إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة ابن بطوطة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وسرنا منها بعد ذلك إلى مدينة قيسارية، وهي من بلاد صاحب العراق، وهي إحدى المدن العظام بهذا الإقليم، بها عسكر أهل العراق وإحدى خواتين الأمير علاء الدين أرتنا المذكور. وهي من أكرم الخواتين وأفضلهن ولها نسبة من ملك العراق، وتدعى أغا " بفتح الهمزة والغين المعجم "، ومعنى أغا الكبير، وكل من بينه وبين السلطان نسبة يدعى بذلك، واسمها طغى خاتون، ودخلنا إليها فقامت وأحسنت السلام والكلام، وأمرت بإحضار الطعام فأكلنا، ولما انصرفنا بعثت إلينا بفرس مسرج ملجم وخلعة ودراهم مع أحد غلمانها واعتذرت. ونزلنا من هذه المدينة بزاوية الفتى الأخي أمير علي وهو أمير كبير من كبار الأخية بهذه البلاد، وله طائفة تتبعه من وجوه المدينة وكبرائها، وزاويته من أحسن الزوايا فرشاً وقناديل وطعاماً كثيراً وإتقاناً. والكبراء من أصحابه وغيرهم يجتمعون كل ليلة عنده، ويفعلون في إكرام الوارد أضعاف ما يفعله سواهم. ومن عوائد هذه البلاد أنه ما كان منها ليس به سلطان، فالأخي هو الحاكم به، وهو يركب الوارد ويكسوه ويحسن إليه على قدره وترتيبه في أمره ونهيه وركوبه ترتيب الملوك.
    ثم سافرنا إلى مدينة سيواس " وضبط اسمها بكسر السين المهمل وياء مد وآخره سين مهمل " وهي من بلاد العراق، وأعظم ما له بهذا الإقليم من البلاد، وبها منزل أمرائه وعماله. مدينة حسنة العمارة واسعة الشوارع أسواقها غاصة بالناس، وبها دار مثل المدرسة تسمى دار السيادة، لا ينزلها إلا الشرفاء، ونقيبهم ساكن بها. وتجري لهم فيها مدة مقامهم الفرش والطعام والشمع وغيره فيزودون إذا انصرفوا.
    ولما قدمنا هذه المدينة خرج إلى لقائنا أصحاب الفتى بجقجي، وبحق بالتركية السكين، وهذا منسوب إليه، والجيمان منه معقودان بينهما قاف، وباؤه مكسورة وكانوا جماعة، منهم الركبان والمشاة. ثم لقينا بعدهم أصحاب الفتى أخي جلبي، وهو من كبار الأخية. وطبقته أعلى من طبقة أخي بجقجي، فطلبوا أن ينزل عندهم، فلم يمكن لنا ذلك لسبق الأولين. ودخلنا المدينة معهم جميعاً، وهم يتفاخرون. والذي سبقوا إلينا قد فرحوا أشد الفرح بنزولنا عندهم. ثم كان من صنيعهم في الطعام والحمام والمبيت مثل صنيع من تقدم. وأقمنا عندهم ثلاثة في أحسن ضيافة. ثم أتانا القاضي وجماعة من الطلبة، ومعهم خيل الأمير علاء الدين أرتنا نائب ملك العراق ببلاد الروم، فركبنا معه، واستقبلنا الأمير إلى دهليز داره، فسلم علينا ورحب، وكان فصيح اللسان بالعربية. وسألني عن العراقين وأصبهان وشيراز وكرمان، وعن السلطان أتابك، وبلاد الشام ومصر، وسلاطين التركمان. وكان مراده أن أشكر الكريم منهم وأذم البخيل، فلم أفعل ذلك، بل شكرت الجميع. فسر بذلك مني وشكرني عليه. ثم أحضر الطعام وأكلنا، وقال: تكونون في ضيافتي. فقال له الفتى أخي جلبي: إنهم لم ينزلوا بعد بزاويتي، فليكونوا عندي، وضيافتك تصلهم. فقال: أفعل. فانتقلنا إلى زاويته، وأقمنا بها ستاً في ضيافته وفي ضيافة الأمير. ثم بعث الأمير بفرس وكسوة ودراهم، وكتب لنوابه بالبلاد أن يضيفونا ويكرمونا ويزودونا.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • وسافرنا إلى مدينة أماصية " وضبط اسمها بفتح الهمزة والميم والف وصاد مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة "، مدينة كبيرة حسنة ذات أنهار وبساتين وأشجار وفواكه، وعلى أنهارها النواعير تسقي جناتها ودورها. وهي فسيحة الشوارع والأسواق. وملكها صاحب العراق. ويقرب منها بلدة سونسى " وضبط اسمها بضم السين المهمل وواو مد ونون مضموم وسين مهمل مفتوح "، وهي لصاحب العراق أيضاً. وبها سكنى أولاد ولي الله تعالى أبي العباس أحمد الرفاعي. منهم الشيخ عز الدين وهو الآن شيخ الرواق وصاحب سجادة الرفاعي، وإخوته الشيخ علي والشيخ إبراهيم والشيخ يحيى أولاد الشيخ أحمد كوجك ومعناه الصغير ابن تاج الدين الرفاعي. ونزلنا بزاويتهم ورأينا لهم الفضل على من سواهم.
      ثم سافرنا إلى مدينة كمش " وضبط اسمها بضم الكاف وكسر الميم وشين معجم "، وهي من بلاد ملك العراق، مدينة كبيرة عامرة يأتيها التجار من العراق والشام، وبها معادن الفضة. وعلى مسيرة يومين منها جبال شامخة وعرة لم أصل إليها ونزلنا منها بزاوية الأخي مجد الدين، وأقمنا بها ثلاثاً في ضيافته وفعل أفعال من قبله. وجاء إلينا نائب الأمير أرتنا، وبعث بضيافة وزاد. وانصرفنا من تلك البلاد، فوصلنا إلى أرزنجان " وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي وسكون النون وجيم والف ونون "، وهي من بلاد صاحب العراق. مدينة كبيرة عامرة، وأكثر سكانها الأرمن. والمسلمون يتكلمون بها التركية. ولها أسواق حسنة الترتيب. ويصنع بها ثياب حسان تنسب اليها. وفيها معادن النحاس، ويصنعون منه الأواني والبياسيس التي ذكرناها، وهي شبه المنار عندنا. ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي نظام الدين، وهي من أحسن الزوايا، وهو أيضاً من خيار الفتيان وكبارهم،
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • أضافنا أحسن ضيافة. وانصرفنا إلى مدينة أرز الروم، وهي من بلاد ملك العراق، كبيرة الساحة، خرب أكثرها بسبب فتنة وقعت بين طائفتين من التركمان بها. ويشقها ثلاثة أنهار. وفي أكثر دورها بساتين فيها الأشجار والدوالي. ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي طومان، وهو كبير السن، يقال: إنه أناف على مائة وثلاثين سنة. ورأيته ينصرف على قدميه متوكئاً على عصا، ثابت الذهن، مواظباً للصلاة في أوقاتها، لم ينكر من نفسه شيئاً، إلا أنه لا يستطيع الصوم. وخدمنا بنفسه في الطعام وخدمنا أولاده في الحمام، وأردنا الانصراف عنه ثاني يوم نزولنا، فشق عليه ذلك، وأبى منه وقال: إن فعلتم نقصتم حرمتي، وإن أقل الضيافة ثلاث. فأقمنا لديه ثلاثاً.
        ثم انصرفنا إلى مدينة بركي " وضبط اسمها بباء موحدة مكسورة وكاف معقود مكسور بينهما راء مسكن "، ووصلنا إليها بعد العصر، فلقينا رجلاً من أهلها، فسألناه عن زاوية الأخي بها فقال: أنا أدلكم عليها، فاتبعناه فذهب بنا إلى منزله نفسه في بستان له، فأنزلنا بأعلى سطح بيته، والأشجار مظللة، وذلك أوان الحر الشديد، وأتى إلينا بأنواع الفاكهة، وأحسن في ضيافته. وعلف دوابنا، وبتنا عنده تلك الليلة. وكنا قد تعرفنا أن بهذه المدينة مدرساً فاضلاً يسمى بمحيي الدين، فأتى بنا ذلك الرجل الذي بتنا عنده، وكان من الطلبة إلى المدرسة وإذا بالمدرس قد أقبل راكباً على بغلة فارهة، ومماليكه وخدامه عن جانبيه، والطلبة بين يديه، وعليه ثياب مفرجة حسان مطرزة بالذهب. فسلمنا عليه، فرحب بنا وأحسن السلام والكلام، وأمسك بيدي وأجلسني إلى جانبه. ثم جاء القاضي عز الدين فرشتي، ومعنى فرشتي الملك. لقب بذلك لدينه وعفافه وفضله. فقعد عن يمين المدرس، وأخذ في تدريس العلوم الأصلية والفرعية. ثم لما فرغ من ذلك أتى دويرة بالمدرسة فأمر بفرشها، وأنزلني فيها. وبعث ضيافة حافلة، ثم وجه إلينا بعد المغرب، فمضيت إليه، فوجدته في مجلس ببستان له، وهنالك صهريج ماء ينحدر اليه الماء من خصة رخام أبيض يدور بها القاشاني، وبين يديه جملة من الطلبة، ومماليكه وخدامه وقوف من جانبيه، وهو قاعد على مرتبة عليها أقطاع منقوشة حسنة، فخلته لما شاهدته ملكاً من الملوك. فقام إلي واستقبلني وأخذ بيدي وأجلسني إلى جانبه على مرتبته، وأتى بالطعام فأكلنا وانصرفنا إلى المدرسة. وذكر لي بعض الطلبة أن جميع من حضر تلك الليلة من الطلبة عند المدرس، فعادتهم الحضور لطعامه كل ليلة، وكتب هذا المدرس إلى السلطان بخبرنا وأثنى في كتابه، والسلطان في جبل هنالك يصيف فيه لأجل شدة الحر، وذلك الجبل بارد. وعادته أن يصيف فيه.
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • ذكر سلطان بركي

          وهو السلطان محمد بن آيدين من خيار السلاطين وكرمائهم وفضلائهم، ولما بعث إليه المدرس يعلمه بخبري، وجه نائبه إلي لآتيه، فأشار علي المدرس أن أقيم حتى يبعث إلي ثانية، وكان المدرس إذ ذاك قد خرجت برجله قرحة، لا يستطيع الركوب بسببها، وانقطع عن المدرسة، ثم إن السلطان بعث في طلبي ثانية، فشق ذلك على المدرس فقال: أنا لا أستطيع الركوب، ومن غرضي التوجه معك، لأقرر لدى السلطان ما يجب لك. ثم إنه تحامل ولف على رجله خرقاً، وركب ولم يضع رجله في الركاب. وركبت أنا وأصحابي وصعدنا إلى الجبل، في طريق قد نحتت وسويت، فوصلنا إلى موضع السلطان عند الزوال، فنزلنا على نهر ماء تحت ظلال شجر الجوز، وصادفنا السلطان في قلق وشغل بال، بسبب فرار ابنه الأصغر سليمان عنه إلى صهره السلطان أرخان بك، فلما بلغه خبر وصولنا بعث إلينا ولديه: خضر بك وعمر بك، فسلما على الفقيه، وأمرهما بالسلام علي ففعلا ذلك، وسألاني عن حالي ومقدمي وانصرفا. وبعث إلي ببيت يسمى عندهم الخرقة " خركاه"، وهو عصي من الخشب تجمع شبه القبة، وتجعل عليها اللبود، ويفتح أعلاه لدخول الضوء والريح، مثل البادهنج. ويسد متى احتيج إلى شده. وأتوا بالفرش ففرشوه، وقعد الفقيه، وقعدت معه أصحابه وأصحابي خارج البيت تحت ظلال شجر الجوز، وذلك الموضع شديدة البرد، ومات لي تلك الليلة فرس من شدة البرد. ولما كان من الغد ركب المدرس إلى السلطان وتكلم في شأني بما اقتضته فضائله، ثم عاد إلي وأعلمني بذلك. وبعد ساعة وجه السلطان في طلبنا معاً، فجئنا إلى منزله ووجدناه قائماً، فسلمنا عليه، وقعد الفقيه عن يمينه وأنا مما يلي الفقيه. فسألني عن حالي ومقدمي، وسألني عن الحجاز ومصر والشام واليمن والعراقين وبلاد الأعاجم. ثم حضر الطعام فأكلنا وانصرفنا، وبعث الأرز والدقيق والسمن في كروش الأغنام، وكذلك فعل الترك. وأقمنا على تلك الحال أياماً، يبعث إلينا كل يوم، فنحضر طعامه، وأتى يوماً إلينا بعد الظهر، وقعد الفقيه في صدر المجلس، وأنا عن يساره، وقعد السلطان عن يمين الفقيه، وذلك لعزة الفقهاء عند الترك، وطلب مني أن أكتب له أحاديث من حديث رسول صلى الله عليه وسلم فكتبتها له، وعرضها الفقيه عليه في تلك الساعة فأمره أن يكتب له شرحها باللسان التركي، ثم قام فخرج،
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • ورأى الخدام يطبخون لنا الطعام تحت ظلال الجوز بغير إدام ولا خضر. فأمر بعقاب صاحب خزانته، وبعث بالأبزار والسمن. وطالت إقامتنا بذلك الجبل، فأدركني الملل وأردت الإنصراف. وكان الفقيه أيضاً قد مل من المقام هنالك، فبعث إلى السلطان يخبره أني أريد السفر. فلما كان من الغد بعث السلطان نائبه، فتكلم مع المدرس بالتركية، ولم أكن إذ ذاك أفهمها، فأجابه عن كلامه وانصرف. فقال لي المدرس: أتدري ماذا قال:? قلت: لا أعرف ما قال. قال: إن السلطان بعث إلي ليسألني ماذا يعطيك. فقلت له: عنده الذهب والفضة والخيل والعبيد فليعطه ما أحب من ذلك. فذهب إلى السلطان ثم عاد إلينا. فقال: إن السلطان يأمر أن تقيما هنا اليوم، وتنزلا معه غداً إلى داره بالمدينة. ولما كان من الغد بعث فرساً جيداً من مراكبه، ونزل ونحن معه إلى المدينة. فخرج الناس لاستقباله، وفيهم القاضي المذكور آنفاً وسواه، ودخل السلطان ونحن معه، فلما نزل بباب داره ذهبت مع المدرس إلى ناحية المدرسة، فدعا بنا وأمرنا بالدخول معه إلى داره. ولما وصلنا إلى دهليز الدار وجدنا من خدامه نحو عشرين، صورهم فائقة الحسن وعليهم ثياب الحرير وشعورهم مفروقة وألوانهم ساطعة البياض مشربة بحمرة. فقلت للفقيه: ما هذه الصور الحسان ? قال: هؤلاء فتيان روميون. وصعدنا مع السلطان درجاً كثيرة إلى أن انتهينا إلى مجلس حسن في وسطه صهريج ماء، وعلى كل ركن من أركانه صورة سبع نحاس يمج ماء من فيه، وتدور بهذا المجلس مصاطب متصلة مفروشة، وفوق إحداها مرتبة السلطان. فلما انتهينا إليها نحى السلطان مرتبته بيده، وقعد معنا على الأقطاع، وقعد الفقيه عن يمينه، والقاضي مما يلي الفقيه، وأنا مما يلي القاضي، وقعد القراء أسفل المصطبة، والقراء لا يفارقونه حيث كان من مجالسه.

            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • ثم جاءوا بصحاف من الذهب والفضة مملوءة بالجلاب المحلول، قد عصر فيه ماء الليمون، وجعل فيه كعكات صغار مقسومة، وفيها ملاعق ذهب وفضة، وجاءوا معها بصحاف صيني فيها مثل ذلك، وفيها ملاعق خشب، فمن تورع استعمل صحاف الصيني وملاعق الخشب. وتكلمت بشكر السلطان وأثنيت على الفقيه، وبالغت في ذلك فأعجب ذلك السلطان وسره.
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • حكاية

                وفي أثناء قعودنا مع السلطان أتى شيخ على رأسه عمامة لها ذؤابة فسلم عليه، وقام له القاضي والفقيه، وقعد أمام السلطان فوق المصطبة، والقراء أسفل منه. فقلت للفقيه: من هذا الشيخ ? فضحك وسكت. ثم أعدت السؤال، فقال لي: هذا يهودي طبيب، وكلنا محتاج إليه. فلأجل هذا فعلنا ما رأيت من القيام له. فأخذني ما حدث وأبديت الامتعاض. فقلت لليهودي: يا ملعون ابن ملعون، كيف تجلس فوق قراء القرآن، وأنت يهودي ? وشتمته ورفعت صوتي، فعجب السلطان وسأل عن معنى كلامي فأخبره الفقيه به. وغضب اليهودي فخرج عن المجلس في أسوأ حال. ولما انصرفنا قال لي الفقيه: أحسنت بارك الله فيك. إن أحداً سواك لا يتجاسر على مخاطبته بذلك، ولقد عرفته بنفسه.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • حكاية آخرى


                  وسألني السلطان في هذا المجلس، فقال لي هل رأيت حجراً نزل من السماء ? فقلت: ما رأيت ذلك ولا سمعت به. فقال لي: إنه قد نزل بخارج بلدنا هذا حجر من السماء. ثم دعا رجالاً وأمرهم أن يأتوا بالحجر، فأتوا بحجر أسود أصم شديد الصلابة، له بريق. قدرت أن زنته تبلغ قنطاراً. وأمر السلطان بإحضار القطاعين، فحضر أربعة منهم فأمرهم أن يضربوه، فضربوا عليه ضربة رجل واحد أربع مرات بمطارق الحديد، فلم يؤثروا فيه شيئاً، فعجبت من أمره. وأمر برده إلى حيث كان. وفي ثالث يوم من دخولنا إلى المدينة مع السلطان، صنع صنيعاً عظيماً، ودعا الفقراء والمشايخ وأعيان العسكر ووجوه أهل المدينة، فطعموا وقرأ القراء القرآن بالأصوات الحسان، وعدنا إلى منزلنا بالمدرسة. وكان يوجه الطعام والفاكهة والحلواء والشمع في كل ليلة. ثم بعث إلي مائة مثقال ذهباً وألف درهم وكسوة كاملة وفرساً ومملوكاً رومياً يسمى ميخائيل، وبعث لكل من أصحابي كسوة ودراهم. كل هذا بمشاركة المدرس محيي الدين، جزاه الله تعالى خيراً، وودعنا، وانصرفنا. وكانت مدة مقامنا عنده بالجبل والمدينة أربعة عشر يوماً. ثم قصدنا مدينة تيرة وهي من بلاد هذا السلطان، " وضبط اسمها بكسر التاء المعلوة وياء مد وراء " مدينة حسنة ذات انهار وبساتين فواكه. نزلنا منها بزاوية الفتى محمد، وهو من كبار الصالحين، صائم الدهر، وله أصحاب على طريقته. فأضافنا ودعا لنا
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • . وسرنا إلى مدينة أياسلوق " وضبط اسمها بفتح الهمزة والياء آخر الحروف وسين مهمل مضموم ولام مضموم وآخره قاف " مدينة كبيرة قديمة معظمة عند الروم، وفيها كنيسة كبيرة مبنية بالحجارة الضخمة، ويكون طول الحجر منها عشرة أذرع فما دونها، منحوتة أبدع نحت. والمسجد الجامع بهذه المدينة من أبدع مساجد الدنيا، لا نظير له في الحسن، وكان كنيسة للروم معظمة عندهم يقصدونها من البلاد، فلما فتحت هذه المدينة جعلها المسلمون مسجداً جامعاً، وحيطانه من الرخام الملون، وفرشه الرخام الأبيض، وهو مسقف بالرصاص، وفيه إحدى عشرة قبة منوعة، في وسط كل قبة صهريج ماء، والنهر يشقه، وعلى جانبي النهر الأشجار المختلفة الأجناس ودوالي العنب ومعرشات الياسمين. وله خمسة عشر باباً. وأمير هذه المدينة خضر بك ابن السلطان محمد بن آيدين، وقد كنت رأيته عند أبيه ببركي ثم لقيته بهذه المدينة خارجها. فسلمت عليه، وأنا راكب، فكره ذلك مني، وكان سبب حرماني لديه. فإن عادتهم إذا نزل لهم الوارد نزلوا وأعجبهم ذلك. ولم يبعث إلي إلا ثوباً واحداً من الحرير المذهب يسمونه النخ " بفتح النون وخاء معجم
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • ". واشتريت بهذه المدينة جارية رومية بكراً بأربعين ديناراً ذهباً، ثم سرنا إلى المدينة يزمير " وضبط اسمها بياء آخر الحروف مفتوحة وزاي مسكن وميم مكسورة وياء مد وراء " مدينة كبيرة على ساحل البحر، معظمها خراب. ولها قلعة متصلة بأعلاها. نزلنا منها بزاوية الشيخ يعقوب، وهو من الأحمدية، صالح فاضل. ولقينا بخارجها الشيخ عز الدين بن أحمد الرفاعي، ومعه زاده الأخلاطي من كبار المشايخ، ومعه مائة فقير من المولهين. وقد ضرب لهم الأمير الأخية، وصنع الشيخ يعقوب ضيافة، وحضرتها، واجتمعت بهم. وأمير هذه المدينة عمر بك ابن السلطان محمد بن آيدين المذكور آنفاً، وسكناه بقلعتها، وكان حين قدومنا عليها عند أبيه، ثم قدم بعد خمس من نزولنا بها. فكان من مكارمه أن أتى إلي بالزاوية فسلم علي واعتذر، وبعث ضيافة عظيمة، وأعطاني بعد ذلك مملوكاً رومياً خماسياً اسمه نقوله، وثوبين من الكمخا، وهي ثياب حرير تصنع ببغداد وتبريز ونيسابور وبالصين، وذكر لي الفقيه الذي يؤم به أن الأمير لم يبق له مملوك سوى ذلك المملوك الذي أعطاني بسبب كرمه رحمه الله، وأعطى أيضاً للشيخ عز الدين ثلاثة أفراس مجهزة، وآنية فضية كبيرة تسمى عندهم المشربة مملوءة دراهم، وثياباً من الملف والمرعز والقسي والكمخا وجواري وغلماناً. وكان هذا الأمير كريماً صالحاً كثير الجهاد، له أجفان غزوية يضرب بها على نواحي القسطنطينية العظمى فيسبي ويغنم، ويفني ذلك كرماً وجوداً، ثم يعود إلى الجهاد، إلى أن اشتدت على الروم وطأته فرفعوا أمرهم إلى البابا فأمر نصارى جنوة وإفرانسة بغزوه. وجهز جيشاً من رومية، وطرقوا مدينته ليلاً في عدد كثير من الأجفان، وملكوا المرسى والمدينة. ونزل إليهم الأمير عمر من القلعة فقاتلهم واستشهد هو وجماعة من ناسه، واستقر النصارى بالبلد، ولم يقدروا على القلعة لمنعتها. ثم سافرنا من هذه المدينة إلى مدينة مغنيسية " وضبط اسمها بميم مفتوحة وغين معجمة نسكنة ونون مكسورة وياء مد وسين مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مشددة " نزلنا بها عشي يوم عرفة بزاوية رجل من الفتيان، وهي مدينة كبيرة حسنة، في سفح جبل، وبسيطها كثير الأنهار والعيون والبساتين والفواكه.أمير عمر من القلعة فقاتلهم واستشهد هو وجماعة من ناسه، واستقر النصارى بالبلد، ولم يقدروا على القلعة لمنعتها. ثم سافرنا من هذه المدينة إلى مدينة مغنيسية " وضبط اسمها بميم مفتوحة وغين معجمة نسكنة ونون مكسورة وياء مد وسين مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مشددة " نزلنا بها عشي يوم عرفة بزاوية رجل من الفتيان، وهي مدينة كبيرة حسنة، في سفح جبل، وبسيطها كثير الأنهار والعيون والبساتين والفواكه.
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • ذكر سلطان مغنيسية

                        وسلطانها يسمى صاروخان، ولما وصلنا إلى هذه البلدة، وجدناه بتربة ولده، وكان قد توفي منذ أشهر، فكان هو وأم الولد ليلة العيد وصبيحتها بتربته، والولد قد صبر، وجعل في تابوت خشب مغشى بالحديد المقزدر، وعلق في قبة لا سقف لها لتذهب رائحته، وحينئذ تسقف القبة، ويجعل تابوته ظاهراً على وجه الأرض، وتجعل ثيابه عليه. وهكذا رأيت غيره أيضاً من الملوك فعل، وسلمنا عليه بذلك الموضع، وصلينا معه صلاة العيد، وعدنا إلى الزاوية. فأخذ الغلام الذي كان لي أفراسنا، وتوجه مع غلام لبعض الأصحاب برسم سقيها، فأبطأ. ثم لما كان العشي لم يظهر لهما أثر. وكان بهذه المدينة الفقيه المدرس الفاضل مصلح الدين، فركب معي إلى السلطان وأعلمناه بذلك. فبعث في طلبهما، فلم يوجدا، واشتغل الناس في عيدهم وقصدا مدينة للكفار على ساحل البحر تسمى فوجة على مسيرة يوم من مغنيسية. وهؤلاء الكفار في بلد حصين. وهم يبعثون هدية في كل سنة إلى سلطان مغنيسية فيقنع منهم بها، لحصانة بلدهم. فلما كان بعد الظهر أتى بهما بعض الأتراك وبالأفراس، وذكروا أنهما اجتازا بهم عشية النهار، فأنكروا أمرهما واشتدوا عليهما حتى أقرا بما عزما عليه من الفرار. ثم سافرنا من مغنيسية، وبتنا ليلة عند قوم من التركمان قد نزلوا في مرعى لهم، ولم نجد عندهم ما نعلف به دوابنا تلك الليلة، وبات أصحابنا يحترسون مداولة بينهم خوف السرقة. فأتت نوبة الفقيه عفيف الدين التوزري. فسمعته يقرأ سورة البقرة فقلت له: إذا أردت النوم فأعلمني لأنظر من يحرس، ثم نمت، فما أيقظني إلا الصباح. وقد ذهب السراق بفرس لي كان يركبه عفيف الدين بسرجه ولجامه، وكان من جياد الخيل اشتريته بأياسلوق. ثم رحلنا من الغد فوصلنا إلى مدينة، برغمة " وضبط اسمها بباء موحدة مفتوحة وراء مسكنة وغين معجمة مفتوحة وميم مفتوحة " مدينة خربة، لها قلعة عظيمة منيعة بأعلى جبل. ويقال: إن أفلاطون الحكيم من أهل هذه المدينة، وداره تشتهر باسمه إلى الآن. ونزلنا منها بزاوية فقير من الأحمدية. ثم جاء أحد كبراء المدينة فنقلنا إلى داره وأكرمنا إكراماً كثيراً.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • ذكر سلطان برغمة

                          وسلطانها يسمى يخشي خان بكسر الشين، وخان عندهم هو السلطان ويخشي " بباء آخر الحروف وخاء معجم وشين مكسور " ومعناه جيد، صادفناه في مصيف له، فأعلم بقدومنا فبعث بضيافة وثوب قدسي، ثم اكترينا من يدلنا على الطريق، وسرنا في جبال شامخة وعرة، إلى أن وصلنا إلى مدينة بلي كسري " وضبط اسمها باء موحدة مفتوحة ولام مكسورة وياء مد وكاف مفتوح وسين مهمل مسكن وراء مكسور وياء " مدينة حسنة كثيرة العمارات مليحة الأسواق، ولا جامع لها يجمع فيه. وأرادوا بناء جامع خارجها متصل بها، فبنوا حيطانه ولم يجعلوا له سقفاً. وصاروا يصلون به ويجتمعون تحت ظلال الأشجار، ونزلنا من هذه المدينة بزاوية الفتى أخي سنان وهو من أفاضلهم، وأتى إلينا قاضيها وخطيبها الفقيه موسى.
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • ذكر سلطان بلي كسري

                            ويسمى دمورخان، ولا خير فيه. وأبوه هو الذي بنى هذه المدينة، وكثرت عمارتها بمن لا خير فيه، في مدة ابنه هذا، والناس على دين الملك، ورأيته. وبعث إلي ثوب حرير. واشتريت بهذه المدينة جارية رومية تسمى مر غليظة، ثم سرنا إلى مدينة برصا " وضبط اسمها بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وفتح الصاد المهمل " مدينة كبيرة عظيمة حسنة الأسواق فسيحة الشوارع، تحفها البساتين من جميع جهاتها والعيون الجارية. وبخارجها نهر شديد الحرارة يصب في بركة عظيمة، وقد بني عليها بيتان: أحدهما للرجال والآخر للنساء، والمرضى يستشفون بهذه الحمة، ويأتون إليها من أقاصي البلاد. وهنالك زاوية للواردين ينزلون بها ويطعمون مدة مقامهم وهي ثلاثة أيام. عمّر هذه الزاوية أحد ملوك التركمان. ونزلنا في هذه المدينة بزاوية الفتى أخي شمس الدين من كبار الفتيان. ووافقنا عنده يوم عاشوراء. فصنع طعاماً كثيراً، ودعا وجوه العسكر وأهل المدينة ليلاً، وأفطروا عنده، وقرأ القراء بالأصوات الحسنة، وحضر الفقيه الواعظ مجد الدين القونوي. ووعظ وذكر وأحسن، ثم أخذوا في السماع والرقص. وكانت ليلة عظيمة الشأن. وهذا الواعظ من الصالحين يصوم الدهر ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام، ولا يأكل إلا من كدّ يمينه. ويقال: إنه لم يأكل طعام أحد قط، ولا منزل له ولا متاع إلا ما يستتر به، ولا ينام إلا في المقبرة. ويعظ في المجالس ويذكر فيتوب على يديه في كل مجلس الجماعة من الناس. وطلبته بعد هذه الليلة فلم أجده، وأتيت الجبانة فلم أجده. ويقال: إنه يأتيها بعد هجوع الناس.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • حكاية

                              لما حضرنا ليلة عاشوراء بزاوية شمس الدين، وعظ بها مجد الدين آخر الليل. فصاح أحد الفقراء صيحة غشي عليه منها. فصبوا عليه ماء الورد فلم يفق، فأعادوا عليه ذلك فلم يفق، واختلفت الناس فيه، فمن قائل إنه ميت، ومن قائل إنه مغشي عليه. وأتم الواعظ كلامه وقرأ القراء وصلينا الصبح وطلعت الشمس، فاختبروا حال الرجل فوجدوه فارق الدينا رحمه الله. فاشتغلوا بغسله وتكفينه. وكنت فيمن حضر الصلاة عليه ودفنه. وكان هذا الفقير يسمى الصياح. وذكروا أنه كان يتعبد بغار هنالك في جبل. فمتى علم أن الواعظ مجد الدين يعظ قصده، وحضر وعظه، ولم يأكل طعام أحد. فإذا وعظ مجد الدين يصيح ويغشى عليه ثم يفيق، فيتوضأ ويصلي ركعتين. ثم إذا سمع الواعظ صاح يفعل ذلك مراراً في الليلة وسمي الصياح لأجل ذلك. وكان أعذر اليد والرجل، لا قدرة له على الخدمة، وكانت له والدة تقوته من غزلها. فلما توفيت اقتات من نبات الأرض. ولقيت بهذه المدينة الشيخ الصالح عبد الله المصري السائح وهو من الصالحين، جال الأرض، إلا أنه لم يدخل الصين ولا جزيرة سرنديب ولا المغرب ولا الأندلس ولا بلاد السودان، وقد زدت عليه بدخول هذه الأقاليم.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • ذكر سلطان برصا

                                سلطانها اختيار الدين أرخان بك، وأرخان " بضم الهمزة وخاء معجم " ابن السلطان عثمان جوق " وجوق بجيم معقود مضموم وآخره قاف " وتفسيره بالتركية الصغير. وهذا السلطان أكبر ملوك التركمان وأكثر مالاً وبلاداً وعسكراً، له من الحصون ما يقارب مائة حصن. وهو في أكثر أوقاته لا يزال يطوف عليها، ويقيم بكل حصن منها أياماً لإصلاح شؤونه وتفقد حاله. ويقال: إنه لم يقم قط شهراً كاملاً ببلد، ويقاتل الكفار ويحاصرهم. وواله هو الذي استفتح مدينة برصا من أيدي الروم، وقبره بمسجدها. وكان مسجدها كنيسة للنصارى. ويذكر أنه حاصر مدينة برتيك نحو عشرين سنة ومات قبل فتحها، فحاصرها ولده هذا الذي ذكرناه اثني عشرة سنة وافتتحها. وبها كان لقائي له. وبعث إلي بدراهم كثيرة. ثم سافرنا إلى مدينة يزنيك " وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف وإسكان الزاي وكسر النون وياء مد وكاف " وبتنا قبل الوصول إليها ليلة بقرية تدعى كرله، بزاوية فتى من الأخية. ثم سرنا من هذه القرية يوماً كاملاً في أنهار ماء على جوانبها أشجار الرمان الحلو والحامض، ثم وصلنا إلى بحيرة ماء تنبت القصب، على ثمانية أميال من يزنيك. لا يستطاع دخولها إلا على طريق واحد مثل الجسر، لا يسلك عليها إلا فارس واحد. وبذلك امتنعت هذه المدينة، والبحيرة محيطة بها من جميع الجهات، وهي خاوية على عروشها. لا يسكن بها إلا أناس قليلون من خدام السلطان، وبها زوجته بيون خاتون، وهي الحاكمة عليهم امرأة صالحة فاضلة، وعلى المدينة أسوار أربعة. بين كل سورين خندق وفيه الماء، ويدخل إليها على جسور خشب، متى أرادوا رفعها رفعوها. وبداخل المدينة البساتين والدور والأرض والمزارع، فلكل إنسان داره ومزرعته وبستانه مجموعة. وشربها من آبار قريبة، وبها من جميع أصناف الفواكه والجوز. والقسطل عندهم كثير جداً رخيص الثمن. ويسمون القسطل قسطنة بالنون. والجوز القوز بالقاف. وبها العنب العذاري لم أر مثله في سواها، متناهي الحلاوة وعظيم الجرم. صافي اللون رقيق القشر، للحبة منه نواة واحدة. أنزلنا بهذه المدينة الفقيه الإمام الحاج المجاور علاء الدين السلطانيوكي، وهو شيخ الفضلاء الكرماء، ما جئت قط لزيارته إلا أحضر الطعام، وصورته حسنة وسيرته أحسن. وتوجه معي إلى الخاتون المذكورة، فأكرمت وأضافت وأحسنت. وبعد قدومنا بأيام وصل إلى هذه المدينة السلطان أرخان بك الذي ذكرناه. وأقمت بهذه المدينة نحو أربعين يوماً بسبب مرض فرس لي. فلما طال علي المكث تركته وانصرفت، ومعي ثلاثة من أصحابي وجارية وغلامان. وليس معنا من يحسن اللسان التركي ويترجم عنا. وكان لنا ترجمان فارقنا بهذه المدينة
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X