ثم دخلت سنة تسع 
ذكر إسلام كعب بن زهير
قيل : خرج كعب بن زهير بن أبي سلمى ، وأبو سلمى ربيعة المزني ، ومعه أخوه بجير حتى أتيا أبرق العزاف ، فقال له بجير : اثبت في غنمنا حتى آتي هذا الرجل ، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسمع منه . فأقام كعب وسار بجير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ، وبلغ ذلك كعبا فقال :
[ ص: 144 ]
وقيل : إنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله وقطع لسانه ؛ لأنه كان تشبب بأم هانئ بنت أبي طالب .
( أبو سلمى بضم السين والإمالة . والمأمور بالراء ، قال بعض العلماء : إنما كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن العرب كانت تقول لكل من يتكلم بالشيء من تلقاء نفسه : مأمور ، بالراء ، يريدون أن الذي يقوله تأمره به الجن ، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مأمورا من الله - تعالى - ولكنه كرهه لعادتهم ، فلما قال : المأمون بالنون ، رضي به ؛ لأنه مأمون على الوحي . وبجير بالباء الموحدة المضمومة ، وبالجيم ) .
ذكر إسلام كعب بن زهير
قيل : خرج كعب بن زهير بن أبي سلمى ، وأبو سلمى ربيعة المزني ، ومعه أخوه بجير حتى أتيا أبرق العزاف ، فقال له بجير : اثبت في غنمنا حتى آتي هذا الرجل ، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسمع منه . فأقام كعب وسار بجير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ، وبلغ ذلك كعبا فقال :
ألا أبلغا عني  بجيرا  رسالة *** على أي شيء ويب غيرك دلكا     
على خلق لم تلف أما ولا أبا *** عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
سقاك أبو بكر بكأس روية *** فأنهلك المأمور منها وعلكا
فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله غضب وأهدر دمه ، فكتب بذلك  بجير  إلى أخيه بعد عود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف  ، وقال : النجاء النجاء ، وما أدري أن تتفلت ، ثم كتب إليه : إذا أتاك كتابي هذا فأسلم ، وأقبل إليه ؛ فإنه لا يأخذ مع الإسلام بما كان قبله . فأسلم كعب  ، وجاء حتى أناخ راحلته بباب المسجد ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه ، قال  كعب     : فعرفته بالصفة ، فتخطيت الناس إليه فأسلمت وقلت : الأمان يا رسول الله ، هذا مقام العائذ بك . قال : من أنت ؟ فقلت :  كعب بن زهير     . قال : الذي يقول ، ثم التفت إلى  أبي بكر  فقال : كيف قال ؟ فأنشده  أبو بكر  الأبيات التي أولها : على خلق لم تلف أما ولا أبا *** عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
سقاك أبو بكر بكأس روية *** فأنهلك المأمور منها وعلكا
[ ص: 144 ]
ألا أبلغا عني  بجيرا  رسالة 
فقال  كعب     : ما هكذا قلت يا رسول الله ، إنما قلت : سقاك  أبو بكر  بكأس روية *** فأنهلك المأمون منها وعلكا 
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : مأمون والله . فتجهمته الأنصار  وأغلظت له ، ولانت له قريش  وأحبت إسلامه ، فأنشده قصيدته التي أولها : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ** متيم إثرها لم يفد مكبول 
 فلما انتهى إلى قوله : وقال كل خليل كنت آمله ** لا ألهينك إني عنه مشغول 
نبئت أن رسول الله أوعدني ** والعفو عند رسول الله مأمول
في فتية من قريش قال قائلهم **ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ** عند اللقاء ولا ميل معازيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم ** وما لهم عن حياض الموت تهليل
نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قريش  ، فأومأ إليهم أن اسمعوا ، حتى قال : نبئت أن رسول الله أوعدني ** والعفو عند رسول الله مأمول
في فتية من قريش قال قائلهم **ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ** عند اللقاء ولا ميل معازيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم ** وما لهم عن حياض الموت تهليل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ** ضرب إذا عرد السود التنابيل 
يعرض بالأنصار  لغلظتهم التي كانت عليه ، فأنكرت قريش  قوله وقالوا : لم تمدحنا إذ هجوتهم ، ولم يقبلوا ذلك منه ، وعظم على الأنصار  هجوه ، فشكوه ، فقال يمدحهم : من سره كرم الحياة فلا يزل ** في مقنب من صالحي الأنصار  
الباذلين نفوسهم ودماءهم ** يوم الهياج وسطوة الجبار
يتطهرون كأنه نسك لهم ** بدماء من قتلوا من الكفار
في أبيات . فكساه النبي - صلى الله عليه وسلم - بردة كانت عليه ، فلما كان زمن  معاوية  أرسل إلى   [ ص: 145 ] كعب     : أن بعنا بردة رسول الله . فقال : ما كنت لأوثر بثوب رسول الله أحدا . فلما مات  كعب  اشتراها  معاوية  من أولاده بعشرين ألف درهم ، وهي البردة التي عند الخلفاء الآن . الباذلين نفوسهم ودماءهم ** يوم الهياج وسطوة الجبار
يتطهرون كأنه نسك لهم ** بدماء من قتلوا من الكفار
وقيل : إنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله وقطع لسانه ؛ لأنه كان تشبب بأم هانئ بنت أبي طالب .
( أبو سلمى بضم السين والإمالة . والمأمور بالراء ، قال بعض العلماء : إنما كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن العرب كانت تقول لكل من يتكلم بالشيء من تلقاء نفسه : مأمور ، بالراء ، يريدون أن الذي يقوله تأمره به الجن ، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مأمورا من الله - تعالى - ولكنه كرهه لعادتهم ، فلما قال : المأمون بالنون ، رضي به ؛ لأنه مأمون على الوحي . وبجير بالباء الموحدة المضمومة ، وبالجيم ) .
