إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مصر في عهد كليوباترا

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصر في عهد كليوباترا

    أخواني تعا لوا معا نتعرف على مص في عهد كليوبا ترا
    اليوم الثاني عشر من شهر آب أغسطس من عام ثلاثين قبل الميلاد كان يوماً مثيراً في تاريخ الحضارة الألفية لمصر، كليوباترة السابعة من السلالة الحاكمة البطليموسية، ملكة مصر العليا والسفلى انتحرت بعضّة أفعى صحراوية سامة.
    بفعلها هذا، لم تنه كليوباترة حياتها وحسب، بل سلّمت مصر إلى أيدي الطامعين فيها، محتلون جددٌ من الغرب، متعطشون إلى توسيع إمبراطوريتهم، بالنسبة لكليوباترا كان لأولئك المعتدين اسمٌ كرهته "الرومان".
    تقع مدينة الإسكندرية في القسم الشمالي لمصر حيث يتسع نهر النيل مثل نسيج العنكبوت عند الدلتا الشهيرة ويصب في البحر المتوسط بعد أن يخترق آلاف الأميال في الصحراء "خارطة".
    اليوم، تحتل الإسكندرية المرتبة الثانية في عدد السكان في مصر بعد القاهرة، وقد بقيت عاصمة لمصر منذ تأسيسها على يد الإسكندر الكبير عام ثلاثمائة واثنين وثلاثين قبل الميلاد وحتى موت كليوباترا عندما أصبحت المملكة جزءاً من الإمبراطورية الرومانية وإحدى أغنى المقاطعات في شمال أفريقيا.
    عملية التمدّن السريعة في السنوات الحديثة جعلت من الصعب اكتشاف الآثار الدفينة في مركز المدينة القديمة حيث تبقى الآثار بمنأى عن الرؤية تحت شوارع المدينة وأبنيتها، الحالة مختلفة تماماً عما يزعم الأدلاء السياحيون هذه الأيام فيما يتعلّق بالمراكز الدينية للكرنك والأُقصر ومدينة طيبة القديمة حيث الشوارع والأبنية والنصب الضخمة لا تزال تسمح لنا بتخيّل أشكالها الأصلية.
    الإسكندرية في عصر كليوباترا، المدينة الرائعة التي أحبّتها الملكة أكثر من أي مدينة أخرى، قد فقدت إذن وربما إلى الأبد.
    على أي حال، لا يزال لدى الإسكندرية مفاجآت كثيرة مدّخرة أن اعتمدت على دليل استثنائي مثل - كليوباترا نفسها - الملكة الشهيرة وسليلة الفراعنة الأخيرة.
    كانت كليوباترا امرأة ذات ثقافة عالية لذا فمن المفترض أنها سترينا المكتبة الشهيرة، وعلى الرغم من أن لا شيء تقريباً قد بقي من هذه المكتبة، لأنها كالمدينة لم ينج منها شيء من غضب الله، إلا أننا استعملنا تقنية المشهد الافتراضي التخيلي، التي بواسطتها نستطيع الحصول على منظرٍ فريدٍ هو الأقرب إليها آنذاك، ويمكننا رؤية مدينة الإسكندرية كلّها تعود إلى الحياة وتبدو تقريباً كما كانت في عهد كليوباترا خلال النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد.
    وستكون على حق إن أنت تخيّلت أن كليوباترا تستطيع أن تصف مدينتها المحبوبة لديها بسبب هذه الحالة التي تمنحها الأفضلية، والسبب في ذلك أنه ولغاية يومنا هذا ثمة بقايا خرائب لمبنى فريد بجانب البحر، من قمّة هذا المبنى كانت كليوباترا تستطيع أن تشاهد الكثير من مملكتها الواسعة في الاتجاهات كلها لمسافة تربو على ستين ميلاً.
    إننا نتكلم عن منارة الإسكندرية إحدى العجائب السبعة في العالم القديم، من العجائب السبعة المشهورة، الجنائن المعلقة في بابل، معبد زيوس في أولمبيا، منارة الإسكندرية، تمثال رودز، ضريح هاليكارنساس معبد آرتميس في أفسوس وأهرامات الجيزة، من كل تلك العجائب فقط الأهرامات لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.
    أما البقايا القليلة من منارة الإسكندرية فلا زالت مندمجة بقلعة عند المرفأ، وقد شيدت المنارة بواسطة المهندس المعماري سوستراتوسن من نيدوس، قرابة أواسط القرن الثالث قبل الميلاد، خلال عهد حكم بطليموس الثاني فيلهدلفوس، أحد أسلاف كليوباترا.
    وقد دمرت المنارة بقدرة الله عز وجل بسبب الزلازل المتعاقبة حتى قام السلطان قايتباي عام ألف وأربعمائة وثمانين للميلاد ببناء القلعة وهي تحفة حقيقية للهندسة المعمارية العسكرية الإسلامية، وقد بنيت بواسطة معظم بقايا المنارة، ولا تزال بعض أعمدة الجرانيت ظاهرة على باب القلعة الرئيسي وعلى الأسوار الخارجية التي تنغرس بشكل مستقيم في البحر.
    يغطي المنارة، بالإضافة إلى العجائب الخمسة الأخرى المفقودة للعالم القديم، غموض كبير، كيف كانت تبدو؟ كم كان حجمها؟ ومع الأخذ بعين الاعتبار أن مصر كان لديها القليل من الخشب، فما هي المادة التي استعملوها لإبقاء النار الكبيرة في أعلاها مشتعلة؟ بعض الأوصاف والملاحظات الصادرة عن أناس زاروها قبل دمارها لا تزال متوفرة، لكنها مشوّشة ومتضاربة إلى حد أنها لا يستفاد منها بشيء، ومع ذلك، وعلى الأرجح، لم يفقد كل شيء.
    وعلى الرغم من أنها لم تنشر للعموم، هناك نموذج مصغّر عن المنارة بحالة جيدة وقد أنجز في المدة نفسها التي شيّدت فيها المنارة الأصلية.
    هذا النموذج موجود في "أبو صير"، وهي قرية تبعد تقريباً خمسة وعشرين ميلاً عن الإسكندرية، وتحيط بهذه القرية الخرائب الأثرية لمدينة تابوزيريس ماغنا القديمة، وهي مدينة أفريقية شمالية كانت مزدهرة خلال عهد كليوباترا.
    هذه المنارة، التي يزيد علوها على خمسين قدماً، ليست شيئاً يستحق الزيارة، لكنها تعطينا فكرة عما كانت عليه المنارة الأصلية الفخمة، أما المنارة الأصلية فكان ارتفاعها ثلاثة طوابق، الطابق الأول كان مربعاً، والثاني كان مثمّناً، أما الثالث فكان دائرياً، وربما لم تكن هذه المنارة الوحيدة من نوعها، وعلى الأرجح أن منارات كثيرة كهذه تعاقبت على خط الساحل بين الإسكندرية وتابوزيريس.
    بالعودة إلى الإسكندرية واعتماداً على إعادة البناء التخيلية، نستطيع أخيراً أن نلقي نظرة على المنارة الضخمة ونتعجب منها، إنها بناء مؤلف من ثلاثة طوابق محاط عند القاعدة ببعض المعابد الصغيرة وحظيرة مسيّجة، أما الضوء الذي كانت تصدره فكان بالإمكان رؤيته من على بعد عشرات الأميال، وإلى يومنا هذا، نحن نعجب كيف كان ذلك ممكناً آنذاك، من المحتمل أنهم استعملوا مرايا عاكسة لكن الوقود المرجح كان من الخشب- النادر الوجود في تلك المنطقة –أو القش الممزوج بروث الحيوانات، وهو مركب يعطي حرارة عظيمة مع ضوء قليل، ويخمن البعض الآن أن الحظيرة المسيّجة كانت تستعمل لتخزين مادة ملتهبة، ربما هي النفط والذي كان معروفاً في تلك الأيام.
    بالنسبة لكليوباترا، التي ربما كانت تنتظر أن ترى سفينة شراعية في الأفق حاملة رسائل من روما، كان البناء يبدو كبيراً جداً من قمته التي تعلو خمسمائة قدم، وهو سجل حقيقي من العالم القديم.
    يرتبط تاريخ السنوات الأخيرة لمصر إلى حدّ بعيد بحياة ملكتها كليوباترا التي تحدّرت من سلالة البطالسة، التي أسسها بطليموس الأول سوتر، وهو قائد مقدوني كان تحت إمرة الإسكندر الكبير.
    لقد كانت كليوباترا امرأة مصمّمة، قوية الإرادة وهي سياسية داهية.
    في بداية حكمها وكانت في الخامسة عشرة من عمرها انطلقت كليوباترا على متن سفينة إلى أعالي النيل في الجنوب رسمياً لأسباب دينية.
    وظاهرياً كان حضور الفرعون مطلوباً في مكان يدعى أرمانت، جنوبي طيبة، لكي يشارك في احتفال ديني.
    وربما في هذه الرحلة قامت كيلوباترا بالتجول حول الأهرامات الضخمة في الجيزة قرب القاهرة، تلك الشواهد العملاقة ربما بدا شكلها جميلاً بشكل كبير، وربما كانت مندهشة تماماً كما يحصل للسياح في أيامنا، وعلينا أن نتذكر أن المدة الفاصلة بين زمن كليوباترا وزماننا أقصر من المدة الفاصلة بين أيامها والوقت الذي شيّدت فيه الأهرامات الكبيرة.
    خلال سنوات حياتها، قامت كليوباترا بعدة رحلات في مملكتها، وبمعزل عن واجباتها العادية ملكةً، شعرت بالحاجة إلى إنجازات تُذَكِّرُ بها.
    ربما تكون هذه الملكة قد أبحرت إلى أعالي النيل مرة واحدة على الأقل إلى مدينة دانديرا، التي تقع على ضفّة النهر اليسرى، لأن التطور الكبير للمدينة ومعبد دانديرا قد بدأ تاريخياً منذ المدة الأخيرة للسلالة البطليموسية وهما مثالان على الأعمال الهندسية لعهد كليوباترا، لأن الشمس والريح أحرقتها وأتلفتها بقدرة الله تعالى، ولأن رمال الصحراء ابتلعتها، لذا لم يتبقّ أي شيء تقريباً من المدينة القديمة، لكن المعبد الكبير المسيّج المكرّس للآلهة الباطلة "هاثر" لا يزال قائماً.
    حسب الأسطورة الكاذبة فإن "هاثر"، زوجة"حورس" وأم "آيهي"_إله الموسيقى_ كانت الإلهة المصرية القديمة للحب وكانت عموماً مرسومة بملامح بشرية، كان حورس ابن "إيزيس"، الإلهة الأم لمصر، وابن أوزيريس، إله الجحيم وقاضي الموتى
    قال الله تعالى :
    ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّ﴾ [مريم: 81 - 82].
    لقد كانت المضامين الشخصية المتصلة بعبادة تلك الآلهة الباطلة السبب الرئيسي لاهتمام كليوباترا بالمعبد، تلك المضامين لا تزال واضحة جليّة على الحجر.
    دعونا نبدأ بجولة في المكان، في الأزمنة المصرية القديمة، كانت "دانديرا" تدعى"تانتير"، لكنها، تحت حكم الأسرة البطليموسية، كانت تدعى "تانتايريس"، اسمها الإغريقي، الذي أتى منه اسم "تانتايرا:، وربما كانت كليوباترا تعرف كلا الاسمين، وذلك لأنها تتكلم سبع لغات كما تزعم المصادر التاريخية.

  • #2
    يتبع
    ولغاية يومنا هذا يظهر المعبد كمدينة حقيقية محاطة بأسوار ضخمة طولها تقريباً 330 يارداً من كلا الجانبين، تقع البوابة الرئيسية على الجانب الشمالي وتعود إلى زمن الإمبراطورين الرومانيين دوميتيان وتراجان، أي تقريباً إلى مائتي سنة بعد موت كليوباترا.
    من خلال المدخل نستطيع رؤية واجهة المعبد الضخم "لهاثر"، بينما سارت خلال المدخل الأمامي ونظرت باتجاه السماء إلى الحلية المعمارية الموضوعة فوق عضادات الأبواب والنوافذ، كانت كليوباترا ترى الأشعة القوية [الذهبية] للشمس مرسومة كأجنحة عملاقة منتشرة في كل الأرجاء.
    على الجدران الداخلية ثمة رسم يرمز إلى الأمومة المنتشرة حول المعبد، يظهر هذا الرسم الإلهة الخرافية "إيزيس" جالسة ترضع الصغير"حورس"، الزوج المنتظر لـ"هاثر"، وعلى طول حائط المعبد الجانبي نستطيع أن نرى "هاثر" ترضع "آيهي" في حضور فرعون يؤدي لهما فروض الولاء وإن يعجب المرء من عبادة آلهة مزعومة فإنه ليعجب أكثر من كونهم جعلوها تقوم بما يقوم به البشر كإرضاع الأطفال فسبحان الله ذي الكمال والجلال.
    بينما نعبر المدخل الضخم، ننظر إلى الكتلة الأمامية من المعبد التي تبدو واضحة أكثر لعدم وجود جزء أمامي، وبما أن المعابد في تلك العصور كان لها عادةً فِنَاءٌ ذو صف من الأعمدة الضخمة، ستّة من الأعمدة الضخمة متصلة عند القاعدة بواسطة جدار ومحشورة بواسطة إطار ضخم من المدخل إلى الردهة.
    ذات مرّة استطاعت كليوباترا، وهي الشخص الوحيد الذي سمح له بالدخول على الرغم من أنها ليست كاهنة، أن تتابع سيرها خلال سلسلة من الغرف الواقعة على طول المحور حتى وصلت إلى أهم مكان في المعبد وهو المذبح، مع رمز آلهتهم الباطلة، كان ذلك اطّلاعاً ورحلةً إلى حيث كان الضوء الطبيعي يتدرّج بشكل متزايد نحو الضعف.
    ثمة عدد من السلالم تصل المعبد بالسطح الذي فوقه، وها هنا كانت التماثيل المخصصة لعبادة الآلهة المكذوبة "هاثر" تُحضَر في موكب حافل مرة في السنة لكي تتحد مع أشعة "رع"، إله الشمس الباطل.
    على السطح نستطيع أن نشاهد الأبنية الكثيرة في المعبد، هذه هي المصحّة المخصّصة للمصابين بالأمراض المزمنة، وهي مبنى يحتوي كثيراً من الغرف الصغيرة حيث اعتاد المرضى أن ينتظروا الإلهة لكي تزورهم وهم نيام مع علاج لأمراضهم المزمنة حسب اعتقاداتهم الفاسدة.
    وهذا، أحد الأبنية المحفوظة بشكل كبير، لم تتمكن كليوباترا بالتأكيد من رؤيته، لأنه يعود إلى المدة التي كانت فيها مصر مقاطعة رومانية، أنه المامّيزي الخاص بتراجان، والمامّيزي هو بناء شائع جداً في مصر القديمة، إنه مكان مقدس لديهم حيث كانت الشعائر على صلة بولادة ابن من الثنائي المقدّس حسب اعتقادهم واللذان كانا يعبدان في المعبد الرئيسي.
    المامّيزي في "دانديرا" مكرّس "لآيهي"، ابن "هاثر"، كما يمكننا أن نخمّن من الصورة الناتئة التي تصف مولده وتغذيته ونموّه.
    من بين الصور التي تؤله الطفل المقدس زوراً وكذباً تبرز الصورة التي يرتدي فيها الطفل لباس فرعون الذي نلتقيه في المعبد الرئيسي، لكنه ليس مصرياً، فالنص الهيروغليفي يحدّد أنه نيرون، الإمبراطور الروماني! تلك الصور المرسومة على زورق الحياة وهي للأباطرة أغسطس وكاليغولا وكلوديوس ونيرون ثانية.
    بصحبة كليوباترا، نصل إلى الجانب الجنوبي للمعبد وهو الجانب المقابل للمدخل، أما مجموعة الكرغلّ"وهي ميازيب ناتئة من جانب السطح" فقد كانت مشكَّلة مثل رؤوس الأسود وهي أصلية ولغاية هذا اليوم تنقل مياه المطر إلى خارج المبنى، وهناك سلسلة الصور المنحوتة في الجدار الذي تحتها، ويصوّر النقش الضئيل البروز الضخم كليوباترا وهي تقدّم ابنها "سيزاريون" إلى الإلهة المزعومة إيزيس، التي يسبقها ابنها حورس، المرسوم بمقاييس طفل.
    ماذا كانت كليوباترا تريد أن تبلغنا من خلال هذا النحت النافر الأصلي تماماً؟
    مبنى ضخم آخر من العهد البطليموسي ربما تكون كليوباترا قد زارته في إحدى رحلاتها إلى الجنوب، وهو المعبد المكرّس لإيزيس في "فيله"، بسبب جمالها الكبير، كانت جزيرة فيله تدعى لؤلؤة الشرق من قبل المسافرين في الأيام الغابرة.
    ولئلا يتعرّض المبنى الأثري لخطر الاختفاء والاضمحلال، قامت منظمة اليونسكو "المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم" ووزارة الثقافة المصرية عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين ميلاديًا بالدعوة إلى إجراء مناقصات عالمية لإنقاذ تلك الآثار من الغرق في مياه بحيرة ناصر.
    وقد منح العرض لشركة إيطالية وقد عهد بالمشروع إلى المهندس المعماري جيوماني لويولو، الذي قام بشكل بالغ الدقة في التفاصيل بتنفيذ عملية المسح الهندسي الشاق.
    لقد قام ذلك المهندس بتفكيك المباني الأثرية ثم أعيد جمعها وبناؤها ثانية على جزيرة "أجيلكيا" في المكان الذي ما يزال المعبد قائماً فيه إلى يومنا هذا_على مسافة ثلاثمائة وثلاثين ياردة من موقعه الأصلي.
    لقد استغرق العمل كله تقريباً سبع سنين لإنهاء عمليات المسح والتفكيك والنقل والترميم وإعادة التجميع لملايين قطع الأحجار التي كان المعبد مبنياً بها في الأصل.
    وهكذا تنفق مئات الملايين من الأموال وعشرات السنين من الجهود للحفاظ على أحجار لا تضر ولا تنفع، بينما كثير من البشر الأحياء الموحدين العابدين لرب العالمين لا يجدون ما يسد جوعتهم أو يستر عورتهم، وكل هذا بزعم الحفاظ على الحضارة الإنسانية في الوقت الذي يموت فيه ملايين الناس الأحياء جوعاً وفقراً ولا أحد يحافظ على إنسانيتهم.
    المعبد الذي كان مبنياً بشكله الحاضر من قبل البطالسة في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد مكرّس لإيزيس التي اعتقدوا زوراً وبهتاناً أنها خالقة الحياة، إنها مصوّرة هناك في نقوش متعددة ضئيلة البروز على أنها الآلهة التي أعادت زوجها أوزيريس إلى الحياة بعد أن قتله أخوه "ست"، وهذا من أسخف الأمور في الديانات الوثنية الضالة.
    سافر الضالون إلى المعبد من كل جزء من أفريقيا وما وراءها، حتى الأباطرة الرومان كانوا مخلصين للآلهة الباطلة المدعاة، والبرهان على هذا يمكن إيجاده في المقصورة التي كانت بناءً شاهقاً واسعاً يكفي لاستيعاب المواكب والمسيرات التي تدخل إليه.
    المعبد في "فيله" كان المركز الأخير للديانة المصرية الوثنية القديمة، في العصر النصراني، عندما شيدت كنائس مختلفة بجانب المعبد مستعملة النصب الوثنية الخاصة به، بقي المعبد يعد بيت الآلهة الخرافية إيزيس الأم، الآلهة المكذوبة التي شبه الإغريق أفروديت بها في ديانتهم الفاسدة.
    على أي حال، لم تبدُ الآلهة المزعومة دخيلة تماماً بالنسبة للنصارى، لأن تصوير إرضاع لإيزيس لحورس هو السلف بالنسبة للسيدة العذراء وطفلها حسب رواياتهم.
    ومن المحتمل أنه عندما ذهبت كليوباترا إلى روما في عام سبعة وأربعين قبل الميلاد مع الصغير سيزاريون، فإن الحضارة التي مثّلتها تبعتها إلى العاصمة الجديدة محدثةً ظاهرة لم تُرَ من قبل وهو التكاثر السريع للشواهد التذكارية المصرية في روما.
    نجد المثال الأول لهذا الأمر بين الجدران الأورليانية وبوابة القديس بولس أنه هرم سستيا، أحد الآثار الخاصة بالدفن في روما، شخص ما اسمه كايوس سستياس، توفي عام اثني عشرة قبل الميلاد شيّده، وقد كان الهرم مغطىً بشكل كامل برخام الكرارة الأبيض اللون وقد بني في وقت قياسي، أقل بقليل من ثلاثمائة يوم، ولو أن كليوباترا شاهدته، لربما تبسّمت لأنه سيذكرها ببلدها مصر.
    كانت المسلات الآثار الأولى من الحضارة المصرية التي أُحضرت إلى روما على الرغم من السخرية التي كان الإغريق والرومان يعرّفونها بها، بالنسبة للإغريق المسلات كانت أسياخاً، بينما كان الرومان يسمونها إبر كليوباترا.
    المسلات الموضوعة أمام المعابد كانت رموزاً تذكارية متعلّقة بعبادة الشمس الوثنية الباطلة، وكانت عموماً مغطّاة بالكتابة الهيروغليفية، أحد الأمور الغامضة الكثيرة التي اكتنفت الحضارة المصرية هو كيف شيّدت تلك الأعمدة العملاقة وكيف حملت إلى روما على اعتبار أنها أحجار ضخمة مفردة قطعت من كتلة حجرية واحدة.
    هناك بعض أكبر المسلات المصرية في روما، هذه المسلة تقع في ميدان سان جيوفاني في لاتيرانو، بالأصل هي من طيبة، وهي مصنوعة من الجرانيت الأحمر وهي المسلة الأطول في روما، وقد نقلها الإمبراطور قسطنطين إلى روما عام ثلاثمائة وسبعة وخمسين بعد الميلاد.
    أما المسلة الموجودة في ساحة دِلْ بوبولو فقد شيّدت في عهد الفرعون رعمسيس الثاني، بالأصل كانت في هليوبوليس، لكن الإمبراطور أغسطس نقلها في السنة العاشرة قبل الميلاد ليحتفل بالذكرى السنوية العشرين لهزيمة كليوباترا.
    وعبر السنين، فإن مجموعة روما من الآثار والنقوش البارزة والأشياء الثمينة من مصر قد زادت، تشتمل المتاحف الكابيتولية على رموز كثيرة للآلهة المصرية الخرافية ولأبي الهول مثل هذا المنحوت من الجرانيت الأسواني الأحمر الذي يعود إلى عهد كليوباترا، وقد اكتشف عام ألف وثمانمائة وستة وخمسين ميلادي في فياسانت إيجنازيو في روما، وهو شارع في مركز المدينة حيث هناك أدلة كثيرة على وجود المنحوتات المصرية.
    لكن ذلك ليس كل شيء، ثمة عدد من الحفريات أكّدت وجود معبد مصري في قلب روما، احتمال بدا غير قابل للتصديق من قبل، نستطيع رؤيته الآن بواسطة إعادة البناء التخيلية.
    ها نحن في منطقة كاميوس مارتيوس القديمة، وهنا معبد ضخم مكرّس لإيزيس وسيرابيس، وهو إله مصري خرافي متأخر اخترعه أحد أسلاف كليوباترا، النصب التذكاري كان قد فقد بشكل كامل، لكنه بدا شبيهاً جداً بالمعابد المصرية الشهيرة مثل تلك الموجودة في "فيله" و"دانديرا"، ولم يكن الرومان الوحيدين الذين اعتادوا المجيء إلى هنا، المصريون أيضًا فعلوا ذلك، مجتمعهم كان، المجموعة الأكبر للأجانب الذين يعيشون في روما.
    ربما لم تستطع كليوباترا أن تتوقع مثل هذا الانتقام الروماني منها، الولع الشديد والاهتمام والهوس بالأشياء المصرية التي استحوذت على فكر وانتباه كثير من الأوروبيين عبر العصور، ربما كان الانتقام الذي أتى بعد وفاة هذه الملكة التي انجرفت وراء شهواتها ونزواتها وأهملت شعبها وحاجاته وعرضته للاحتلال والإذلال فكانت نهايتها المأساوية مهانة سجينة عند أعدائها بعيدة عن أهلها ووطنها وكان هذا نتيجة متوقعة لما جنته يداها عبر سنوات حكمها الطويلة.
    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لن يفلح قوم وَلَّوْا أمرهم امرأة).

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا اخي على الموضوع الرائع
      اللهم لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
      http://www.rasoulallah.net/

      http://www.qudamaa.com/vb/showthread.php?12774-%28-%29

      http://almhalhal.maktoobblog.com/



      تعليق


      • #4
        بارك اللــــــــه فيك وجزاك الجنه

        تعليق

        يعمل...
        X