الله الحسنى، سور من القرآن، اشكال هندسية مختلفة.

              وتسمى الجداول كذلك في لغة السحرة «خواتم» او حسب شكلها الهندسي مربع مخمس وهي من التنوع والغرابة بشكل يرعب العامة او على الاقل احترامها للعمل السحري ومن مطالعتى لبعض كتب السحر التي تحفل بالكثير من النماذج نستخلص ان الجدول الواحد يصلح لقضاء اكثر من غرض واحد وطريقة الاستعمال وحدها تحدد النتيجة التي حصل عليها المستفيد من العملية ونظرا لأن تلك الرسوم التخطيطية الغامضة تبدو متضمنة لخاصية سحرية (كل ما هو غامض هو سحري) فإن مؤلفي مصنفات السحر الاساسية بالغوا في حشو بعض الجداول بكل ما هو غريب وغامض من الرموز.

              يتبع

              تعليق


              • #8



                الخصائص السحرية للحيوانات

                تلعب الحيوانات أدواراً مهمة في الممارسات السحرية المنتشرة على أوسع نطاق في البلاد العربية، فدماؤها ولحومها تشكل سنداً ضرورياً لطقوس طرد الشر والحصول على البركة حين تقدم كقرابين, كما تدخل العناصر الأخرى ذات الأصل الحيواني ضمن المواد اللازمة لإعداد العديد من الوصفات السحرية، فتستعمل جلودها، أطرافها، أمخاخها، عظامها، مخالبها، أو أعضاءها الداخلية, بل حتى فضلات بعض الحيوانات لا تعدم فائدة سحرية، حسب الكثير من مصنفات السحر الرسمي، وهنا نتحدث عن خصائص السحر في الحيوانات
                لا يخلو دكان من دكاكين الأسواق العامرة المتخصصة في بيع مستحضرات السحر من حيوانات محنطة (طيور، قوارض، زواحف، وغيرها) تتدلى ومن تحتها في السلال والأقفاص والقناني حيوانات أخرى تطلب حية (سلاحف صغيرة، قنافذ، حرابي,,, الخ), ويؤكد ذلك من دون شكل الحضور المهم للحيوانات في المعتقدات السحرية, على الرغم من أن المعروض منها لا يمثل إلا جزءاً ضئيلاً فقط من العالم الغريب الشائع للحيوانات المنذورة لأغرب الوصفات.
                واعتمادا على بعض مصنفات التراث السحري المكتوب، فإن من أهم العناصر ذات الأصل الحيواني المعروف، هناك مثلا شحم القنفذ، عظام الحنش وجلد السبع والحنش والثعلب والغزال والذئب، والقنفذ والغزال، خصية الذئب ، قشرة الأفعى ورأسها، عين الهدهد وريشه ودمه، دم الخفاش، دم الغراب، دم الثعلب، دم العصفور، الحرباء وبيضها، السحالي، البوم، مرارة الغراب، ... الخ, هذا بالنسبة للحيوانات البرية، أما الحيوانات الأليفة، فأهمها بعر الماعز واظلافه ومرارته، بول الكبش وبول البغلة، دم الأرنب وكعبه وقلبه، بيض الدجاجة، بيض النمل !!!، مخ الديك الأبيض والأسود، مخ الحصان، مخ الحمار ولسانه، مخالب الدجاج، السمك، حوافر الدواب، البق، الذباب، الفئران وغيرها.

                وان الاعتقاد في وجود خصائص سحرية لدى الحيوانات قديم جداً في المغرب، ومن المعتقدات التي مازالت شائعة حتى اليوم أن صوت البوم هو نذير شؤم، وأن ذلك الحيوان الليلي الذي يفضل العيش في الخرائب, إذا حلق أو وقف فوق ملابس الطفل الرضيع، حين تكون معروضة فوق حبل الغسيل، فإن الطفل عندما يلبسها يصاب بمرض شديد.

                الكبش والدم
                أما الكبش سيد القطيع الذي كان مقدساً لدى أسلافنا البربر في أزمنة غابرة وسابقة على الفتح الاسلامي، فإن نحره كأضحية في العيد الكبير، عيد الأضحى، ترافقه طقوس تحركها معتقدات سحرية، لاتزال تمارس حتى اليوم, فعند نحر أضحية العيد، تشرب «الشوفات»، وهن أولئك النسوة اللائي يمتلكن «بركة» كشف أسرار الغيب، كثيراً من دم الكبش الحار، لأنه يقوي لديهن القدرة على قراءة الغيب, كما يتم تجفيف ذلك الدم واستعماله للتبخر به أو في بعض الوصفات السحرية الأخرى التي تقوم بها المرأة لامتلاك قلب الرجل.

                وتسمح القوة السحرية المضاعفة لدم أضحية العيد، لبعض العرافين بالتنبؤ بأحداث السنة المفرحة أو المفجعة وذلك بحسب شكل الدم، وبعض التفاصيل الثانوية الأخرى التي يمتلكون وحدهم أسرار استقراء مكنونها.
                وليس الدم وحده، بل إن عظم كتف الكبش أيضاً يكشف لكل ذي عين بصيرة أحداث السنة التي تمتد من العيد الى العيد الموالي,,, وبعد قراءة «أسرار الكتف» كما تسمى، يتم الاحتفاظ بذلك العظم السحري الى غاية عاشوراء، حيث يتم التخلص من «سحره» بدفنه تحت اسم «بابا عيشور».

                وإذا كانت هذه الطقوس السحرية لا تمارس في كل الأوساط المغربية، فإن هناك عادة ترتبط بمعتقدات سحرية لاتزال تمارس في كل البيوت, ونقصد بالطبع تعليق مرارة كبش العيد بعد نزعها من كبده على حائط بالبيت, وتبقى معلقة به الى أن يتم استبدالها بمرارة جديدة, وحسب المعتقد القديم الذي أطر هذه العادة القائمة على نحو واسع حتى اليوم، فإنه في المرارة يتم تركيز كل مرارة الحياة للتخلص منها خارج الذوات، كما أن تلك المرارة تحمي طرفي العلاقة الزوجية من الخصام، حيث تجذب اليها مرارة المشاكل الحميمة في البيوت.

                حيوانات مائية
                وتحظى الحيوانات المائية بقدر غير يسير من الأهمية في معتقداتنا السحرية، فنقط تواجد الماء، ولذلك يسود الاعتقاد في قدرة الجن على الحلول في بعض الأحياء المائية, ففي العيون المالحة التي تنبع من مغارة (ايمنفري) بضاحية دمنات تسبح سلاحف كانت تحظى باحترام وتقديس اليهود والمسلمين من سكان المنطقة، الذين كانوا يقدمون اليها القرابين.
                أما في موقع شالة الأثري بالرباط، فعند خرائب قاعة الوضوء القديمة توجد عين ماء عذبة تعيش فيها أسماك حنكليس اليفة (تسمى محليا النون, مفردها نونة)، من بينها ملكة أصبحت منذ أمد بعيد غير مرئية، ويقال إنها سمكة حنكليس عجوز لها شعر ،وأذنان مسترخيتان, وفي كل يوم أحد، خلال ساعات الساخنة التي يكون فيها الجن أكثر حدة (شياطين الزوال)، وخطيرين لكي يسهل الوصول اليهم، كانت النسوة يعملن البخور على جنبات الصهريج وترمين قطع أحشاء الحيوانات وكريات من عجين الدقيق، مخاطبات الأسماك قائلات: «خذي عارك التي أعطيتنا، هذا العار ترمى علينا واحنا كنرميوه عليكم»، وحتى سنوات قليلة ماضية، يذكر كاتب هذه السطور أنه رأى نسوة ينثرن لأسماك الصهريج الظليل البيض المسلوق ويرمين اليها بقطع من النقود, ويحتل الدجاج موقعاً متفرداً في صدارة الحيوانات المستعملة في تحقيق أغراض سحرية, فالديك الذي يعلن عن فرار شياطين الليل في الضحى، لا شك أن له خصائص ينفرد بها عن غيره من الطيور الداجنة والبرية.

                ولذلك ربما كان أكل الديكة أحسن طريقة لكي يصبح الرجل فقيها شهيرا، في تافيلالت بمعنى آخر فإن التغذية بهذا الطائر أو بعض أجزاء من جسمه (خصوصاً الرأس) يفترض فيها أن تمنح الإنسان الخصائص العجيبة للديكة،, وبالمثل يحظى الدجاج، بشكل أعم (ذو الريش الأبيض أو الأسود أو الأحمر، على الخصوص) بمميزات تجعله يستعمل في مالا نستطيع حصره من الوصفات ذات الأعراض المتنوعة.
                وتستعمل الحرباء في وصفات ابطال مفعول السحر الأسود، بينما يستخدم بيضها في اعداد وصفات التوكال» التي تعطى «في الأكل، للغير بغرض القتل البطيء، وأيضاً لكل فتاة تشتكي من العنوسة، ينصح العشاب بالتبخر بالعرعار و«تاتة عويتقة» أي حرباء بكر كيف يميزون جنسها وعذريتها؟) ولأجل ذلك تهيئ الفتاة النار في مجمر، فترمي في لهيبها الحرباء المسكينة حية مع العرعار وتعرض نفسها للدخان المتصاعد الذي يعتقد أنه يبطل مفعول السحر المعمول لها، كما تستعمل الحرباء أيضاً لعلاج «التوكال» حيث يأخذ المصاب به، هذا الحيوان الكسول بعد أن يذبحه ويغسله، يتناول لحمه.

                مخ الضبع ولسان الحمار
                حسب لاوست، فإن شعوب الشرق الأوسط تقاسم المغاربة اعتقادهم في القوة السحرية للضبع، وربما كان اقتيات هذا الحيوان الجبان على جيف الحيوان والإنسان هو السبب في ما الصق به من قدرات عجيبة على التأثير في البشر بمجرد لمسهم لأي جزء من جسمه «لدرجة أنه يفقدهم عقولهم، ولذلك تخلط النساء الراغبات في الانتقام من أزواجهن، أو في ضمان خضوعهم التام، أجزاء من مخ الضبع في الأكل, ويحدث كبد الضبع نفس المفعول، كما تستعمل الأجزاء الأخرى من جسمه كالجلد واللسان وحتى البراز والبول في اعداد تمائم لحماية الخيل، وإخراس نباح الكلاب وزيادة الزبدة في «الشكوة».
                وحسب بعض المصادر الشفوية، فإن وضع قليل من مخ الضبع فوق رأس الرجل يؤدي به إلى الجنون, أما إعطاؤه له مع الأكل فينتج عنه موته فوراً, ولا نملك تأكيداً من المراجع العلمية لهذا القول المخيف.
                وفي الأوراق التي تركها الطبيب النفسي موشون (الذي شكل اغتياله في مراكش في بداية القرن العشرين المبرر المعلن للتدخل الفرنسي لفرض الحماية، نقرأ وصفة غريبة تجمع بين الخصائص السحرية المزعومة لكل من مخ الضبع ولسان الحمار، حيث كتب نقلا عن مصادره يقول: «لكي تهيمن المرأة على زوجها، تهيئ واحدا من الفصوص السبعة لمخ الضبع مع بعض التوابل (التي لا نرى داعيا لذكرها)، ثم تضعه في كيس صغير تحمله معها، وفي الوقت نفسه، تطعم زوجها لسان حمار تم جزه من الحيوان وهو لا يزال بعد حيا, وستصبح منذئذ سيدة البيت، اذ سيرتعد الزوج أمامها كما يرتعد الحمار في مواجهة الضبع.
                ونسجل هنا ملاحظة جديرة بالتأمل فعلى العكس من السحر الشعبي الذي يزعم أن من شأن لمس أي جزء من جسم الضبع أن يؤدي بالإنسان الى الجنون, لم نعثر في مصنفات السحر الرسمي (أي كتب السحر المتداولة) التي تأتى لنا الاطلاع عليها، أدنى وصفة تشير الى الاستعمالات الممكنة لأعضاء الضبع في وصفات بغرض إلحاق الأذى بالغير, وعلى نحو مفارق، جاءت كل الوصفات التي صادفناها محققة لأغراض «سلمية» نورد بعضا منها في الفقرة الموالية.
                ربما كان ذلك احتراسا من رقابة الدين الذي يحرم السحر الأسود كما أسلفناه، أو ربما لكون الاعتقاد في القدرات السحرية القوية لأعضاء الضبع - وفي مقدمتها مخه - ظهرت في «المغرب في فترة متأخرة، ولاحقة على صياغة المصنفات إياها، التي وضعها بعض المتصوفة خلال العصر الوسيط.
                والثابت أن خوف المغاربة من الضباع جعلهم يستهدفونها بالقتل المجاني، بهدف القضاء علىها في أماكن انتشارها في الجبال والصحارى, وكلما قتلوا ضبعا يسارعون الى قطع رأسه ودفنه في مكان آمن، بعيداً عن الأيدي الآثمة, ونتيجة لذلك، أصبح هذا الحيوان الجبان موضوعا على لائحة الحيوانات المهددة بالانقراض في المغرب، حالياً.
                والثابت أيضاً أن مخ الضبع يعتبر من أندر المواد السحرية وأغلاها، إذ يصل سعر الغرام الواحد منه في الأسواق «السرية» الى مليون سنتيم، وإذا استحضرنا ذلك، فإننا سندرك دون عناء في التفكير، أن دماغ ضبع واحد يساوي ثروة حقيقية.

                وبدرجة أقل، من حيث الشهرة في أوساط العامة، يشكل الحمار بديلاً مكملا في الوصفات التي تستهدف بها النسوة المقهورات كبح تسلط الأزواج, ويلح مصدر شفوي على أن جز لسان الدابة وهي على قيد الحياة هو شرط أساسي لضمان شدة المفعول السحري للسانها, بينما يتضاءل ذلك المفعول أو ينعدم حين يذبح الحمار، ليقطع لسانه بعد ذلك.
                وتتطابق كل الافادات التي استقيناها حول الموضوع في حصر لسان الحمار في الاستعمالات المطبخية، عكس الاستعمالات المتعددة التي يتيحها مخ الضبع وأجزاء جسمه الأخرى.


                يتبع

                تعليق


                • #9


                  بعض الوصفات السحرية

                  قلب النسر الملفوف في جلد الضبع، إذا كتبت عليه أسماء القمر ورسم يمثل كلبا يعض ذيله، فإن من يحمله لا تنبح عليه الكلاب.

                  عيون سرطان النهر والقط الأليف والهدهد إذا جففت في الظل وخلطت مع قدر وزنها من الكحل الأصفهاني ثم استعملت كقطرة للعين قبل طلوع الشمس، فإنها تسمح برؤية الجن.

                  قلب الثعلب وقلب البوم وقلب اليربوع (فأر البراري)، إذا جففت جميعها تحت الشمس ولفت في جلد أسد فإنها تحمي حاملها من الجن والإنس والحيوانات المتوحشة.

                  مرارة دجاجة سوداء ومرارة قط أسود ومرارة خطاف أسود ومرارة تيس أسود تجفف مع مقدار وزنها من الكحل مضافا اليها بعض المواد الأخرى، إذا تم تقطيرها في العينين «فإنها تسمح بالرؤية في ظلام الليل كما في النهار».

                  لعدم الحمل تأخذ خفاشة (أنثى الوطواط) تذبحها وارم مافيها (أي ما في جوفها) وضعة في وسادة المرأة التي لا تريد أن تحمل) فإنها لا تحمل أبدا ما دام الخفاش في الوسادة.

                  هذه الوصفة مجربة
                  لعلاج الحصى في الكلى تأخذ روث الحمار (زبل الحمار طريا) وتعصره وتأخذ الماء الخارج منه وتسقيه العليل فإنه نافع له.

                  محاولة للفهم

                  ما وجه العلاقة بين قلب الأرنب ووريقات النعناع ومنع الحمل أو بصيغة أخرى، كيف يتشكل الاعتقاد السائد في وجود خصوصيات سحرية لدى الحيوانات؟

                  بالنسبة الى ادموند دوتيه، فإنه «من دون شك، نجد هنا ترابطاً بين أفكار غريبة لا نعرفها، ويمكن أن يحصل الترابط ليس بين الأحاسيس، ولكن بينها وبين الحالات العاطفية المرافقة لها، أو تلك التي رافقتها فالشخص الذي حقق السعادة يوم حمل شيئاً معينا، نستنتج أنه كلما حمل ذلك الشيء إلا وسيحقق نفس السعادة»
                  إن الأمر لا يعدو أن يكون، برأي الباحث الفرنسي، سلسلة من المصادفات المتفرقة انتهت الى اقامة علاقة غامضة بين السبب والنتيجة.

                  ويشكل مبدأ التشابه المعروف لدى علماء الأنثربولوجيا، قاعدة عامة تكاد تقوم عليها أغلب الوصفات التي قدمنا نماذج منها, فإذا كان ترابط الأفكار التي انتجت لنا في نهاية المطاف الوصفات الغريبة، غير واضح المعالم، فإن اللجوء الى نظرية السحر التشاكلي، أو سحر المحاكاة، التي يقوم عليها المبدأ القائل بأن «الشبيبة ينتج الشبيبه» يسعف في تلمس بعض عناصر الفهم بخصوص موضوع الاعتقاد في وجود خصائص سحرية لدى الحيوانات.

                  فنقول بالنسبة للوصفة ونستنتج من ذلك أن استعمال عضو من أعضاء الحيوان القوي من شأنه أن ينقل الفحولة الى الشخص الذي يطلبها من خلال العملية السحرية.

                  أما الوصفة الأخرى التي أوردها الطبيب موشون والمتعلقة بجعل المرأة الولود عاقراً مدى الحياة من خلال جعلها تبتلع حبوب شعير سقطت من فم بغلة,, فمن المعروف أن هذا الحيوان ارتبط في ذهن المغاربة بعدم الانجاب، اذ تنفرد البغلة من دون باقي اناث الحيوانات الدواب بالعقم، حتى درجوا على القول بأنه «يوم تلد البغلة، ستفنى الدنيا في إشارة مجازية الى استحالة أن تنجب البغلة» وكذلك الأمر حين تدعي الوصفة الأخرى أن المرأة التي تسقى (تشرب) بول البغلة لن تحمل,,, فالفكرة المضمرة في كلتا الوصفتين أن المرأة التي تقسم البغلة شعيرها أو تشرب بولها، ستصبح شبيهة بها في عدم الانجاب, وقياساً على هذا المثال، تبدو الوصفات الأخرى قابلة لكشف ترابط الأفكار التي نسجت منها.


                  الدم والقربان
                  يثير الدم في النفس البشرية مشاعر غامضة، تتأرجح بين الخوف والتقديس، فسهولة انسيابه، حرارته لونه الاحمر القاني ورائحته المتميزة، جميعها خصائص تثير بعنف خيال الناس قليلي المعرفة, ان الدم هو طابو بالنسبة للمغاربة، اذ يحرمون تناوله في الأكل او شربه، ويحذرون ان يطأوا بقعة دم منتشرة على الارض, بل انهم يتجنبون مجرد الاقتراب من اماكن تواجد الدم لاعتقادهم في ان الجن يتردد عليها وبسبب كل ذلك وغيره يحظى الدم في اعقتادهم بخصائص سحرية تجعل منه احد العناصر المهمة في وصفات السحر سواء اكان دم بشر او حيوان.

                  فبالنسبة للسحر بالدم البشري يحفل التراث السحري بالكثير من الوصفات التي تستعمل في الغالب اما دم الشخص نفســه المســتفيد من العــملية السحرية وصفات سحر الحب وسنكتفي من كل ذلك بنموذج واحد شــائع حــيكت حوله الكثير من المعــتقدات هو «دم المــغدور».

                  دم المغدور
                  يعتبر دم كل شخص فارق الحياة في حادث قتل عنيف دما سحريا يستعمل في وصــفات الحاق الاذى بالآخر.
                  وتتهم العجائز في شكل خاص باقتناص فرص الارتباك الذي يحصل بعد وقوع حــوادث الســير المميتة لأخذ قليل من الدم المتناثر على الاسفلت في قطعة ثوب او في ذيول الجلباب.
                  وحسب افادات بعض المصادر الشفوية فإن هذا الدم السحري كفيل بإحداث اضطرابات صحية خطيرة للأطفال الرضع الذين لم تظهر اسنــانهم بعد كما يستعمل من قــبل المــرأة التي تريد الانتقام من زوجها حيث يؤدي بالرجل الى فقدانه لقواه العقلية حيث سمــعنا قولا يردده بائع اعــشاب ومستحضرات سحرية يــنادي على الزبــائن في جوار ضريح ولي قائلا «هنا دواء دم المغدور ديري ليــه دم المغــدور ياش تحمقيه وتــخليه يدور» وهو ما يعكس مدى اعتــقاد العــامة في القــدرات العجيبة لهذا الدم اما بالنسبة للــطفل الرضــيع فإن الامهات يحرصن على إبــقاء اطفــالهن الــرضع بعــيدا عن النــساء اللــواتي لا يثــقن في نــواياهــن, وحسب ما هو شــائع، فإن مجرد دخول شخص يحمل وســط ملابــسه «دم المغدور» والتقاط حاسة «الشم» لدى الرضيع الذي يكون حساسا خلال تلك السن المبكرة للأصوات والروائح، يكــون كافــيا لإصابة الرضيع باضــطرابات صحية قد ينجم عنها عدم التئام عظام جمجمته وتسمى هذه العــملية «الشم».

                  ولأن الشيء يحدث الاثر كما يحدث نقيضه بحسب الظروف فإن دما آخر تمنحه معتــقداتنا خصائص سحرية مباركة يبــطل المفــعول المــؤذي لدم المغدور، وهو دم اضحية العيد المعروفة في هذا الصدد نذكر

                  عندما يبلغ الرضيع اربعين يوما تقص خصلة من شعر قفاه يضاف اليها قليل من الكبريت ودم اضحية العيد المجفف ثم تخفى في حجاب يعـلق في عـنق الطفل.

                  يؤخذ دم اضحية العيد مع الزعفران الحر والقرنفل والسـانوج وتمـزج هذه المـواد مـع الـزيت وحليب الأم ليدهن بها رأس الرضيع.

                  علاج بعض الأمراض
                  ولا يقتصر استعمال دم اضحية العيد على الوقاية من الآثار السحرية المؤذية لدم المغدور على الرضع، بل ان المجتمعات المسلمة في دول المغرب العربي تستعمل دم الضحية طريا لعلاج بعض الامراض العارضة التي تصيب الكبار ايضا, كما تقوم ربات البــيوت بأخذ كمية من ذلك الدم لتجفيفها والاحتفاظ بها قصد التبخر بها لطرد الجن كما يدق الدم المجفف ويخلط مع الحناء لعلاج بعض الامراض النسائية خصوصا منها تلك التي تصـيب الثدي.
                  والحقيقة ان دماء الحيوانات تستعمل على نطــاق واســع في اعمال السحر، الداجــنة منــها او المتوحشة, وتشــمل لائحــتها خليطا عجيبا من كل الكمــيات والاصــناف، ويمتد مــن دم البــقة الــى دم الثور.

                  يتبع

                  تعليق


                  • #10



                    قرابين الدم
                    يعني القربان في علم الاجتماع «كل ما يتقرب به الى القوى العلوية من ذبيحة وغيرها» وقد تكون هذه القـوى الهـا او غيرها من القــوى فوق الطبيعة الاخرى: جــن، اولياء، ارواح، الخ واذا كانت لكل قربان دلالته وقيمــته الرمزية فإن اكثر انواع القرابين قيمة هي الذبائح التي تراق دماؤها خلال طقوس دينــية او سحرية على مكان مقدس.
                    وتختلف طبــيعة القرابين باختلاف المــناسـبات والجهة التي تقدم اليــها والشائع في معتقداتنا ان الجن يفضل من القــرابين بشكل عام المواد الغــذائية مثل فول، حليب، كسكس باللــحم ومن دون ملــح، الــخ ومــن الذبائح التي تحظى بالأفــضلية لديه ذبائح الدجاج والماعز الاسود, وتقتضي طقــوس تقديمها ان ينحر طائر الدجاج الابيض او الاســود او الأحمر حسب المناطق والمناسبات والمقاصد في الاماكن التي يعتقد في تواجد الجــن بها خصوصا مجاري المياه العدمة ثم يترك دم الذبيحة يسيل وينــثر بعد ذلك ريشها وامعــاؤهــا كــي «يلــتهمــها الجن» مع منع القطط والكلاب من الــنيل من تلك الوليمة الغريبة.
                    وحسب بعض الإشارات التـاريخـية فإن بعـض الانهار المـغربية كانت تشـهد اراقة دماء الذبائح بهدف التقرب والتودد الى الجن الذي يعتقد السكان في وجودهم في مياهها كما كانوا يريقون دماء الطيور في المغــارات والآبـار وغيرها من الاماكن المعتقد في وجـوده فيها لكن القرابين المقدمة للأولياء المنتشرين بكثرة في المغرب تظل الاكـثر انتـشارا وعلانية.
                    وحسب الملاحظة، يمكن تصنيف هذه القرابين الى صنفين رئيسيين: من جهة نجد القرابين العادية التي تتوافد مع الزوار بشكل يومي حسب اهمية ودرجة شهرة الولي وتتمثل في الشموع والاعطيات المالية التي تقدم لدفــين الضريح من خلال اقرب الناس اليه اي المشرفين على ضريحه ويستمد هذا النوع من القرابين ضرورته وفق الاعراف القائمة من كونه يعتبر وســيلة تواصـل تسمح بربط وشائج علاقة روحية بين المريد وصاحب «المقام» اذ لا تجوز في عرف العامة زيارة الاولياء بأياد فارغة فمن شأن ذلك ان يغضــب «الــولي الصالح» من زائــره وهـناك من جـهة ثانية قرابين الــدم التي تعتبر اكثر اهمية نظرا لقيمتها الاقتصادية والــرمزية واراقــة الدم والتــي تقــدم للأولياء بشــكل مناســباتي او سنوي.

                    فهم دلالاتها
                    ان ظاهرة تقديم الذبائح للأولياء قديمة جدا في المغرب, وتجد اصولها في الحفلات الزراعية التي يقيمها اجدادنا تتويجا للمواسم الفلاحية، حين كانت القبيلة تجتمع حول وليها، في احتفال سنوي يخرجها من اطار الروتين اليومي وتشكل المناسبة فرصة لنحر الاضاحي على شرف الولي الاب الروحي للقبيلة ومن لحومها تهيئ النسوة ولائم جماعية كانت تؤجج حس الانتماء الجماعي الى القبيلة الواحدة.
                    لقد كانت للقربان حينها وظائف اجتماعية وروحية لكن ضاعت الكـثير من ملامح تلك الحياة الجماعية الاولى واصبحت القرابين التي تنـحر اليـوم على اعتاب الاولياء فرديـة وبشكل عام يمكن التمييز بين اربعة انواع رئيسيسة من قرابين الدم التي تقدم للأولياء هـناك اولا القرابين التي تنحر من اجل التقرب الى ولي وهذه العادة الشائعة لا علاقة للمستوى التعليمي او الاجتماعي بانتـشارها، بدلـيل ان بعــضا من الاطر السامية في اسلاك السلطة الترابية اشتهروا باتيانها علانية فبمجرد تعيين عمال الاقاليم يهب بعضهم الى زيارة الاولياء الاكثر شهرة في اقاليمهم رجال البلاد، كما تسميهم العامة وذلك تحت اضواء الكاميرات او في زيارات خاصة يحملون اليهم هبات مالية وذبائح قيمة تليق بمقامهم المقدس كما تقــدم هـذه القرابين في فترات الموســم السنوي للولي او بغير مناسبة وهناك ثانيا القرابين التي يلتمس مقدموها من الولي ابعاد الشـر عنــهم التطهر من العكس، طلب الشفاء، صـرع الجـن، ثـم هـنـاك ثالـثا قرابين الـدم التي يطلب اصحابها من القوى المقدسة الخفية انجاح مشـروع او صفـقة نجــاح فـي الاعـمال، تيــسير زواج، الـخ.
                    واخيرا هناك القرابين المقـدمة استــيفاء لنـذر ســبق للمعني ان قطـعه على نفسه ففي حالات معينة يقطع الـزائر او الــزائرة على نفـســه عهـدا بأن يحــمل الى الــولي ذبيحة في حال ما تحقق مراده, وحين يقضي الغرض يصبح على كــاهل صاحب النــذر دين ينبغي عليه ان يستوفيه والا انقطعت عنه بركة الولي.
                    ان المطلوب من الولي في هذه الحالات كلها وفي المقابل قربان الــدم المقدم اليه هو بركته البركة التي يمنحها لمقدم القربان كي تطرد الــشر المــسلط عليه من الآخــر والبــركة التي توفر الحماية من العين والبركة التي تيسر سبيل النجاح وتقضي الاغراض كلــها وتضــمن استمراريتها.

                    الاتصال
                    ولكن كيف يحصل الاتصال مع القوى العلوية من خلال قربان الدم، من وجــهة نظر المــعتـقد الشعبي؟
                    ـ يرى ادموند دوتيه وهو ابرز الدارسين للظواهر السحرية في المجتمعات المغاربية انه لكي يكون القربان مكتملاً اي مستوفيا لشروط القبول يكفي المضحي وهو ينحر الاضحية ان يدعو التـأثير الخلاصي للقوى فوق الطبــيعة كي يحل التأثير في لحم الاضحية التي سيتناولها فيما بــعد، مع الاكــل ويضيف دوتيه ان ذلك يحصل عندما يتم نحر القربان في جوار الولي ان سيلان الــدم علي الاعتاب المقدسة للولي هو شرط واجب لطرد التأثيرات الشريرة من المضحي بواسطة الذبيحة ويستنتج ادموند دوتيه انه لكي يتم طــرد الشــر بشــكل فعــال من طرف صاحب القربان ولكي توضع الاضحية في اتصال جيد مع العلوي ينبغي ان يســيل الدم بغزارة.
                    وقد كانت تقــام حول بعض الاضـرحة الشــهيرة في المغـرب، مـجـازر حقــيقـية للحيوانات خلال فترات المواسم السنوية وكانــت الاســرة ترعى قــربــان الــولي طــيلة اشــهر او طــيلة الســنة حتى اذا حــل المــوعد السنوي المنتظر لإقامة الموسم حملته الى وليها لتسيل دماءه على جنباته المقدسة.
                    وفي دراسة قديمة كتبها الباحث الفرنسي لاوست اشارة عابرة حول غزارة الدم الذي كان يفيض على جنبات احد الاضرحة الشهيرة في المغرب اذ ـ حسب لاوست ـ خلال الموسم السنوي لمولاي ابراهيم 80 كيــلو متــراً عن مراكــش الذي يقام بعد عيد المولد النبوي بأيام كانت تقام مجزرة حقيقية للديكة البيضاء الدجاج البلدي طبعا الى درجة ان دماءها كانت تسيل غــزيرة في غــدران على عــتبة «الزاوية».

                    قربان النار
                    بالنسبة الى عالمي الاجتماع الفرنسيين اوبي وموس فإن القربان هو وسيلة للدخول في اتصال مع الالوهية من خلال كائن حي يتــم تدمــيره خلال الحفل ويكون هذا التدمير اما بالـذبح كما رأيــنا كما قد يكون بالحرق حــيث عرفت الحضارات البشرية منذ القدم عادات تقديم القرابين البشرية والحــيوانية لكننا لم نعثر على ما يفيــد بوجود ظــاهرة تقديم القرابين البشرية في المغــرب، خلال اي عصر بيــنما كانت قــرابين النار من الحيوانات شائعة على نحو علني وجماعي خلال بعض المناســبات ولا نعــلم ان كانت تمارس حتى اللحظة الراهنة في بعض المناطق ولعلنا نجد في الطقوس السحرية التي تتضمن التبخر ببعض الحيوانات الصغيرة بعد رمــيها حية في لهيب المجامر كالحرابي جمع حرباء والعقارب وغيرها والتي مازالت تمارس على نطاق واسع اشكالا متأخرة لكن فردية وخفية لقرابين النار التي كانت في السابق جماعية وعلنية ثم انقرضت من مجتمعنا.
                    لقد ارتبطت قرابين النار في بلادنا ببعض المناسبات التي يتم خلالها اشعال نيران المباهج مثل العنصرة ومن امثلة قرابين النار التي ذكرها لاوست عند قبائل جبالة في الشمال الغربي كانت ترمي جثــة قط متوحش في الغــابة اما قبائل بني كيلد بالمغرب الشرقي فكان افرادها الرحل يحرقون دجــاجة بيضاء خلال نفس المناسبة ويقول وستر مارك انهم كانوا يحرقون ديكا ابيض في خيامهم وان ذلك الــطقس كان هو كل احتفالهم بالمناسبة الدينية اما في مدينة سلا فإن النــاس كــانوا يحرقون طائر البوم في النار بينما في تزروالت في سوس جنوب المغرب كانوا يرمون للنيران بعض الاسماك.

                    وفي تفسير هذه العادات الغريبة لم يكتب الشيء الكثير لكن حسب وستر مارك دائما فإن الدخان المنبعث من جــثث الحيوانات يطهر في اعتقاد الناس ـ من التأثيرات الشريرة وينقل البركة ولــذلك كانوا يعتبرون قرابــين النــار مفــيدة للزراعة ولقطعان اغنامهم اما عالم الاجتــماع الفــنلندي منهاردت فيستنتج من دراسته للــظاهرة ان لذلك الدخان
                    خصائص سحرية.
                    ولعل من اغرب قرابين النار التي عرفها المغاربة قربان الحلزون الذي كانت تقــدمه بعــض قبــائل الاطلس الكبير لنيرانها فحسب لاوست دائما كانت قبائل آيت ايسافن تبدأ احتفالاتها بالمناســبة الدينية بذبــح بقرة على عتبة المسجد ويحمل دمــها ليراق في المكــان المخصص لنصب الموقد المقدس او الشعالة وفي اليوم التالي تذهب الفتــيات لجمع الحطب اللازم في الغابة بينــما ينصــرف الفــتيان من جهــتهم لالــتقاط الحلزون الذي سيحتفظون به الى غاية اليوم الاخــير من احتفالاتهم.
                    وعنــدما تخــبو النيران في اللــيلة الاخيــرة وتوشــك ان تنطفئ يتقدم فتــيان القبــيلة نحوها ليــرمي فيــها كــل واحد منهم حفــنة من الحلزون وهم يرددون باللهــجة المحـلية «مـونات دلباس نون» اي انهم يحــملون الحــلزون كل شرور سنتهم المقبلة ليدمروها في النار ويتخلصوا منها.



                    يتبع

                    تعليق

                    يعمل...
                    X