إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التاريخ الأندلسي .. زهرة التاريخ الإسلامي

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    علماء الأندلس في بطليوس

    بطليوس حاضرة العلم والأدب



    كانت بَطَلْيُوس في ظلِّ بني الأفطس حاضرة من حواضر العلم والأدب والفقه في فترة ملوك الطوائف، وكان يتسابق إليها العلماء والشعراء؛ ينهلون من عطايا ملوكها، وخاصة المظفر والمتوكل، وقد اعتنى بنو الأفطس عناية فائقة بالأدب والشعر خاصة، ولعلَّ أشهر شعرائهم الوزير الشاعر الأديب ابن عبدون، الذي يُعَدُّ من أشهر وزراء الطوائف وشعرائهم، وهو عظيم مُلْكِ بني الأفطس ونظيم سلكهم، وقد رثا دولتهم بكلمات اشتملت على كل مَلِك قُتل، وأشارت إلى مَنْ غُدر منهم وخُتِلَ، تُكبرها المسامع ويعتبر بها السامع[1]،كما أنه قد نبغ في بلاط بَطَلْيُوس العديد من الفقهاء والعلماء الأجلاَّء، الذين قالوا الحقَّ وجهروا به، وسَعَوْا في درأ الصدع والفتنة والصلح بين ملوك الطوائف، ويأتي على رأسهم أبو الوليد الباجي، والعالم الفقيه ابن عبد البر المالكي القرطبي الأصل، وغيرهم كثير، هذا فضلاً عن أن المظفر بن الأفطس كان من كبار أدباء عصره، ويكفي أنه صاحب كتاب المظفر الذي عدَّه ابن حزم مفخرة من مفاخر الأندلس، كما كان ابنه المتوكل بن الأفطس أديبًا شاعرًا عالمًا، وكانت مدينة بَطَلْيُوس في مُدَّته دار أدب وشعر، ونحوٍ وعلمٍ[2].


    أبو الوليد الباجي (403-474 هـ=1012-1081م)

    هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، الأندلسي الباجِيُّ، أصله من بَطَلْيُوس ومولده في بَاجَة، ارتحل في طلب العلم والفقه بين الحجاز وبغداد ودمشق والموصل وأصبهان، فأخذ علم الحديث والفقه والكلام، ثم عاد إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، حَصَّله مع الفقر والتقنُّع باليسير، ثم ولي القضاء، حدَّث عنه ابن عبد البر وابن حزم والحميدي والطرطوشي وابنه أبو القاسم بن سليمان، وقد أجمع العلماء على أنه أحد أئمة المسلمين في المشرق والمغرب، وكان أبو الوليد الباجي من المقرَّبين إلى المتوكل بن الأفطس ينصحه ويُذَكِّره، كما أنه كان من العلماء العاملين، الذين يحملون هموم دعوتهم ودينهم، وكانت تشغله دائمًا أحوال الأندلس والتفرُّق والتنازع بين ملوك الطوائف واستقوائهم بالنصارى، وكان ألفونسو السادس قد شدَّد غاراته على أراضي المسلمين، وأثقل أمراءهم بالجزية، بل إنه لم يقنع بها، فلما رأى الباجي ذلك أعدَّ عُدَّته من الإيمان، وشحذ همَّته لقول الحقِّ لهؤلاء الأمراء، وأجهد –رحمه الله- نفسه في دعوة ملوك الطوائف إلى الاتحاد ونبذ الفُرقة والتشاحن، ولكن لم يُصْغْ أحد إلى دعوته، وحَسْبُه أنه قد أعذر إلى ربه، ومات –رحمه الله- ولم يَرَ حُلْمَه في اجتماع كلمة المسلمين.

    صنَّف أبو الوليد الباجي كتبًا كثيرة؛ منها: كتاب (المنتقى)، و(إحكام الفصول في أحكام الأصول)، و(التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح).. وغير ذلك[3].

    ابن عبد البر (368-463 هـ=978-1071م)

    أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، الإمام العلامة، حافظ المغرب، ولد بقُرْطُبَة وبها تعلَّم على يد كبار رجالها وفقهائها، قال عنه الإمام أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث. وقال عنه أيضًا: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.

    فارق ابن عبد البر قرطبة وجال في غرب الأندلس مدةً، ثم تحوَّل إلى شرق الأندلس، وله رحلات كثيرة فيها، وقد استقرَّ به الأمر في بَطَلْيُوس غرب الأندلس؛ فتولَّى قضاء لَشْبُونَة وشَنْتَرِين للمظفر بن الأفطس، ثم رحل إلى شاطبة وبها تُوُفِّيَ.

    من تصانيفه: (الدرر في اختصار المغازي والسير)، و(العقل والعقلاء)، و(الاستيعاب)، و(بهجة المجالس وأنس المجالس)، و(التمهيد) [4].


    [1] الفتح بن خاقان: قلائد العقيان 37-40، وابن دحية الكلبي: المطرب من أشعار أهل المغرب ص27-33، وعبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب 129-140، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص186، 189، والإحاطة في أخبار غَرْنَاطَة 4/47-51.
    [2] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/96، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص185.
    [3] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/98، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/408، 409، والصفدي: الوافي بالوفيات 15/229، 230.
    [4] الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/153-156.

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #77
      بنو ذي النون في طليطلة

      مملكة طليطلة

      أهمية طليطلة (الثغر الأوسط)



      منذ أن دخل الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس وطُلَيْطِلَة (Toledo) تُمَثِّل عين الاهتمام من الولاة والأمراء، وكانت تُعْرَف بالثغر الأوسط، ويبدو الطابع الجهادي في التسمية واضحًا ذا معنى مهمٍّ وخطير؛ إذ إنها تُمَثِّلُ الحاجز الشمالي الأوسط للدولة الإسلامية في الأندلس ضدَّ غارات الممالك النصرانية المتاخمة؛ ومن هنا فأهميتها تكمن في أمرين:

      الأول: الموقع الجغرافي المهم؛ إذ هو موقع إستراتيجي خطير عسكريًّا وسياسيًّا؛ وهذا ما جعلها موضع الاهتمام من كلا الطرفين الإسلامي والإسباني النصراني.
      الثاني: المساحة الواسعة والشاسعة لطُلَيْطِلَة وأعمالها (من الكور والمقاطعات) في قلب الأندلس؛ فهي تمتدُّ شرقي مملكة بَطَلْيُوس (الثغر الأدنى)، من قُورِيَة وترجالة (TRUJILLO) نحو الشمال الشرقي، حتى قلعة أيوب وشَنْتَمَرِيَّة الشرق، وتُمَثِّل الجنوب الغربي لمملكة بني هود في سَرَقُسْطَة (الثغر الأعلى)، وتمتدُّ جنوبًا إلى الغرب حتى حدود مملكة قُرْطُبَة، وتمتدُّ شمالاً إلى الشرق فيما وراء نهر تاجة متاخمة لحدود مملكة قشتالة[1].

      وهذا الموقع الخطير يجعلها من ناحية في وضع الصدام العسكري المسلح مع ممالك الطوائف الأندلسية القوية ذات المطامع التوسعية، خاصة بني الأفطس في بَطَلْيُوس (الثغر الأدنى)؛ إذ تُمَثِّل طُلَيْطِلَة لها الجانب الشرقي نحو الشمال، وبني هود في سَرَقُسْطَة (الثغر الأعلى)؛ إذ تُمَثِّل طُلَيْطِلَة لها الجانب الجنوب الغربي، وبني جهور في قُرْطُبَة؛ إذ تُمَثِّل طُلَيْطِلَة لها الجانب الشمالي نحو الغرب، ومن ناحية أخرى فهي موضع عدوان مستمرٍّ وغارات متواصلة من الممالك النصرانية؛ إذ تُعَدُّ طُلَيْطِلَة الخطوة الأولى والأهم للسيطرة على ملوك الطوائف الأندلسية في القبضة النصرانية، وهو ما تمَّ بالفعل على نحو ما سنُبَيِّنُه في موضعه إن شاء الله.

      بنو ذي النون الأصل والتاريخ



      ذَكَر أصحابُ التاريخ أن بني ذي النون أسرة بربرية من قبائل هوارة، واسم جدهم الأكبر هو زنون، فتصحف الرسم بطول المدَّة ومُضيِّ الزمن، فصار (ذو النون)، وهو اسم شائع في قبائل البربر، وهم من أسرة - على حدِّ تعبير ابن عذاري المراكشي وابن الخطيب- لم يكن لها نباهة ولا رئاسة إلا في زمن الدولة العامرية؛ في فترة المنصور بن أبي عامر وولده من بعده حتى حدوث الفتنة ونكبة الخلافة[2].


      وهناك بعضُ الروايات التاريخية تُوَضِّح أن لهذه الأسرة دورًا منذ أيام الإمارة الأموية ثم الخلافة، وقد استحكم أمرهم زمن الدولة العامرية والفتنة، فابن حيان يذكر جدهم ذي النون في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط (238-273هـ=852-886م)، فقد خَلَّفَ عنده خَصِيًّا بحصن أُقْلِيش (Ucles) فعالجه حتى برئ. وكان ذلك سبيلاً لتوثيق العلاقة بينهما، فولاَّه الأمير حكم أُقْلِيش وشَنْتَمَرِيَّة (Santa Maria) [3]، ومن هنا برز نجم بني ذي النون على مسرح الأحداث، وخاصة في زمن الحكم المستنصر، وقد طمع بنو ذي النون في الاستقلال ولهم في ذلك محاولات؛ منها: محاولة الفتح بن موسى بن ذي النون بقلعة رباح سنة 300هـ زمن الخليفة عبد الرحمن الناصر، فأرسل له حملة عسكرية بقيادة عباس بن عبد العزيز فأخضعته[4].
      ثم علا كعب بني ذي النون خاصة في دولة المنصور بن أبي عامر وولده من بعده؛ ففيها قادوا الجيوش وتَوَلَّوُا الأعمال والبلاد، وظهر منهم عبد الرحمن بن إسماعيل بن ذي النون، وكان قد مَلَك شَنْتَمَرِيَّة كلها، وملكها من بعده ابنه إسماعيل، فلما كانت نكبة الخلافة الأموية وانتهاء عهد الدولة العامرية وقعت الفتنة، فلحق إسماعيل بالثغر وجمع إليه بني عمه، وخطب لسليمان المستعين الملقب بالظافر، فأعطاه سليمانُ ولاية إقليم أُقْلِيش، ثم أخذ يتوسَّع على الممالك المجاورة له، حتى عظمت قوَّته، وانقاد له قوَّاد الثغور؛ فاستقامت له الأمور، فمنحه سليمان الظافر الوزارة ولقَّبه بناصر الدولة، فلما اضطرمت الفتنة أَعلن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون استقلاله، فكان أَوَّلَ الثوار والمفارقين للجماعة، وأخذ يتوسَّع على حساب غيره ويجبي الأموال، وقد وصفه ابن حيان بالبخل قائلاً: «وكان من البخل بالمال، والكَلَفِ بالإمساك، والتقتير في الإنفاق، بمنزلةٍ لم يكن عليها أحدٌ من ملوك عصره، لم يرغب في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، ولا جاد بمعروف، فما أُعْمِلَتْ إليه مَطِيَّة، ولا حَمَلَتْ أحدًا نحوه ناقة، ولا عَرَّج عليه أديبٌ ولا شاعر، ولا امتدحه ناظمٌ ولا ناثر، ولا استُخْرِجَ من يده درهم في حقٍّ ولا باطل، ولا حَظِيَ أحدٌ منه بطائل، وكان مع ذلك سعيد الجدِّ، تنقاد إليه دُنياه، وتَصْحَبُه سعادتُه، فينالُ صعابَ الأمور بأهون سعيه، وهو كان فَرَطَ الملوك في إيثار الفُرقة؛ فاقتدى به مَنْ بعده... فصار جرثومة النفاق، وأوَّلَ مَنِ استنَّ سُنَّة العصيان والشقاق، ومنه تفجَّر ينبوعُ الفتن والمحن، فتباركَ مَنْ أَمْلَى له، ولم يرضَ له عقوبةَ الدنيا مثوبة»[5].

      بنو ذي النون في طليطلة

      الظافر إسماعيل بن ذي النون (427-435هـ =1036-1043م)

      عندما وقعت الفتنة وانهارت السلطة المركزية بالأندلس أضحت طُلَيْطِلَة بلا حاكم أو والٍ يتولَّى أمورها، ويضبط أمنها، ومن ثَمَّ آلت إدارة البلاد إلى قاضيها أبي بكر يعيش بن محمد بن يعيش الأسدي، وبقي في حُكم طُلَيْطِلَة إلى أن عُزِلَ وسار إلى قلعة أيوب، وظلَّ بها إلى أن تُوُفِّيَ سنة 418هـ[6]، ثم تولَّى من بعده عبد الرحمن بن متيوه، فضبط أمور طُلَيْطِلَة، وظلَّ كذلك إلى أن وافته المنية، فتولَّى من بعده ابنه عبد الملك بن عبد الرحمن بن متيوه، فأساء السيرة في أهلها، واضطربت الأمور وعَمَّت الفوضى، فاجتمع زعماء طُلَيْطِلَة على أن يرسلوا إلى حاكم شَنْتَمبَرِيَّة عبد الرحمن بن ذي النون، الذي وَطَّد ابنه إسماعيل أمور البلاد، وكانت هذه فرصة ذهبية لابن ذي النون، وعلى الفور أرسل لهم ابنه إسماعيل بن ذي النون، فاستولى على طُلَيْطِلَة ودخلها سنة (427هـ=1036م)، وتلقَّب بالظافر، وبدأ يتوسَّع في مُلكه الجديد، واستعان في تدبير أمور البلاد بكبير الجماعة وشيخ البلدة أبي بكر ابن الحديدي؛ فهو شيخها والمنظور إليه بها من أهل العلم والعقل، والدهاء وحسن النظر، فضلاً عن كونه محبوبًا من أهل طُلَيْطِلَة، فكان الظافر إسماعيل لا يقطع أمرًا دونه، ويُشاوره في مهمات أموره وشئون دولته، ولم تَطُلْ مدَّة ولاية الظافر إسماعيل؛ إذ وافته المنية سنة (435هـ=1043م)، وخلف من بعده ابنه يحيى بن إسماعيل الملقب بالمأمون[7].


      [1] انظر: عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/95، بتصرف.
      [2] ابن عذاري: البيان المغرب 3/276، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص176، 177، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/161، 6/141.
      [3] ابن بسام: الذخيرة 7/142، وابن سعيد المغربي: المغرب في حلى المغرب 2/11، 12.
      [4] ابن عذاري: البيان المغرب 2/159.
      [5] ابن بسام: الذخيرة 7/142، 143.
      [6] ابن بشكوال: الصلة، تحقيق: أ/ إبراهيم الأبياري 3/987، ترجمة رقم 1532، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/161، وذكر أن القاضي يعيش توفي سنة 427هـ.
      [7] انظر تفصيل الأحداث في: ابن بسام: الذخيرة 2/945، وابن سعيد المغربي: المغرب في حلى المغرب 2/11، 12، وابن عذاري: البيان المغرب 3/276، 277، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص177، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/161، وفيه توفي الظافر إسماعيل سنة 429هـ.

      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #78
        المأمون بن ذي النون


        توسعات المأمون بن ذي النون



        تُوُفِّيَ الظافر إسماعيل وملك من بعده ابنه يحيى الملقب بالمأمون، وذلك سنة (435هـ=1043م)، وسار المأمون بن ذي النون، على سُنَّة أبيه في تسيير أمور مملكته المترامية الأطراف، فأقام بين الناس بالعدل، وكانت السياسة التي انتهجها المأمون في بداية عهده سبيلاً لاتساع مملكته.


        لم يكن عهد المأمون عهد هدوء واستقرار، وإنما كان عهد تنازع وفراق بينه وبين ملوك الطوائف الأخرى، وكان من شدَّة هذا التنازع والفراق أن ظهرت الخسَّة والنذالة، واستعانوا بالنصارى بعضهم على بعض، وضعفت قوَّة الأطراف المتنازعة، وهذا ما حدا بالنصارى أن يُغِيرُوا على أملاك المسلمين، ولا يجدون رادعًا يردعهم، ولا قوَّةً تطاردهم؛ فنُهِبَت البلاد، وسُرقت الأموال، وسُبيت النساء، وقُتل الأطفال والرجال، وحكام الطوائف يتنازعون على أعراض زائلة، فخسروا دينهم ودنياهم، وما أشبه الليلة بالبارحة!

        فعلى الرغم من اتساع مُلك المأمون بن ذي النون إلا أنه شغل خلال فترة حكمه الثلاث والثلاثين بالتخاصم مع ملوك الطوائف الآخرين، وخاصة عدوَّه اللدود سليمان المستعين بن هود صاحب سَرَقُسْطَة، والمعتضد بن عباد صاحب إِشْبِيلِيَة ومن بعده ابنه المعتمد، وابن الأفطس صاحب بَطَلْيُوس.

        الصراع بين المأمون وسليمان بن هود

        بيد أن حروب المأمون الأشد شراسة كانت مع سليمان بن هود صاحب سرقسطة؛ خاصة أنها حروب على المناطق الحدودية بينهما، ولعلها كذلك الأشدَّ وقعًا على الإسلام والمسلمين؛ إذ استعان كلٌّ منهما على أخيه بالنصارى أصحاب قشتالة، الذين عاثوا في أراضي المسلمين تحت سمعهم وأبصارهم، على نحو ما سنُبَيِّنُه إن شاء الله.

        المأمون والدخول في طاعة هشام المؤيد

        ومن أشهر الأعمال التي قام بها المأمون بن ذي النون دخوله في طاعة هشام المؤيد بالله (أو شبيهه على وجه الدقة) التي دعا إليها المعتضد بن عباد؛ وذلك طمعًا في نصرته ضد عدوِّه سليمان بن هود، وبالفعل قَبِلَ المعتضد الأمر ووعده بالتناصر والتظافر ضد خصمه، وأُخذت البيعة لهشام المؤيد المزعوم في طُلَيْطِلَة، وأُعلن له بالدعاء على المنابر، ولكن يبدو أن المأمون ذهب به الطمع الخائب كل مذهب، وغرَّه الأمل واتَّبع الباطل، واشتغل عنه المعتضد بحروبه ضد ابن الأفطس، ولم ينل من ابن عباد أي شيء، وعاد من بيعته بخفي حنين[1].

        المأمون والاستيلاء على بلنسية



        وكان من أهمِّ أعمال المأمون -كذلك- الاستيلاء على بَلَنْسِيَة وأعمالها سنة (457هـ=1065م)؛ حيث كانت تحت حكم عبد الملك بن عبد العزيز حفيد المنصور بن أبي عامر، وكان صهرًا للمأمون حيث تزوَّج ابنته عقب وفاة أخيه زوجها الأول، فأهانها وأساء عشرتها، وكان سيئ السيرة، منهمكًا في الشراب والخلاعة، مع نقصٍ في المروءة والانحطاط في مهاوي اللذات الوضيعة، وكان ذلك سبيلاً لزوال مُلكه، على ما جنت يداه، وهو ما حدث بالفعل، فلمَّا علم المأمون بحال ابنته مع عبد الملك بن عبد العزيز حقد عليه، وأضمر الشرَّ له.


        وهناك في استيلاء المأمون على بَلَنْسِيَة روايتان؛ الأولى: أن المأمون قدم على عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي عامر من طُلَيْطِلَة على سبيل الزيارة، وهناك استقبله صاحب بَلَنْسِيَة أحسن استقبال هو وغلمانه وعبيد القصر، فأقام المأمون عنده أيامًا، ثم دبَّر لعبد الملك مكيدة ذات ليلة، فقبض عليه وعلى ابنه وأخرجهما ليلاً إلى شَنْتَمبَرِيَّة، وقيل: إلى قلعة أُقْلِيش. وبعدها تملَّك المأمون شرق الأندلس دون كلفة ولا مشقَّة ولا دماء، والرواية الثانية تقول: إن المأمون استعان بملك قشتالة على صهره صاحب بَلَنْسِيَة، فاستولى عليها واعتقل عبد الملك وابنه، وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة 457هـ، وقيل: سنة (458هـ=1065م) [2].

        المأمون والاستيلاء على قرطبة

        وأمام توسُّعات المأمون كانت قرطبة محلَّ نظره منذ زمن، وكان يتحيَّن الفرص للانقضاض عليها، وهو ما حدث بالفعل حينما اضطربت الأمور عقب تولِّي عبد الملك بن جهور أمورها وأساء السيرة بين أهلها، فأغار المأمون عليها عام 462هـ، فاستغاث عبد الملك بن جهور بالمعتمد بن عباد، وكانت تلك نهاية بني جهور في قُرْطُبَة[3]، على نحو ما سنذكره في فصل التناحر بين ملوك الطوائف إن شاء الله.

        بلاط المأمون بن ذي النون

        مع كل هذه الحروب والنزاعات التي شهدتها فترة حُكم المأمون، إلا أنه يُعَدُّ أطول ملوك الطوائف عهدًا؛ فقد دام مُلكه ثلاث وثلاثين سنة، واتَّسعت رقعة مُلكه حتى ملك بَلَنْسِيَة وأعمالها في شرق الأندلس، وعظمت خزائن المأمون حتى قصده الشعراء والعلماء، وأكثر المأمون من تشييد القصور الفخمة، والمجالس الباهرة، ومن أشهرها مجلسه المسمى «المكرم»، ونحن ننقل هنا وصفه؛ ليرى القارئ الكريم مدى الرغد الذي ورثه ملوك الطوائف من عصر الأمجاد، فأضافوا إليه وتفننوا وأبدعوا، ثم نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فصارت هذه الذخائر مطمعًا للنصارى يحوزونها بافتراق المسلمين وتناحرهم، بل استطاعت ممالك الأندلس أن تظلَّ قرنًا تموِّل الممالك النصرانية بما تدفعه من جزية[4].

        وصف مجلس المكرم

        هذا وصف مجلس المكرم كما يورده ابن حيان ناقلاً له على لسان ابن جابر شاهد العيان: «وكنتُ ممن أذهَلَتْه فتنةُ ذلك المجلس، وأغربُ ما قيَّدَ لَحْظِي من بهيِّ زُخْرفه -الذي كاد يَحبس عيني عن الترقي عنه إلى ما فوقَه- إزارُه الرائع الدائر بأسِّه حيثُ دار، وهو مُتَّخَذٌ من رفيعِ المَرْمَرِ الأبيض المسنون، الزَّاريةِ صفحاتُه بالعاجِ في صِدْقِ الملاسةِ ونَصاعةِ التلوين، قد خُرِّمَتْ في جُثمانه صُوَرٌ لبهائمَ وأطيار وأشجار ذات ثمار، وقد تعلَّق كثيرٌ من تلك التماثيل المصوَّرة بما يليها من أفنان أشجار وأشكالِ الثمر ما بين جانٍ([5]) وعابث[6]، وعَلق بعضُها بعضًا بين مُلاعبٍ ومُثاقف، تَرنو إلى مَنْ تأمَّلها بألحاظ عاطف، كأنها مُقْبِلَةٌ عليه، أو مُشيرة إليه، وكلُّ صورة منها مُنفردةٌ عن صاحبتها، مُتميِّزةٌ من شكلها، تَكادُ تُقَيِّد البصرَ عن التعلِّي إلى ما فوقها. قد فَصَل هذا الإزارَ عمَّا فوقه كِتَابُ نَقْشٍ عريضُ التقدير، مُخَرَّمٌ مَحفور، دائرٌ بالمجلسِ الجليلِ من داخله، قد خَطَّه المِنْقَارُ أبين من خطِّ التزوير، قائمُ الحروفِ بديعُ الشكل، مُسْتبينٌ على البُعْدِ، مرقومٌ كلُّه بأشعارٍ حِسان، قد تُخيِّرتْ في أماديحِ مُخْتَرِعِهِ المأمون. وفوقَ هذا الكتابِ الفاصلِ في هذا المجلس بُحورٌ منتظمة من الزجاج الملوَّن، المُلَبَّسِ بالذهب الإبريز[7]، وقد أُجريت فيه أشكالُ حيوانٍ وأطيار، وصورُ أنعامٍ وأشجار، يُذهل الألبابَ ويُقَيِّد الأبصار. وأرضُ هذه البحار مَدحوَّة من أوراق الذهب الإبريز، مُصَوَّرَةٌ بأمثال تلك التصاوير من الحيوانِ والأشجارِ بأتقنِ تصويرٍ وأبدع تقدير.

        ثم قال: ولهذه الدار بُحَيْرَتَان، قد نُصَّتْ[8] على أركانهما صُوَرُ أسودٍ مَصوغَةٌ من الذهب الإبريز أحكمَ صياغة، تتخيَّل لمتأمِّلها كالحةَ الوجُوه[9] فاغرةَ[10] الشُّدوق[11]، ينساب من أفواهها نحو البُحيرتين الماءُ هَوْنًا كرَشِيش القَطْر أو سُحَالَة اللُّجَين[12]. وقد وُضع في قعر كلِّ بحيرة منهما حوضُ رخام يُسمَّى المَذْبَح، محفورٌ من رفيع المرمر، كبيرُ الجِرْم[13]، غريبُ الشكل، بديعُ النقش؛ قد أُبرزتْ في جَنَبَاتِه صُوَرُ حيوانٍ وأطيارٍ وأشجار، وينحصرُ ماؤهما في شَجَرَتَيْ فضَّة عاليتي الأصلين، غَريبتي الشكل، مُحكمتي الصَّنْعة، قد غُرِزَتْ كل شجرة منها وَسَطَ كل مَذبحٍ بأدقِّ صناعة، يترقَّى فيهما الماءُ من المذبحين، فيَنْصَبُّ من أعالي أفنانهما انصباب رذاذ المطر أو رَشَاش التندية، فتحدُثُ لمَخْرَجِه نَغماتٌ تُصبي النفوس، ويرتفعُ بذرْوَتها عمودُ ماء ضخم مُنضغط الاندفاع، ينساب من أفواهها ويُبَلِّل أشخاصَ أطيارها وثمارها، بألسنةٍ كالمبارد الصقيلة، يُقَيِّد حُسْنها الألحاظَ الثاقبةَ، ويدع الأذهانَ الحادَّةَ كليلة»[14].

        والواقع أنه لم يكن ببلاط المأمون بن ذي النون للشعر والأدب دولة زاهرة، كما كان الشأن في إِشْبِيلِيَة وبَطَلْيُوس، بيد أننا نجد أكابر شعراء العصر وعلمائه يعيشون في ظلِّ المأمون، وكان من هؤلاء شاعره ابن أرفع رأسه[15]، صاحب الموشحات المشهورة، والعلامة الرياضي ابن سعيد مؤلف تاريخ العلوم المسمَّى «طبقات الأمم»، وكان يُلقي دروسه في المسجد الجامع، والعلامة النباتي ابن بصال الطليطلي[16].

        ويجدر بنا ونحن على مشارف الانتهاء من حياة المأمون بن ذي النون أن نذكر أن ابن حيان المؤرخ الأندلسي الكبير لم يجد مَنْ يُهدي كتابه (التاريخ الكبير) سوى للمأمون؛ إذ قال في مفتتحه: «وكنتُ اعتقدتُ الاستئثار به لنفسي، وخَبْأهُ لولدي، والضنَّ بفوائده الجمَّة... إلى أن رأيتُ زفافه إلى ذي خطبة سَنِيَّة أتتني على بُعْدِ الدار، أكرم خاطبٍ وأسنى ذي همَّة، الأمير المؤثَّل[17] الإمارة المأمون ذي المجدين، الكريم الطرفين، يحيى بن ذي النون [18]»[19].


        [1] ابن عذاري: البيان المغرب 3/278، 279.
        [2] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/129، وابن عذاري: البيان المغرب 3/266، 267، 303، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/101، 102.
        [3] ابن بسام: الذخيرة 2/609-611، وابن عذاري: البيان المغرب، 3/260، 261، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص149-152.
        [4] بدرو شلميطا: صورة تقريبية للاقتصاد الأندلسي، منشور في: سلمى الخضراء الجيوسي: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، 2/1060.
        [5] الثمر الجاني: الثَّمر الذي تستطيع أخذه وجنيه ما دام طَرِيًّا رطبًا. ابن منظور: لسان العرب، مادة جني 14/153، والمعجم الوسيط 1/141.
        [6] الثمر العابث: الجاف، أو هو المختلط الجاف والرطب. ابن منظور: لسان العرب، مادة عبث 2/166.
        [7] ذَهَب إِبْرِيز: الخالص. ابن منظور: لسان العرب، مادة برز 5/309، والمعجم الوسيط 1/2.
        [8] نصَّ: رفع ووضع على المِنَصَّة؛ أَي: على غاية الشهرة والظهور. ابن منظور: لسان العرب، مادة نصص 7/97، والمعجم الوسيط 2/926.
        [9] كالحة الوجوه: مكشرة عابسة. الجوهري: الصحاح، باب الحاء فصل الكاف 1/399، وابن منظور: لسان العرب، مادة كلح 2/574، والمعجم الوسيط 2/795.
        [10] فغر: فتح في انتفاخ. الجوهري: الصحاح، باب الراء فصل الفاء 2/782، وابن منظور: لسان العرب، مادة فغر 5/59، والمعجم الوسيط 2/696.
        [11] الشدوق جمع الشِّدْق: وهو جانب الفم. انظر: الجوهري: الصحاح، باب القاف فصل الشين 4/1500، وابن منظور: لسان العرب، مادة شدق 10/172، والمعجم الوسيط 1/476.
        [12] سحالة اللجين: ما سقط من الفضة كالبرادة. الجوهري: الصحاح، باب اللام فصل السين 5/1727، وابن منظور: لسان العرب، مادة سحل 11/327، والمعجم الوسيط 1/420.
        [13] الجِرْم: الجسد. الجوهري: الصحاح، باب الميم فصل الجيم 5/1885، وابن منظور: لسان العرب، مادة جرم 12/90، والمعجم الوسيط 1/118.
        [14] ابن بسام: الذخيرة 7/132، 134.
        [15] ابن أرفع رأسه: هو أبو بكر محمد بن أرفع رأسه الطليطلي، شاعر المأمون بن ذي النون، وله موشحات مشهورة يغنى بها في بلاد المغرب. ابن سعيد المغربي: المغرب في حلى المغرب 2/18.
        [16] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/106.
        [17] المؤثَّل؛ أَي: المجموع ذو الأصل، والدائم. ابن منظور: لسان العرب، مادة أثل 11/9.
        [18] يقول د. محمود مكي وهو من المتخصصين في دراسة تاريخ الأندلس: «والحق أننا لا نعرف كيف فعل ابن حيان لكي يُقَدِّم إلى المأمون هذه «الهدية» من تاريخه، وهو الذي وصف مساوئ أسلاف ابن ذي النون ومفاسد حكمهم ما لا نعتقد أنه يعجب هذا الأمير أو ينال منه أدنى قبول. والأعجب من ذلك في هذا التناقض هو ما نراه في فقرات أخرى ينقلها ابن بسام كتب بها ابن حيان إلى المعتمد بن عياد يهنئه بفتح قرطبة وظهوره على المأمون بن ذي النون... والغريب هنا هو أن ابن حيان يرمي المأمون بن ذي النون بأسوأ التهم، مع أنه هو الذي أهدى إليه من قبل تاريخه وطرزه باسمه». مقدمة تحقيق د. مكي لقطعة من المقتبس ص39.
        [19] ابن بسام: الذخيرة 2/578.

        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #79
          القادر يحيى بن ذي النون

          القادر بالله يحيى حفيد المأمون



          مات المأمون بن ذي النون مسمومًا بقرطبة –في حادث سنفصل ظروفه في مقال قادم إن شاء الله- وخلفه من بعده حفيده يحيى بن إسماعيل بن يحيى بن ذي النون وذلك سنة (467هـ=1075م)، وتلقَّب بالقادر بالله، وكان القادر بالله سيئ الرأي، قليل الخبرة والتجارِب، مع أنه يحكم مملكة عظيمة وطَّدها له جدُّه المأمون.


          مؤامرة قتل الوزير ابن الحديدي

          كان المأمون قبل وفاته قد قَسَّم وظائف دولته وعهد بها إلى وزيراه: ابن الفرج وابن الحديدي، فجعل أمور الجند لابن الفرج، وأمور المشورة والرأي إلى ابن الحديدي، وأخذ عليهما المواثيق والعهود بحُسن الإدارة والنصح، إلا أن القادر بالله وقع تحت تأثير العبيد والخدم ونساء القصر، وطائفة من قرناء السوء وبطانة الشرِّ، ظلُّوا وراءه حتى أوغروا صدره من ابن الحديدي؛ يسعون للفتك به والتخلُّص منه، ولم يكن القادر ليتخلَّص من ابن الحديدي دون تُهَمَة بيِّنة وخيانة ظاهرة؛ حتى يقنع أهل طُلَيْطِلَة بالأمر، فدبَّر مكيدة؛ وهي أن يستظهر جماعة كان جدُّه المأمون قد أودعهم السجن بإيعاز من ابن الحديدي، فأطلق القادر سراحهم ودعاهم إلى مجلسه، ودعا ابن الحديدي إليه أيضًا، فلما حضر ابن الحديدي ورآهم، أيقن بالهلاك، وأسرع إلى القادر يستجيره منهم، إلا أن القادر غادر مجلسه، فتمكَّنُوا منه وقتلوه، وأمر بنهب دور ابن الحديدي، وكان ذلك في أوائل ذي الحجة سنة (468هـ=1076م)[1].


          الثورات ضد القادر بالله

          لم ينعم القادر بالله منذ أن فتك بابن الحديدي بالأمان؛ إذ صار أعوان الأمس أعداء اليوم، وإذا بمن أوغروا صدره على ابن الحديدي ينقلبون عليه ويكيدون له الدسائس، فلم ينسوا أن المأمون جدَّ القادر هو من أودعهم السجن، وكاد يفتك بهم.

          وهكذا بدأت الهموم والمتاعب والثورات تنهال عليه؛ فابن هود صاحب سَرَقُسْطَة يُرهقه بغاراته من ناحية، وأبو بكر بن عبد العزيز صاحب بَلَنْسِيَة استغلَّ الفوضى واستبدَّ بالأمر، وأعلن الثورة والاستقلال، والنصارى يُغيرون على أملاكه، وكادوا أن ينتزعوا قونقة منه، إلاَّ أنه افتداها بمبلغ كبير من المال.

          ومن ناحية أخرى أعلن أعوان الأمس الثورة الداخلية للإطاحة به، وفعلاً هرب القادر من طُلَيْطِلَة إلى حصن وَبْذَة، وهنا وجد أهل طُلَيْطِلَة أنفسهم بلا أمير أو حاكم، فاستقدموا المتوكل بن الأفطس ليحكم البلاد سنة (472هـ=1079م)، وظلَّ المتوكل حاكمًا عليه، إلى أن عاد القادر مرَّة أخرى بمعونة ألفونسو ملك قشتالة، وحاصرت قوَّات النصارى طُلَيْطِلَة، وهذا ما اضطر المتوكل بن الأفطس إلى أن يخرج منها بعد أن أخذ ما استطاع من أموال القادر وخزائنه، ونجحت قوَّات ألفونسو الدخول إلى طُلَيْطِلَة وإعادة القادر، ودخل القادر طُلَيْطِلَة في حمى النصارى وجنودهم، وكانت هذه العلاقة المشئومة سببًا في سقوط طُلَيْطِلَة..

          فيا ليت حُكَّام المسلمين يعون الدرس، ويعتمدون على ربهم، ولا يتَّكلون إلى عدوِّهم؛ فهذا جزاء الخائنين، وصدق الله إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 51- 53].


          [1] ابن بسام: الذخيرة 7/150-155، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص179، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/107.



          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #80
            علماء الأندلس في طليطلة

            طليطلة .. مدينة العلماء



            الواقع أنه لم يكن ببلاط طُلَيْطِلَة للشعر والأدب دولة زاهرة كما كان الشأن في إِشْبِيلِيَة وبَطَلْيُوس، إلا أنها شهدت دولة زاهرة في علوم الحياة: الرياضيات والطبِّ والنبات والزراعة، ومع هذا حرص المأمون على جمع الشعراء حوله، وكان منهم شاعره ابن أرفع رأسه صاحب الموشحات المشهورة، وكان ذلك سبيلاً إلى علوِّ شأن طُلَيْطِلَة كما كان في إِشْبِيلِيَة وبَطَلْيُوس، ومن مشاهير علماء طُلَيْطِلَة في ذلك الوقت ابن بصال العالم النباتي الشهير، وابن وافد الطبيب، والعلامة الرياضي ابن سعيد مؤلف تاريخ العلوم المسمى (طبقات الأمم)، والزرقالي، وعلامة طُلَيْطِلَة صاعد الأندلسي الطليطلي.


            صاعد الأندلسي: (420-462هـ=1029-1070م)

            هو القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن بن صاعد، الأندلسي التغلبي القرطبي الطليطلي، المالكي، أصله من قُرْطُبَة، يُعَدُّ علامة التاريخ في عصره، وكان من أهل المعرفة والذكاء، والرواية والدراية من تلاميذ الإمام ابن حزم، وهو أول مفكر عربي حاول تفسير طبائع البشر وفقًا لتغيُّرَات المناخ، وقد ولي قضاء طُلَيْطِلَة للمأمون بن ذي النون، وبقي فيها إلى أن مات.

            أشهر كتبه كتاب (طبقات الأمم) الذي ألفه سنة (460هـ=1067م)، حاول فيه استكمال دراسة أستاذه ابن حزم الظاهري عن دور الأندلس في إنتاج العلوم، والتعريف بأهم الشخصيات الفكرية التي برزت في مختلف العهود الإسلامية، إلا أن دراسته اختلفت عن رسالة ابن حزم في (مراتب العلوم)؛ فهو لم يكتفِ بأخبار الكاتب، بل حاول التعريف بعصره وظروفه وبيئته، وبسبب شمولية الكتاب وَضَع مقدمة تحليلية للتعريف بتاريخ العلوم وتطور الأفكار واتصال الثقافات ببعضها من المشرق إلى المغرب وانتهاء بالأندلس وعصره، فجاءت دراسته تاريخية حاول من خلالها الردَّ على مسألتين: مجرى التطور، وصلة حلقات التطور ببعضها.

            وحتى تكون إجابات صاعد واضحة في معالمها كان لا بد له من تجاوز حدود الأندلس والابتعاد عنها جغرافيًّا، والغوص في عمق الزمن إلى عهود سابقة على ظهور الديانات السماوية، واضطر بسبب المستجدات وتغيير خطة كتابه، أن يُعيد قراءة مراتب العلوم كونيًّا في سياق رؤية عالمية للتطوُّر الفكري وصولاً إلى العرب وظهور الإسلام والفتوحات الكبرى.

            فرضت خطَّة الكتاب على صاعد أن يقوم بمراجعة شاملة وسريعة لتاريخ الأفكار ودور الأمم في صنعها وصلاتها ببعضها، كذلك حاول قدر الإمكان التعريف بالأمَّة والتعريف بأفكارها، ثم التعريف بأعلامها؛ حتى يربط حلقات التطوُّر في مجرى زمني هادف.

            من كتبه: (جوامع أخبار الأمم من العرب والعجم)، و(صوان الحكم) في طبقات الحكماء، و(مقالات أهل الملل والنحل)، و(إصلاح حركات النجوم)، و(تاريخ الأندلس)، و(تاريخ الإسلام) [1].

            ابن وافد (387-467هـ = 996-1074م)

            هو الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد بن مهند اللخمي الطليطلي، ولد بطُلَيْطِلَة ونشأ بها، وعاش في كنف بني ذي النون هناك، وهو أحد أشراف أهل الأندلس، وذوي السلف الصالح منهم، والسابقة القديمة فيهم، اعتنى –رحمه الله- بالطب والأدوية المفردة، وألَّف كتابه (الأدوية المفردة)، الذي قال عنه القاضي صاعد الأندلسي: وتمهَّر بعلم الأدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد في عصره، وألَّف فيها كتابًا جليلاً لا نظير له، جمع فيه ما تضمن كتاب ديسقوريدس وكتاب جالينوس المؤلفان في الأدوية المفردة، ورتبه أحسن ترتيب.

            ولابن وافد في الطب نظريته الشهيرة؛ إذ كان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية أو ما كان قريبًا منها، فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية فلا يرى التداوي بمركَّبِها ما أمكن التداوي بمفردها، فإن اضطر إلى المركَّب منها لم يُكثر التركيب، بل اقتصر على الأقل ما يمكنه منه.

            ولابن وافد من الكتب: كتاب (الأدوية المفردة)، و(الوساد في الطب)، و(مجربات في الطب)، و(تدقيق النظر في علل حاسة البصر)، وكتاب (المغيث) [2].


            [1] ابن بشكوال: الصلة ترجمة رقم (545) 1/370، والمقري: نفح الطيب 3/182، والزركلي: الأعلام 3/186.
            [2] ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء 3/231، 232.

            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #81
              بنو هود في سرقسطة

              سرقسطة.. الموقع الجغرافي والأهمية العسكرية



              تُعَدُّ مملكة سرقسطة من أهمِّ وأخطر الممالك الإسلامية في بلاد الأندلس؛ وخاصة في عصر ملوك الطوائف، واكتسبت الأهمية من أمرين:

              الأول: اتساع المساحة الجغرافية لسَرَقُسْطَة؛ إذ هي تشمل في الجغرافيا الأندلسية مدينة سَرَقُسْطَة (Zaragoza) وأعمالها، تُطِيلَة[1] (Tudela)، ووَشْقَة (Huesca)، وبَرْبُشْتَر (Barbastro)، ولارِدَة (Lareda)، وإِفْرَاغة[2] (Braga)، وطَرَّكُونة[3] (Tarragona)، وطُرْطُوشة (Tortosa)، وتشغل المنطقة الواسعة الخصبة التي يخترقها نهر إبره (EbroRiver)، من مصبِّه عند مدينة طُرْطُوشة، حتى مدخله عند مدينة قَلَهُرَّة[4] في ولاية نافار، ويخترقها فرعها الشمالي الكبير نهر سجري والأفرع الصغيرة الممتدة منه نحو بَرْبُشْتَر ووَشْقَة، وفرعه الجنوبي خالون حتى قلعة أيوب (Calatayud) ودَرَوْقَة، ففي هذه المنطقة الشاسعة التي تكثر فيها الوديان اليانعة والمواقع الإستراتيجية، كانت تقوم مملكة سَرَقُسْطَة[5].

              ثانيًا: الموقع العسكري والسياسي الخطير؛ إذ هي حائط الصدِّ الأول والأهم لبلاد الأندلس من هجمات الممالك النصرانية الإسبانية؛ فهي تقع بين مملكة قطلونية من الشرق، ومملكة نافار أو نبرة من الشمال الغربي، ومملكة قشتالة من الجنوب الغربي؛ لذلك فهي في جهاد دائم؛ إذ لم يَكُفُّ النصارى عن هجماتهم على بلاد الإسلام في الأندلس منذ الفتح الإسلامي لها؛ لذلك أَطلق عليها المسلمون (الثغر الأعلى).

              بنو تجيب في سرقسطة

              استولى بنو تُجيب -وهم أسرة عربية- على إقليم سَرَقُسْطَة، وعلا كعبهم فيها خلال حُكم المنصور بن أبي عامر، حينما أقرَّ يحيى بن عبد الرحمن التجيبي على الثغر الأعلى، وذلك سنة (397هـ=989م)، واستمرَّ فيها إلى أن توفي سنة (408هـ=1017م)، وخلفه ابنه المنذر بن يحيى التجيبي، الذي يُعَدُّ أقوى حكام بني تُجيب في الأندلس، وكان من بُعْدِ نظره أنه رأى أن يُهَادن النصارى إلى حين؛ ليأمن غاراتهم وعواقب هجماتهم على بلاد الأندلس، فوطد علاقاته مع رامون أمير بَرْشُلُونَة، وسانشو الكبير (شانجة) ملك نافار، وولده فرناندو الأول ملك قشتالة، وألفونسو الخامس ملك ليون، وقد بالغ المنذر في علاقاته معهم، فعقد حفلاً في قصره لعقد المصاهرة بين سانشو ورامون، حضره أهل الملتين من فقهاء المسلمين وقساوسة النصارى، فسخط الناس عليه واتهموه بالخيانة؛ بيد أن الناس لم يُدركوا بعدُ هذه السياسة الحكيمة من المنذر إلاَّ بعد وفاته؛ إذ عادت هجمات النصارى عليهم بعد أن ركن النصارى للدعة ومسالمة المسلمين[6].

              وهذه السياسة هي التي يلجأ إليها أصحاب الممالك الصغيرة والدويلات الممزقة، وهي سياسة تُنشئها وتُغَذِّيها شهوة حُبِّ السلطة؛ فإنها شهوة تُغَيِّب العقل؛ إذ لو كان أمراء الممالك الصغيرة يُعْمِلُون عقولهم ويتنازلون عن شهوة السلطان، إذًا لسعوا نحو الوحدة والاتحاد وآثروا جمع الكلمة، بدلاً من هذه الفرقة التي تأتي بالضعف فلا يصير أمام أحدهم إلاَّ أن يبذل من ماله أو من مبادئه لأعدائه ما يحفظ به نفسه منهم، ثم ليتحالف معهم وينتصر بهم على إخوانه.

              استطاع المنذر بن يحيى أن يُقيم دولته القوية في الثغر الأعلى بسَرَقُسْطَة وأعمالها، وتلقَّب بألقاب السلاطين! فتلقَّب بالمنصور والحاجب ذي الرئاستين!! واستمرَّ في حكم سَرَقُسْطَة حتى سنة 414هـ، وخلفه من بعده ابنه المظفر يحيى بن المنذر حتى توفي عنها سنة (420هـ=1029م)، ثم خلفه من بعده ابنه المنذر الثاني بن يحيى، الذي تلقَّب بالحاجب معزِّ الدولة، وكانت على يديه نهاية عهد بني تُجيب بسَرَقُسْطَة؛ إذ توفي مقتولاً على يد ابن عمٍّ له يُسَمَّى عبد الله بن حكيم سنة (430هـ=1039م)، ثم دعا لنفسه، ولكن يبدو أن أهل سَرَقُسْطَة ثاروا عليه لسوء خلقه، وهمُّوا بقتله فخرج فارًّا بنفسه، وبقي أهل سَرَقُسْطَة دون أمير يُسَيِّر شئونهم؛ فبعثوا لسليمان بن هود حاكم لارِدَة، فدخل سَرَقُسْطَة واجتمع الناس عليه، فكان ذلك بداية عهد بني هود بسَرَقُسْطَة، في المحرم سنة (431هـ= سبتمبر 1039م) [7].

              بنو هود في سرقسطة

              سليمان المستعين بن هود

              اجتمعت كلمة أهل سَرَقُسْطَة على سليمان بن هود كأمير عليهم وتلقَّب بالمستعين بالله وذلك في المحرم سنة 431هـ، ومنذ هذا التاريخ بسط بنو هود سلطانهم على الثغر الأعلى لبلاد الأندلس، وكان سليمان بن هود يملك سَرَقُسْطَة وأعمالها ما عدا طُرْطُوشة، التي كانت بيد الفتيان العامريين، ولعلَّ أشهر الأعمال السياسية والعسكرية في حياة سليمان بن هود ما كان بينه وبين المأمون بن ذي النون صاحب طُلَيْطِلَة، واستعانة كل منهما على أخيه بالنصارى (حكام نافار وقشتالة)، وظلَّ النصارى يُذكون نار الفتنة بين المسلمين، وكادت الفتنة تأتي على أراضي المسلمين، إلاَّ أن الله وقى المسلمين شرَّها بموت سليمان المستعين بن هود سنة (438هـ=1046م)[8]، وذلك على نحو ما سنُبَيِّنُه في موضعه إن شاء الله.

              المقتدر بالله أحمد بن هود

              قبيل وفاة سليمان بن هود قسم أعمال دولته على أبنائه الخمسة؛ فولَّى ابنه أحمد بن سليمان سَرَقُسْطَة، وولَّى يوسف لارِدَة، وولَّى محمدًا قلعة أيوب، وولَّى لُبًّا مدينة وَشْقَة، وولَّى المنذر تُطِيلَة[9]، ويبدو أن هذا العمل كان عملاً سلبيًّا؛ إذ زرع العداوة والشقاق والتناحر بين الإخوة، فما أن تُوُفِّيَ والدهم حتى استبدَّ كلٌّ منهم بما تحت يده من أعمال والده، ولكن يبدو أن أحمد بن سليمان كان أسعدهم حظًّا، وأقواهم ذكاء وحيلة؛ إذ ظلَّ يتحايل على إخوته على ملكهم جميعًا، فسجنهم، وبسط سلطانه على سلطانهم، غير لارِدَة؛ إذ وقف أخوه يوسف الملقب بحسام الدولة، أمام أطماعه واستطاع أن يحمي لارِدَة من أخيه.

              وليس ذلك فحسب، بل وقفت العامة مع أخيه يوسف ضدَّه؛ لما رَأَوْا من بشاعة أفعاله ونكاله بإخوته، وتلقَّب يوسف بالمظفر، وكادت البلاد أن تقع تحت نير الحرب الأهلية بين الأخوين: أحمد المقتدر ويوسف المظفر، ولكن أحمد المقتدر استطاع أن يتغلَّب على أخيه يوسف بالغدر والخيانة والاستهتار بدماء المسلمين؛ إذ استعان بالنصارى على أخيه، واستطاع بقوتهم أن يضمَّ لارِدَة وتُطِيلَة (أعمال سَرَقُسْطَة) إلى أملاكه، فعظم مُلْكُه، وقويت شوكته[10]، كما استطاع أن يضمَّ طُرْطُوشة إلى أملاكه بعد تغلُّبه على الفتى نبيل العامري سنة (452هـ=1060م)[11]، كما استطاع أن ينتزع دانية من صهره علي إقبال الدولة بعد أن حاصرها وضيَّق عليها، وذلك سنة (468هـ=1076م) [12]؛ وبذلك أضحت سَرَقُسْطَة أكبر ممالك الطوائف من حيث المساحة.

              مأساة بربشتر



              إن من أعظم المحن -إن لم تكن أعظمها- ما حدث للمسلمين في بَرْبُشْتَر (Barbastro)؛ إذ كان الخطب بها أكبر من أن يوصف؛ حيث هاجم النورمانديون المدينة سنة (456هـ=1064م) وفتكوا بأهلها، وأبادوا المسلمين بأبشع صور الإبادة في التاريخ، ولم يُبادر المقتدر أحمد بن هود لإنجاد المدينة؛ لأنها من أعمال أخيه يوسف المظفر، وقد وصف ابن حيان المحنة بكلمات من الدماء لِمَا حلَّ بالمسلمين هناك، يقول بعد أن ذكر تخاذل المقتدر عنها: «فأقام العدوُّ عليها أربعين يومًا، ووقع فيما بين أهلها تنازع في القوت لقلَّتِه، واتصل ذلك بالعدوِّ فشدَّد القتالَ عليها والحصر لها، حتى دخل المدينة الأولى في خمسة آلاف مُدَرَّع، فدهش الناس وتحصَّنوا بالمدينة الداخلة، وجرت بينهم حروب شديدة، قُتِلَ فيها خمسمائة إفرنجي، ثم اتُّفِقَ أن القناة التي كان الماء يجري فيها من النهر إلى المدينة تحت الأرض في سَرَب موزون انهارت وفسدت، ووقعت فيها صخرة عظيمة سَدَّت السَّرَب بأسره؛ فانقطع الماء عن المدينة، ويئس مَنْ بها من الحياة، فلاذوا بطلب الأمان على أنفسهم خاصة دون مال وعيال، فأعطاهم العدوُّ الأمان، فلمَّا خرجوا نكث بهم وغدر، وقُتل الجميع إلا القائد ابن الطويل والقاضي ابن عيسى في نفر من الوجوه، وحصل للعدوِّ من الأموال والأمتعة ما لا يُحْصَى، حتى إن الذي خصَّ بعضَ مُقَدَّمي العدوِّ لحصنه -وهو قائد خيل رومة- نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارًا، ومن أوقار([13]) الأمتعة والحلي والكسوة خمسمائة جمل، وقُدِّر مَنْ قُتل وأُسر بمائة ألف نفس، وقيل: خمسون ألف نفس. ومن نوادر ما جرى على هذه المدينة لَمَّا فسدت القناة وانقطعت المياه أن المرأة كانت تقف على السور وتُنادي من يقرب منها أن يعطيها جرعة ماء لنفسها أو ولدها، فيقول لها: أعطيني ما معك. فتعطيه ما معها من كسوة وحلي وغيره».


              ويُكمل ابن حيان قائلاً: «وكان السبب في قتلهم أنه خاف مَنْ يَصِلُ لنجدتهم وشاهد من كثرتهم ما هاله، فشرع في القتل -لعنه الله تعالى- حتى قتل منهم نيِّفًا وستة آلاف قتيل، ثم نادى الملك بتأمين مَنْ بَقِيَ، وأمر أن يخرجوا، فازدحموا في الباب إلى أن مات منهم خلق عظيم، ونزلوا من الأسوار في الحبال للخشية من الازدحام في الأبواب، ومبادرة إلى شرب الماء، وكان قد تحيَّز في وسط المدينة قدر سبعمائة نفس من الوجوه، وحاروا في نفوسهم، وانتظروا ما ينزل بهم، فلمَّا خلت ممَّنْ أُسر وقُتل وأُخرج من الأبواب والأسوار، وهلك في الزحمة، نُودي في تلك البقية بأن يُبادر كلٌّ منهم إلى داره بأهله وله الأمان، وأُرهقوا وأُزعجوا، فلما حصل كل واحد بمن معه من أهله في منزله، اقتسمهم الإفرنج -لعنهم الله تعالى- بأمر الملك، وأخذ كل واحد دارًا بمن فيها من أهلها، نعوذ بالله تعالى.
              وكان من أهل المدينة جماعة قد عاذوا برءوس الجبال، وتحصنوا بمواضع منيعة، وكادوا يهلكون من العطش، فأمَّنهم الملك على نفوسهم، وبرزوا في صور الهلكى من العطش، فأطلق سبيلهم، فبينما هم في الطريق إذ لقيتهم خيل الكفر ممن لم يشهد الحادثة، فقتلوهم إلا القليل ممن نجا بأجله.
              وكان الفرنج -لعنهم الله تعالى- لما استولوا على أهل المدينة يفتضُّونَ البكر بحضرة أبيها، والثَّيِّب بعين زوجها وأهلها، وجرى من هذه الأحوال ما لم يشهد المسلمون مثله قط فيما مضى من الزمان، ومَنْ لم يرضَ منهم أن يفعل ذلك في خادم أو ذات مهنة أو وخش أعطاهن خَوَله وغلمانه يعيثون فيهن عيثه[14]، وبلغ الكَفَرة منهم يومئذ ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة، ولمَّا عزم ملك الروم على القفول إلى بلده تخيَّر من بنات المسلمين الجواري الأبكار والثيبات ذوات الجمال، ومن صبيانهم الحسان ألوفًا عدَّة، حملهم معه ليهديهم إلى مَنْ فوقه، وترك من رابطة خيله ببَرْبُشْتَر ألفًا وخمسمائة، ومن الرجَّالة ألفين[15].

              وقد صوَّر الفقيه ابن العسال فجيعة المسلمين هذه فقال: [الكامل]
              هَتَكُوا بِخَيْلِهِمُ قُصُورَ حَرِيمِهَا

              لَمْ يَبْقَ لا جَبَلٌ وَلا بَطْحَاءُ
              جَاسُوا خِلالَ دِيَارِهِمْ فَلَهُمْ بِهَا

              فِي كُلِّ يَوْمٍ غَارَةٌ شَعْرَاءُ
              كَمْ مَوْضِعٍ غَنِمُوهُ لَمْ يُرْحَمْ بِهِ

              طِفْلٌ وَلا شَيْخٌ وَلا عَذْرَاءُ
              وَلَكَمْ رَضِيعٍ فَرَّقُوا مِنْ أُمِّهِ

              فَلَهُ إِلَيْهَا ضِجَّةُ وَبُغَاءُ
              وَلَرُبَّ مَوْلُودٍ أَبُوهُ مُجَدَّلٌ[16]

              فَوْقَ التُّرَابِ وَفَرْشُهُ الْبَيْدَاءُ
              وَمَصُونَةٍ فِي خِدْرِهَا مَحْجُوبَةٍ

              قَدْ أَبْرَزُوهَا مَا لَهَا اسْتِخْفَاءُ
              وَعَزِيزِ قَوْمٍ صَارَ فِي أَيْدِيهُمُ

              فَعَلَيْهِ بَعْدَ الْعِزَّةِ اسْتِخْذَاءُ
              لَوْلا ذُنُوبُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ

              رَكِبُوا الْكَبَائِرَ مَا لَهُنَّ خَفَاءُ
              مَا كَانَ يُنْصَرُ لِلنَّصَارَى فَارِسٌ

              أَبَدًا عَلَيْهِمْ فَالذُّنُوبُ الدَّاءُ
              فَشِرَارُهُمْ لا يَخْتَفُونَ بِشَرِّهِمْ

              وَصَلاحُ مُنْتَحِلِي الصَّلاحِ رِيَاءُ[17]

              ونحن لَنْ نُعَقِّب على الحادثة بل نترك ابن حيان يُعَقِّب عليها بنفسه؛ لنتبيَّن الأسباب التي أدَّت إلى وقوع تلك الكارثة بالمسلمين، يقول ابن حيان: قد غَرْبَلَ (زماننا هذا) أهليه أشدَّ غربلة، فسَفْسَفَ أخلاقهم، واجتثَّ أعراقهم، وسفَّه أحلامَهُم، وخبَّثَ ضمائرهم، فاحتوى عليهم الجهلُ، واقتطعهم الزَّيْفُ، وأركستهم الذنوب، ووَصَمَتْهُمُ العيوبُ، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء، ولا على معاني الغيِّ بأقوياء، شاءٌ من الناس هامل، يُعَلِّلون نفوسهم بالباطل، من أدلِّ الدلائل على فرط جهلهم بشأنِهِم، اغترارهم بزمانهم، وبعادهم عن طاعةِ خالقهم، ورفضهم وصيَّةَ رسوله نبيهم ، وذهولهم عن النظر في عاقبة أمرهم، وغفلتهم عن سدِّ ثغرهم، حتى لظلَّ عدوُّهم الساعي لإطفاء نورهم يتبحبحُ عِرَاصَ ديارهم، ويستقرئُ بسائِطَ بقاعهم، يقطعُ كلَّ يومٍ طرَفًا منهم، ويبيدُ أمَّةً، ومَنْ لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صُموتٌ عن ذكرهم، لهاةٌ عن بثِّهم، ما إن يُسْمَعُ عندنا في مسجد من مساجدنا وَمَحفلٍ من محافلنا مذكِّرٌ بهم أو داعٍ لهم، فضلاً عن نافرٍ إليهم أو مواسٍ لهم، حتى كأنْ ليسوا منَّا، أو كأنَّ فتقَهُمْ ليس بمفضٍ إلينا، قد بخلنا عليهم بالدعاء، بُخْلنا بالغَنَاء، عجائبُ مُغْرِبَة فاتتِ التقدير، وعرضت للتغيير، فلله عاقبةُ الأمور، وإليه المصير[18].

              طار نبأ الفجيعة في بلاد الأندلس كلها، واهتزت لها القلوب، وتزلزت النفوس، فأسرع المقتدر بن هود- الذي لحقه العار والمذلة لأنه ترك المدينة ولم ينجدها باعتبارها من أملاك أخيه يوسف- فأعلن الجهاد، ونادى بالنفير العامِّ في بلاد الأندلس، فاجتمع له كثير من المتطوِّعة، وبعث له المعتمد بن عباد خمسمائة فارس من إشبيلية، فسار في جمادى الأولى سنة (457هـ=1065م)، وضربوا الحصار على المدينة، ودارت معركة شرسة مع النصارى قُتل فيها منهم ألف فارس وخمسمائة راجل، ودخل بخمسة آلاف سبية من سبايا النصارى سَرَقُسْطَة، وعادت المدينة إلى أملاك المسلمين بعد أن دامت في يد النصارى تسعة أشه[19].


              وفاة المقتدر بن هود

              يبدو أن علاقة المقتدر مع ممالك النصارى كانت صافية؛ بيد أنه كان يستعين بهم في تصرُّفاته العسكرية، وخططه السياسية التوسعية، وكان يستعين بأحدهم على الآخر.

              يقول الأستاذ محمد عبد الله عنان نقلاً عن دوزي في تاريخه لمسلمي إسبانيا: «وكان المقتدر بن هود من أعظم ملوك الطوائف في زمانه، وكان يُحيط نفسه بشيء من العظمة والأبهة، وكان بلاطه من أعظم قصور الطوائف وأفخمها، وكان يُحيط نفسه بطائفة من أشهر العلماء والكُتَّاب في عصره؛ ومنهم: العلامة الفقيه أبو الوليد الباجي، ووزيره أبو المطرف بن الدباغ، بل كان المقتدر نفسه من علماء عصره، وكان يشغف بدراسة الفلسفة والرياضيات والفلك، وقد كتب كتبًا في الفلسفة والرياضيات»[20].

              وهكذا استطاع المقتدر أحمد بن هود أن يُكَوِّن مملكة مترامية الأطراف، ويُوَطِّد حكمه فيها، إلى أن تُوُفِّيَ سنة (475هـ=1081م) متأثِّرًا بعضة كلب[21]، بعد أن دام حكمه 35 سنة.


              [1] تُطِيلَة: مدينة بالأندلس في شرقي قرطبة، شريفة البقعة غزيرة المياه كثيرة الأشجار والأنهار، اختطت في أيام الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية. ياقوت الحموي: معجم البلدان 2/33.
              [2] إفراغة: مدينة بالأندلس من أعمال ماردة كثيرة الزيتون. ياقوت الحموي: معجم البلدان 1/227.
              [3] طَرَّكُونة: بلدة بالأندلس متصلة بأعمال طرطوشة، وهي مدينة قديمة على شاطئ البحر، منها نهر علان يصب مشرقًا إلى نهر إبره، وهو نهر طرطوشة، وهي بين طرطوشة وبرشلونة بينها وبين كل واحدة منهما سبعة عشر فرسخًا، وطركونة -أيضًا- موضع آخر بالأندلس من أعمال لبلة. ياقوت الحموي: معجم البلدان 4/32.
              [4] قَلَهُرَّة: مدينة من أعمال تطيلة في شرقي الأندلس. ياقوت الحموي: معجم البلدان 4/393.
              [5] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/265.
              [6] ابن بسام: الذخيرة 1/180-185، وابن عذاري: البيان المغرب 3/175-177.
              [7] انظر تفصيل الأحداث في: ابن بسام: الذخيرة 1/185-188، وابن عذاري: البيان المغرب 3/178-180، 221، 222، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص170، 171، وفيه يذكر ابن الخطيب أن أهل سرقسطة هم من ثار على المنذر بن يحيى وصرفوا طاعته إلى سليمان بن هود، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/163.
              [8] ابن عذاري: البيان المغرب 3/277-282، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص177، 178.
              [9] ابن عذاري: البيان المغرب 3/222، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص171.
              [10] ابن عذاري: البيان المغرب 3/222، 223.
              [11] المصدر السابق 3/250.
              [12] المصدر السابق 3/228.
              [13] أوقار جمع وِقَر: وهو الحِمْل الثقيل، وعَمَّ بعضهم به الثقيل والخفيف. الجوهري: الصحاح، باب الراء فصل الواو 2/848، وابن منظور: لسان العرب، مادة وقر 5/289.
              [14] أي أن الإفرنجي إذا وجد خادمة أو غير ذات جمال تكبر أن يهتكها هو فكان يعطيها لخدمه وغلمانه يهتكونها.
              [15] المقري: نفح الطيب 4/449-451. وانظر مآسي المسلمين في: ابن بسام: الذخيرة 5/181-189، وابن عذاري: البيان المغرب 3/225-227.
              [16] المجدَّل: الصريع، أو الملقى بالأرض. ابن منظور: لسان العرب، مادة جدل 11/103.
              [17] الحميري: صفة جزيرة الأندلس 1/40، 41.
              [18] ابن بسام: الذخيرة 5/188، 189.
              [19] ابن بسام: الذخيرة 5/189، 190، وابن عذاري: البيان المغرب 3/227، 228، والحميري: الروض المعطار ص91، وصفة جزيرة الأندلس 1/41، والمقري: نفح الطيب 4/454.
              [20] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/283.
              [21] ابن عذاري: البيان المغرب 3/229، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص171، 172، وهنا يذكر ابن الخطيب وابن عذاري أن المقتدر قتل رجلاً صالحًا، كان يعظه ويُذَكِّره بالله، فسلط الله عليه كلبًا، فأصابه بكَلَب، وقد كان المقتدر ينبح كما ينبح الكلاب، وظلَّ كذلك حتى مات. نعوذ بالله من سوء الخاتمة.

              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #82
                ليت كل المسلمين يعرفوا تاريخ الاندلس المجيد انها والله ثروة اسلامية

                عظيمة لاتقل في الحديث عنها عن فتح بلاد فارس وبلاد الشام

                مشكور اخي صباحو علي هذه المعلومات القيمة

                وجزاكم الله خيرا ونفع الله بكم الاسلام والمسلمين
                [CENTER][B][SIZE=4][B][FONT=arial black][COLOR=#333333]۞۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞
                ۞ *•.¸.•* بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ •¸ .*• ۞
                ۞ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۞ اللَّهُ الصَّمَدُ ۞ لَمْ * • ۞
                ۞ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۞ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ * • ۞
                ۞ *•.¸.•**• *•.¸.•* *• ۞
                ۞۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞۩۩۞[/COLOR][/FONT][/B][/SIZE][/B]

                [/CENTER]

                [CENTER][FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5][COLOR=red]حجاجي :
                [/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5][COLOR=blue][COLOR=red]أصل الكلمة:[/COLOR] هو القفيز اتخذه الحجاج ابن يوسف على صاع عمر بن الخطاب وهو مكيال إسلامي يستعمل في الوزن والكيل اثاء العصور الإسلامية.[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5]

                [/SIZE][/FONT] [FONT=Microsoft Sans Serif][SIZE=5][COLOR=red]الحجاجي يساوي صاعاً حسب رأي أهل العراق وصاع وثلاث اخماس الصاع حسب رأي أهل الحجاز.[/COLOR][/SIZE][/FONT]
                [/CENTER]

                تعليق


                • #83
                  اشكرك اخي حجاجي على مداخلتك وردك الجميل ودعائك الطيب
                  ذاك مجدا أضعناه لم نحافظ عليه وجلسنا نبكي عليه أطلال ذكراه
                  هي ذكريات غالية تعصف ذكراها في الفؤاد ومواقف عظيمة تحفر أيامها في القلوب
                  وتاريخ ضخم سطره رجالات هذه الأمّة في أقاصي اوروبا وملئوا سمائها نورا وتكبيرا وعلما
                  والكثير الكثير حفظ لهم التاريخ عظمتهم ومأثرهم

                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #84
                    نهاية دولة بني هود في سرقسطة

                    يوسف المؤتمن بن هود

                    يبدو أن المقتدر ارتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه والده من قبل؛ بتقسيم ممكلته بين ولديه، فخصَّ ابنه الأكبر يوسف المؤتمن بسَرَقُسْطَة وأعمالها، وخصَّ ابنه الأصغر المنذر بلارِدَة وطُرْطُوشة ودانية ومنتشون، وكما حدث بين أولاد سليمان بن هود من قبل حدث بين أولاد المقتدر من بعد؛ فقد طمع كلٌّ من الأخوين بما في يد أخيه، فاستعان كل منهما بحليفٍ من النصارى على أخيه، فارتمى يوسف المؤتمن في أحضان السيد القمبيطور، وجيشه من المرتزقة القشتاليين، وارتمى المنذر في أحضان سانشو ملك أراجون ورامون أمير بَرْشُلُونَة، وتعرَّض المنذر وحلفاؤه لهزيمتين قاسيتين عند قلعة المنار القريبة من لارِدَة سنة (475هـ=1082م)، وأُسر فيها أمير بَرْشُلُونَة رامون، والثانية عند أحواز موريلا على مقربة من طُرْطُوشة، برز فيهما السيد القمبيطور كحليف مخلص ليوسف المؤتمن[1].

                    وقد حاول المؤتمن أن ينتزع بَلَنْسِيَة لما تتمتع به من موقع جغرافي، إلا أن حاكمها أبا بكر بن عبد العزيز لاحظ ما ينويه المؤتمن، فأسرع وسدَّ باب طمع المؤتمن بن هود، بأن زوَّج ابنته لأحمد المستعين بن يوسف المؤتمن، وحملها لزوجها أحمد إلى سرقسطة، وكان بناؤها في ليلة 27 من رمضان سنة (477هـ=1084م)[2].

                    لم تكن شهرة يوسف المؤتمن في قدرته العسكرية وطموحاته التوسعية فقط، بل كذلك في كفاءته العلمية والفكرية، وكان مثل أبيه المقتدر عالمًا بالرياضيات والفلك، وله فيها تآليف؛ مثل: رسالة الاستكمال والمناظر، وقد تُرجمت رسالتهالاستكمال في القرن الثاني عشر الميلادي إلى اللاتينية، وقد وُصفت رسالته هذه أنها ترتفع من حيث قيمتها العلمية إلى مستوى إقليدس والمجيسطي[3]، كما كان المؤتمن محبًّا لمجالسة العلماء والشعراء[4].

                    لم تَدُم مدَّة حُكم المؤتمن أكثر من أربعة أعوام؛ إذ وافته المنية سنة (478هـ=1085م)، وهي السنة التي استولى فيها النصارى على طُلَيْطِلَة من يد القادر بن ذي النون، كانت وفاة المؤتمن بن هود نهاية لتوسعاته، وخلفه في الحُكم ابنه أحمد المستعين[5].

                    أحمد المستعين بن هود



                    تُوُفِّيَ يوسف المؤتمن وخلفه ابنه أحمد المستعين، الذي يُعْرَفُ بالمستعين الأصغر[6]، وأول ما واجهه هو صدُّ غارات النصارى، والوقوف أمام أطماع ألفونسو في انتزاع سَرَقُسْطَة، فما أن أسقط ألفونسو طُلَيْطِلَة سنة (478هـ =1085م)، حتى وجَّه قوَّاته ناحية سَرَقُسْطَة حاضرة المستعين، وضرب الحصار عليها، واستمات المستعين بكل ما يملك من أجل الدفاع عن مدينته وأملاكه أمام الهجوم القشتالي العنيف، وطرق المستعين كل الأبواب من أجل دفع ألفونسو، وعرض عليه المال الكثير، ولكن النصارى رفضوا؛ فالمدينة هي هدفهم ولا هدف غيرها، وأصرَّ ألفونسو على أخذ المدينة، وأذاع عُمَّالُه في أنحاء سَرَقُسْطَة أنه ما جاء إلا للمصلحة العامة، وما جاء إلا ليُطَبِّق القرآن وتعاليمه السمحة، ولن يجبي منهم من الضرائب إلا ما يُجيزه الشرع الحكيم، وأنهم سوف يكونوا موضع عنايتهم ورعايتهم، كما كان الوضع مع إخوانهم في طُلَيْطِلَة، واستمرَّ الحصار القشتالي على سَرَقُسْطَة دون فائدة، ثم جاء النبأ العظيم بقدوم المرابطين لإنقاذ الأندلس سنة (479هـ=1086م)، فما أن علم ألفونسو بذلك النبأ،حتى بعث مسرعًا إلى المستعين أنه يقبل الجزية التي عرضها، فأجابه المستعين، وكان ألفونسو على علم بأن المستعين لن يدفع إليه درهمًا واحدًا[7].


                    بعد انتصار القوات الأندلسية المرابطية المتحدة على النصارى في الزَّلاَّقَة في (رجب 479هـ= أكتوبر 1086م) ضعفت قوَّة قشتالة، ولم تَعُدْ تُشَكِّل خطرًا على سَرَقُسْطَة، فاستغلَّ المستعين هذه الفرصة وأخذ يتحيَّن الفرص للانقضاض على بَلَنْسِيَة حلم آبائه من قبله، وطرق في ذلك الوسائل النبيلة والنذيلة، وقد كُلِّلَتْ كلُّ محاولاته بالفشل؛ خاصة أنه اعتمد على النصارى المرتزقة بزعامة القمبيطور، الذي شاءت الأقدار أن تئول بَلَنْسِيَة إلى أملاك القمبيطور، بعد أن حاصرها بجنوده ونصب عليها المجانيق، حتى أكل المسلمون الكلاب والجيف والفئران، بل وأكل الناس من مات من إخوانهم المسلمين، ولما طال الحصار ولم يجد أهل بَلَنْسِيَة من يُنجدهم سقطت المدينة في يد القمبيطور سنة 488هـ، ولم تزل بَلَنْسِيَة في أيدي النصارى حتى استردَّها المرابطون سنة 495هـ[8].



                    وهكذا فشلت كل المحاولات التي اتخذها المستعين، وفجأة توالت المخاطر على المستعين من كل جانب؛ إذ وقع بين خطرين قد يقضيان على أحلامه، بل وملكه وحياته إذا أساء التصرُّف معهما؛ الخطر الأول: قادم من الشمال متمثلاً في جيرانه النصارى، والخطر الثاني: زاحف من الجنوب متمثلاً في قوة المرابطين الجديدة، التي تهدف إلى وحدة واحدة تجمع الأندلس كلها، وظلَّ المستعين يتحاين التحالف بين هذا وذاك، حتى قُتِلَ في معركة بلتيرة أو فالتيرا أمام ألفونسو المحارب ملك أراغون في (رجب 503هـ= يناير 1110م) [9]، كما أنه خسر مدينة وقشة إثر هزيمته الكبيرة أمام بيدور الأول بن شانجة راميرو بعد أن حاصرها، واحتدم القتال بين المستعين وبيدور من طلوع الشمس حتى غروبها، وخسر المسلمون أكثر من 12 ألفًا من الجنود، وقُتِلَ المستعين، وذلك في ذي القعدة (489هـ=1096م) [10].


                    نهاية بني هود

                    مات المستعين بن هود وخلف من بعده ابنه عبد الملك الملقب بعماد الدولة، وبايعه أهل سَرَقُسْطَة شريطة ألاَّ يُحَالِف النصارى وألاَّ يستعين بهم، ولكن يبدو أن الأمور سارت على عكس ما أراد الشعب؛ إذ استعان عبد الملك بالنصارى، فغضب الناس وتحرَّكت الحمية في قلوبهم، وبعثوا إلى المرابطين الذين استجابوا لندائهم بعد أن أفتى الفقهاء بذلك، فدخلها المرابطون سنة 503هـ، وانتهى بذلك حكم بني هود في سَرَقُسْطَة، وآلت إلى المرابطين، ولكن تداعت الأمور وسقطت المدينة في يدي النصارى في رمضان (512هـ=1112م)[11].


                    [1] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/285، 286، والقمبيطور: اسمه رودريغو دي فيغار، من مواليد قرية فيغار قرب برغش، أما تلقبه بالسيد، فهي تحريف لكلمة السيد العربية، وقد أطلقها المسلمون الذين خدم بينهم وحارب معهم، وأما وصفه القمبيطور، فمعناها المحارب الشجاع، فنظرًا لبسالته وشغفه بالقتال، اتخذت الأساطير القشتالية من أعماله عناصر لبطولته، ورفعته إلى مرتبة بطل إسبانيا القومي، وقد خرج هذا الفارس عن كل مبادئ الدين والإنسانية، فتارة يؤجر نفسه لأمراء المسلمين وتارة لأمراء النصارى، ويتدخَّل بشكل مباشر في الثورات والحروب في الممالك النصرانية والإسلامية. انظر: طقوش: تاريخ المسلمين في الأندلس ص454.
                    [2] ابن عذاري: البيان المغرب 3/304، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/286.
                    [3] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/163، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/286.
                    [4]) ابن سعيد المغربي: المغرب في حلى المغرب 2/437.
                    [5] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص178، ابن الأبار: الحلة السيراء 248، ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/163.
                    [6] ابن سعيد المراكشي: المغرب في حلى المغرب 2/437.
                    [7] نقلاً عن عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/287.
                    [8] ابن عذاري: البيان المغرب 3/303-306.
                    [9] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/248، وابن عذاري: البيان المغرب 4/55، وانظر: ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص174، ويذكر ابن الخطيب أن المستعين استشهد في جهاده ضد النصارى سنة 501هـ، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/291.
                    [10] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص172.
                    [11] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/248، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص175، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/163.

                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #85
                      علماء الأندلس في سرقسطة

                      سرقسطة .. المدينة التجارية

                      يجب ألاَّ ننسى في نهاية حديثنا عن بني هود في سرقسطة أن نذكر دور سرقسطة المسلمة في ترويج رُوح التبادل التجاري والمهني بين المشرق والمغرب؛ فقد كانت مملكة سرقسطة بسيطرتها على جزء كبير من البحر المتوسط، وثغريها الكبيرين طَرَّكُونة وطُرْطُوشة، تستقبل شطرًا كبيرًا من تجارة المشرق وتجارة الأندلس والمغرب، وتعمل على تصريفها إلى الأمم الأوربية، عن طريق ثغور فرنسا وإيطاليا، وكان بنو هود يجنون من وراء ذلك كله أرباحًا طائلة، كان لها بعيد الأثر في دفع غارات النصارى، من خلال دفع الإتاوات الوفيرة لملوك النصارى، مقابل اتقاء عدوانهم أطول وقت ممكن[1].

                      علماء سرقسطة



                      كانت سرقسطة في عهد بني هود كغيرها من حواضر العلم في الأندلس آنذاك؛ إذ تُساوي في مكانتها العلمية إشبيلية حاضرة بني عباد، وبطليوس حاضرة بني الأفطس، وطليطلة حاضرة بني ذي النون؛ فقد نبغ فيها علماء أجلاء؛ أمثال: ابن باجة الفيلسوف، والطرطوشي الفقيه، وإسماعيل بن خلف القارئ، فضلاً عن المكانة العلمية التي تمتَّع بها كلٌّ من المقتدر أحمد بن هود وابنه المؤتمن يوسف؛ فقد نبغَا في الفلسفة والرياضيات والفلك.


                      الطُّرْطُوشيُّ (451-520هـ=1059-1126م)

                      هو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الطُّرْطُوشيُّ[2] الأندلسي الفقيه المالكي، وكان أبو بكرٍ يُعْرَف في وقته بابن أبي رَنْدَقَة[3].

                      وقد وُلِدَ سنة (451هـ=1059م) في مدينة طُرْطُوشة الأندلسية، وقد لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل الخلاف، ثم حجَّ، فسمع بالحجاز ثم رحل للعراق وسمع بالبصرة وببغداد ثم رحل إلى بيت المقدس ثم استقر بالإسكندرية[4].

                      قال عنه تلميذه إبراهيم بن مهديِّ بن قليُنَا: كان شيخنا أبو بكرٍ زهده وعبادته أكثر من علمه[5]، وقال ابن بشكوال: كان إمامًا عالمًا عاملاً، زاهدًا ورعًا، دَيِّنًا متواضعًا، متقشفًا متقللاً من الدنيا، راضيًا منها باليسير، أخبرنا عنه القاضي الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري ووصفه بالعلم والفضل والزهد في الدنيا، والإقبال على ما يعنيه. قال القاضي أبو بكر: وكان كثيرًا ما ينشدنا: [الرمل]
                      إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطُنَا

                      طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الْفِتَنَا
                      فَكَّرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا

                      أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
                      جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا

                      صَالِحَ الأَعْمَالِ فِيهَا سُفُنَا[6]

                      وأشهر مؤلَّفات الطُّرطُوشيُّ هو كتاب (سراج الملوك)، الذي يتناول سياسة المُلك وتدبير أمور الرعية. وللطرطوشي عدد آخر من الكتب؛ منها: مختصر تفسير الثعالبي، وشرح لرسالة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي، والكتاب الكبير في مسائل الخلاف، وكتاب الفتن، وكتاب الحوادث والبدع أو بدع الأمور ومحدثاتها، وكتاب برُّ الوالدين، ورسالة العدة عند الكروب والشدة، وسراج الهدى، وكتاب في تحريم جبن الروم، والمختصر في فروع المالكية.

                      عاش الطُّرطُوشيُّ 69 سنة، وتوفي في الإسكندرية سنة (520 هـ= 1126 م) –رحمه الله[7].


                      [1] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/296.
                      [2] الطرطوشي بضم الطائين، هكذا ضبطه المقرّي، وكذا الزبيدي، انظر: المقري: نفح الطيب، 2/87، والزبيدي: تاج العروس، 17/243.
                      [3] انظر: ابن بشكوال: الصلة، 2/838 1277، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/490.
                      [4] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/490، وما بعدها، بتصرف.
                      [5] المصدر السابق، 19/492.
                      [6] انظر: ابن بشكوال: الصلة، 2/838، وما بعدها، والمقري: نفح الطيب، 2/87.
                      [7] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 4/264.

                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #86
                        الطوائف في بلاد الأندلس

                        الطوائف في بلاد الأندلس



                        تُعَدُّ الطوائف التي ذكرناها آنفًا هي الأقوى في عصر ملوك الطوائف في الأندلس، وإن اختلفت من حيث الامتداد الزمني والمكاني، ولكن ليست هذه الطوائف هي كل الطوائف التي شَكَّلت حلقة التاريخ الأندلسي في تلك الحقبة الزمنية القصيرة، التي لا تتجاوز القرن الواحد، وإنما هناك الكثير من الإمارات الأخرى، التي لا تعدو أن تكون أُسَرًا متغلِّبَة على بعض المدن، ليست لها أطماع توسُّعية، ولم يكن لها شأن كبير في سير الأحداث؛ بيد أنها كانت محلَّ نزاع بين الطوائف الأخرى الأقوى، ومن هذه الطوائف:


                        أسرة بني زيري في غَرْنَاطَة، في الفترة من (403-483هـ=1013-1090م).
                        أسرة بني طاهر في مُرْسِيَة، في الفترة من (429-471هـ=1038-1078م).
                        أسرة بني برزال في قَرْمُونة، في الفترة من (404-459هـ=1013-1067م).
                        أسرة بني يفرن في رُنْدة، في الفترة من (406-457هـ=1015-1065م).
                        أسرة بني دمَّر في مورور، في الفترة من (403-458هـ=1013-1066م).
                        أسرة بني خزرون في أركش، في الفترة من (402-461هـ=1011-1068م).
                        مملكة ألمَرِيَّة في عهد الفتيان العامريين، في الفترة من (405-433هـ= 1014-1041م).
                        مملكة ألمَرِيَّة في عهد بني صمادح، في الفترة من (433-484هـ=1041-1091م).
                        مملكة دانية والجزائر في عهد الفتيان العامريين، في الفترة من (400-468هـ=1009-1076م).
                        مملكة دانية والجزائر في عهد بني هود، في الفترة من (468-483هـ=1076-1091م).
                        مملكة بَلَنْسِيَة في عهد الفتيان العامريين، في الفترة من (400-478هـ=1009-1085م).
                        إمارة شَنْتَمَرِيَّة الشرق في عهد بني رزين، في الفترة من (403-497هـ=1012-1104م).
                        إمارة شَنْتَمَرِيَّة الغرب في عهد بني هارون، في الفترة من (417-443هـ=1026-1051م).
                        إمارة بالبُونت في عهد عبد الله بن قاسم، في الفترة من (400-495هـ=1009-1102م).
                        دولة لَبْلَة في عهد بني يحيى، في الفترة من (414-445هـ=1023-1053م).
                        إمارة بَاجَة وشِلْب[1] في عهد بني مزين، في الفترة من (432-455هـ=1041-1063م).
                        إمارة ولبة وجزيرة شَلْطِيش في عهد بني البكري، في الفترة من (403-443هـ=1012-1051م).

                        حضارة الأندلس في فترة طوائف الأندلس

                        ويجدر بنا -وقد ذكرنا بقية طوائف الأندلس- أن نذكر الدور العلمي والحضاري التي ساهمت به هذه الممالك، فقد نبغ في ظلِّها العديدُ من علماء الأندلس وفقهائها، ففي دانية والجزائر -مثلاً- نبغ العالم اللغوي الكبير أبو الحسن ابن سيده، وكان إمامًا في اللغة وآدابها، وُلِدَ بمُرْسِيَة وانتقل إلى دانية، وانقطع لمجاهد العامري، وله كتابه الشهير (المخصص)، وكتاب (المحكم والمحيط الأعظم)، وكان مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر من علماء عصره، عارفًا بالأدب وعلوم القرآن، قالوا عنه: «فتى أمراء دهره وأديب ملوك عصره»، وكان أبو عبد الرحمن بن طاهر صاحب مُرْسِيَة، من علماء عصره، وفي مَيُورْقَة نبغ الحافظ الحميدي صاحب ابن حزم، وهو مؤرخ الأندلس وعالمها في عصره، وله كتاب (جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس).

                        حال الأندلس في فترة الطوائف

                        تلك هي ممالك الطوائف أُسَرٌ متغلِّبَة وأخرى مغلوبة، ليس لهم من الأمر إلا دفع الجزية للنصارى الكافرين، والتسلُّط على أراضي إخوانهم المسلمين، وليس لديَّ أبلغ تعبير أقوله في وصف حال تلك الممالك وأصحابها، بقدر ذكري لما قاله الوزير العالم الأديب لسان الدين بن الخطيب؛ إذ يقول: «وذهب أهل الأندلس من الانشقاق والانشعاب والافتراق إلى حيث لم يذهب كثيرٌ من أهل الأقطار، مع امتيازهم بالمحلِّ القريب، والحطَّة المجاورة لعُبَّاد الصليب، ليس لأحدهم في الخلافة إرثٌ، ولا في الإمارة سَبَب، ولا في الفروسية نَسَب، ولا في شروط الإمامة مُكْتَسَب، اقتطعوا الأقطار، واقتسموا المدائن الكبار، وجَبَوُا العَمالات والأمصار، وجنَّدُوا الجنود، وقدَّموا القضاة، وانتحلوا الألقاب، وكَتَبَتْ عنهم الكُتَّاب الأعلام، وأنشدهم الشعراء، ودُوِّنَتْ بأسمائهم الدواوين، وشَهِدَتْ بوجوب حقِّهم الشهود، ووقفت بأبوابهم العلماء، وتوسَّلت إليهم الفضلاء، وهم ما بين مجبوب، وبربري مجلوب، ومجنَّد غير مَحْبُوب، وغُفْلٍ ليس في السُّراة بمَحْسُوب، ما منهم مَنْ يرضى أن يُسَمَّى ثائرًا، ولا لحزب الحقِّ مُغَايرًا، وقُصارى أحدهم أن يقول: «أُقيمُ على ما بيدي، حتى يتعيَّن مَنْ يستحقُّ الخروجَ به إليه».

                        ولو جاءه عمر بن عبد العزيز لم يُقْبِلْ عليه، ولا لقي خيرًا لديه؛ ولكنَّهم استوفوا في ذلك آجالاً وأعمارًا، وخلفوا آثارًا، وإن كانوا لم يُبالوا اغترارًا، من معتمدٍ ومعتضد ومرتضى وموفَّق ومُسْتَكْف ومستظهر ومستعين ومنصور وناصر ومتوكل، كما قال الشاعر: [البسيط]
                        مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ

                        أَسْمَاءُ مُعْتَضِدٍ فِيهَا وَمُعْتَمِدِ
                        أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا

                        كَالْهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صُورَةَ الأَسَدِ[2]

                        إلى هنا ننتهي من ذِكْر ممالك الطوائف ونشأتها وأشهر الأسر الحاكمة في تلك الفترة، وننتقل في الفصل القادم إلى الحديث عن الفرقة والتناحر بين تلك الممالك الأندلسية.


                        [1] شِلب: مدينة بغربي الأندلس، بينها وبين باجة ثلاثة أيام، وهي غربي قرطبة. ياقوت الحموي: معجم البلدان 3 /357.
                        [2] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص144.

                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #87
                          الصراع بين إشبيلية وبطليوس

                          الفتنة بين ملوك الطوائف



                          رأينا كيف تَكَوَّنت ممالك الطوائف في الأندلس، وكيف أضحى صرح الخلافة الشامخ إلى بنيان متصدِّع الأركان، متناثر الأشلاء، ولو أن هؤلاء المتغلبين سكنوا إلى ما تغلَّبُوا عليه، ورضوا به من غير طمع ولا جشع، وتحلَّوْا بالنخوة الإسلامية لهان الأمر علينا، ولسكن الناس إلى ما آلت إليه الأندلس المسلمة، ولكن يبدو أن هؤلاء الثائرين ومن هم على شاكلتهم قد آثروا الفتنة والشقاق والفراق، واستحلُّوا دماء المسلمين بأرخص الأثمان، فباعوا دينهم وخسروا دنياهم، مقابل أن يتغلَّب على أخيه في الدين، وربما أخيه من أمه وأبيه، بل ربما استعان على أبيه وأخيه وعمه وأهله جميعًا.


                          وتَكَوَّنت في سبيل النوازع الشخصية أحزابُ المصالح وتكتلات المصالح، وسرعان ما تتصدَّع تلك الأحزاب وتتفكَّك، وينقلب صديق الأمس إلى عدوِّ اليوم والغد والمستقبل، وقد سلك هؤلاء المتغلِّبُون المتحكِّمُون في أراضي المسلمين في الأندلس كل السبل غير الشرعية، التي تُعَبِّر عن النذالة والخسَّة التي تمتَّع بها معظمهم، فاستعانوا بالخيانة والغدر، كما استعانوا بالنصارى على بعضهم البعض، ورضوا بالذلَّة والمهانة في دفع الجزية والإتاوات مقابل النيل برضا الممالك النصرانية الإسبانية، وهكذا أضحت الأندلس مسرحًا للصراعات بين المتخاصمين والمتنابذين؛ تلك الصراعات التي شَكَّلَتْ قصَّةَ مأساةٍ عاشتها أمَّة الإسلام ما يقارب القرن من الزمان.

                          الصراع بين إشبيلية وبطليوس

                          اتسمت الحروب والنزاعات بين مملكتي إشبيلية وبطليوس بالشراسة والقوَّة؛ ربما عاد ذلك إلى التقارب الحدودي الشديد بينهما، إضافة إلى الأطماع التوسُّعية التي اتَّسم بها أصحابهما، وهذا يجعلنا نستقرئ الأحداث قبل وقوعها، فكلٌّ من القاضي أبي القاسم بن عباد وعبد الله بن مسلمة الأفطس يسعى لتوسعة ممتلكاته وتحصين دولته، وانتهاز الفرص بأسرع وسيلة ممكنة، وكان ذلك إيذانًا باشتعال الحرب بين المملكتين في أي وقت، وهو ما حدث بالفعل.

                          الصدام بين ابن عباد والأفطس على باجة

                          كان أول صدام عسكري قام به القاضي ابن عباد صاحب إشبيلية هو قتاله مع عبد الله بن مسلمة الأفطس صاحب بطليوس حول باجة، المدينة التي أصابتها الفتنة والاضطراب إثر إلغاء الخلافة واستئثار كل ثائر بإمارته، ومعلوم أن بطليوس تمثِّل الحدَّ الشمال الغربي لإشبيلية، وكان كلٌّ من ابن عباد والأفطس يستعين بالبربر في حروبه وتوسُّعاته، وكان القاضي ابن عباد على علاقة وطيدة بمحمد بن عبد الله البرزالي صاحب قرمونة، وقد وصف ابن حيان البرزالي بقوله: «وكان ابن عبد الله بقَرْمُونة قطب رحى الفتنة، كثيرًا ما يُحَرِّض القاضي ابن عباد على الخروج إلى بلد ابن الأفطس وإلى قرطبة، فيعمَّا الجهات كلها تدويخًا؛ كلما آبا من جهة صارَا إلى سواها، حتى أثَّرَا آثارًا قبيحة»[1].

                          ولا يخفى عليك أن علاقة ابن عباد بالبرزالي هي علاقة مصالح متبادلة لا أكثر! وهذا النوع من المصالح لا يدوم، فدعائمه ليست على كتاب الله ولا على سُنَّة رسوله، وسرعان ما يتحوَّل الصديق إلى عدوٍّ، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ حاول ابن عباد أن ينتزع قَرْمُونة من حليفه البرزالي، وكاد له ذلك لولا تدخُّل البربر واختراقهم أراضي إشبيلية، وكانت مقتلة عظيمة قُتِلَ فيها إسماعيل ابن القاضي ابن عباد، وذلك سنة (431هـ=1039م) [2].

                          تمثِّل قَرْمُونة الحصن الشمالي الشرقي لإشبيلية، فمن المصلحة العامة لابن عباد أن يكون على علاقة حسنة مع جاره، ومن ناحية البرزالي فمن مصلحته أن يُوَطِّدَ علاقته بابن عباد ليستعين به على قتال ابن حمود الطامع في إمارته؛ ومن ثَمَّ بعث القاضي ابن عباد لحليفه البرزالي يستعين به في السيطرة على بَاجَة، وأرسل عبد الله الأفطس ابنه محمد المظفر إلى بَاجَة، ويبدو أن ابن الأفطس أسرع إلى بَاجَة قبل الحليفين، وتملَّك المدينة، فأرسل القاضي ابن عباد ابنه إسماعيل على رأس جيش إلى بَاجَة، ومعه قوَّة من صاحب قَرْمُونة محمد بن عبد الله البرزالي، وفرض ابن عباد الحصار على بَاجَة وبداخلها ابن الأفطس، وجاء ابن طيفور صاحب مِيرْتُلَة بمددٍ لابن الأفطس، فاضطرم القتال بين الفريقين، وكانت مذبحة مهيبة، قُتل فيها من جيش ابن الأفطس الكثير، وأُسر منهم الكثير كذلك، وكان من بين الأسرى محمد بن الأفطس، وأخ لابن طيفور صُلِبَ بإشبيلية سنة 421هـ، وأُرسل ابن الأفطس إلى قَرْمُونة ليكون بجوار البرزالي، ثم أطلق سراحه، وكان محمد بن عبد الله البرزالي عرض على ابن الأفطس يوم أطلقه أن يجتاز على القاضي ابن عباد ليشركه في المنِّ عليه بفكِّه، فأبى ابن الأفطس ذلك وقال: مُقامي في أسرك أشرف عندي من تحمُّل منَّته، فإما انفردت باليد عندي وإلا أبقيتني على حالي. فأُعجب ابن عبد الله البرزالي بمقاله، ونافس في إسداء اليد عنده لكمال خصاله، وأكرم تشييعه، وبعث به إلى بطليوس[3].

                          هدأت الأمور بين المملكتين قليلاً، ولم ينسَ ابن مسلمة الأفطس تلك الهزيمة الثقيلة، التي أُسِرَ فيها ابنه محمد، وكاد أن يُقتل، وظلَّ ينتظر ذلك اليوم الذي يثأر فيه لنفسه ولابنه، ومرَّت أربعة أعوام، وبعث القاضي ابن عباد ابنه إسماعيل بجيش توغَّل شمالاً في أراضي ابن الأفطس، وهنا كَمَنَ ابن الأفطس لابن عباد، وأغلق عليه طريق رجوعه، وكانت مقتلة عظيمة في جيش إشبيلية، لم ينجُ منها إلا قليل، وفرَّ إسماعيل بن عباد إلى لَشْبُونَة وتحصن بها، وكانت حادثة شنيعة لبني عباد سنة (425هـ=1034م) [4].

                          الصدام بين المعتضد والمظفر

                          مرَّت السنون ومات القاضي ابن عباد سنة (433هـ=1042م)، وخلفه ابنه عبَّاد المعتضد بالله، كما مات أيضًا عبد الله بن مسلمة الأفطس سنة (437هـ=1045م)، وخلفه ابنه محمد المظفر، وهكذا مات الآباء وهم يحملون خصومات شنيعة جاءت بالويلات على المسلمين.
                          ولكن السؤال: هل نسي الأبناء أحقاد آبائهم، أم ساروا على نهجهم؟
                          والحقيقة المرَّة التي حفظها التاريخ أن الأبناء ساروا أشدَّ مما كان في عهد آبائهم، فلم ينسَ المعتضد بن عباد مأساة والده في سنة 425هـ، كما لم ينسَ المظفر عداوة إشبيلية، وكان شعار كليهما {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].

                          الصراع على لبلة

                          عادت الحرب أشدَّ ما كانت عليه، واضطرمت المعارك بين المعتضد والمظفر؛ إذ حاول المعتضد أن ينتزع لبلة من صاحبها ابن يحيى، الذي عجز عن صدِّ جيوش إشبيلية، فاستغاث بالمظفر صاحب بطليوس، الذي كان في غنًى عن هذه الفتنة، وخرج المظفر لإغاثة ابن يحيى، واستغلَّ فرصة غياب المعتضد عن إشبيلية فبعث بجماعة من البرابرة فعاثوا فيها، وعاث المعتضد في بطليوس وأعمالها، وكادت أن تكون فتنة يذهب فيها الإسلام والمسلمون من كلا الإمارتين، فتدخَّل الوزير أبو الوليد بن جهور مسرعًا؛ عملاً بقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ}[الحجرات: 9]، وجهد ابن جهور جهده في صرفهم، وأرسل ثقات رسله إلى عامَّتهم، وراح يضرب لهم الأمثال، ويُخَوِّفهم من سوء العاقبة والمآل، حتى صار فيهم كمؤمن آل فرعون وعظًا وتذكرة، يجد منهم الأطواد الراسية، ويرقي الحيات المتصامة، واستنَّ القومُ في ميدان الغِيَّ، وكانت مقتلة عظيمة وفتنة بربرية، اتسمت بالقوة والعنفوانية، وعاث كلٌّ منهما في أراضي الآخر، وكانت الهزيمة على ابن الأفطس أولاً، لكنه استأنف الكرَّة، واستطاع هزيمة المعتضد هزيمة قاسية، قُتِلَ فيها كثير من جنده، وكان ذلك سنة (439هـ=1047م) [5].

                          ثم كانت سنة (442هـ=1050م) حيث تطوَّرت الحوادث، وتفاقم الأمر، وساء التفاهم بين المظفر بن الأفطس وابن يحيى حليف الأمس، فقد خان المظفر حليفه ابن يحيى، ورفض أن يَرُدَّ لابن يحيى ودائعه التي ائتمنه عليها من مال وذخائر، كان ابن يحيى جعلها عند المظفر أيام هجوم المعتضد بن عباد على لبلة، ولما ساء الأمر بينهما هاجم المظفر بن الأفطس لَبْلَة، فهرع ابن يحيى للمعتضد بن عباد يطلب نجدته، فأرسل له جيشًا قويًّا، فتك بابن الأفطس ومزَّق جيشه شرَّ ممزَّق، واحتزَّ من رءوسهم نحو مائة وخمسين، وأفنى حماة رجاله.

                          الصراع في يابرة



                          ثم جهز المعتضد جيشًا آخر من إشبيلية بقيادة ابنه إسماعيل ووزيره ابن سلام، فتوجَّه ناحية بطليوس وأعمالها، فعاث شمالاً في أراضي ابن الأفطس حتى مدينة يَابرَة، وعلى الناحية الأخرى جمع المظفر بن الأفطس رجاله واستدعى حليفه إسحاق بن عبد الله البرزالي، فبعث له بجيش عليه ابنه العزُّ، واجتمع الفريقان من غير أهبة ولا استعدد، ودارت حرب طاحنة، دارت دائرتها على ابن الأفطس، وحزَّ رأس العزِّ بن إسحاق وبعث به إلى إشبيلية، مع رأسٍ لعمِّ ابن الأفطس، ولم يجد ابن الأفطس إلاَّ الفِرَار والنجاة بنفسه، فلجأ إلى يَابرَة تحت كنف صاحبها عبد الله بن الخرَّاز، وقد قُدِّرَ عدد مَنْ قُتِلَ في هذه الموقعة بثلاثة آلاف على أقلِّ تقدير[6].


                          الوزير الوليد ابن جهور والصلح بين المعتضد والمظفر

                          وفي أواخر سنة 442هـ (حيث لم تجف دماء المسلمين في يَابرَة، ولم يتنفَّس ابن الأفطس الصعداء من هول هزيمته وصدمته في يَابرَة، جهَّز المعتضد بن عباد جيشه وعاث في أراضي ابن الأفطس قتلاً وتشريدًا ونهبًا، وحرقًا في الأراضي والمزارع، فعمَّت المجاعة في البلاد، وفتح المعتضد حصونًا وبلدانًا، والمظفر لا يستطيع أن يَرُدَّ، ولم يملك إلا أن اعتصم بحصنه بطليوس، ولم يُخْرِج من خيله فارسًا، وجعل يشكو إلى حلفائه، فلا يجد ظهيرًا ولا نصيرًا، واشتدَّ البأس على المظفر بن الأفطس، وكادت أن تكون نهايته، إلاَّ أن الوزير أبا الوليد بن جهور تَدَخَّل درءًا للفتنة، وسعيًا في الصلح بين هذين المتخاصمين، حتى تمَّ له ذلك في ربيع الأول (443هـ=1051م)[7].

                          وهكذا انتهت القطيعة بين إشبيلية وبطليوس، بعد أن كادت تُفْنِي كل شيء، ويبدو أن المعتضد والمظفر لم يرجعَا إلى نحو ما كانا عليه من الحروب والنزاعات، وإنما بحث كل منهما عن عدوٍّ هو أضعف منه ينال من لحمه، وينهش من مُلْكِه.


                          [1] ابن بسام: الذخيرة 3/20.
                          [2] الحميدي: جذوة المقتبس 3/31.
                          [3] ابن بسام: الذخيرة 3/19-22.
                          [4] ابن بسام: الذخيرة 3/22.
                          [5]) ابن بسام: الذخيرة 3/33، 34، وابن عذاري: البيان المغرب 3/209، 210، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/84.
                          [6] ابن بسام: الذخيرة 3/34، 35، وابن عذاري: البيان المغرب 3/234، 235.
                          [7] ابن بسام: الذخيرة 3/35، 36، وابن عذاري: البيان المغرب 3/211-213.

                          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                          تعليق


                          • #88
                            الصراع بين إشبيلية وغرناطة

                            الصراع بين بني عباد وبني زيري



                            وقفت مملكة غرناطة حجر عثرة أمام أطماع إشبيلية زمنًا طويلاً، فمع ما كان يتمتَّع به البلاط الإشبيلي من قوَّة عسكرية وأدبية على يد بني عباد، كان البلاط الغرناطي يتمتَّع كذلك بقدر كبير من القوة العسكرية على يد بني زيري، الذين وقفوا أمام كل محاولة لاستئصال البربر في الأندلس، واستطاعوا أن يبسطوا نفوذهم بقوَّة على الإمارات الجنوبية الأندلسية، وكان هذا بلا شكٍّ نذيرًا باشتعال الحروب بين بني عباد وبني زيري؛ إذ يقف كلٌّ منهما في سبيل توسُّعات الآخر.


                            الصراع على أشذونة وإستجة

                            والغريب أن أوَّل اشتباك بين إشبيلية وغرناطة لم يكن في أيٍّ من البلدين، وإنما كان في إستجة، إذ سَيَّر القاضي أبو القاسم بن عباد جيشًا بقيادة ابنه إسماعيل؛ لانتزاع قَرْمُونة من محمد بن عبد الله البرزالي حليفه بالأمس، فحاصر ابن عباد قَرْمُونة ثم نهض إلى حصار حصن أشذونة وإِسْتِجَة، فلم يجد البرزالي إلا أن يستنجد بإخوانه البربر، فأرسل إلى إدريس المتأيد الحمودي وقبائل صنهاجة، فأمدَّه إدريس بعسكر يقوده ابن يقنة أحمد بن موسى مُدَبِّر دولته، وخرج باديس بن حبوس صاحب غرناطة، ودار بينهم قتالٌ شرسٌ، انتهى بمقتل إسماعيل بن عباد، وحُمل رأسه إلى إدريس الحمودي في سنة (431هـ=1039م) [1].

                            الصراع على مالقة والجزيرة الخضراء

                            وقد اتَّسمت عَلاقة بني عباد بإشبيلية بالعدائية مع باديس بن حبوس في غرناطة، وكانا كلٌّ من الطرفين يتسابق إلى أطماع الآخر يحول بينه وبينها، ويقف أمامه حجر عثرة في سبيل تحقيقها، واتَّسمت توسُّعاتهما بأنها ذات اتجاه واحد ومصلحة واحدة؛ ولذلك فهم في صراع دائم؛ وكان الصراع على أشُدِّه بين المعتضد بن عباد وباديس بن حبوس يتمثَّل في انتزاع مَالَقَة والجزيرة الخضراء، أو أملاك الحموديين السالفة دولتهم.

                            فقد استطاع المعتضد أن يُسيطر على الجزيرة الخضراء سنة (446هـ= 1054م)[2]، وأنهى بذلك دولة بني حمود في الجزيرة، وبقي له مالقة التي استطاع باديس أن يستولِيَ عليها سنة (449هـ=1057م) [3]، وكان أهل مالقة قد سئموا من حُكم البربر، فتاقت نفوسهم إلى التخلُّص منه، فبعثوا إلى المعتضد بن عباد سرًّا يستحثُّونه على افتتاح مالقة، فاستجاب لهم المعتضد، وسَيَّرَ لهم حملة بقيادة ابنيه جابر ومحمد المعتمد، وضربوا الحصار على مالقة، وكادت أن تسقط، إلاَّ أن باديس صاحب غرناطة أسرع إلى نجدتهم، حتى فوجئ به جيش إشبيلية الذي كان على وشك النصر، فكانت معركة قاسية على جند إشبيلية، وفرَّ ابنا عباد جابر والمعتمد يجرَّان أذيال الهزيمة إلى رُنْدة، وكان ذلك سنة (458هـ=1066م) [4].

                            المعتضد بن عباد وانتزاع أركش وشذونة

                            لم ييأس المعتضد بن عباد من هزيمته أمام باديس بن حبوس في انتزاع مالقة، فوجَّه قوَّاته إلى الإمارات البربرية الصغيرة الواقعة في الشمال والشرق من إشبيلية؛ وهي إمارات: رُنْدة، وقَرْمُونة، وأركش، وشَذُونة، ومورور، وقد استطاع المعتضد أن يُسيطر على إمارات ثلاثة؛ هي: قَرْمُونة، ورُنْدة، ومورور كما أوضحنا.

                            وما يعنينا هنا هو إمارتي أركش وشَذُونة التي يُسيطر عليها بني يرنيان؛ إذ اتجه أمير أركش محمد بن خزرون إلى باديس بن حبوس وعرض عليه أن يُعطيه حصن أركش مقابل أن يُقطعهم أرضًا بغرناطة ينزلون بها، ويكونون تحت كنفه وفي دولته، فوافق باديس بن حبوس، وأرسل إليهم أن يأتوا بأموالهم وأهليهم وذويهم ومتاعهم، فخرجوا بذلك كله فكانوا نحوًا من خمسمائة دابة، وكان معهم جماعة من بني برزال أعداء المعتضد، وكان المعتضد يرقب عن كثب كل هذه التحرُّكات، فكَمَن لهم كمينًا، ودارت حرب شرسة بين الطرفين مُزِّقَ فيها البربر كل ممزَّق، وقُتل محمد بن خزرون، وبذلك ردَّ المعتضدُ على هزيمته في مَالَقَة، وانتزع أركش وبلاد شَذُونة من باديس بن حبوس[5].

                            العنصرية بين العرب في إشبيلية والبربر في غرناطة

                            تُوُفِّي المعتضد بن عباد سنة (461هـ=1069م)، وخلفه في الحُكم ابنه المعتمد على الله محمد، وكان المعتمد ذا طموح، ولم يكن ينسى ما كان بين أبيه وبين باديس، وظلَّ يتحيَّن الفرصة تلو الأخرى ليقتنص من غرناطة ما يقدر، وكان يُراقب الأحداث في غرناطة عن كثب، وكان المعتمد بن عباد مثل آبائه وأجداده يتوجَّس خوفًا من تنامي قوَّة البربر في الأندلس؛ وخاصَّة قاعدتهم الأقوى غرناطة؛ إذ هي مهبطهم الأول إلى الأندلس عندما يأتون من وراء البحار من عُدوة المغرب، إضافة إلى هذا فإن النزعة العنصرية بين العرب والبربر كانت على أشدِّها في إشبيلية وغرناطة.

                            وكانت سياسة باديس بن حبوس في مجملها ذات نزعة عنصرية واضحة للبربر؛ فمن ناحية يتقوَّى بهم ضدَّ ممالك الأندلس، ومن ناحية يتقوَّوْن به ضدَّ عدوان الآخرين عليهم، وهو ما رأيناه في أحداث قَرْمُونة ومَالَقَة وأركش وجَيَّان وغيرها من ممالك البربر الجنوبية والشرقية في الأندلس، وكانت هذه النزعة العنصرية متملِّكة في دم باديس بن حبوس، حتى أعمته عن الصواب في كثير من قراراته؛ ففي سنة (475هـ=1065م) قام أحد الفرسان ويُسَمَّى ابن يعقوب باغتيال أبي نصر بن أبي نور أمير رُنْدة البربرية بتدبيرٍ من المعتضد بن عباد، فلما سمع باديس بن حبوس بالخبر قام للحادثة وقعد، وهاج من داء عصبيته ما قد سكن، وشقَّ أثوابه... وهجر شرابه الذي لا صبر له عنه[6]، وفكر في قتل رعاياه الأندلسيين من العرب في غرناطة، وأخذ قراره بقتلهم جميعًا في المسجد الجامع بغرناطة يوم الجمعة، وشاور وزيره اليهودي يوسف بن إسماعيل بن نغرانة، مدبِّر دولته الذي لا يقطع أمرًا دونه، فحذَّره الوزير من العواقب الوخيمة لذلك الأمر، إلا أنه لم يستمع لنُصح وزيره، وحشد جنده، ولكنَّ اللهَ خَيَّب تدبيره، فقد سبقه ابن نغرانة الذي أرسل بعض النساء خفية إلى دور الأندلسيين العرب وحذَّرهم من الحضور إلى المسجد يوم الجمعة، وهكذا فشل تدبيره، ثم عدل عن قراره بعد أن اقتنع بنصح وزرائه من صنهاجة[7].

                            لذلك فالعداوة متبادلة بين العرب في إشبيلية وعلى رأسهم المعتضد وابنه المعتمد (إذ من المعلوم أن بني عباد من لَخْم العربية)، وبين البربر في غرناطة وما حولها وعلى رأسهم باديس بن حبوس ووزرائه من صنهاجة، وهذه العداوة الشديدة تُنْذِر بحروب دموية وأكثر شراسة من غيرها؛ إذ هي قومية في المقام الأول، وهكذا استُحِلَّتْ دماء المسلمين بين عرب وبربر، ولم يَعُدْ للإسلام بينهم نصيب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم!

                            المعتمد بن عباد وانتزاع جيان

                            وحدث في سنة (465هـ=1073م) أن تُوُفِّي باديس بن حبوس، وملك من بعد حفيده عبد الله بن بلقين، وكان صبيًّا صغيرًا لا يملك من أمره شيئًا، وتولَّى أمور دولته الوزير سماجة الصنهاجي، واستبدَّ بالأمر، وكان رجلاً قويًّا حاسمًا، مرهوب العقاب، شديد السطو، كما جعل عبد الله بن بلقين أخاه تميمًا على مَالَقَة[8]، وقد أدرك المعتمد أن هذه فرصته ليتوسَّع على حساب غرناطة، فحشد جنده واتجه إلى مدينة جَيَّان، وانتزعها من يد ابن بلقين سنة (466هـ=1074م)، وكانت هذه ضربة قاضية لعبد الله بن بلقين؛ إذ تُعَدُّ جَيَّان أخطر قاعدة عسكرية لمملكة غرناطة الشمالية، ثم توجَّه المعتمد بن عباد بقوَّاته إلى غرناطة وفرض عليها الحصار، وابتنى الحصون ليُرهق المدينة بغاراته عليها، ولكنه فشل ورفع الحصار لحصانة المدينة وشدة بأس وزيرها سماجة الصنهاجي[9].

                            الاستعانة بالنصارى على المسلمين

                            رأى الأمير عبد الله بن بلقين أنه لا قِبَل له بمقاومة جُند المعتمد بن عباد إذا عاود الكرة عليه وأغار على غرناطة، وفكَّر ابن بلقين وقدَّر، ثم {فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر: 18]، {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: 20]! إذْ قاده تفكيره إلى أن بعث وزيره سماجة الصنهاجي إلى مَنْ؟! إلى ملك قشتالة ألفونسو السادس؛ يستعين به على المعتمد بن عباد، وتعهَّد له بدفع جزية مقدارها عشرون ألف دينار، وبالطبع وافق ألفونسو، وخرج عبد الله بن بلقين بجند غرناطة وجند النصارى القشتاليين، وأغار على أراضي إشبيلية، وعاث فيها فسادًا، واستطاع أن يستردَّ حصن قَبْرَة الواقع في جنوب غربي جَيَّان[10].

                            وحدث في عام (467هـ=1075م) أن سار ألفونسو السادس ملك قشتالة إلى إشبيلية وغرناطة ومعه وزيره ومستشاره المستعرب الكونت سنندو (ششنند)؛ ليُطالب بدفع الجزية المفروضة عليهما، ويبدو أن الأمير عبد الله بن بلقين، رفض دفع الجزية؛ معبرًا عن عزَّته، وأنه لا يخش ضرًّا من ألفونسو، إلا أن المعتمد بن عباد لم ينسَ هزيمته عند حصن قَبْرَة، فانتهز الفرصة، وأخذ يُؤَلِّبُ ألفونسو على ابن بلقين، وبعث إليه بوزيره ابن عمار، فوقَّع معه حلفًا واتفاقًا؛ خلاصته أن يتعاون الفريقان مسلمو إشبيلية مع نصارى قشتالة ضد مسلمي غرناطة، وأن تكون المدينة ذاتها لابن عباد، وأن يكون سائر ما فيها من الأموال لملك قشتالة، وأن يُؤَدِّي ابن عباد فوق ذلك جزية قدرها خمسون ألف دينار، وظهر أثر ذلك الحلف على الفور؛ إذ عمد النصارى إلى تخريب بسائط غرناطة، وبدأ ابن عمار بتنفيذ الخطة أيضًا، فقام بإنشاء حصن على مقربة من غرناطة، وحاول من خلاله أن يؤثِّر على أهل المدينة بغاراته، ولكنه لم ينل منها مأربًا، وحدث أن انتزع المأمون بن ذي النون قرطبة منه سنة (467هـ=1075م)، فاضطر أن يُخْلِيَ الحصن الذي احتلَّتْه جنود غرناطة فيما بعد.

                            ثم حرَّض ابن عمار ألفونسو مرَّة أخرى على غزو غرناطة، ومنَّاه بسهولة افتتاحها وضعف جندها، عندئذ رأى الأمير عبد الله بن بلقين أنه يذهب بنفسه إلى ألفونسو، وأن يتفاهم معه، وأسفرت المفاوضات بينهما عن تعهُّد ابن بلقين بأداء الجزية السنوية وقدرها عشرة آلاف مثقال من الذهب، وأن يُسَلِّم الحصون الواقعة جنوب غربي جَيَّان، وما أن انتهى الاتفاق حتى باع ألفونسو الحصون لابن عباد جزاء صداقته له![11]

                            المصالحة بين إشبيلية وغرناطة

                            هدأت الأمور نوعًا ما بين إشبيلية وغرناطة، ومضت عشرة أعوام وفي سنة (477هـ=1084م) حدث أن تطوَّرت الأمور في مَالَقَة، وثار تميم بن بلقين أخو الأمير عبد الله بن بلقين، وأعلن استقلاله عن غرناطة وتلقَّب بالمنتصر بالله، فتوجَّه إليه الأمير عبد الله وأخضعه لسلطانه، ولكن خشي الأمير عبد الله أن يحالف أخوه تميمٌ المعتمد بن عباد؛ فهادنه وأعطاه حُكم مالقة ونواحيها الغربية، وحدث في الوقت نفسه أن ثار كباب بن تميت حاكم أرشذونة وأنتقيرة، فسار إليه الأمير عبد الله وأخضعه لسلطانه، ثم تمَّ الصلح وعَقْد المهادنة بين المعتمد بن عباد والأمير عبد الله بن بلقين، وسُوِّيت بين الفريقين سائر وجوه النزاع من حدود وغيرها، وكان ذلك أواخر سنة (477هـ=1084م)[12].

                            وما هي إلاَّ أيام حتى سقطت طليطلة في يد ألفونسو السادس في (صفر 478هـ= مايو 1085م)، فما كان من الأمير عبد الله وابن عباد إلا أن أرسلا رسلهما إلى يوسف بن تاشفين يستنقذونه مما داهمهم من النصارى، وما حلَّ بأراضي المسلمين بالأندلس! فأين كان هؤلاء عندما استحلُّوا دماءهم بأيديهم، واستعانوا بالنصارى على بعضهم!


                            [1] الحميدي: جذوة المقتبس 1/30، 31، وعبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص113، 114، وابن عذاري: البيان المغرب 3/199.
                            [2] ابن عذاري: البيان المغرب 3/243.
                            [3] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/155، 6/180.
                            [4] ابن بسام: الذخيرة 3/49، 50، وابن عذاري: البيان المغرب 3/273-275، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/132.
                            [5] ابن عذاري: البيان المغرب 3/271- 273.
                            [6] المَلاذُّ جمع مَلَذٍّ: وهو موضع اللذة وكل ما يُشتهى من الأشياء. ابن منظور: لسان العرب، مادة لذذ 3/506، المعجم الوسيط 2/822.
                            [7] ابن عذاري: البيان المغرب 3/313، 314، وابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة 1/436-438، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/140.
                            [8] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص233، 234.
                            [9] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص234، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/142.
                            [10] نقلاً عن عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/63، 142، 143.
                            [11] انظر هذه الحوادث في مذكرات الأمير عبد الله بن بلقين المسماة بالتبيان ص69، 70، نقلاً عن عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/142، 143.
                            [12] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/144، 145 بتصرف.

                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #89
                              الصراع بين إشبيلية وقرطبة

                              أطماع بني عباد في قرطبة



                              بدأ الصراع بين إشبيلية وقرطبة مبكِّرًا منذ أن بدأت أحداث الفتنة في بلاد الأندلس، وسنلاحظ دائمًا أن إشبيلية في ظلِّ بني عباد هي الطامع الذي لا يقنع إلاَّ بامتلاك ما في يد الآخرين، وكانت قرطبة محلَّ نظر بني عباد منذ أن استقلَّ القاضي أبو القاسم بن عباد بإشبيلية سنة (414هـ=1023م)، وظَلَّت عينه على قرطبة؛ إذ تُمَثِّل قرطبة مدينة الأندلس الأولى، ومحلَّ الخلافة المنصرمة، وإليها تهفو نفوس الأندلسيين من كل حدب وصوب، وكان أهل قرطبة وعلى رأسهم حاكمها الوزير جهور على علم بكل ذلك، وما يُخفيه ابن عباد وغيره من طمع فيها.


                              الوزير جهور وموقفه من دعوة ابن عباد لهشام المؤيد

                              كان من أشهر أعمال القاضي أبي القاسم بن عباد أثناء ولايته -على نحو ما ذكرنا في المقالات السابقة- دعوته بظهور الخليفة هشام المؤيد وذلك سنة (426هـ=1035م)، ولم تكن نية ابن عباد من وراء ذلك إلا دحضًا لدعوى الحموديين بالخلافة؛ فالخليفة الشرعي قد بان وظهر، ومن ناحية أخرى إضفاء للشرعية السياسية في تدبيره وحكمه لإشبيلية؛ فهو يتوسَّع بأمر الخليفة الشرعي للأندلس كلها، الذي لا يملك من أمره شيئًا، وإنما الأمر والتدبير لابن عباد، الذي يُمْلِي عليه ما يُريد، والحقيقة أن هذا لم يكن خافيًا على ملوك الطوائف وخاصة الوزير ابن جهور حاكم قرطبة.

                              وبعد أن أخذ القاضي ابن عباد البيعة للمدعوِّ هشام المؤيد بإشبيلية، أرسل رسله إلى أمراء الأندلس يطلب منهم أخذ البيعة والنزول على حكم الخليفة الشرعي، بيد أنه لم يعترف به أحدٌ، سوى عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، والموفق العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية وصاحب طرطوشة[1]، وما يعنينا هنا هو موقف الوزير ابن جهور؛ إذ إن موقفه يهم ابن عباد والوزير نفسه؛ فابن عباد يعلم ثقل قرطبة في الأندلس، ويعلم ثقل الوزير ابن جهور ومكانته بين ملوك الطوائف، وسيطرته على قرطبة فاتحة له في السيطرة على الأندلس كلها، وأما الوزير ابن جهور فمع علمه بكذب الدعوة وافترائها، فهو يُريد أن يتخذها ذريعة لدفع دعوى الحموديين، الذين أرهقوه بغاراتهم على قرطبة محلِّ خلافتهم المزعومة، وامتلاكه لقوَّة ابن عباد سبيل لهذا الدفع.

                              بيد أن أهل قرطبة مالت نفوسهم إلى الخليفة هشام المؤيد، وأعلنوه إمامًا للجماعة في الأندلس، ورفض ابن جهور في بادئ الأمر، وكادت أن تقوم ثورة ضدَّه في قرطبة، فأرسل رسله للوقوف على صحَّة ما يدَّعيه ابن عباد، ويبدو أنه باع دينه بعرض من الدنيا، وزوَّر شهادته، وأثبت صحَّة دعوى ابن عباد؛ ليدفع الحموديين عن قرطبة، وليُرْضِيَ أهل قرطبة ويدفعهم عنه، وأخذ ابن جهور البيعة لهشام المؤيد المزعوم، وخطب له في مساجد قرطبة وجامعها.

                              يبدو أن الوزير ابن جهور تراجع عن بيعته وأعلن كذب هذه الدعوة، وكان ذلك إيذانًا بالحرب بينه وبين ابن عباد، الذي جمع جيشه واتجه صوب قرطبة لإسقاطها بالقوَّة، وفرض الحصار على قرطبة أوائل (427هـ=1036م)، وأمر ابن جهور بسدِّ أبواب المدينة أمامه، ولم يجد القاضي ابن عباد جدوى من الحصار، فجمع جيشه وجرَّ أذيال خيبته أمامه ووراءه إلى إشبيلية[2].

                              المعتضد بن عباد وإثارة الفوضى داخل قرطبة

                              هدأت الأمور نوعًا ما بين إشبيلية وقرطبة، وانشغل كلٌّ من القاضي ابن عباد والوزير ابن جهور في توطيد مملكتيهما وحروبهما الأخرى، ومرَّت السنوات وتُوُفِّيَ القاضي ابن عباد، وملك من بعده المعتضد سنة (433هـ=1042م)، كما تُوُفِّي الوزير ابن جهور، وملك من بعده ابنه الوزير أبو الوليد محمد بن جهور سنة (435هـ=1044م)، وسارت الأمور هادئة، ولكن يبدو أن أبا الوليد آثر الراحة، فقدَّم ولده الأصغر عبد الملك على ولده الأكبر عبد الرحمن، وسيطر عبد الملك بن جهور على مقاليد قرطبة، وكانت بين عبد الملك والمعتضد صداقة ووُدٌّ، ولا يخفى علينا أنها صداقة مصالح، كما لا يخفى علينا أن المعتضد فاغر فاه على قرطبة يُريد أن ينتزعها، فكانت الصداقة تمهيدًا لما يُريد.

                              على كل حال سيطر عبد الملك بن جهور على قرطبة، إلاَّ أنه أساء السيرة، وسار بين الناس بالمعاصي، وعَمَّت الفوضى البلاد، فلما رأى ذلك أوكل أمور قرطبة سنة 440هـ إلى وزيره ابن السقاء؛ فضبط الأمور، وسار بين الناس بالعدل والحقِّ، وعاد الأمن والأمان مرَّة أخرى، وساد الاستقرار، وتقوَّت قرطبة بعد أن أصابها الضعف، والمعتضد بن عباد يُراقب الأمور عن كثب، وقرطبة كانت بين قاب قوسين أو أدنى منه؛ فعمد إلى الوقيعة بينه وبين وزيره وأوغر صدره عليه، حتى فتك به بكمين كمنه له، وكانت محنة الوزير ابن السقاء سنة (455هـ=1063م) [3].

                              وهكذا تدخَّل المعتضد بقوَّة في شئون قرطبة، واستطاع أن يفتك بالوزير القوي ابن السقاء، وبذلك انفرد عبد الملك بالسلطة؛ فتجبَّر وأساء السيرة بين الرعية، وعَمَّت الفوضى ثانية، وهنا تدخَّل الوزير أبو الوليد بن جهور وعمد إلى تقسيم السلطة بين الولدين، وذلك عام (456هـ=1064م)، فجعل إلى أكبرهما عبد الرحمن النظر في أمر الجباية، والإشراف على أهل الخدمة ومشاهدتهم في مكان مجتمعهم، والتوقيع في الصكوك السلطانية المتضمِّنة للحَلِّ والعقد، وجميع أبواب النفقات، وجعل إلى عبد الملك النظر في الجند، والتولِّي لعرضهم، والإشراف على أعطياتهم، وتجريدهم في البعوث، والتقوية لأولادهم، وجميع ما يخصُّهم، ورَضِيَ الأخوان بذلك، إلا أن عبد الملك تَغَلَّب على أخيه؛ فسجنه وحكم عليه بالإقامة الجبرية في بيته، واستبدَّ بالأمر دونه، وانصرف الناس عنه[4].

                              الصراع بين بني عباد وبني ذي النون على قرطبة

                              لم تَخْفَ هذه الأحداث على المعتضد لحظة واحدة؛ فهو يُراقبها عن كثب، كما أنها لم تَخْفَ على ملوك الطوائف الآخرين، وخاصَّة المأمون بن ذي النون صاحب طلطية، ويمكن أن نقول: إن قرطبة كانت موضع صراع عنيف وسريع في الوقت نفسه بين إشبيلية وطلطية؛ إذ إن قرطبة في المنتصف بينهما وعلى الحدود الجانبية لكلٍّ منهما، فلِمَنْ يا ترى تنتهي به الأحداث فيُحكم قبضته على قرطبة؟!
                              هذا ما ستوضحه السطور القادمة..

                              عَمَّتِ الفوضى أرجاء قرطبة وانفلتت الأمور من يد عبد الملك بن جهور، وكانت هذه فرصة ذهبية لمن يُريد الانقضاض على قرطبة، ويبدو أن المأمون بن ذي النون قد أعدَّ لقرطبة عُدَّتها، وكان هو كذلك يُراقب الأحداث عن كثب، فجهَّز جيشه وأسرع ناحية قرطبة وأغار عليها سنة (462هـ=1070م)، ولم يجد عبد الملك بن جهور مَنْ يستغيث به سوى صاحب إشبيلية، وهو حليفه وصديقه المعتمد بن عباد؛ إذ تُوُفِّيَ المعتضد بالله سنة (461هـ=1069م)، وعلى الفور أرسل له المعتمد سرية مُكَوَّنة من أربعة آلاف، عليها قائداه خلف بن نجاح ومحمد بن مرتين، ووصل الجيش الإشبيلي إلى قرطبة، ونزلوا في ربضها الشرقي، واستطاعوا أن يَرُدُّوا جيش ابن ذي النون عنها.

                              المعتمد بن عباد والسيطرة على قرطبة

                              يبدو أن المعتمد بن عباد دبَّر مكيدته مسبقًا، وعزم على الاستيلاء على قرطبة، وأعطى أوامره لقائديه بذلك، كما يبدو أن الظروف في قرطبة قد هيَّأت له أمر السيطرة عليها؛ إذ عَمَّت الفوضى وانتشر الفساد، وكره أهل قرطبة عبد الملك بن جهور، فأرسلوا إلى القائدين ابن مرتين وخلف بن نجاح أن يقبضوا على عبد الملك بن جهور، وأن تكون المدينة في طاعة المعتمد بن عباد، فاجتمعت الخطتين معًا، خطة المعتمد المسبقة وخطة أهل قرطبة، ودُبِّرَت المكيدة على أحسن وجه؛ إذ تظاهر قائدَا الجيش الإشبيلي بالانصراف والعودة، وذهب القائدان ومن معهما إلى وداع عبد الملك بن جهور بباب المدينة، وهنا اقتحم الجيش الإشبيلي الأبواب وملك المدينة، وسار الجنود في قرطبة سلبًا ونهبًا وسرقة وفسادًا، ودخلت قرطبة في طاعة المعتمد بن عباد، وكان ذلك في شعبان (462هـ=1070م)، وقد اعْتُقِلَ عبد الملك بن جهور وأهله وأخوه عبد الرحمن وأُرسلوا إلى إشبيلية مراعاة للحزم.

                              وأما الشيخ القعيد أبو الوليد بن جهور فقد نُفِيَ إلى جزيرة شَلْطِيش، وكان مما حُفِظَ عنه قوله: اللهم كما أجبت الدعاء علينا فأجبه لنا. فمات بعد أربعين يومًا من نكبته وسقوط دولته[5].

                              ومنذ ذلك التاريخ ارتبط اسم قرطبة بإشبيلية، وجعل المعتمد بن عباد عليها ابنه المعتمد الحاجب سراج الدولة الملقب بالظافر، ووزيره محمد بن مرتين، وأقام الظافر ملكًا على قرطبة باسم أبيه، وظلَّ المأمون صاحب طلطية يتحين الفرص للسيطرة على قرطبة، وتمَّ له ذلك سنة (467هـ=1074م) إثر مكيدة دبَّرها المأمون مع رجل يُسَمَّى بحَكم بن عُكَّاشة ضد الظافر بن المعتمد؛ حيث دخل ابن عكاشة على الظافر بن المعتمد وقتله وحزَّ رأسه، واستولى على أبواب المدينة برجاله، كما قَتَل ابنَ مرتين وهو غارق في شرابه ولهوه.

                              ودخل المأمون قرطبة في موكب عظيم في جمادى الآخرة سنة 467هـ، وما لبث المأمون أن اعتلَّ بقرطبة ومات بها، وحُمِلَ تابوته إلى طلطية في ذي القعدة (467هـ=1075م)، وما لبثت قرطبة أن عادت إلى حوزة المعتمد بن عباد مرَّة أخرى؛ إذ دخلها بجنده بعد أن راسله أهل قرطبة، وتغلَّب على ابن عكاشة، وحزَّ رأسه ثأرًا لابنه الظافر، واستخلف المعتمد عليها ابنه الفتح الملقب بالمأمون، وكان ذلك في ذي الحجة (467هـ=1075م)[6].


                              [1] ابن عذاري: البيان المغرب 3/190، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص155.
                              [2] انظر التفاصيل في: ابن عذاري: البيان المغرب 3/190، 198، 199، 201، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص155.
                              [3] ابن بسام: الذخيرة 2/608، 609، 7/241، 245، وابن عذاري: البيان المغرب 3/232، 233، 251.
                              [4] ابن بسام: الذخيرة 2/606، 607، وابن عذاري: البيان المغرب 3/258، 259، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص149.
                              [5] ابن بسام: الذخيرة 2/609-611، وابن عذاري: البيان المغرب: 3/260، 261، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص149-152.
                              [6] ابن الخطيب: أعمال الأعلام ص151، 152، 158، 159، ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/159، ابن بسام: الذخيرة 3/268-272.

                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #90
                                الصراع بين طليطلة وسرقسطة

                                الصراع بين المأمون بن ذي النون وسليمان المستعين بن هود



                                كانت الخصومة بين طليطلة Toledo وسرقسطة Zaragoza شرسة، كما تلطخت بالخيانة وموالاة النصارى على بعضهم، وتمكينهم من أراضي المسلمين، ويمكننا أن نقول: إن هذه الخصومة تُعَدُّ الأسوأ في تاريخ الأندلس وخاصة في عهد ملوك الطوائف، مأساةٌ حقًّا أن يسحق النصارى المسلمين، ويعيثوا في بلادهم تحت إشراف حُكَّام مسلمين، وفي أراضي المسلمين!


                                إنها أحداثٌ تزرف منها العيون، ويقشعر القلب من ذكرها، ويسيل القلم حسرة من كتابتها!
                                كان النزاع على أشُدِّه بين المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة وبين سليمان المستعين بن هود صاحب سرقسطة، وكانت تلك فتنة هوجاء عصفت بالمسلمين، وزالت هيبتهم عند النصارى؛ فمعلوم أن سرقسطة تمثِّل من الناحية الجغرافية الجانب الشمالي الشرقي لطليطلة، وكانت سلسلة المدن والقلاع والحصون التي تمتدُّ بين الثغر الأعلى (سرقسطة)، وبين الثغر الأوسط (طليطلة)، من قلعة أيوب وحتى وادي الحجارة هي موضع الاحتكاك والتنازع بين الخصمين[1].

                                معركة وادي الحجارة بين المأمون وابن هود


                                وعلى الرغم من أن وادي الحجارة من أعمال طليطلة، إلاَّ أن هناك بعضًا من أهلها مالوا إلى سليمان بن هود في سرقسطة، وكانت هذه فرصة لابن هود أن ينفث في رُوح الفرقة بين أهلها؛ ليتسنَّى له السيطرة عليها بسهولة، وهو ما حدث بالفعل، فما زالت رُوح الفُرقة تتزايد بين أهلها المشتَّتين، بين طليطلة وسرقسطة، حتى بعث سليمان بن هود جيشًا عليه ابنه أحمد وليَّ عهده، ودخل وادي الحجارة بتدبيرٍ من شيعته، وكان ذلك سنة (436هـ=1044م)، وما أن علم المأمون بذلك حتى هرع إلى وادي الحجارة، ودارت بينه وبين أحمد بن هود معارك طاحنة، سالت فيها كثير من الدماء، وكانت الغلبة فيها لابن هود، وفرَّ المأمون وتتبَّعه أحمد بن هود بجيشه، وحاصره في مدينة طلبيرة، الواقعة على نهر التاجة غرب طليطلة، وبعث أحمد لأبيه سليمان بن هود يُعْلِمه بالخبر، فأمره بترك المأمون والرجوع إلى سرقسطة، ورفع الحصار عن طلبيرة، وبذلك نجا المأمون من موت مُؤَكَّد[2]!


                                المأمون والاستعانة بالنصارى


                                كانت هزيمة منكرة بلا شكٍّ للمأمون بن ذي النون، إلاَّ أنه لم ييأس وغلبه الجنوح إلى الغلبة والأنفة، ويا ليت أنفته كانت على نصارى الإسبان! وإنما كانت أنفته على مسلمي سرقسطة، الذين استهان بدمائهم، وجعلهم عرضة لجنوده وللنصارى، كما سنرى!

                                لم يَهُنْ المأمون ولم يَلِنْ له عزم، ولم تأخذه الراحة حتى يأخذ بثأره من سليمان بن هود، فماذا يفعل المأمون؟ وقد أنهكته الهزيمة وأخذت منه جُلَّ جيشه وعسكره، فَكَّر المأمون بن ذي النون ووجد ضالته في الاستعانة بالنصارى على أخيه المسلم، والتجأ إلى فرناندو الأول ملك قشتالة يستعين به، مقابل أن يدفع له الجزية، فاستجاب فرناندو للطلب، ونِعْمَ ما يطلبه المأمون!

                                وعلى الفور ولم تمضِ أيام حتى كانت خيل النصارى تعيث فسادًا في بلاد سليمان بن هود؛ قتلاً ونهبًا وسرقة، وليس لهم رادع يردعهم! فأين جيوش سليمان بن هود؟! وأين عنجهيَّته وجبروته؟ أم أن قوَّته على المسلمين! أم أنه: [الكامل]
                                أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ

                                فَرْخَاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصافر الصَّافِرِ([3])
                                لقد فرَّ سليمان بن هود وتبعه جنوده، وتحصَّنوا بحصونهم، وتركوا رعيتهم لسيوف النصارى!

                                كان مصابًا عظيمًا للمسلمين في سرقسطة؛ إذ كان ذلك الهجوم في وقت الحصاد، فقام النصارى بحصده وحمله، ولم يكتفوا بذلك بل خربوا الزروع والأراضي، وحملوا ما شاء لهم أن يحملوه إلى بلادهم، وكانت فرصة للمأمون أن يثأر لهزيمته، فأغار على بلاد ابن هود ونهب منها ما شاء.

                                تحالف المأمون مع المعتضد بن عباد ضد ابن هود


                                ولم يكتفِ المأمون بذلك فقط، بل عزم على عقد تحالفات أخرى مع ملوك الطوائف؛ يستعين بهم على ابن هود، وعرض المأمون على المعتضد بن عباد صاحب إِشْبِيلِيَة صداقته وتحالفه، واستمرَّت المفاوضات بينهما، وقَبِلَ المعتضد بالله ذلك الحلف وتلك النصرة، على أن يعترف المأمون بالدعوة الهاشمية، ويُبايع للمدعو هشام المؤيد، وتكون له الدعوة في مساجد طليطلة، ووافق المأمون بن ذي النون، مع أن أباه إسماعيل بن ذي النون قد رفضها من قبلُ، ولكنها المصالح!

                                ويبدو أن المأمون خرج من ذلك الحلف خاسرًا خائبًا؛ إذ انشغل المعتضد عنه بقتال ابن الأفطس صاحب بَطَلْيُوس، فلم ينلْ منه ما يُريد، وعاد بتحالفه بخُفَّيْ حنين![4].

                                سليمان المستعين والاستعانة بالنصارى


                                أما ابن هود فإنه وقع في تلك السقطة التي وقع فيها المأمون، وذهب إلى النصارى يستعين بهم -أيضًا- على المأمون، وبعث إلى فرناندو ملك قشتالة بالهدايا والتحف، وأغراه في طليطلة، فاستجاب فرناندو ولبَّى دعوته، وبعث بسراياه فعاثت في أراضي طليطلة فسادًا وتخريبًا، حتى وصلت إلى وادي الحجارة، وقلعة النهر (قلعة هنارس).

                                لم ييأس المأمون من المعركة والتمس مساعدة غرسية ملك نافار، وهو أخو فرناندو ملك قشتالة وكانت بينهما عداوة، وبعث المأمون إلى غرسية بالأموال والتحف يستنصره على ابن هود، فأغارت قوات غرسية على أراض سرقسطة المتاخمة له فيما بين تُطِيلَة ووَشْقَة، وافتتح قلعة قلبرة أو قَلَهُرَّة من ثغر تُطِيلَة سنة (437هـ=1045م)، والتي فتحها المنصور بن أبي عامر، وعاثت فيها قوات النصارى تخريبًا.

                                وهكذا استباح النصارى في قشتالة ونافار بلادَ المسلمين في طليطلة وسرقسطة، بمساعي ابن هود وابن ذي النون المشئومة الذميمة، وانهارت خطوط الدفاع، وساءت أحوال المسلمين، فاضطر أهل طليطلة إلى أن يبعثوا كبراءهم إلى سليمان بن هود؛ طلبًا للصلح، وحفظًا لأراضي المسلمين من ظفر النصارى بها، واستحواذهم عليها، وتظاهر كلٌّ من سليمان بن هود والمأمون بالقبول والمصالحة، ثم غدر سليمان بن هود بما كان عاهد عليه أهل طليطلة والمأمون، ويبدو أن كلاًّ منهما لم يكن مستعدًا لقبول الصلح؛ فالعداوة بينهما ملأت القلوب!

                                استعلاء النصارى على المسلمين


                                لم يمضِ كثير من الوقت حتى خرج سليمان بن هود بجنوده، ومعه طالعة من حلفائه النصارى متجهًا إلى مدينة سالم من أعمال طليطلة، ولم تصمد حاميتها أمامه، وقتل منهم الكثير، وبسط نفوذه على الحصون التي انتزعها منه المأمون، وكان معه في ذلك كله عبد الرحمن بن إسماعيل بن ذي النون، وهو أخو المأمون، وجعل يدُلُّه على عورات المأمون وثغراته، ولما علم المأمون بالحادثة أسرع ليستردَّ المدينة ويُدافع عنها، وانتهز فرناندو حليف ابن هود غياب المأمون، فبعث سراياه فعاثت في أراضي طليطلة خرابًا وتقتيلاً؛ حتى يئس أهلها، وبعثوا إلى فرناندو يطلبون الصلح والمهادنة، فطلب منهم أموالاً كثيرة، واشترط عليهم شروطًا لم يقدروا عليها، وقالوا له: لو كنا نقدر على هذه الأشياء وهذه الأموال لأنفقناها على البرابرة واستدعيناهم لكشف ما نحن فيه من المعضلة.

                                فردَّ عليهم فرناندو (ويا ليته لم يَرُدّ) قائلاً: «أمَّا استدعاؤكم البرابرة، فأمر تَكثرون به علينا، وتهدِّدوننا به، ولا تقدرون عليه، مع عداوتهم لكم، ونحن قد صمدنا لكم ما نبالي من أتانا منكم، فإنما نطلب بلادنا التي غلبتمونا عليها قديمًا في أوَّل أمركم؛ فقد سكنتموها ما قُضِيَ لكم، وقد نصرنا الآن عليكم برداءتكم، فارحلوا إلى عُدوتكم (يقصد عُدوة المغرب)، واتركوا لنا بلادنا؛ فلا خير لكم في سكناكم معنا بعد اليوم، ولن نرجع عنكم، أو يحكم الله بيننا وبينكم»[5].

                                وهكذا لم يجد أهل طليطلة قبولاً لِمَا عرض عليهم من الصلح، وعلى الجانب الآخر كان غرسية وجنوده حلفاء المأمون يعيثون في أراضي ابن هود فسادًا وتخريبًا، ودامت هذه الفتنة الهوجاء بين هذين الأميرين المشئومين على المسلمين لمدة ثلاث سنوات (435-438هـ=1043-1046م)، ولم تنتهِ إلاَّ بموت سليمان المستعين بن هود صاحب سرقسطة؛ إذ تنفَّس المأمون بن ذي النون الصعداء[6].

                                طليطلة وسرقسطة.. سليمان بن هود والمأمون بن ذي النون.. إنهما نموذج صارخ لتلك الحروب والخصومات التي عاشتها أمَّة الإسلام، وعانت ويلاتها في تلك الفترة المشئومة على المسلمين فترة ملوك الطوائف.

                                المفتدر بن هود


                                هدأت الأمور نوعًا ما بين المملكتين؛ إذ انشغل أولاد سليمان الخمسة في النزاع على أملاك أبيهم، وقد استطاع المقتدر بالله أحمد بن هود أن يتغلَّب على إخوته، وأن يُكَوِّنَ مملكة من أعظم ممالك الطوائف، بعد أن ضمَّ طُرْطُوشة إلى أملاكه سنة (452هـ=1060م) [7]، كما انتزع دانية من صهره علي إقبال الدولة بعد أن حاصرها وذلك سنة (468هـ=1076م)[8]؛ وبذلك أضحت سرقسطة أكبر ممالك الطوائف مساحة وأعظمها قوَّة.

                                يحيى القادر بن ذي النون


                                كما بدأ المأمون يتوسَّع على حساب الممالك الصغيرة الأخرى، واستطاع أن يُكَوِّنَ مملكة قوية مترامية حتى وصلت إلى بَلَنْسِيَة شرقًا، وما لبث المأمون إذ وافته المنية بعد ثلاث وثلاثين عامًا، وذلك بقرطبة سنة (467هـ=1075م)، وخلفه حفيده يحيى القادر على أملاك طليطلة وأعمالها.

                                لم يكن يحيى القادر على مقدار الكفاءة السياسية والعسكرية التي كانت عند جدِّه المأمون؛ إذ كان سيئ الرأي، قليل الخبرة والتجارِب، فوقع تحت تأثير العبيد والخدم ونساء القصر، وطائفة من قرناء السوء وبطانة الشرِّ، ظلُّوا وراءه حتى أوغروا صدره من مدبِّر دولته ابن الحديدي، فقتله في أوائل ذي الحجة (468هـ=1076م) -على نحو ما فصَّلْنَا- وسرعان ما انقلب عليه أعوان الأمس، وصاروا يُؤَلِّبُون العامَّة عليها، وانهالت عليه الضغوط من كل جانب، وكانت هذه فرصة للمقتدر بن هود أن يُغير على طليطلة وأعمالها، وفعلاً كثَّف المقتدر غاراته واستعان بالنصارى في ذلك، ولم يستطع يحيى القادر بن ذي النون أن يَرُدَّ عليه، وظلَّ الأمر هكذا حتى استطاع المقتدر بن هود أن ينتزع منه مدينة شَنْتَبَرِيَّة[9].

                                سقوط طليطلة




                                تطوَّرت الأحداث كثيرًا في كلٍّ من طليطلة وسرقسطة؛ إذ تصاعد الخطر النصراني على بلاد المسلمين، وبدأ ألفونسو السادس يُسَدِّد ضرباته القوية على ممالك الطوائف المختلفة، حتى أضعفها وأنهكها؛ مرَّة بالجزية، ومرَّة بالغارات المتتالية، والواقع أن أحوال يحيى القادر في طليطلة كانت تُنذر بالخطر ووقوع النكبة؛ إذ اندلعت الثورة ضدَّه في طليطلة وهرب منها إلى حصن وَبْذَة سنة 472هـ، إلا أنه استطاع أن يعود على حراب ألفونسو مرَّة أخرى، والتي أعقبتها زواله وخروجه ذليلاً من طليطلة؛ إذ وقعت النكبة وسقطت في يد ألفونسو في صفر (478هـ=1085م)، وخرج القادر يحيى إلى بلنسية تحت الحماية القشتالية في شوال (478هـ=1086م).


                                وعاث النصارى قتلاً وتخريبًا في المسلمين وديارهم تحت سمعه وبصره، ولم يُحَرِّك ساكنًا، وأمام هذه التطوُّرات الخطيرة يصل الخبر إلى بَلَنْسِيَة بالعبور المرابطي، فيهرع النصارى في بلنسية إلى ألفونسو لنجدتهم من الاتحاد الأندلسي المرابطي، وتكون معركة الزلاقة وينتصر المسلمون في (رجب 479هـ=أكتوبر 1086م)، ويتنفَّس أهل بلنسية الصعداء، بخروج النصارى وانتصار المسلمين، وهكذا انتقلت دولة القادر بن ذي النون من طليطلة إلى بلنسية.

                                الصراع على بلنسية


                                وعلى الجانب الآخر تُوُفِّيَ المقتدر أحمد بن هود سنة (475هـ=1081م)، بعد 35 سنة حاكمًا على سرقسطة، بيد أن أبناء المقتدر يوسف والمنذر اقتتلا فيما بينهما على عرش أبيهما، واستعان كلٌّ منهما بالنصارى على أخيه، فارتمى يوسف المؤتمن في أحضان السيد القمبيطور، وجيشه من المرتزقة القشتاليين، وارتمى المنذر في أحضان سانشو ملك أراجون ورامون أمير بَرْشُلُونَة، وانتهت الفتنة بتغلُّب يوسف المؤتمن بن هود على مملكة سرقسطة، وانحصر سلطان المنذر في لارِدَة وطُرْطُوشة، وبدأت أطماع يوسف تَتَّجه صوب بلنسية، إلا أنه فشل في انتزاعها من يد حاكمها أبي بكر بن عبد العزيز، إلاَّ أنَّ ابن عبد العزيز أحسَّ بالخطر، ودارت بينهما مفاوضات انتهت بالتقارب بينهما بالمصاهرة؛ إذ زوَّج أبو بكر ابنته لأحمد المستعين بن يوسف المؤتمن وذلك سنة 477هـ، ومات المؤتمن سنة (478هـ=1085م)، ولم يُحَقِّق حلمه، وخلفه من بعده ابنه أحمد المستعين.

                                تطوَّرت الأحداث على هذا النحو في المملكتين، وأسفرت معركة الزلاقة عن انجلاء الحصار القشتالي عن بلنسية 479هـ، وتجدَّدت أطماع المستعين بن هود في بقية أملاك طليطلة، وأخذ يتحيَّن الفرص ليقتنصها ويُحَقِّق حلم آبائه، وجاءته الفرصة إذ إن عمه المنذر كان يرقب هو الآخر الفرصة للاستيلاء على بَلَنْسِيَة، وحشد جنوده وفرض عليها الحصار سنة (481هـ=1080م)، وهنا هرع القادر بن ذي النون إلى حليفه أحمد المستعين بن هود، الذي لبَّى دعوته مسرعًا وهو ينوي نية الاستيلاء، مستعينًا في ذلك على القمبيطور وجنوده المرتزقة، وما أن اقترب المستعين ومَنْ معه من مرتزقة القمبيطور، حتى أنهى المنذر الحصار وعرض على يحيى صداقته، وهنا ظهرت ألاعيب كلٍّ من القمبيطور والمستعين، وظلَّ كلٌّ منهما يلعب على الآخر، وتفكَّك الحلف بينهما؛ إذ ظهرت النوايا الخفيَّة في سيطرة كلٍّ منهما على بَلَنْسِيَة، وانتهى الأمر أن غدت بَلَنْسِيَة في يد القمبيطور، وكانت مصابًا عظيمًا، ومحنة جليلة للمسلمين هناك وذلك سنة (488هـ=1096م)، وبقيت بَلَنْسِيَة في أيدي النصارى حتى استردَّها المرابطون سنة 495هـ[10].

                                انتهاء الصراع بسقوط الدولتين


                                عاد المستعين حاملاً أذيال الخيبة من فشل محاولاته في انتزاع بلنسية، إلى أن قُتل في معركة بلتيرة أو فالتيرا أمام ألفونسو المحارب ملك أراجون في (رجب 503هـ=يناير 1110م)، وخلفه ابنه عبد الملك الملقَّب بعماد الدولة، والذي كانت نهاية دولة بني هود على يديه؛ فقد دخل المرابطون سرقسطة سنة (503هـ=1110م)، وكانت آخر ممالك الطوائف سقوطًا في يد المرابطين، وظلَّت في أيديهم إلى أن سقطت في يد ألفونسو الأول ملك أراجون في رمضان (512هـ =1118م) [11].
                                وهكذا انتهت الأحداث بين مملكتي طليطلة وسرقسطة، والتي كان الاعتماد فيها واضحًا على جند النصارى والمرتزقة، والذي كان له بعيد الأثر في تدهور الأوضاع حتى سقوط المملكتين.


                                [1] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/98.
                                [2] ابن عذاري: البيان المغرب 3/277، 278، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص 177، 178.
                                [3] البيت لعمران بن حطان السدوسي.
                                [4] ابن عذاري: البيان المغرب 3/278، 279، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص178.
                                [5] ابن عذاري : البيان المغرب 3/282.
                                [6] انظر تفاصيل ذلك في، ابن عذاري: البيان المغرب 3/277-283، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص178، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/98-101.
                                [7] ابن عذاري: البيان المغرب 3/250.
                                [8] المصدر السابق 3/228.
                                [9] عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/107.
                                [10] ابن عذاري: البيان المغرب 3/303-306، وعنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/229، 287.
                                [11] ابن الأبار: الحلة السيراء 2/248، وابن الخطيب: أعمال الأعلام ص175، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 4/163
                                .

                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X