إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة ابن بطوطة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكر سلطان لار

    وبهذه المدينة سلطان يسمى بجلال الدين، تركماني الأصل، بعث إلينا بضيافة. ولم نجتمع به ولا رأيناه. ثم سافرنا إلى مدينة خنج بال " وضبط اسمها بضم الخاء المعجم وقد يعوض منه هاء وإسكان النون وضم الجيم وباء معقودة وألف ولام "، وبها سكنى الشيخ أبي دلف الذي قصدنا زيارته، وبزاويته نزلنا. ولما دخلت الزاوية، رأيته قاعداً بناحية منها على التراب، وعليه جبة صوف خضراء بالية، وعلى رأسه عمامة صوف سوداء، فسلمت عليه، فأحسن الرد، وسألني عن مقدمي وبلادي وأنزلني. وكان يبعث إلي الطعام والفاكهة مع ولد له من الصالحين، كثير الخشوع والتواضع صائم الدهر كثير الصلاة. ولهذا الشيخ أبي دلف شأن عجيب وأمر غريب، فإن نفقته في هذه الزاوية عظيمة. وهو يعطي العطاء الجزيل، ويكسو الناس، ويركبهم الخيل، ويحسن لكل وارد وصادر. ولم أر في تلك البلاد مثله، ولا يعلم له جهة إلا ما يصله من الإخوان والاصحاب، حتى زعم كثير من الناس أنه ينفق من الكون. وفي زاويته المذكورة قبر الشيخ الولي الصالح القطب دانيال، وله اسم بتلك البلاد شهير. وشأن في الولاية كبير. وعلى قبره قبة عظيمة بناها السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه. وأقمت عند الشيخ أبي دلف يوماً واحداً، لاستعجال الرفقة التي كنت في صحبتها. وسمعت أن بالمدينة خنج بال المذكورة زاوية فيها جملة من الصالحين المتعبدين، فرحت إليها بالعشي، وسلمت على شيخهم وعليهم، ورأيت جماعة مباركة قد أثرت فيهم العبادة، فهم صفر الألوان نحاف الجسوم كثيرو البكاء غزيرو الدموع، وعند وصولي إليهم أتوا بالطعام. فقال كبيرهم: ادعوا إلي ولدي محمداً وكان معتزلاً في بعض نواحي الزاوية. فجاء إلينا الولد، وهو كأنما خرج من قبر مما نهكته العبادة، فسلم وقعد. فقال له أبوه: يا بني، شارك هؤلاء الواردين في الأكل تنل من بركاتهم، وكان صائماً فأفطر معنا، وهم شافعية المذهب، فلما فرغنا من أكل الطعام دعوا لنا وانصرفنا. ثم سافرنا منها إلى مدينة قيس. وتسمى أيضاً بسيراف، وهي على ساحل بحر الهند المتصل ببحر اليمن وفارس، وعدادها في كور فارس مدينة لها انفساح وسعة، طيبة البقعة، في دورها بساتين عجيبة، فيها الرياحين والأشجار الناضرة. وشرب أهلها من عيون منبعثة من جبالها، وهم عجم من الفرس أشراف، وفيهم طائفة من عرب بني سفاف، وهم الذين يغوصون على الجوهر.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • ذكر مغاص الجوهر

      ومغاص الجوهر فيما بين سيراف والبحرين في خور راكد مثل الوادي العظيم، فإذا كان شهر إبريل، وشهر مايو تأتي إليه القوارب الكثيرة فيها الغواصون وتجار فارس والبحرين والقطيف ويجعل الغواص على وجهه مهما أراد أن يغوص شيئاً يكسوه من عظم الغيلم، وهي السلحفاة ويصنع من هذا العظم أيضاً شكلاً شبه المقراض، يشده على أنفه، ثم يربط حبلاً في وسطه، ويغوص، ويتفاوتون في الصبر في الماء، فمنهم من يصبر الساعة والساعتين فما دون ذلك فإذا وصل إلى قعر البحر يجد الصدف هنالك فيما بين الأحجار الصغار. مثبتاً في الرمل، فيقتلعه بيده، أو يقطعه بحديدة عنده، معدة لذلك، ويجعلها في مخلاة جلد منوطة بعنقه، فإذا ضاق نفسه، حرك الحبل فيحس به الرجل الممسك للحبل على الساحل، فيرفعه إلى القارب، فتؤخذ منه المخلاة، ويفتح الصدف فيوجد في أجوافها قطع اللحم تقطع بحديدة، فإذا باشرت الهواء جمدت فصارت جواهر ، فيجمع جميعها من صغير وكبير، فيأخذ السلطان خمسه والباقي يشتريه التجار الحاضرون بتلك القوارب وأكثرهم يكون له الدين على الغواصين، فيأخذ الجوهر في دينه أو ما وجب له منه، ثم سافرنا من سيراف إلى مدينة البحرين، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأشجار وأنهار، وماؤها قريب المؤونة يحفر عليه بالأيدي فيوجد، وبها حدائق النخل والرمان والأترج، يزرع بها القطن وهي شديدة الحر كثيرة الرمال وربما غلب الرمل على بعض منازلها وكان فيما بينها وبين عمان طريق استولت عليه الرمال وانقطع، فلا يوصل من عمان إليها إلا في البحر، وبالقرب منها جبلان عظيمان يسمى أحدهما بكسير، وهو في غربيها، ويسمى الآخر يعوير وهو في شرقيها وبهما ضرب المثل فقيل " كسير وعوير وكل غير خير، ثم سافرنا إلى مدينة القطيف، " وضبط اسمها بضم القاف "، كأنه تصغير قطف، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب، وهم رافضية غلاة، يظهرون الرفض جهاراً لا يبقون أحداً، ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين: أشهد أن علياً ولي الله ويزيد بعد الحيعلتين: حي على خير العمل، ويزيد بعد التكبير الأخير محمد وعلي خير البشر، ومن خالفهما فقد كفر. ثم سافرنا منها إلى مدينة هجر وتسمى الآن بالحسا " بفتح الحاء والسين واهمالهما " وهي التي يضرب المثل بها، فيقال: كجالب التمر إلى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها ومنه يعلفون دوابهم، وأهلها عرب، وأكثرهم من قبيلة عبد القيس بن أفصى. ثم سافرنا منها إلى مدينة اليمامة وتسمى أيضاً بحجر " بفتح الحاء المهمل واسكان الجيم " مدينة حسنة خصبة ذات أنهار وأشجار، يسكنها طوائف من العرب، وأكثرهم من بني حنيفة، وهي بلدهم قديماً، وأميرهم طفيل بن غانم، ثم سافرت منها في صحبة هذا الأمير برسم الحج وذلك في سنة اثنتين وثلاثين فوصلت إلى مكة شرفها الله تعالى. وحج في تلك السنة الملك الناصر سلطان مصر رحمه الله وجملة من أمرائه، وهي آخر حجة حجها، وأجزل الإحسان لأهل الحرمين الشريفين وللمجاورين وفيها قتل الملك الناصر أمير أحمد الذي يذكر أنه ولده، وقتل أيضاً كبير أمرائه بكتمور الساقي.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • حكاية

        ذكر أن الملك الناصر وهب لبكتمور الساقي جارية، فلما أراد الدنو منها قالت له: إني حامل من الملك الناصر فاعتزلها وولدت ولداً سماه بأمير أحمد، ونشأ في حجره، فظهرت نجابته واشتهر بابن الملك الناصر، فلما كان في هذه الحجة تعاهد على الفتك بالملك الناصر، وأن يتولى أمير أحمد الملك، وحمل بكتمور معه العلامات والطبول والكسوات والأموال، فنمي الخبر إلى الملك الناصر، فبعث إلى أمير أحمد في يوم شديد الحر، فدخل عليه، وبين يديه أقداح الشرب، فشرب الملك الناصر قدحاً، وناول أمير أحمد قدحاً ثانياً فيه السم فشربه، وأمر بالرحيل في تلك الساعة ليشغل الوقت فرحل الناس، ولم يبلغوا المنزل حتى مات أمير أحمد، فاكترث بكتمور لموته، وقطع أثوابه، وامتنع من الطعام والشراب وبلغ خبره إلى الملك الناصر فأتاه بنفسه ولاطفه وسلاه، وأخذ قدحاً فيه سم فناوله إياه وقال له: بحياتي عليك إلا شربت فبردت نار قلبك، فشربه ومات من حينه، ووجد عنده الخلع السلطنة والأموال فتحقق ما نسب من الفتك بالملك الناصر. ولما انقضى الحج توجهت إلى جدة برسم ركوب البحر إلى اليمن والهند فلم يقض لي ذلك، ولا تأتى لي رفيق، وأقمت بجدة نحو أربعين يوماً وكان بها مركب لرجل يعرف بعبد الله التونسي يروم السفر إلى القصير، من عمالة قوص فصعدت إليه لأنظر حاله فلم يرضني، ولا طابت نفسي بالسفر فيه وكان ذلك لطفاً من الله تعالى. فإنه سافر، فلما توسط البحر غرق بموضع يقال له: رأس أبي محمد، فخرج صاحبه وبعض التجار في العشاري بعد جهد عظيم، واشرفوا على الهلاك، وهلك بعضهم، وغرق سائر الناس وكان فيه نحو سبعين من الحجاج، ثم ركبت البحر بعد ذلك في صنبوق برسم عيذاب، فردتنا الريح إلى جبل يعرف برأس دواير وسافرنا منه في البر مع البجاة. ووردنا ماء كثيرة النعام والغزلان، فيها عرب جهينة وبني كاهل وطاعتهم للبجاة. ووردنا ماء يعرف بمفرور، وماء يعرف بالجديد. ونفذ زادنا فاشترينا من قوم من البجاة وجدناهم بالفلاة أغناماً وتزودنا لحومها ورأيت بهذه الفلاة صبياً من العرب كلمني باللسان العربي وأخبرني أن البجاة أسروه، وزعم أنه منذ عام لم يأكل طعاماً. وإنما يقتات بلبن الإبل ونفد منا بعد ذلك اللحم الذي اشتريناه، ولم يبق لنا زاد وكان عندي نحو حمل من التمر الصيحاني والبرني برسم الهدية لأصحابي ففرقته على الرفقة،
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • وتزودناه ثلاثاً وبعد مسيرة تسعة أيام من رأس دواير، وصلنا إلى عيذاب وكان قد تقدم إليها بعض الرفقة، فتلقانا أهلها بالخبز والتمر والماء وأقمنا بها أياماً واكترينا الجمال وخرجنا صحبة طائفة من عرب دغيم ووردنا ماء يعرف بالجنيب ولعله " الخبيب "، وحللنا بحميثرا، حيث قبر ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي، وحصلت لنا زيارته ثانية، وبتنا في جواره ثم وصلنا إلى قرية العطواني، وهي على ضفة النيل، مقابلة لمدينة إدفو من الصعيد الأعلى. وأجزنا النيل إلى مدينة أسنا ثم إلى مدينة أرمنت ثم إلى الأقصر، وزرنا الشيخ أبا الحجاج الأقصري ثانية ثم إلى مدينة قوص ثم إلى مدينة قنا وزرنا الشيخ عبد الرحيم القناوي ثانية، ثم إلى مدينة هو ثم إلى مدينة أخميم ثم إلى مدينة أسيوط، ثم إلى منفلوط، ثم إلى مدينة منلوى، ثم إلى مدينة الأشمونين، ثم إلى مدينة منية بن الخصيب ثم إلى مدينة البهنسة ثم إلى مدينة بوش ثم إلى مدينة منية القائد. وقد تقدم لنا ذكر هذه البلاد، ثم إلى مصر وأقمت بها أياماً وسافرت على طريق بلبيس إلى الشام ورافقني الحاج عبد الله بن أبي بكر بن الفرحان النوزري، ولم يزل في صحبتي سنين، إلى أن خرجنا من بلاد الهند، فتوفي بسندابور، وسنذكر ذلك، فوصلنا إلى مدينة غزة ثم إلى مدينة الخليل عليه السلام، وتكررت لنا زيارته، ثم إلى بيت المقدس ثم إلى مدينة الرملة ثم إلى مدينة عكا ثم إلى مدينة طرابلس ثم إلى مدينة جبلة وزرنا إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه ثانية، ثم إلى مدينة اللاذقية، وقد تقدم لنا ذكر هذه البلاد كلها ومن اللاذقية ركبنا البحر في قرقورة كبيرة للجنويين يسمى صاحبها بمرتلمين، وقصدنا بر التركية المعروف ببلاد الروم، وإنما نسبت إلى الروم لأنها كانت بلادهم في القديم، ومنها الروم الأقدمون واليونانية ثم استفتحها المسلمون وبها الآن كثير من النصارى تحت ذمة المسلمين من التركمان وسرنا في البحر عشراً بريح طيبة، وأكرمنا النصراني ولم يأخذ منا نولاً. وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا، وهي أول بلاد الروم وهذا الأقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله فيه ما تفرق من المحاسن في البلاد فأهله أجمل الناس صوراً وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم وأكثر خلق الله شفقة ولذلك يقال البركة في الشام، والشفقة في الروم وإنما عنى به أهل هذه البلاد. وكنا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو داراً، يتفقد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء، وهن لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا وترى النساء باكيات لفراقنا متأسفات ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة، يعدون فيه ما يفوتهم سائرها فكان رجالهم يأتون إلينا بالخبز الحار في يوم خبزه، ومعه الإدام الطيب إطرافاً لنا بذلك، ويقولن لنا: إن النساء بعثن هذا إليكم وهن يطلبن منكم الدعاء، وجميع أهل هذه البلاد على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، مقيمين على السنة لا قدري فيهم ولا رافضي ولا معتزلي ولا خارجي ولا مبتدع وتلك فضيلة خصهم الله تعالى بها. إلا أنهم يأكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك. ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر، يسكنها التركمان، وينزلها تجار مصر وإسكندرية والشام وهي كثيرة الخشب، ومنها يحمل إلى اسكندرية ودمياط، ويحمل منها إلى سائر بلاد مصر، ولها قلعة بأعلاها عجيبة منيعة، بناها السلطان المعظم علاء الدين الرومي، ولقيت بهذه المدينة قاضيها جلال الدين أرزنجاني، وصعد معي إلى القلعة يوم الجمعة فصلينا بها. وأضافني وأكرمني، وأضافني أيضاً بها شمس الدين ابن الرجيحاني الذي توفي أبوه علاء الدين بمالي من بلاد السودان.
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • وأكرمنا النصراني ولم يأخذ منا نولاً. وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا، وهي أول بلاد الروم وهذا الأقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله فيه ما تفرق من المحاسن في البلاد فأهله أجمل الناس صوراً وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم وأكثر خلق الله شفقة ولذلك يقال البركة في الشام، والشفقة في الروم وإنما عنى به أهل هذه البلاد. وكنا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو داراً، يتفقد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء، وهن لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا وترى النساء باكيات لفراقنا متأسفات ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة، يعدون فيه ما يفوتهم سائرها فكان رجالهم يأتون إلينا بالخبز الحار في يوم خبزه، ومعه الإدام الطيب إطرافاً لنا بذلك، ويقولن لنا: إن النساء بعثن هذا إليكم وهن يطلبن منكم الدعاء، وجميع أهل هذه البلاد على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، مقيمين على السنة لا قدري فيهم ولا رافضي ولا معتزلي ولا خارجي ولا مبتدع وتلك فضيلة خصهم الله تعالى بها. إلا أنهم يأكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك. ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر، يسكنها التركمان، وينزلها تجار مصر وإسكندرية والشام وهي كثيرة الخشب، ومنها يحمل إلى اسكندرية ودمياط، ويحمل منها إلى سائر بلاد مصر، ولها قلعة بأعلاها عجيبة منيعة، بناها السلطان المعظم علاء الدين الرومي، ولقيت بهذه المدينة قاضيها جلال الدين أرزنجاني، وصعد معي إلى القلعة يوم الجمعة فصلينا بها. وأضافني وأكرمني، وأضافني أيضاً بها شمس الدين ابن الرجيحاني الذي توفي أبوه علاء الدين بمالي من بلاد السودان.
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • ذكر سلطان العلايا

              وفي يوم السبت ركب معي القاضي جلال الدين، وتوجهنا إلى لقاء ملك العلايا وهو يوسف بك ومعنى بك الملك ابن قرمان، " بفتح القاف والراء " ومسكنه على عشرة أميال من المدينة فوجدناه قاعداً على الساحل وحده فوق رابية هنالك، والأمراء والوزراء أسفل منه، والأجناد عن يمينه ويساره، وهو مخضوب الشعر بالسواد، فسلمت عليه، وسألني عن مقدمي، فأخبرته عما سأل، وانصرفت عنه وبعث إلي إحساناً، وسافرت من هنالك إلى مدينة أنطاليا " وضبط اسمها بفتح الهمزة واسكان النون وفتح الطاء المهمل والف ولام مكسور وياء آخر الحروف " وأما التي بالشام فهي أنطاكية على وزنها، إلا أن الكاف عوض عن اللام، وهي من أحسن المدن، متناهية في اتساع الساحة والضخامة، أجمل ما يرى من البلاد وأكثره عمارة وأحسنه ترتيباً، وكل فرقة من سكانها منفردة بأنفسها عن الفرقة الأخرى فتجار النصارى ماكثون منها بالموضع المعروف بالميناء، وعليهم سور تسد أبوابه عليهم ليلاً وعند صلاة الجمعة. والروم الذين كانوا أهلها قديماً ساكنون بموضع آخر منفردين به، وعليهم أيضاً سور. واليهود في موضع آخر، وعليهم سور، والملك وأهل دولته ومماليكه يسكنون ببلدة عليها أيضاً سور يحيط بها، ويفرق بينها وبين ما ذكرناه من الفرق وسائر الناس من المسلمين يسكنون المدينة العظمى، وبها مسجد جامع ومدرسة وحمامات كثيرة وأسواق ضخمة مرتبة بأبدع ترتيب، وعليها سور عظيم يحيط بها وبجميع المواضع التي ذكرناها، وفيها البساتين الكثيرة والفواكه الطيبة والمشمش العجيب المسمى عندهم بقمر الدين وفي نواته لوز حلو وهو ييبس ويحمل إلى ديار مصر وهو بها مستظرف وفيها عيون الماء الطيب العذب الشديد البرودة في أيام الصيف نزلنا من هذه المدينة بمدرستها وشيخها شهاب الدين الحموي، ومن عادتهم أن يقرأ جماعة من الصبيان بالأصوات الحسان بعد العصر من كل يوم في المسجد الجامع، وفي المدرسة أيضاً سورة الفتح وسورة الملك وسورة عم.
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • ذكر الأخية الفتيان

                واحد الأخية أخي على لفظ الأخ إذا أضافه المتكلم إلى نفسه، وهم بجميع البلاد التركمانية الرومية في كل بلد ومدينة وقرية ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالاً بالغرباء من الناس، وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج، والأخذ على أيدي الظلمة وقتل الشرط، ومن ألحق بهم من أهل الشر. والأخي عندهم رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبان الأعزاب والمتجردين، ويقدمونه على أنفسهم، وتلك هي الفتوة أيضاً. ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم، فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك مما ينفق في الزاوية فإن ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم، وكان ذلك ضيافته لديهم، ولا يزال عندهم حتى ينصرف وإن لم يرد وارد، اجتمعوا على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا، وانصرفوا إلى صناعتهم بالغدو، وأتوا بعد العصر إلى مقدمهم بما اجتمع لهم ويسمون بالفتيان ويسمى مقدمهم كما ذكرنا الأخي ولم أر في الدنيا أجمل أفعالاً منهم ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وأصفهان إلا أن هؤلاء أحب في الوارد والصادر، وأعظم إكراماً له وشفقة عليه. وفي الثاني من يوم وصولنا إلى هذه المدينة أتى أحد هؤلاء الفتيان إلى الشيخ شهاب الدين الحموي وتكلم معه باللسان التركي، ولم أكن يومئذ أفهمه، وكان عليه أثواب خلقة، وعلى رأسه قلنسوة لبد، فقال لي الشيخ أتعلم ما يقول هذا الرجل ? فقلت لا أعلم ما قال: فقال لي: إنه يدعوك إلى ضيافته أنت وأصحابك فعجبت منه، وقلت له: نعم. فلما انصرف قلت للشيخ هذا رجل ضعيف ولا قدرة له على تضييفنا، ولا نريد أن نكلفه. فضحك الشيخ وقال لي هذا أحد شيوخ الفتيان الأخية هو من الخرازين ، وفيه كرم نفس وأصحابه نحو مائتين من أهل الصناعات قد قدموه على أنفسهم، وبنوا زاوية للضيافة، وما يجتمع لهم بالنهار انفقوه بالليل. فلما صليت المغرب عاد إلينا ذلك الرجل وذهبنا معه إلى زاويته، فوجدناها زاوية حسنة مفروشة بالبسط الرومية الحسان، وبها الكثير من ثريات الزجاج العراقي، وفي المجلس خمسة من البياسيس، والبيسوس شبه المنارة من النحاس له أرجل ثلاث، وعلى رأسه شبه جلاس من النحاس، وفي وسطه أنبوب للفتيلة ويملأ من الشحم المذاب، وإلى جانبه آنية نحاس ملآنة بالشحم، وفيها مقراض لإصلاح الفتيل، وأحدهم موكل بها، ويسمى عندهم الجراجي " الجراغجي " وقد اصطف في المجلس جماعة من الشبان ولباسهم الأقبية وفي أرجلهم الأخفاف وكل واحد منهم متحزم، على وسطه سكين في طول ذراعين، وعلى رؤوسهم قلانس بيض من الصوف، بأعلى كل قلنسوة قطعة موصلة بها في طول ذراع، وعرض إصبعين فإذا استقر بهم المجلس نزع كل واحد منهم قلنسوة، ووضعها بين يديه. وتبقى على رأسه قلنسوة أخرى من الزردخاني وسواه حسنة المنظر، وفي وسط مجلسهم شبه مرتبة موضوعة للواردين. ولما استقر بنا المجلس عندهم أتوا بالطعام الكثير والفاكهة والحلواء، ثم أخذوا في الغناء والرقص فراقنا حالهم، وطال عجبنا من سماحهم، وكرم أنفسهم وانصرفنا عنهم آخر الليل، وتركناهم بزاويتهم.
                ذكر سلطان انطالية

                وسلطانها خضر بك ابن يونس بك، وجدناه عند وصولنا إليها عليلاً، فدخلنا عليه بداره، وهو في فراش المرض، فكلمنا بألطف كلام وأحسنه وودعناه، وبعث الينا بإحسان. وسافرنا إلى بلدة بردور " وضبط اسمها بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وضم الدال المهمل وواو وراء "، وهي بلدة صغير كثيرة البساتين والأنهار، ولها قلعة في رأس جبل شاهق نزلنا بدار خطيبها، واجتمعت الأخية، وأرادوا نزولنا عندهم فأبى عليهم الخطيب، فصنعوا لنا ضيافة في بستان لأحدهم وذهبوا بنا إليها فكان من العجائب إظهارهم السرور بنا، والاستبشار والفرح، وهم لا يعرفون لساننا، ونحن لا نعرف لسانهم، ولا ترجمان فيما بيننا. وأقمنا عندهم يوماً وانصرفنا ثم سافرنا من هذه البلدة إلى بلدة سبرنا " وضبط اسمها بفتح السين المهمل والباء الموحدة وإسكان الراء وفتح التاء المعلوة والف " وهي بلدة حسنة العمارة والأسواق كثيرة البساتين والأنهار، لها قلعة في جبل شامخ وصلنا إليها بالعشي، ونزلنا عند قاضيها وسافرنا منها إلى مدينة أكريدور " وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الكاف وكسر الراء وياء مد ودال مهمل مضموم وواو مد وراء " مدينة عظيمة كثيرة العمارة حسنة الأسواق ذات أنهار وبساتين، ولها بحيرة عذبة الماء يسافر المركب فيها يومين إلى أقشهر وبقشهر وغيرهما من البلاد والقرى، ونزلنا منها بمدرسة تقابل الجامع الأعظم بها المدرس العام الحاج المجاور الفاضل مصلح الدين قرأ بالديار المصرية والشام وسكن بالعراق. وهو فصيح اللسان حسن البيان، أطروفة من طرف الزمان، أكرمنا غاية الإكرام وقام بحقنا أحسن قيام.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • ذكر سلطان أكريدور

                  وسلطانها أبو إسحاق بك ابن الدندار بك، من كبار سلاطين تلك البلاد، سكن ديار مصر أيام أبيه وحج، وله سيرة حسنة، ومن عادته أنه يأتي كل يوم إلى صلاة العصر بالمسجد الجامع، فإذا قضيت صلاة العصر استند إلى جدار القبلة، وقعد القراء بين يديه على مصطبة خشب عالية، فقرأوا سورة الفتح والملك وعم بأصوات حسان فعالة في النفوس تخشع لها القلوب وتقشعر الجلود وتدمع العيون، ثم ينصرف إلى داره. وأظلنا عنده شهر رمضان فكان يقعد في كل يوم ليلة منه على فراش لاصق بالأرض من غير سرير، ويستند إلى مخدة كبيرة، ويجلس الفقيه مصلح الدين إلى جانبه، وأجلس إلى جانب الفقيه ويلينا أرباب دولته أمراء حضرته ثم يؤتى بالطعام، فيكون أول ما يفطر عليه ثريد في قحفة صغيرة، عليه العدس مسقي بالسمن والسكر، ويقدمون الثريد تبركاً، ويقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم فضله على سائر الطعام فنحن نبدأ به لتفضيل النبي له ثم يؤتى بسائر الأطعمة وهكذا فعلهم في جميع ليالي رمضان.
                  وتوفي في بعض تلك الأيام ولد السلطان، فلم يزيدوا على بكاء الرحمة، كما يفعله أهل مصر والشام، خلافاً لما قدمناه من فعل أهل اللور حين مات ولد سلطانهم فلما دفن أقام السلطان والطلبة ثلاثة أيام يخرجون إلى قبره بعد صلاة الصبح. وثاني يوم من دفنه خرجت مع الناس فرآني السلطان ماشياً برجلي، فبعث لي بفرس واعتذر، فلما وصلت المدرسة بعثت الفرس فرده وقال: إنما أعطيته عطية لا عارية، وبعث إلي بكسوة ودراهم فانصرفنا إلى مدينة قل حصار " وضبط اسمها بضم الكاف وإسكان اللام ثم حاء مهمل مكسور وصاد مهمل وآخره راء " مدينة صغيرة بها المياه من كل جانب، قد نبت فيها القصب، فلا طريق لها إلا طريق كالجسر مهيأ بين القصب والمياه، لا يسع إلا فارساً واحداً، والمدينة على تل في وسط المياه منيعة لا يقدر عليها ونزلنا بزاوية أحد الفتيان الأخية بها.
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • ذكر سلطان قل حصار

                    وسلطانها محمد جلبي وجلبي " بجيم معقود ولام مفتوحين وباء موحدة وياء "، وتفسيره بلسان الروم سيدي، وهو أخو السلطان أبي إسحاق ملك أكريدور، ولما وصلنا إلى مدينته كان غائباً عنها فأقمنا بها أياماً ثم قدم فأكرمنا وأركبنا وزودنا، وانصرفنا على طريق قرا أغاج وقرا " بفتح القاف " وتفسيره أسود " وأغاج بفتح الهمزة والغين المعجم وآخره جيم " تفسيره الخشب وهي صحراء خضراء يسكنها التركمان. وبعث معنا السلطان فراساناً يبلغوننا إلى مدينة لاذق. بسبب أن هذه الصحراء يقطع الطريق فيها طائفة يقال لها الجرميان يذكر أنهم من ذرية يزيد بن معاوية، ولهم مدينة يقال لها: كوتاهية فعصمنا الله منهم، ووصلنا إلى مدينة لاذق، " وهي بكسر الذال المعجم وبعده قاف " وتسمى أيضاً دون غزله وتفسيره بلد الخنازير، وهي من أبدع المدن وأضخمها وفيها سبعة من المساجد لإقامة الجمعة، ولها البساتين الرائقة والأنهار المطردة والعيون المنبعة، وأسواقها حسان، وتصنع بها ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثل لها تطول أعمارها لصحة قطنها وقوة غزلها وهذه الثياب معروفة بالنسبة إليها، وأكثر الصناع بها نساء الروم، وبها من الروم كثير تحت الذمة، وعليهم وظائف للسلطان من الجزية وسواها وعلامة الروم بها القلانس الطوال، منها الحمر والبيض. ونساء الروم لهن عمائم كبار وأهل هذه المدينة لا يغيرون المنكر، بل كذلك أهل هذا الإقليم كلهم وهم يشترون الجواري الروميات الحسان ويتركونهن للفساد وكل واحدة عليها وظيف لمالكها تؤديه له.
                    وسمعت هنالك أن الجواري يدخلن الحمام مع الرجال، فمن أراد الفساد فعل ذلك بالحمام من غير منكر عليه. وذكر لي أن القاضي بها له جوارٍ على هذه الصورة.
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • وعند دخولنا لهذه المدينة تقدم إلينا رجال من حوانيتهم حتى سل بعضهم السكاكين وأخذوا بأعنة الخيل ونازعهم آخرون على بعض، ونحن لا نعلم ما يقولون، فخفنا منهم وظننا أنهم الجرميان الذين يقطعون الطرق، وأن تلك مدينتهم، وحسبنا أنهم يريدون نهبنا. ثم بعث الله لنا رجلاً حاجاً يعرف اللسان العربي فسألته عن مرادهم منا فقال: إنهم من الفتيان، وإن الذين سبقوا إلينا أولاً هم أصحاب الفتى أخي سنان والآخرون أصحاب الفتى أخي طومان، وكل طائفة ترغب أن يكون نزولكم عندهم. فعجبنا من كرم نفوسهم. ثم وقع بينهم الصلح على المقارعة، فمن كانت قرعته نزلنا عنده أولاً، فوقعت قرعة أخي سنان وبلغه ذلك، فأتى إلينا في جماعة من أصحابه فسلموا علينا ونزلنا بزاوية له. وأتي بأنواع الطعام، ثم ذهب بنا إلى الحمام ودخل معنا، وتولى خدمتي بنفسه، وتولى أصحابه خدمة أصحابي يخدم الثلاثة والأربعة الواحد منهم. ثم خرجنا من الحمام فأتو بطعام عظيم وحلواء وفاكهة كثيرة. وبعد الفراغ من الأكل قرأ القراء آيات من القرآن العزيز، ثم أخذوا في السماع والرقص. وأعلموا السلطان بخبرنا. فلما كان من الغد بعث في طلبنا بالعشي فتوجنا إليه وإلى ولده كما نذكره، ثم عدنا إلى الزاوية فألفينا الأخي طومان وأصحابه في انتظارنا، فذهبوا بنا إلى زاويتهم، ففعلوا في الطعام والحمام مثل أصحابهم، وزادوا عليه أن صبوا علينا ماء الورد صباً بعد خروجنا من الحمام، ثم مضوا بنا إلى الزاوية، ففعلوا أيضاً من الأحتفال في الأطعمة والحلواء والفاكهة وقراءة القرآن بعد الفراغ من الأكل ثم السماع والرقص كمثل ما فعله أصحابهم أو أحسن. وأقمنا عندهم بالزاوية أياماً.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • ذكر سلطان لاذق

                        وهو السلطان يننج بك " واسمه بياء آخر الحروف مفتوحة ثم نونين أولاهما مفتوحة والثانية مسكنة وجيم "، وهو من كبار سلاطين بلاد الروم. ولما نزلنا بزاوية أخي سنان كما قدمناه، بعث إلينا الواعظ المذكور العالم علاء الدين القسطموني، واصطحب معه خيلاً بعددنا، وذلك في شهر رمضان، فتوجهنا إليه وسلمنا عليه.
                        ومن عادة ملوك هذه البلاد التواضع لواردين ولين الكلام وقلة العطاء. فصلينا معه المغرب وحضر طعامه فأفطرنا عنده وانصرفنا. وبعث إلينا بدراهم، ثم بعث إلينا ولده مراد بك، وكان ساكناً في بستان خارج المدينة، وذلك في إبان الفاكهة، وبعث أيضاً خيلاً على عددنا، كما فعله أبوه فأتينا بستانه وأقمنا عنده تلك الليلة. وكان له فقيه يترجم بيننا وبينه. ثم انصرفنا غدوة، وأظلنا عيد الفطر بهذه البلدة، فخرجنا إلى المصلى، وخرج السلطان في عساكره، والفتيان الأخية كلهم بالأسلحة. ولأهل كل صناعة الأعلام والبوقات والطبول والأنفار، وبعضهم يفاخر بعضاً ويباهيه في حسن الهيئة وكمال الشكة، ويخرج أهل كل صناعة معهم البقر والغنم وأحمال الخبز، فيذبحون البهائم بالمقابر ويتصدقون بها وبالخبز ?. ويكون خروجهم أولاً إلى المقابر ومنها إلى المصلى.
                        ولما صلينا صلاة العيد، دخلنا مع السلطان إلى منزله، وحضر الطعام. فجعل للفقهاء والمشايخ والفتيان سماط على حدة، وجعل للفقراء والمساكين سماط على حدة. ولا يرد على بابه في ذلك اليوم فقير ولا غني، وأقمنا بهذه البلدة مدة بسبب مخاوف الطريق. ثم تهيأت رفقة فسافرنا معهم يوماً وبعض ليلة، ووصلنا إلى حصن طواس واسمه " بفتح الطاء وتخفيف الواو وآخره سين مهمل"، وهو حصن كبير. يذكر أن صهيباً صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه، من أهل هذا الحصن. وكان مبيتنا بخارجه. ووصلنا بالغد إلى بابه، فسألنا أهله من أعلى السور عن مقدمنا فأخبرناهم. وحينئذ خرج أمير الحصن ميناس بك في عسكره ليختبر نواحي الحصن والطريق، خوفاً من إغارة السراق على الماشية.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • فلما طافوا بجهاته خرجت مواشيههم، وهكذا فعلهم أبداً. ونزلنا من هذا الحصن بربضة في زاوية رجل فقير وبعث إلينا أمير الحصن بضيافة وزاد، وسافرنا منه إلى مغلة " وضبط اسمها بضم الميم واسكان الغين المعجم وفتح اللام "، ونزلنا بزاوية أحد المشايخ بها، وكان من الكرماء والفضلاء، يكثر الدخول علينا بزاويته، ولا يدخل إلا بطعام أو فاكهة أو حلواء. ولقينا بهذه البلدة إبراهيم بك ولد سلطان مدينة ميلاس، وسنذكره، فأكرمنا وكسانا، ثم سافرنا إلى مدينة ميلاس " وضبط اسمها بكسر الميم وياء مد وآخره سين مهمل "، وهي من أحسن بلاد الروم وأضخمها، كثيرة الفواكه والبساتين والمياه. نزلنا منها بزاوية أحد الفتيان الأخية، ففعل ما فعله من قبله من الركاء والضيافة ودخول الحمام وغير ذلك من حميد الأفعال وجميل الأعمال. ولقينا بمدينة ميلاس رجلاً صالحاً معمراً يسمى بأبي الششتري، وذكروا أن عمره يزيد على مائة وخمسين سنة، وله قوة وحركة وعقله ثابت وذهنه جيد. دعا لنا وحصلت لنا بركته.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • ?ذكر سلطان ميلاس

                            وهو السلطان المكرم شجاع الدين أرخان بك ابن المنتشا " وضبط اسمه بضم الهمزة وإسكان الراء وخاء معجم وآخره نون "، وهو من خيالي الملوك، حسن الصورة والسيرة، جلساؤه الفقهاء وهم معظمون لديه، وببابه منهم جماعة منهم الفقيه الخوارزمي عارف بالفنون فاضل. وكان السلطان في أيام لقائي له واجداً عليه. بسبب رحلته إلى مدينة أياسلوق ووصوله إلى سلطانها وقبول ما أهداه. فسألني هذا الفقيه أن أتكلم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره، فأثنيت عليه عند السلطان، وذكرت ما علمته من علمه وفضله، ولم أزل به حتى ذهب ما كان يجده فيه. وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزودنا. وسكناه في مدينة برجين، وهي قريبة من ميلاس، بينهما ميلان " وضبط اسمها بفتح الموحدة واسكان الراء وجيم وياء مد وآخره نون "، وهي جديدة على تل هنالك، بها العمارات الحسان والمساجد. وكان قد بنى بها مسجداً جامعاً، لم يتم بناؤه بعد. وبهذه البلدة لقيناه، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي علي. ثم انصرفنا بعد ما أحسن إلينا كما قدمناه إلى مدينة قونيه " وضبط اسمها بضم القاف وواو مد ونون مسكن مكسور ويار آخر الحروف "، مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه والانهار والبساتين والفواكة، وبها المشمش المسمى بقمر الدين. وقد تقدم ذكره، ويحمل منه أيضاً إلى ديار مصر والشام. وشوارعها متسعة جداً، وأسواقها بديعة الترتيب. وأهل كل صناعة على حدة ويقال: إن هذه المدينة من بناء الإسكندر، وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان، وسنذكره. وقد تغلب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم. نزلنا منها بزاوية قاضيها، ويعرف بابن قلم شاه وهو من الفتيان، وزاويته من أعظم الزوايا. وله طائفة كبيرة من التلاميذ، ولهم في الفتوة سند يتصل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. ولباسها عندهم السراويل كما تلبس الصوفية الخرقة. وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم صنيع من قبله وأجمل. وبعث ولده عوضاً عنه لدخول الحمام معنا. وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا، وكان كبير القدر. وبأرض الروم طائفة ينتمون ويعرفون باسمه، فيقال لهم الجلالية، كما تعرف الأحمدية بالعراق، والحيدرية بخراسان، وعلى تربته زاوية عظيمة فيها الطعام للوارد.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • ?حكاية

                              يذكر أنه كان في ابتداء أمره فقيهاً مدرساً، يجتمع إليه الطلبة بمدرسته بقونيه، فدخل يوماً إلى المدرسة رجل يبيع الحلواء، وعلى رأسه طبق منها، وهي مقطعة قطعاً، يبيع القطعة منها بفلس. فلما أتى مجلس التدريس قال له الشيخ: هات طبقك. فأخذ الحلواني قطعة منه وأعطاها للشيخ.. فأخذها الشيخ بيده، وأكلها. فخرج الحلواني، ولم يطعم أحداً سوى الشيخ. فخرج الشيخ في اتباعه، وترك التدريس، فأبطأ على الطلبة. طال انتظارهم إياه، فخرجوا في طلبه فلم يعرفوا له مستقراً. ثم إنه عاد إليهم بعد أعوام، وصار لا ينطق إلا بالشعر الفارسي المتعلق الذي لا يفهم. فكان الطلبة يتبعونه ويكتبون ما يصدر عنه من ذلك الشعر، وألفوا منه كتاباً سموه المثنوي. وأهل تلك البلاد يعظمون ذلك الكتاب ويعتبرون كلامه، ويعلمونه ويقرأونه بزواياهم في ليالي الجمعات. وفي هذه المدينة أيضاً قبر الفقيه أحمد، الذي يذكر أنه كان معلم جلال الدين المذكور. ثم سافرنا إلى مدينة اللارندة، وهي " بفتح الراء التي بعد الالف واللام واسكان النون وفتح الدال المهمل "، مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • ?ذكر سلطان اللارندة

                                وسلطانها الملك بدر الدين بن قرمان " وبفتح القاف والراء "، وكانت قبله لشقيقه موسى، فنزل عنها للملك الناصر، وعوضه عنها بعوض، وبعث إليها أميراً وعسكراً، ثم تغلب عليها السلطان بدر الدين، وبنى بها دار مملكته، واستقام أمره بها. ولقيت هذا السلطان خارج المدينة، وهو عائد من تصيده، فنزلت له عن دابتي، فنزل هو عن دابته، وسلمت عليه. وأقبل علي، ومن عادة ملوك هذه البلاد أنه إذا نزل لهم الوارد عن دابته نزلوا له، وأعجبهم فعله وزادوا في إكرامه. وإن سلم عليهم راكباً ساءهم ذلك ولم يرضهم، ويكون سبباً لحرمان الوارد. وقد جرى لي ذلك مع بعضهم وسأذكره. وولما سلمت عليه وركب وركبت، سألني عن حالي وعن مقدمي، ودخلت معه المدينة، فأمر بإنزالي أحسن نزل، وكان يبعث الطعام الكثير والفواكهة والحلواء في طيافير الفضة والشمع، وكسا وأركب وأحسن، ولم يطل مقامنا عنده. وانصرفنا إلى مدينة أقصرا " وضبطها بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد المهمل والراء "، وهي من أحسن بلاد الروم وأتقنها. تحف بها العيون الجارية والبساتين من كل ناحية، ويشق المدينة ثلاثة أنهار، ويجري الماء بدورها، وفيها الأشجار ودوالي العنب، وداخلها بساتين كثيرة، وتصنع بها البسط المنسوبة اليها من صوف الغنم لا مثل لها في بلد من البلاد، ومنها تحمل إلى الشام ومصر والعراق والهند والصين وبلاد الأتراك. وهذه المدينة في طاعة ملك العراق. ونزلنا منها بزاوية الشريف حسين النائب بها عن الأمير أرتنا، وأرتنا هو النائب عن ملك العراق، فيما تغلب عليه من بلاد الروم. وهذا الشريف من الفتيان وله طائفة كثيرة وأكرمنا إكراماً متناهياً وفعل أفعال من تقدمه.
                                ثم رحلنا إلى مدينة نكدة " وضبط اسمها بفتح النون وإسكان الكاف ودال مهمل مفتوح "، وهي من بلاد ملك العراق، مدينة كبيرة كثيرة العمارة، قد تخرب بعضها، ويشقها النهر المعروف بالنهر الأسود، وهو من كبار الأنهار، عليه ثلاث قناطر: إحداها بداخل المدينة واثنتان بخارجها، وعليه النواعير بالداخل والخارج، منها تسقى البساتين، والفواكه كثيرة. ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي جاروق، وهو الأمير بها، فأكرمنا على عادة الفتيان، وأقمنا بها ثلاثاً.
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X