إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الكنز مقاربة تاريخية و سوسيولوجية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكنز مقاربة تاريخية و سوسيولوجية

    الموضوع منقول :
    نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق الدارالبيضاء بالمغرب ، يومه الثلاثاء 27 فبراير 2007 ، ندوة علمية افتتحها السيد العميد سعيد بناني، تحت عنوان " الكنز، مقاربة تاريخية وسوسيولوجية"

    بمشاركة الأساتذة : محمد ياسر الهلالي بموضوع "الكنزيون في المغرب أواخر العصر الوسيط " ورشيد كناني بمحاضرة " الأزمة المالية ببلاد المغرب على عهد السلطانيين الحسن الأول وولده عبدالعزيز وأثرها في شيوع ظاهرة الاكتناز بالمغرب" والمصطفى الدقاري ومحاضرته " التقييدة بين الدلالي والعجائبي". وأدار الندوة الأستاذ محمد الزرهوني وذلك بالمدرج المتعدد الاختصاصات.
    بعد كلمات الترحيب بالمشاركين والتعبير عن تشجيع الكلية لمثل هذه المبادرات العلمية التشاركية، التي تندرج ضمن سياسة المؤسسة المرتكزة على الانفتاح على المحيط السوسيوثقافي، وإشراك فعاليات ثقافية ووطنية في تنشيط الملتقيات العلمية في الكلية؛ عدّد السيد العميد مختلف التجهيزات والبنيات التحتية التي تتوفر عليها الكلية والتي تضعها رهن إشارة الأساتذة والطلبة وفعاليات الحقول المعرفية الوطنية.
    استهل الأستاذ محمد ياسر الهلالي مداخلته بالتركيز على راهنية موضوع الكنز مشيرا إلى بعض المقالات التي تناولت الموضوع في الصحافة الوطنية، كما عدّد المصادر التي تحدثت عن الكنز ــ على قلتها ــ وهي مصادر فقهية وتاريخية وجغرافية وصوفية مثل كتاب الحسن الوزان "وصف إفريقيا"، و"مدخل ابن الحاج" وكتاب كاربخال مارمول "إفريقيا "، و كتاب " قواعد التصوف " لمحمد زروق وغيرها من المصادر... بالإضافة إلى كتب الكيمياء المرتبطة بالسحر والتعزيم. واستشهد بما قاله بول باسكون بأننا لو أنصتنا للمغاربة فلربما اعتقدنا أن المغرب مستودع عجائبي للكنوز. وعمل الأستاذ المتدخل على تناول عدة قضايا بالدراسة والتحليل فعرّف بالكنزيين ووضعيتهم الاجتماعية، والأسباب التي دفعتهم إلى البحث عن الكنوز ، كما تتبع خطوات الكنزيين من حيث الوسائل التي سخروها لعملهم خاصة التقاييد التي تدل على أماكن الكنوز، والحيل التي استعملوها في هذا الباب، والأماكن التي اختاروها للتنقيب، وزمن التنقيب. كما تحدث الأستاذ الهلالي عن التعازيم وطرق السحر التي لجأ إليها بعض الكنزيين لاستخراج الكنز، وكذلك الوسائل المادية للوصول إلى الكنز. وفي الأخير وقف مع نظرة الفقهاء والصوفية للكنزيين خاصة نقد ابن خلدون لعملية التنقيب عن الكنوز. ليخلص الأستاذ الهلالي في آخر مداخلته إلى أن موضوع الكنز يرتبط بموضوع العقليات والذهنيات أكثر من ارتباطه بالواقع.
    تناولت محاضرة الأستاذ كناني " الأزمة المالية ببلاد المغرب على عهد السلطانيين الحسن الأول وولده عبدالعزيز وأثرها في شيوع ظاهرة الاكتناز بالمغرب"، حيث بين انعدام الوعي بشريحة المكتنزين والباحثين عن الكنز في الكتابة التاريخية، وأكد أن ظاهرة الاكتناز قد شاعت منذ هزيمة إيسلي، التي أرهقت الخزينة العامة للدولة مما أدى إلى ارتفاع الضرائب مما أدى بالأهالي إلى دفن أموالهم وكتابة التقييدة لمعرفة مكانها. كما اعتبر الحرْكات سببا في الاكتناز الذي تورط فيه أهل الجاه أيضا.
    أما الأستاذ مصطفى الدقاري فقد استهل مداخلته بقراءة تقييدة . ثم قام بطرح سؤال التجنيس ليؤكد بأنه يمكن أن نجنس هذا النص ضمن جنس "المنقبة" باعتباره "تقيدة"، أو بعبارة أخرى، فالنص "تقييدة" تنتمي إلى "المناقب". ليقوم بعد ذلك بتحليل التقييدة تحليلا سيميوطيقيا.
    وقد أعقب المحاضرات نقاشا علميا مثمرا وهادفا حول مختلف جوانب وقضايا موضوع الندوة، شارك فيه أساتذة شعبة التاريخ وطلبتها وحضور متنوع من المهتمين.
    سبحانك اللهم و بحمدك
    أشهد أن لا إله إلا أنت
    أستغفرك وأتوب إليك


  • #2
    نص : مداخلة الأستاذ المصطفى الدقاري: .

    التقييدة بين الدلالي والعجائبي٭
    المصطفى الدقاري
    1- سؤال التجنيس:
    إن أول إشكال يطرح ونحن نتأمل مستويات هذا النص من حيث الخطاب والمعجم والدلالة هو إشكال التجنيس، فإلى أي جنس سنصنف هذا النص؟
    من خلال القراءة الأولية يتضح أن النص يتحدث عن كنز دفين في مكان معين، فالنص يحدد مكان الكنز كتابة، وهذا التحديد يقتضي مقاما تداوليا، أقطابه هي:
    - أ- المحدد؛
    - ب – المحدد له؛
    - ج – الشيئ المحدد.
    وهذا الأخير عبارة عن موضوع قيمة يتوجب على المحدد له امتلاكه. فالمحدد يحدد عينيا مكان الكنز، ويقيد هذا التعيين كتابة. لذا يمكن الحديث عن لجوء المحدد إلى عملية تقييد مكان دفن الكنز كتابة، وعلى هذا الأساس سنسمي هذا النص "تقييدة" ونؤكد طرحنا هذا من خلال القول" تقييد المال" فهناك إذن تقييد للمال. كما أن "التقييدة" هو المصطح المتداول وسط المهتمين باستخراج الكنوز.

    لكن إضافة إلى تجنيس النص ضمن " التقايد"، أي باعتباره "تقييدة"، يمكن تجنيسه من خلال نسبته إلى شخصية سيدي احمد بن محمد الرجرج باعتباره وليا صالحا، يتواجد الكنز في فضائه/حوزته. فالمحدد لم يورد اسم هذا الولي الصالح اعتباطا ، بل إن حضوره في الخطاب يحمل دلالة مقصودة، فالاسم هو لولي صالح، ونحن نعرف أن شخصية الولي تختلف عن عامة الناس بما يعرف بالكرامة. فلكل ولي صالح كرامته ، أو له كرامات تميزه عن عامة الناس.

    المخاطب في النص – المحدد إليه – هو كذلك شخص يتميز عن عامة الناس، إذ بإمكانه اسخراج الكنز، ومجابهة مخااطر عدة، ويمتلك آلية التعازيم، والتي يقتضي امتلاكها الاغتراف من أنواع نادرة وصعبة من المعارف. ومن استطاع من الناس الوصول إلى هذه المعرفة، واستخراج الكنز، فهذا يعني أنه شخص متميز عن العامة، يعني أن له كرامة بشكل من الشكال، خاصة إذا علمنا أنه سيواجه مخلوقات عجائبية تخرج من باطن الأرض، من مكان الحفر لاستخراج الكنز.
    إن حضور الكرامة في هذا النص جلية، فمن جهة يوجد اسم الولي الصالح الذي لابد له من امتلاك كرامة معروفة، وهو كذلك من يحمي الكنز. ومن جهة أخرى، مستخرج الكنز – المحدد له – الحامل لعلوم نادرة تؤهله لاستخراج الكنز الدفين، وعلى هذا الأساس يمكننا إدراج هذا النص ضمن "المناقب" إذا ما اعتبرنا أن المنقبة كرم الفعل .

    يمكن إذن أن نجنس هذا النص ضمن جنس "المنقبة" باعتباره "تقيدة"، أو بعبارة أخرى، فالنص "تقييدة" تنتمي إلى "المناقب".

    ينتمي هذا النص إلى النصوص المكتوبة، لأن هدفه هو تقييد مكان تواجد الكنز، وتقييد طريقة امتلاكه/استخراجه. فهو عبارة عن وصية مدونة وموجهة إلى موصى إليه، تحدد مكان تواجد الكنزن وطريقة امتلاكه/استخراجه.
    سبحانك اللهم و بحمدك
    أشهد أن لا إله إلا أنت
    أستغفرك وأتوب إليك

    تعليق


    • #3
      2 – سؤال المقاربة:

      بعد سؤال التجنيس يطرح سؤال المقاربة والتحليل. كيف سنتعامل مع هذا النص؟ كيف سنحلله؟ من أين سنبدأ؟ وبماذا سننتهي؟
      إن هذه التساؤلات تصب كلها في اتجاه واحد وهو المنهج.
      إن صعوبة المقاربة تطرح بحدة من خلال ضيق هامش النص، فقصر النص يحصر مجال المناورة المنهجية، الشيء الذي يدعو المحلل إلى التأمل العميق في طبيعة هذا النص، لهذا سننطلق في مقاربتنا من الفرضية التالية:
      إن نص ''التقييدة" نص مطوي لا نبصر منه إلا قسما ضئيلا، كلمات قليلة، ويتعين علينا أن نقوم بنشر النص كاملا، لنقف على الأقسام الغائبة والكلمات الشاردة .
      لكن قبل بسط الجزء الخفي، سنقدم الجزء الجلي من النص:
      يبدأ النص بعبارة "فصل في تقييد المال" ، ويقدم بعد ذلك فضاء الكنز، ويحدده "بسيدي أحمد بن محمد الرجرج في بلد حمير من جر عبده".وبعد ذلك سيحدد مكان الكنز ، حيث سيعمد إلى تحديده بدقة اعتمادا على ميكانزمات متعارف عليها داخل فضاء البادية المغربية، مثل القدم و تحديد الجهات، حيث يتحدث عن جهة البحر وتعني الغرب وجهة شروق الشمس وتعني جهة الشرق.
      يقول الوصي/المحدد:" سيدي أحمد بن محمد الرجرج في بلد حمير من جر عبدة وهو تطلع علية الشمس...اعبر من جهة الباب إلى ناحية البر اثنا عشر قدما ثم تحفر فيه". ويتواجد الكنز مدفونا في متمورة من نوع "التريكة الضوار"، وهي متمورة لها خصائص تميزها عن غيرها وخاصة شكلها الدائري(الضوار).
      يتضح إذن تحديد مكان الكنز، الذي يبدأ من الفضاء العام ( عبدة – بلد حمير – ضريح سيدس أحمد بن محمد الرجرج، ثم مكان دفن الكنز وهو المتمورة). وتتم طريقة تحديد هذا المكان باعتماد الأبعاد والمقاييس : اعبر من الباب – المتجه نحو الشرق – إلى البحر - نحو الغرب – اثنا عشر قدما.
      قبل الانتقال إلى القسم الثاني من النص، سنتوقف عند بعض الإشارات التي ستعيننا على بسط هذا النص المطوي. ونتمكن بالتالي من الكشف عن الجزء الخفي من هذا النص، وأول إشارة سنتوقف عندها هي:"سيدي أحمد بن محمد الرجرج". فمن هي هذه الشخصية؟
      إن هذه الشخصية دون شك ولي صالح، وهو من أشراف رﮔراكة، مدفون في هذه المنطقة . وتكريما وإجلالا لشخصه وروحه بنى سكان القبيلة ضريحا يحضن قبره. إلا أن المتكلم- الوصي- المحدد- لا يتحدث هنا عن شخص دفين. لا يتحدث عن قبة تحضن قبر الولي الصالح، بل إنه يتحدث وكأن الشخص – وليس الشخصية- حي يرزق، وكأن القبة مسكنه في الحياة، وليست قبة تحمي قبره. إذن لماذا لم يتحدث عن الضريح وعن القبر؟ ولماذا فضل الحديث عن الشخص/الولي وكأنه حي يرزق؟

      إن هذا السؤال يحملنا إلى مستوى من مستويات المتخيل الشعبي، الذي يشكل ذكر المتكلم للولي جزءا منه، وأساس هذا المتخيل، أن الولي الصالح لا يموت كباقي الناس البسطاء، كما أنه يستمر بشكل خفي في القيام ببعض الوظائف النبيلة، كعلاج بعض الأمراض، وقضاء بعض حاجيات الناس الذين يقصدونه، وإنزال العقاب على من اعتدى على حرمة أو اعتدى على مريديه من سكان القبيلة، كما أنه قد يزور طالبيه في المنام. فهو إذن الحارس الأمين، يحرس زواره الذين يؤمون بكراماته ويحرس الأمانات المودعة عنده، ومنها الكنز. فالوصي يعتقد أن سيدي أحمد بن محمد الرجرج حي يرزق وقوي بكراماته. والباب الذي يتحدث عنه ما هو إلا باب سكناه.

      الإشارة الثانية هي "الطريق"، فالولي الصالح يوجد على ناحية الطريق، بمعنى أنه توجد طريق مؤدية إلى الولي، فهو لا يوجد في منطقة معزولة بدون مسلك، بل إنه "على ناحية الطريق"، بمعنى أنه توجد طريق مؤدية إلى الولي، فهو لا يوجد في منطقة معزولة بدون مسلك، بل إنه على ناحية الطريق، وهذا يدل على أن الولي ليس مهمشا، ومنبوذا بل على العكس تماما، فزواره كثر، لهذا وجدت الطريق سالكة نحوه، وغالبا ما ترسم الطريق بواسطة مداومة السير بواسطة الدواب. فكثرة الزوار الذين يؤمون إلى الولي من مناطق بعيدة، راكبين دوابهم، يساهمون مع مرور الزمن في تشكيل طريق مؤدية إلى الضريح، ووجود هذ الطريق تزيد من هيبة هذا الرجل الصالح، وتجعل الزائر يخضع لسلطته ومشيئة هذا الساكن الظاهر / الخفي. ونزول الزائر في محيط الولي الصالح ، يعني دخوله إلى حرم مقدس، لا يجب تدنيسه، أو حتى التفكير في النبش في محيطه، وذلك مخافة غضب االولي الصالح ‼

      يتضح مما سبق ذكره أن هناك قول، وبالتالي هناك قائل، والذي يقتضي وجود عنصر آخر موجه إليه القول، وعلى هذا الأساس سنتحدث عن خطاب وعن عناصره الأساسية وهي ذات التلفظ ، الملفوظ والمتلقي. فنحن إذن أمام سرد، ذلك أن جنس المنااقب، يشترك مع الأنواع الأخرى في خصائص بنيوية، رغم أنه قد يختلف معها في الوظائف المراد إنجازها .
      فنحن إذن أمام محكي، يقدمه راو إلى مرو له. والمحكي، مادة الخطاب، هو حكاية استخراج الكنز. ويتم تخطيبب هذه الحكاية من خلال برمجتها سرديا، حيث يتأسس البرنامج السردي منذ نهاية القول" فصل في تقييد المال في سيدي أحمد بن محمد الرجرج"فهذا القول السردي يعتبرالنواة السردية التي من خلالها سيتناسل الخطاب، وسيبنى البرنامج السردي، حيث أن الخطاب تمطيط لهذه النواة السردية، التي تقتضي وجود علاقة بين المال / الكنز وسيدي أحمد بن محمد الرجرج، وهذه العلاقة هي علاقة تقييد، فالولي الصالح يقيد المال، بمعنى أنه يحتفظ به بقيود، واستخراج هذ المال يقتضي كسر هذه القيود أو إبطال مفعولها. ولمعرفة طبيعة هذه لقيود، نعود للنص الظاهر.
      يقول الراوي"اعبر من جهة الباب إلى ناحية البحر اثنا عشر قدما، ثم تحفر فيه ويخرج لك جمال له خوار عظيم ثم ينصرف ويخرج حوله الضفادع ويخرج حوله حية عظيمة ويخرج حولها نملة كبيرة قد العتروس الكبير، لا تفزع منهم ولا تخاف، والبخور صعيد وإياك أن تفرط فيه، والبخور لبان الذكر التابيل والشب اليمان عد الرطب والعزيمة الضميط مع زجرة تمت.

      سنقسم هذا القول السردي إلى ثلاثة أقسام :

      أ – خروج المخلوقات العجيبة؛
      ب – البخور ومكوناته؛
      ت – التعازيم ( الضميط- زجرة تمت).

      ويمكن من خلال هذه الأقسام استخلاص طبيعة القيود أو الموانع التي تحول دون استخراج الكنز/ موضوع القيمة، وهي الكائنات الحية التي تخرج أثناء الحفر، ومنها الجمل صاحب الخوار العظيم، والضفدع، والحية العظيمة، والنملة الضخمة التي تماثل التيس الكبير حجما. ويمكننا أن نتخيل حجم كل حيوان وشكله، إذ لا علاقة له بحجم نفس الحيوانات التي اعتدنا رؤيتها في الواقع، فكلها مخلوقات ضخمة ومخيفة، وتلعب هذه المخلوقات دورا تيماتيكيا يتمثل في الحراسة الفعلية للكنز، والحيلولة دون الوصول إليه، فهي بمتابة العامل/المعاكس، الذي يحول دون تملك العامل/الذات موضوع الرغبة/الكنز. إلا أنه يمكن تفادي خطر هذه المخلوقات وتملك موضوع الرغبة من خلال قدرة تتمظهر من خلال عدة أفعال وردت في الخطاب، ومنها فعل التحلي بالشجاعة، واجتناب الفزع والخوف(لا تفزع منهم ولا تخاف). فالراوي يوجه أوامره للمروي له والعامل/الذات بألا يفزع، ولا يظهر علامات الخوف. لكن ماذا سيقع إذا ضعف المروي له، وغالبه الخوف؟

      الخطاب لا يعطي جوابا عن هذا السؤال، ويمكننا بناء الجواب من خلال إعادة بناء العلاقة بين عوامل السرد، وهي الولي الصالح، المأمور بالحفر، الحيوانات العجائبية والحالة النفسية للمروي له.

      لكن هل التزام الشجاعة ومواصلة الحفر، كفيل بتجنب بطش هذه المخلوقات؟
      بالطبع لا؛ ذلك أن حالة عدم الفزع والخوف يجب أن يصاحبها فعلان أساسيان وهما فعل البخور وفعل التعازيم. وكل فعل مقيد. ذلك أن البخور يجب أن يشتملل على وصفة معينة، لا تزيد عناصرها ولا تنقص. وهذه الوصفة تتكون من لبان الذكر، عود الرطب، التابيل والشب اليمان. أما فعل التعازيم فهو كذلك مقيد بالضميط وزجرة تمت .

      فالرغبة في امتلاك موضوع القيمة يجب أن يؤسس على قدرة، التي تكتسب مشروعيتها من خلال ثلاثة أفعال أساسية؛ أولها فعل نفسي متمثل في عدم الخضوع للفزع والخوف؛ الفعل الثاني هو المعرفة، والمتمثل في اكتساب التعازيم المطلوبة. الفعل الثالث هو تحقق عملية البخور.
      إن تحقق كل هذه الأفعال، والتي تبدأ بفعل الرغبة / الاستعداد لاستخراج الكنز ثم الفعل النفسي المتمثل في مجابهة المخلوقات العجائية والفعل المعرفي المتمثل في التمكن من التعازيم المطلوبة، وأخيرا فعل التحقيق، والمتمثل في إطلاق البخور، وهو فعل تحقيق بناء البرنامج السردي العام، وهو برنامج افتراضي محتمل، وبالتالي امتلاك العامل الذات العامل الموضوع أي تحقيق البرنامج السردي الافتراضي، وعليه يمكن أن نتحدث عن امتلاك افتراضي محتمل لموضوع القيمة / موضوع الرغبة.

      ما قمنا به حتى الآن هو لملمة المضمون الحرفي للنص، والذي يعتبر مؤشراعلى مضمون أعمق ، وعليه فإنه يتعين استعمال الوقائع الحرفية الواردة في التقييدة لإبراز موازياتها المضمرة، وتأسيسا على هذا، فإن التقييدة تصير مشبها أو موضوعا أول، ويحتاج إلى مشبه به أو موضوع ثان. وهذا الموضوع الثاني هو المقصود أو الأمثل، أي استعمال معطيات الواقع لبناء الممكن. كما أنه يوجد أحيانا كثيرة في كتب المناقب خارق أو ممكن، ولكن يحتاج في معالجته إلى أن يتلاءم مع العالم الواقعي بصنع موازيات واقعية . وعليه سنتحدث عن تمفصل النص إلى عالمين؛ عالم كائن واقعي وعالم ممكن- خارق وهناك علاقة تقاطع بين العالمين، حيث يتقاطعان في محور الكنز. وهكذا نجد في العالم الكائن ما يلي:
      - طوبوغرافية المكان : الطريق – الضريح – الباب- المتمورة – الكنز.
      مكونات موجودة بالقوة تقتضي فعل المعرفة، وهي فعل البخورالمكون من '' الشب اليمان والتابيل وعود الرطب" والتعاويذ المكونة من "الضميط وزجرة تمت". والكنز.
      أما العالم الممكن فهو العالم العجائبي، ويبدأ مع بداية الحفر، حيث ستطلع كائنات غريبة ومخيفة وخطرة، إذ سيطلع جمل له خوار عظيم وينصرف، لكن فعل الانصراف مرتبط بفعل الشجاعة واجتناب كل خوف. وهذ يعني أن خوف الحفار يؤدي إلى هلاك كل الفاعلين الحاضرين لاستخراج الكنز وذلك من طرف هذا الحيوان العجيب. وإذا انصرف الجمل سيخرج الضفدع ثم الحية والنملة.. وهي كلها مخلوقات عجيبة. والدور التيماتيكي لهذه المخلوقات هو حماية الكنز، والحيلولة دون وقوعه في يد اللصوص، فالكنز أمانة مودعة عند الولي الصالح الذي سخر الجن/المخلوقات العجائبية لحراستها. وعلى من أراد استخراجه أن يمتلك تلك الأفعال الجيهية التي تحدثنا عنها، وهي القدرة: من خلال التوفر على معارف معينة ومنها التعازيم ومعرفة البخور، وفعل الفعل من خلال تطبيق هذه القدرة لاستخراج الكنز موضوع القيمة.

      إن هذا النص مكون أساسي من مكونات ثقافتنا الشعبية الذي من من خلاله يمكن فتح كوة إضافية لفهم ميكانزمات هذه الثقافة الغنية بالخيالي والعجائبي. ونحن إذ نفتح النقاش حول هذا النوع من النصوص نكون قد فتحنا بعضا من ثقافتنا المغربية المسكوت عنها، ذلك أن هذا النوع من النصوص قليل التداول لما له من حساسية ترتبط بالطبيعة السرية لهذه الوثائف. لذا نجد أن هذه النصوص لا تتداول ويعتبر مجال تداولها محصورا جدا...وتلك قصة أخرى....
      سبحانك اللهم و بحمدك
      أشهد أن لا إله إلا أنت
      أستغفرك وأتوب إليك

      تعليق


      • #4
        ملحق
        نص التقيدة
        فصل في تقييد المال في سيدي احمد بن محمد الرجرج في بلد حمير من جر عبد وهو على نحية الطريق فإذا وصلته إلى الباب وهوتطلع عليه الشمس وفيه سند فإن واحد من الذهاب وواحد من الفض وتحتهم متمورة من التريكة الضوار اعبر من جهة الباب إلى نحية البحر اثنا عشر قدما ثم تحفر فيه ويخرج لك جمال له خوار عظيم ثم ينصرف ويخرج حوله الضفادع ويخرج وله حية عظيمة ويخرج حولها نملة قد العتروس الكبير لا تفزع منهم ولا تخاف والبخور صعيد وإياك لا تفرط فيه والبخور لبان الذكر التابيل والشب اليمان عد الرطب والعزيمة الضميط مع زجرة تمت .

        تم النقل


        طبعا لكم مداخلات كثيرة في الموضوع
        و هو فعل يحتاج الكثير من النقاش
        فيه الكثير من الحقاءق التي نتفق معهم فيها و أخرى تبدو خرافية
        لكن هذه هي تقافة جل المغاربة في في البحث عن الدفين

        سبحانك اللهم و بحمدك
        أشهد أن لا إله إلا أنت
        أستغفرك وأتوب إليك

        تعليق


        • #5
          الملحق من لم يفهم بعض الكلمات انا مستعد لشرحها
          سبحانك اللهم و بحمدك
          أشهد أن لا إله إلا أنت
          أستغفرك وأتوب إليك

          تعليق


          • #6
            والله يا أخي أبو مازن, أبداع نقلي, وبانتقاء المواضيع منك...

            أما من ناحية سردية النص, و الخطاب, و الموضوع, فهو فعلا يحتاج الوقوف عنده, و فيه من النقاط لكثير, التي من الممكن أن تناقش...

            و بغض النظر عن مغاربية النص, و الموضوع, فان مشارقية البحث عن الدفائن لا يمكن أن توصف بالأبتعاد عن المغاربية من حيث ما أتى بالنص, فنجد أن المقارنات متشابهة بينهم جدا...

            و خاصة فيما يتعلق, بالخروج للمخلوقات العجيبة, البخور, و التعازيم, فهو الفكر السائد عند الاغلبية الجاهلة علما و ثقافة قبل ان تكون عالمة بموضوع الدفائن...
            إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

            تعليق


            • #7
              بما ان الموضوع اعجبك اليك هذه المقالة

              االباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري لجريدة الأحداث المغربية
              الكنوز التحت أرضية بين العلم و اللا علم
              حوار :إدريس النجار
              ١- لماذا هذا الصمت المطبق حول الاستغلال السري للكنز كجزء من تراث وحفريات الوطنهذه السرقة التي يمكن اعتبارها جريمة أكبر من سرقة وكالة بنكية؟
              البحث عن الكنوز التحت أرضية يحاط أصلا بهالة من السرية، فالأمر يتعلق بممارسات تستدعي قدرا عاليا من التكتم، فمحترفوها قليلا ما يعلنون عن هوياتهم، و ما قد يكتشفونه من كنوز لا ينبغي التصريح به بالمرة، فالجميع يعلم أن ما تحت الأرض هو ملك للدولة. و لهذا يبدو طبيعيا أن يطبق الصمت ليس فقط على طرائق الاشتغال بل حتى ممكنات التعاطي مع هذا الأمر.
              و لكي نفهم مسألة وجود الكنوز التحت أرضية من عدمها ينبغي أن ننتبه إلى كون الأجداد ما كان يجد أغلبهم من طريقة للادخار غير دفن ثروته في مكان ما و وضع خريطة ملغزة للوصول إليه، و غالبا ما كان يحدث ذلك قبل الرحلات الحجازية أو مع استشعار قرب الأجل المحتوم، فقبلا لم تكن هناك بنوك لوضع الأمانات و الأرصدة المالية، لهذا كان جوف الأرض بنكا سريا للجميع، أما عن سبب ارتباط كثير من الكنوز بمزارات الأولياء، فمن المعلوم أن هناك اقتصادا خفيا ينتعش على هامش طقوس عبادة الأولياء، و أن الولي أو الضريح بعد الرحيل كثيرا ما يستقبل "الرفود" النقدية و العينية، و التي كانت تدفن أحيانا مع الولي الراحل.
              و بالعودة إلى مسألة الصمت المطبق، فلنتساءل بغير قليل من البراءة، هل المغرب الرسمي حاول أن ينظر بعين العلم و الأركيولوجيا تحديدا إلى مسألة الكنوز التحت أرضية؟ و هل تمكن فعلا من إنجاز خريطة توقعية لانوجاد هذه الكنوز؟ الجواب بالإيجاب سيكون مغامرة معرفية، لأن الجميع يعلم بأن أسرار و خرائط هذه الكنوز لا يتوفر عليها المغرب الرسمي و أنها مندورة للهباء أو متوزعة بين أيدي سماسرة متخصصين، و من جهة ثانية فمجموع الإنتاج العلمي حول هذه الكنوز لا يتعدى أصابع اليد، فباستثناء بعض المحاولات للراحل بول باسكون، و بعض الاجتهادات القيمة للباحث محمد أسليم اتصالا بالسحريات لا يبدو أن هناك قاعدة معطيات علمية تبدد كل هذا الغموض الذي يكتنف مسألة الكنوز.



              سبحانك اللهم و بحمدك
              أشهد أن لا إله إلا أنت
              أستغفرك وأتوب إليك

              تعليق


              • #8
                ٢- يروج الحديث عن علاقة أجهزة نخبوية ب» جهابدة الفقهاء« القادرين على تركيع الجن للظفر بالدفينة، كيف يمكن فهم هذه العلاقة الملتبسة ولماذا تبقى الظاهرة في حدود الهمس دون أن يتم التحقيق فيها وٌإخراجها للعلن، ولماذا هذا الصمت المطبق حول الاستغلال السري لجزء من تراث وحفريات الوطن؟
                من منطلق علمي بحت فالكنوز التحت أرضية موجودة، و إلا كيف نفسر اندثار كل الكنوز التي كانت للأسلاف؟ ، و بعدا فإن أمكنة هذه الكنوز كانت محددة في خرائط سرية، تماما كما يحدث اليوم بفارق بسيط، فكل واحد منا يحوز خريطة سرية لكنزه المفترض، تلعبه بامتياز البطاقة المغناطيسية البنكية بقنها السري، فالمرء قبلا كان يدفن كنزه و يضع له قنا سريا في خريطة ملغزة يصعب تشفيرها، و قد يعمد في توثيق اللحظة إلى الكتابة عن حدث الدفن ، و هو ما ينتبه إلىه صيادو الكنوز الذين يقرأون المتون و يكتشفون المسكوت فيها، حينئذ ينطلق موسم من العمل على تشفير الخطاب المضمر و اكتشاف الخريطة السرية و بعدا الوصول إلى المكان المعلوم.
                و لأن واضع الخريطة السرية للكنز لا ينسى وضع الكثير من المحاذير و الشروط التعجيزية،من قبيل أن الكنز يحرسه جان عظيم و أن الوصول إليه يقتضي تقديم القرابين أو أن من اقترب منه فسيقع له مكروه ، و ذلك حتى لا يفكر من سقطت الخريطة في يده خطأ، في البحث عن الكنز، و عليه فإن "فقهاء" الكنوز يصرون دوما على أن العملية تستلزم الذبائح و الأطفال الزهريين، و ما إلى ذلك من الطقوس التي تستحضر الجان.
                و كما تعلمنا السوسيولوجيا دوما فإن منطق الحقول المجتمعية يفترض دوما الصراع و الإفادة أيضا من خيرات الحقل و صراعاته، و الأكيد أن هذا الحقل الملتهب المفتوح على السحر و الدين و المال، يعرف صراعات و إفادات متواترة ، و لتأمين أكبر قدر ممكن من شرط الاستفادة، خصوصا بالنسبة لمالكي وسائل الإنتاج داخل هذا الحقل، يتوجب إضفاء هالة من السرية و القدسية أيضا، فضلا عن تجذير التضامنات الممكنة مع بعض النخب أملا في شرعنة الوضع و توسيع دوائر الاستفادة، فإسار الطابو و التكتم الشديد يؤجل النقاش دوما بصدد الموضوع المحاط بهذا الإسار، و يحيله إلى ما يشبه المقدس، و بذلك تتواتر أعماله و مشاريعه بعيدا عن المساءلة و النقد.
                ٣- يرتبط الكنز كمعطى مادي بالدين والسحريات، و يشيع الباحثون عن الكنوز قصص وروايات حول رصد الجن للدفائن والخزائن المطمورة دون غيرها من الأشياء الضاربة في الزمان، كيف يتم الجمع بين الدين والسحر لخدمة أغراض دنيوية مادية؟ ولماذا هذا الجمع الشاذ بين الفقيه و» الماكينة« آلة الكشف والتنقيب، هل توظيف الدين والسحر مجرد وسيلة للتخويف والترهيب والترعيب . كيف يرتبط المقدس والمحرم والممنوع بالنقود و نفائس المعادن دون غيرها فيتم الحديث عن الأموال المرصودة والجن الذي يرصد الخزائن؟
                السرية كما أوضحت تفيد الشرعنة و تأكيد الحضور، فما يكتنفه الغموض، تظل اليقينيات و الإجابات الجاهزة أكثر ما ينتج بصدده، لهذا ندعو دوما في قارات العلم إلى تجاوز يقينيات الحس المشترك، و مجابهة أكثر القضايا بداهة بالسؤال و النقد، فليس هناك من علم إلا بالسؤال المربك و المزعج لكافة الحقول المجتمعية، و بالطبع فالغموض يفيد في مراكمة الرساميل المادية و الرمزية، و لهذا يجنح صيادو الكنوز إلى إشاعة الكثير من الحكايا المرعبة عن تاريخهم الطويل في استخراج الكنوز و صراعهم مع قوى خفية لا قبل لنا بها، فكل هذه الحكايا تؤسس للشرعية و تقوي من أسهم الحضور و التمكن الاحترافي، و هو ما يعد ضروريا لإقناع الناس و سلبهم أموالهم، و لهذا تتناهى إلى سمعنا مرارا أخبار تتعلق بوقوع أناس في شرك النصب و الاحتيال، بعد أن أقنعهم البعض بأن الكنز يوجد بمنزلهم أو أرضهم أو أنه عائد إلى جدهم السابع عشر مثلا، و اكتشافه لا يكون ممكنا إلا بمشاركتهم في العملية.
                و كثيرا ما يستفيق حراس الأضرحة النائية على وجود حفر متناثرة، اشتغل عليها ليلا أناس قادمون من أماكن شتى، بحثا عن الكنز، فالأمر يتعلق ببحث متواصل عن أموال و نفائس لم يجد أصحابها بدا من دفنها في جوف الأرض، أي في البنك الأرضي الذي كان متاحا قبلا، و لكن و من أجل تحصين الممارسة ضد الوافدين الجدد، فلا مناص من القول بأن الأمر يستدعي قدرات خارقة و يستدعي اتحادا مع الجان و تقديما للقرابين، فكل هذه الطقوس تسهم بقسط وافر في تدعيم شرعية التمكن، خصوصا في ظل مجتمع يستند في تفسيراته إلى التقليدي أكثر من الحديث، و للتدليل على ذلك لنتساءل بشكل ضدي، فلو جاء أحدهم إلينا مخبرا إيانا بأنه يتوفر على خريطة لكنز مدفون بمكان ما، فهل سنصدقه؟ لكنه إذا أضاف أنه متخصص في تطويع الجان و أنه استخرج قبلا العديد من الكنوز، و أنه من الضروري ممارسة عدة طقوس و انتظار ليلة بعينها من الشهر و أضاف ما أضاف مما يفيد في أسطرة الفكرة و إخراجها من الاعتيادي و البسيط إلى مستويات عليا من اللامنطق، فحينئذ سيكون الجواب مختلفا، و لما لا نكون ضحية تنويماته و لو كنا حائزين على درجات عليا من التعليم. فالسحريات تفيد في شرعنة انوجاد و انبناء الظاهرة، كما أن المقدس الديني يهب الشرعية كذلك للفعل و الفاعل، و لهذا نلاحظ المراهنة الدائمة على الدين و استثماره في مختلف المجالات لحيازة أكبر قدر من الرساميل، فلماذا و الحالة هاته نرفض أو لا نتفهم اشتغال صيادي الكنوز بهذا المقترب و إلحاحهم المستمر على أنهم فقهاء.
                سبحانك اللهم و بحمدك
                أشهد أن لا إله إلا أنت
                أستغفرك وأتوب إليك

                تعليق


                • #9
                  يا سلام يا أخوي أبو مازن, والله أنه مقال رائع و حبذا المزيد...
                  إن أدركت معنى الحقيقة, ستدرك حينها وهم الحياة...

                  تعليق


                  • #10
                    جزاك الله خيرا على المرور و التشجيع
                    متى توفر المزيد انقله لكم أن شاء الله
                    سبحانك اللهم و بحمدك
                    أشهد أن لا إله إلا أنت
                    أستغفرك وأتوب إليك

                    تعليق


                    • #11
                      الله يعطيك العافية



                      تعليق

                      يعمل...
                      X