إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التاريخ الأندلسي .. زهرة التاريخ الإسلامي

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محاكم التفتيش .. شهادة الكولونيل الفرنسي ليموتسكي

    شهادة الكولونيل ليموتسكي

    كتب الكولونيل ليموتسكي أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: «كنت سنة 1809م ملحقًا بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا، وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة، وكان الإمبراطور نابليون أصدر مرسومًا سنة 1808م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية، غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والاضطرابات السياسية التي سادت وقتئذٍ.

    وصمم الرهبان الجزويت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقامًا من القرار الصادر، وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين؛ حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.

    وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعًا يقل المرور فيه من شوارع مدريد؛ إذ باثنين مسلحين قد هجما عليَّ؛ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعًا شديدًا، ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة، وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح، وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام، فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب، وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش، فأسرعتُ إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد، وقصصت عليه النبأ وقال: لا شك بأن مَنْ يُقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار، لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم، والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع، وهاجم دير الديوان، واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة..».

    حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عَنْوة، ثم يتابع قائلاً: «أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعًا وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري، ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراسٍ هزازة، وسجاجيد فارسية، وصور ومكاتب كبيرة، وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع، وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف، فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة، التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع، يوقد أمام صور الرهبان، ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد.

    وكادت جهودنا تذهب سدى، ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئًا يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهمًا باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت، وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت «دي ليل» استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنتهِ حتى الآن؟! قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئًا مريبًا؛ فماذا تريد يا لفتنانت؟! قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف؛ فإن قلبي يحدثني بأن السرَّ تحتها.

    عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة -وكنا نرقب الماء- فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط «دي ليل» من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب، انظروا. فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة، بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.

    أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.

    محاكم التفتيش .. أهوال تشيب لها الولدان




    وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعتُ إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعي يده على كتفي متلطفًا، وقال لي: يابني؛ لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.


    قلت له: يا هذا؛ إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك؟!

    وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.

    وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية، التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.

    رأيتُ فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.

    رأينا غرفًا صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفًا على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدًّا بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.

    وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

    كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.

    كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبُّوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعًا عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.

    أخرجنا السجناء إلى النور تدريجيًّا حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحًا، وهم يُقَبِّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهدًا يُبكي الصخور.

    ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدءون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تمامًا، يُوضع فيه رأس الذي يُريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال؛ حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام في كل دقيقة نقطة، وقد جُنَّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذَّب على حاله تلك حتى يموت.

    وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تُثَبَّت فيه سكاكين حادة.

    كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره، فإذا أغلق مُزِّق جسم المعذب المسكين، وقطعه إربًا إربًا.



    كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشدُّ ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ؛ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.


    وعثرنا على سياط من الحديد الشائك، يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.

    وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب، فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقًّا، وسحقها سحقًا، وأمسكوا كاتم سرِّه وزفوه إلى السيدة الجميلة[1] وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شرَّ ممزق، ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك، ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهبًا ثم أخذ ينهب ما بالدير[2].


    [1] السيدة الجميلة هي آلة التعذيب التي بها السكاكين.
    [2] علي مظهر: محاكم التفتيش، ص132- 139.

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • علماء المسلمين في غرناطة

      الشريف الإدريسي (493-560 هـ= 1100-1165م)



      هو محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الإدريسي الحسني الطالبي، مؤرخ، من أكابر العلماء بالجغرافية، ولد في سبتة ونشأ وتعلم بقرطبة، ويعتبر الشريف الإدريسي- بحق- عمدة الجغرافيين المسلمين، فقد ترك لنا موسوعة جغرافية عظيمة هي كتابه الرائع: «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق».


      قام برحلات عديدة وتجوَّل في شبه الجزيرة الإسبانية، كما وصل إلى شواطئ فرنسا وإنجلترا الجنوبية، بعدها عبر البحر إلى المغرب وتجول في شماله وجنوبه، وعاش حينًا في مراكش، وحينًا آخر في قسنطينة[1]، ثم رحل إلى المشرق وتجوَّل في آسيا الصغرى، وكان لهذه الرحلات أكبر الأثر في تكوين معلوماته الجغرافية، التي مهدت لوضع مؤلفه الجغرافي الكبير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق».

      انتهى المطاف بالإدريسي في جزيرة صقلية، وهناك استقبله ملكها «روجر الثاني» في بلاطه وأغدق عليه وكفله بالرعاية، حيث كان يسبق وصول الإدريسي إلى صقلِّية صيته كرحالة وكعالم جغرافي فذٍّ، وفي صقلية صمم الإدريسي خريطة للعالم هي الأدق والأفضل حتى وقت قريب.

      ثم وضع مؤلفًا جغرافيًّا عامًّا يستعرض فيه العالم المعروف في ذلك الوقت، وتوصف فيه أحوال البلاد والأرضين وأماكنها، وصورها، وبحارها وجبالها، ومزروعاتها وعللها، وما يذكر عنها من العجائب، مع ذكر أحوال أهلها وهيئاتهم ومذاهبهم، وأزيائهم ولغاتهم، وقد استغرق فيه خمسة عشر عامًا، وانتهى من وضعه سنة (549هـ= 1154م).

      نزهة المشتاق في اختراق الآفاق

      وعن كتابه: «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» قال عنه الزركلي: وهو أصح كتاب ألفه العرب في وصف بلاد أوربا وإيطاليا، وكل من كتب عن الغرب من علماء العرب أخذ عنه[2]. وقالت عنه دائرة المعارف الفرنسية: إن كتاب الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وإن ما يحتويه من تحديد للمسافات ووصف دقيق يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى.

      وله أيضًا: الجامع لصفات أشتات النبات (في علم النبات[3])، وروض الأنس ونزهة النفس، وأنس المهج وروض الفرج، وهذا بخلاف الكرة الفضية المرسوم عليها خريطة العالم.
      توفي الإدريسي سنة (560هـ= 1165م).

      لسان الدين بن الخطيب (713-776هـ=1313-1374م)

      هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني، وزير مؤرخ أديب نبيل، كان أسلافه يُعرفون ببني الوزير، وُلِدَ ونشأ بغرناطة، استوزره سلطان غرناطة أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل (سنة 733هـ) ثم ابنه (الغني بالله) محمد من بعده، وعظمت مكانته، ولكنه شعر بسعي حاسديه في الوشاية به، فكاتب السلطان عبد العزيز بن علي المريني برغبته في الرحلة إليه.

      وترك الأندلس خلسة إلى تلمسان، وكان السلطان عبد العزيز بها، فبالغ في إكرامه، وأرسل سفيرًا من لدنه إلى غرناطة بطلب أهله وولده، فجاءوه مكرمين، واستقر بفاس القديمة، قال عنه المقري: الوزير، الشهير الكبير، لسان الدين الطائر الصيت في المغرب والمشرق المزري، عرف الثناء عليه بالعنبر والعبير، المثل المضروب في الكتابة والشعر والطب ومعرفة العلوم على اختلاف أنواعها، ومصنفاته تخبر عن ذلك، ولا ينبئك مثل خبير، علم الرؤساء الأعلام، الوزير الشهير الذي خدمته السيوف والأقلام، وغني بمشهور ذكره عن مسطور التعريف والإعلام، واعترف له بالفضل أصحاب العقول الراجحة والأحلام.

      محنة ابن الخطيب

      لما مات عبد العزيز، وخلفه ابنه السعيد بالله، ثم خلع وتولى المغرب السلطان (المستنصر) أحمد بن إبراهيم، وقد ساعده (الغني بالله) صاحب غرناطة مشترطًا عليه شروطًا؛ منها: تسليمه (ابن الخطيب)، فقبض عليه المستنصر، وكتب بذلك إلى الغني بالله، فأرسل وزيره ابن زمرك إلى فاس، فعقد بها مجلس الشورى، وأحضر ابن الخطيب، فوُجهت إليه تهمتا الزندقة، وسلوك مذهب الفلاسفة، وأفتى بعض الفقهاء بقتله، فأعيد إلى السجن، ثم دَسَّ له رئيس الشورى سليمان بن داود بعض الأوغاد -كما يقول المؤرخ السلاوي- من حاشيته، فدخلوا عليه السجن ليلاً، وخنقوه، وذلك في سنة (776هـ= 1374م)، ثم دفن ابن الخطيب في مقبرة (باب المحروق) بفاس.

      ألَّف ابن الخطيب الكثير من الكتب القيمة التي تُعَدُّ مرجعًا خالدًا؛ منها: الإحاطة في أخبار غرناطة، الإعلام في منْ بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، واللمحة البدرية في الدولة النصرية، ورقم الحلل في نظم الدول، وأعمال الأعلام، ومقنعة السائل عن المرض الهائل، روضة التعريف بالحب الشريف، وعمل من طب لمن أحب، والتاج المحلى في مساجلة القدح المعلى، والوصول لحفظ الصحة في الفصول، ومعيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، والكتيبة الكامنة، وخطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف، ودرة التنزيل.. وغيرها من المؤلفات الجيدة[4].

      ابن بطوطة (703-779هـ= 1304-1377م)

      هو الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة، وُلِدَ في طنجة، عام (703هـ= 1304م)، ينتمي إلى قبيلة «لواتة»، وهي قبيلة بربرية كبيرة، كانت بطونها تنتشر على طول الساحل الإفريقي الشمالي من المحيط إلى ليبيا.

      رحلات ابن بطوطة

      يُعدُّ ابن بطوطة أشهر رحالة عربي، بل سيد رحالة القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي دون منازع؛ حيث إنه قضى 28 عامًا متنقلاً أو مرتحلاً في أجزاء العالم المعروف في أيامه، وقد بدأ رحلته التي استغرقت كل هذه السنين من موطنه في طنجة مجتازًا ساحل شمال إفريقيا، حتى وصل إلى مصر، ومنها إلى جزيرة العرب، ثم الشام، ثم بلاد فارس، ثم البحرين، وعُمان، ثم شرق إفريقيا، بعدها تجوَّل في آسيا الصغرى والقرم وحوض الفولجا الأدنى - الجنوبي - ودخل القسطنطينية ثم توجَّه شرقًا إلى خوارزم وبخارى وكردستان وأفغانستان والهند - حيث مكث ثماني سنوات، ثم زار جزر المالديف وبعض جزر الهند الشرقية والصين، وكان قد بدأ تلك الرحلة سنة (1325م) ليعود إلى طنجة سنة (1347م)، واتصل ابن بطوطة خلال رحلاته تلك بالكثير من الملوك والأمراء، فمدحهم - وكان ينظم الشعر - واستعان بِهِبَاتِهم على أسفاره.

      بعد ذلك قام برحلتين قصيرتين: الأولى في ربوع الأندلس سنة (1350م)، والثانية في السودان ووسط إفريقيا سنة (1352م)؛ ليعود ويستقرّ في فاس سنة 1354م؛ ليملي فيها وصف رحلته التي سماها: «تحفة النظار وغرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، والمشهور لدينا باسم «رحلة ابن بطوطة»، وقد أملاها على ابن جُزي الكاتب ببلاط السلطان المغربي أبي عفان المريني، وذلك سنة (1356م).

      وقد قُدِّرت المسافة التي قطعها ابن بطوطة في رحلته بنحو 120 ألف كيلو متر... ولنا أن نتخيل أي رحلة تلك وأي رحَّالة كان ابن بطوطة؛ إذا تصورنا وسائل النقل التي كانت متوفرة في تلك الحقبة من الزمن!

      ويمكننا تقسيم رحلات ابن بطوطة كما جاءت في كتابه «تحفة النظار» إلى ثلاث رحلات:
      - الرحلة الأولى: تقع في الفترة الزمنية من سنة 1334م إلى سنة 1349م، زار فيها ابن بطوطة شمال إفريقيا، ومصر، والشرق الأوسط، وشرق إفريقيا، وجزيرة العرب، واليمن، ثم قصد القسطنطينية، وبعد أن أقام بها فترة من الزمن عاد إلى الهند، ثم سافر مع أعضاء البعثة الدبلوماسية التي أرسلها سلطان الهند محمد شاة، فزار جزائر الهند ومالديف وسيلان والصين.

      - الرحلة الثانية: في الفترة 1351م إلى 1652م، وتجوَّل فيها في بلاد الأندلس.

      - الرحلة الثالثة: في الفترة من 1352م إلى 1354م وتجوَّل فيها في السودان وغرب إفريقيا.

      وتستمد رحلات ابن بطوطة قيمتها من تميُّز صاحبها عن سواه من الرحالة السابقين في التفوق في الدرس؛ إذ لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ألَمَّ بها وبسطها بتفصيل، وإذا كان ابن بطوطة سابع سبعة من أعلام الرحالة العرب (المقدسي والإدريسي وابن جبير والسمعاني وياقوت والبيروني)، إلا أنه أكثرهم تميّزًا، وأشدهم عناية بالحديث عن الحالة الاجتماعية للمجتمع أو البلد الذي يراه.

      قال ابن جزي –تلميذ ابن بطوطة وكاتب كتابه-: لا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال العصر، ومَنْ قال: رحال هذه الملة لم يبعد، ولم يجعل بلاد الدنيا للرحلة. واتخذ حضرة فاس مقرًّا ومستوطنًا بعد طول جولانه.

      مات ابن بطوطة في مراكش سنة (779هـ= 1377م)، وتُلَقِّبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالة المسلمين.

      ابن البناء المراكشي (654-721هـ= 1256-1321م)

      هو الشيخ المحقق أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن البناء الأزدي المراكشي، سُمِّيَ بـ«ابن البناء»؛ لأن أباه كان يعمل بنَّاءً؛ وُلِدَ في مراكش سنة (654هـ=1256م)، من مؤلفاته: حاشية على الكشاف، ومنتهى السلوك (في علم الأصول)، وكليات في المنطق وشرحها، وكليات (في العربية)، والمقالات (في الحساب)، واللوازم العقلية في مدارك العلوم، والروض المريع في صناعة البديع، وعنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل، ورسالة في المكاييل، وجزء في المساحات، ومقالة في علم الإسطرلاب، وقانون (في معرفة الأوقات بالحساب).

      ومن كتبه -أيضًا- «تلخيص أعمال الحساب»، وقد نظمه ابن غازي، وشرح نظمه، وطُبع النظم وشرحه بفاس، ويُعدُّ هذا الكتاب المرجع الأساسي في علم الحساب في أوربا، حتى مطلع القرن العاشر الهجري (السادس عشر ميلادي) واهتم علماء الغرب بتحقيقه وترجمته إلى لغات مختلفة, حتى أوائل القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر ميلادي)، ويؤكد جورج سارتون في كتابه «المدخل إلى تاريخ العلوم» أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء المراكشي يحتوي على نظريات حسابيه وجبريه مفيده؛ إذ أوضح العويص منها إيضاحًا لم يسبقه إليه أحد؛ لذا يرى سارتون أنه يُعتبر من أحسن الكتب التي ظهرت في علم الحساب. أمَّا ديفيد يوجين سمث فقد ذكر في كتابه تاريخ الرياضيات أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء يشتمل على بحوث كثيرة في الكسور ونظريات لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها, وقانون الخطأين لحلِّ المعادلة من الدرجة الأولى.

      ويذكر فرانسيس كاجوري في كتابه «المقدمة في الرياضيات» أن ابن البناء المراكشي قدَّم خدمة عظيمة بإيجاده الطرق الرياضية البحتة لإيجاد القيم التقريبية لجذور الأعداد الصم. أما العلامة ابن خلدون فيقول عن كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء: «وهو مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني, وهو كتاب جدير بذلك، وإنما جاءه الاستغلاق من طريق البرهان ببيان علوم التعاليم؛ لأن مسائلها وأعمالها واضحة كلها, وإذا قصد شرحها, إنما هو إعطاء العلل في تلك الأعمال, وفي ذلك من العسر على الفهم ما لا يوجد في أعمال المسائل.

      وأضاف عمر رضا كحالة في كتابه «العلوم البحتة في العصور الإسلامية» قائلاً: «كتاب تلخيص أعمال الحساب لابن البناء يحتوي على بحوث مختلفة، تمكن ابن البناء من جعلها -على الرغم من صعوبة بعضها- قريبة المتناول والمأخذ, وقد أوضح النظريات العويصة والقواعد المستعصية إيضاحًا لم يُسبق إليه فلا تجد فيها التواء أو تعقيدًا.

      عاش ابن البنَّاء 67 سنة، وتوفي في مراكش سنة (721هـ=1321م).


      [1] قسنطينة: مدينة شرق الجزائر.
      [2] الزركلي: الأعلام 7/24.
      [3] يبحث هذا الكتاب في 560 نوعًا من النباتات، واعتمد عليه ابن البيطار، ولولا إنجاز الإدريسي العظيم في الجغرافي لعُدَّ من أهم علماء النبات.
      [4] انظر في تفاصيل حياته، مقدمة التحقيق الذي كتبه الأستاذ محمد عبد الله عنان لكتاب «الإحاطة في أخبار غرناطة».

      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • أمة الإسلام بين الصعود والهبوط

        سنة قيام وسقوط الأمم

        بعد وصول المسلمين في الأندلس إلى هذه المرحلة من الضعف والتفتت والهوان هناك تعليق عام وتحليل، واستراحة على طول طريق الأندلس منذ الفتح وحتى هذه المرحلة، نستجلي فيه سُنَّة من سنن الله I في كونه بصفة عامة، وفي الأمة الإسلامية بصفة خاصة، وهي سُنَّة قيام وسقوط الأمم، وسُنَّة الارتفاع والهبوط، تلك التي لوحظت بشكل لافت في الدولة الإسلامية خاصة.

        وحقيقةُ الأمر أنه منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، بل حتى قيام الساعة، اقتضت سُنَّة الله في الأمم والحضارات بصفة عامة أن تقوم ثم تسقط وتزدهر ثم تندثر، فمن سنن الله تعالى أن كانت هناك قوانين اجتماعية وإنسانية عامة تتصل مباشرة بضبط مسيرة الحياة الإنسانية ومسيرة الأمم والشعوب، فإذا ما التزمت الأمم والحضارات بهذه القواعد دامت وكانت في خير وسعادة، وإذا حادت عنها لقيت من السقوط والاندثار ما هي أهل له؛ قال تعالى: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [آل عمران: 140].

        وليست الأمة الإسلامية بمنأى عن هذه السنن الكونية، فمنذ نزول الرسالة على رسول الله والدولة الإسلامية تأخذ بأسباب القيام فتقوم، ثم تحيد عنها فيحدث الضعف ثم السقوط.



        وأسباب قيام الدولة الإسلامية كثيرة على نحو ما ذكرنا فيما مضى، والتي كان من أهمِّها:

        الإيمان بالله والاعتقاد الجازم بنصرته وقدرته.

        الأُخوة، والوحدة، والتجمُّع ونبذ الفرقة.

        العدل بين الحاكم والمحكوم.

        العلم، ونشر الدين بين الشعوب.

        إعداد العدة، والأخذ بالأسباب

        { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال: 60].

        فإذا أخذ المسلمون بهذه الأسباب فإنهم سرعان ما يقومون، وغالب الأمر يكون القيام بطيئًا ومتدرجًا، وفيه كثير من الصبر والتضحية والثبات، ثم بعد ذلك يكون القيام باهرًا، ثم يحدث انتشار للدولة الإسلامية بصورة ملموسة، حتى تُفتح الدنيا على المسلمين، وهنا يصبر القليل على الدنيا وزينتها ويقع الكثيرون في الفتنة.
        « إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ »[1].

        ومن جديد يحدث الضعف فالسقوط، وعلى قدر الفتنة بالمادة والمدنية يكون الارتفاع والانحدار، والسقوط والانهيار.

        فقه عمر بن الخطاب في مقاومة الفتنة

        وأمر الفتنة هذه هو الذي فقهه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة (17هـ=735م) حينما أمر بوقف الفتوحات في بلاد فارس، في عمل لم يتكرَّر في تاريخ المسلمين، إلا لدى قليل ممن هم على شاكلته، وذلك حين فُتحت الدنيا على المسلمين وكثرت الغنائم في أيديهم.

        خاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تتملك الدنيا من قلوب المسلمين، وخشي أن يُفتَنوا بالدنيا ويخسروا الآخرة فيخسروا دولتهم، وكان همه أن يُدخل شعبه الجنة، لا أن يُدخله بلاد فارس، إذا كان دخول فارس على حساب دخول الجنة، وقال رضي الله عنه: وددت أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لا نصل إليهم منه ولا يصلون إلينا[2]. ولم يعد رضي الله عنه إلى مواصلة الفتوح إلا بعد أن هجم الفرس على المسلمين، وخاف على المسلمين الهزيمة والضياع.

        والأمة الإسلامية تنفرد بأنها أمة لا تموت ودائمًا في قيام، فإذا سقطت أتبع السقوط قيام، أما ألا يُتبَع السقوطَ قيامٌ فهذا ليس من سنن الله مع المسلمين، ولا يحدث إلا مع أمم الأرض الأخرى غير الإسلامية، تلك الأمم التي يغلب عليها سقوط واندثار لا يتبعه رجعة، حتى وإن طال أجل القيام والازدهار، ومن أصدق الأمثلة على ذلك حضارة الفراعنة، واليونان، وإمبراطوريتي فارس والروم، وإمبراطورية إنجلترا التي لا تغرب عنها الشمس.. وهذه السُّنة الكونية يمثلها قوله تعالى: { كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21].
        وقوله تعالى : { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55].
        ومما يُثبت سُنَّة الله هذه في الدولة الإسلامية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا »[3].


        فمعنى هذا أنه سقوط، ومن بعد السقوط ارتفاع وعلوٌّ، وهذا الارتفاع سيكون على يد مجدِّد أو مجموعة مجدِّدين، وهكذا إلى قيام الساعة.

        والتاريخ الإسلامي مليء بمثل هذه الفترات، ففيه الكثير من أحداث الارتفاع والهبوط، ثم الارتفاع والهبوط، ولم يكن هذا خاصًّا بتاريخ الأندلس فقط؛ بل إن صحابة رسول الله شاهدوا ذلك بأعينهم، فبعد وفاته مباشرةً حدث سقوط ذريع وانهيار مروِّع، ورِدَّة في كل أطراف جزيرة العرب، التي لم يبق منها على الإسلام سوى مكة والمدينة وقرية صغيرة تسمى هجر (هي الآن في البحرين).

        وبعد هذا السقوط يحدث قيام عظيم وفتوحات وانتصارات، كان قد جدَّد أمرها وغرس بذرتها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد أن أجهز على الردَّة، ثم فُتحت الدنيا على المسلمين في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فحدثت الفتنة والانكسارات في الأمة الإسلامية؛ مما أدَّى إلى مقتله رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد وصاحب رسول الله ، وظلَّت هكذا طيلة خلافة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

        ومن جديد يستتبُّ الأمر، وتقوم الدولة الأموية وتستكمل الفتوح، ثم فترة من الزمان ويحدث سقوط آخر حين يفسد أمر بني أمية، وعلى أَثَره يقوم بنو العباس فيُعيدون من جديد المجد والعزّ للإسلام، وكالعادة يحدث الضعف ثم السقوط، وعلى هذا الأمر كانت كل الدول الإسلامية الأخرى التي جاءت من بعدها، مرورًا بالدولة الأيوبية وانتهاءً بالخلافة العثمانية الراشدة، التي فتحت كل شرق أوربا، وكانت أكبر قوة في زمنها.

        فهي إذًا سنة من سنن الله تعالى، ولا يجب أن تَفُتَّ في عضد المسلمين، ولا بُدَّ للمسلمين من قيام بعد سقوط، كما كان لهم سقوط بعد قيام، وكما ذكرنا سابقًا فإنه ليس بين الله تعالى وبين أحد من البشر نسب.
        « يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا »[4].

        فإن ضلَّ المسلمون الطريق، وخالفوا نهج نبيهم؛ فستكون الهزيمة لا محالة، وسيكون الانهيار المروِّع الذي شاهدناه في الأندلس، والذي نشهده في كل عهود المسلمين.

        واقع العالم الإسلامي المعاصر

        المرحلة التي يعيشها المسلمون الآن وتصنيفها:
        قد يتساءل المرءُ: ما هو تصنيفنا كمسلمين في هذا العصر وفقًا للمراحل السابقة ما بين الارتفاع والهبوط، أو القيام والسقوط؟

        وواقع الأمر- وكما هو واضح للعيان- أن الأمة الإسلامية تمرُّ الآن بمرحلة من مراحل السقوط؛ سقوط كبير وضعف شديد وفرقة للمسلمين، سقوط مباشر لسقوط الخلافة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي، وهو أمر طبيعي ودورة طبيعية من دورات التاريخ الإسلامي، وسُنَّة من سنن الله تعالى كما رأينا.


        إلا أن مرحلة السقوط الأخيرة هذه قد شابها أمران لم تعهدهما الدولة الإسلامية، ولم يحدثا من قبل في مراحل سقوطها المختلفة:

        غياب الخلافة

        إذ حدث ولأول مرة في التاريخ أن يُصبح المسلمون بلا دولة واحدة تجمعهم، فرغم ما كان وما يكون من السقوط والانهيار على مدى فترات الضعف التي مرت بها الأمة الإسلامية، إلا أنه لم تكن لتغيب صورة الخلافة عن الأذهان بحالٍ من الأحوال، منذ الدولة الأموية في القرن الأول الهجري، وحتى سقوط الخلافة العثمانية في القرن الرابع عشر الهجري؛ حيث كان الإسلام سياسيًّا (دين ودولة) طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان.

        غياب الشرع الإسلامي

        فلم يكن -أيضًا- في أيٍّ من عصور السقوط السابقة للدول الإسلامية، مع ما يصل المسلمون إليه من تدنٍّ وانحدار لم يكن قطُّ يُلغى الشرع أو يغيب، نعم قد يُتجاوز أحيانًا في تطبيق بعض أجزائه، لكن لم يظهر على الإطلاق دعوة تنادي بتنحية الشرع جانبًا، وتطبيق غيره من قوانين البشر مما هو أنسب وأكثر مرونة على حسب رؤيتهم.

        وإن مثل هذين العاملين ليجعلان من مهمة الإصلاح والتغيير أمرًا من الصعوبة بمكان، ورغم ذلك فإنه وكما أوضحنا ليس بمستحيل؛ لأن المستحيل هنا هو التعارض مع سنن الله I التي تقول بأن دولة الإسلام في قيام حتى قيام الساعة.

        مبشرات قيام الأمة الإسلامية



        وهناك من المبشِّرات نحو قيام الدولة الإسلامية الآن الكثير والكثير، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية سنة (1342هـ= 1924م) كان قد حدث انحدار كبير -ولا شك- في معظم أقطار العالم الإسلامي، إن لم يكن كله (بعد سقوط الخلافة العثمانية أُقيمت الدول العربية عدا السعودية على أساس علماني شبيه بالدول الغربية)، وظلَّ هذا الوضع حتى أوائل السبعينيات، ثم كانت الصحوة في كل أطراف الأمَّة الإسلامية في منتصف السبعينيات وإلى يومنا هذا.


        ونظرة واحدة إلى أعداد المصلين في المساجد خاصة الشباب، وإلى أعداد المحجبات في الشوارع في كل أطراف العالم الإسلامي، وانتشار المراكز الإسلامية في كل بلاد أوربا وفي أميركا، والصحوة الجهادية في البلاد المحتلة مثل فلسطين والعراق والشيشان وغيرها، وحال الإسلام في جمهوريات روسيا السابقة بعد احتلال نصراني وشيوعي دام لأكثر من ثلاثمائة عام، نظرة واحدة إلى مثل هذه الأمور وغيرها يُبَشِّر بالقيام من جديد.


        [1] الترمذي: 2336 وقال: هذا حديث صحيح غريب. وأحمد 17506، وابن حبان 3223، والحاكم:
        [2] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/498، وابن الأثير: الكامل في التاريخ، 2/382.
        [3] أبو داود: كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة 4291، وقال: رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني لم يجز به شراحيل. والحاكم 8592، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة 599.
        [4] البخاري: كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب 2602، ومسلم: كتاب الأيمان، باب في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 204.

        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • أمة الإسلام أمة لن تموت

          انتصارات المسلمين بين التاريخ والواقع



          لا شك أن انتصارات المسلمين في السابق في مثل مواقع الزلاقة ووادي برباط، وأي من المواقع الإسلامية الأخرى في غير تاريخ الأندلس، لا شك أنه أمر يبعث العزة ويدعو إلى الفخر؛ لكن مثل هذه الانتصارات السابقة كانت حيث السيوف والرماح والخيول، ولقاء الجندي بالجندي، أما الآن وقد اختفت مثل هذه الأمور، بل واندثرت تمامًا، وتبدَّل الوضع؛ فأصبحت الحرب غير الحرب، والطاقة غير الطاقة، حيث الحرب الإلكترونية، وحيث الطائرات والقنابل العنقودية، والصواريخ العابرة والموجهة، والأسلحة الكيميائية والنووية، وغير ذلك مما لم يكن على سابق ما مضى تمامًا.


          فهل يستطع المسلمون أن يحققوا نصرًا في مثل هذه الظروف، وتلك المستجدات، ورغم ما هم فيه من تخلفٍ وانحطاطٍ كانتصارات سابقيهم؟!

          والحقيقة أن مبعث مثل هذا الخاطر وذاك السؤال هو عدم الفهم والوعي لعاملَيْن مهمَّيْن جدًّا، كنا قد تحدثنا عنهما فيما مضى؛ وهما:

          أمة الإسلام أمة لا تموت


          اقتضت سُنَّة الله في كونه أن تكون أمة الإسلام أمة لا تموت، وأنها أبدًا في قيام، وأنه لا بُدَّ من القيام بعد السقوط كما كان السقوط بعد القيام، بصرف النظر عن مدى قوة وعظم الكافرين وضعف المسلمين، فالله I يقول: { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196- 197].

          إدراك أن المعركة بين الحق والباطل

          فالحرب بين المسلمين وغيرهم ليست متمثِّلَة في شكل دول أو أشخاص، إنما هي حرب عقائدية، حرب بين الحق والباطل، وهي بأيسر تعبير معركة بين أولياء الله تعالى وأولياء الشيطان.

          فماذا تكون النتيجة إذًا إذا كانت المعركة على هذا النحو؟ وهل ينتصر حزب الشيطان وأولياؤه مهما تعاظمت عناصر القوة لديهم، أم ينتصر حزب الله وأولياؤه، وإن قلَّت وضعفت إمكاناتهم وطاقاتهم؟

          وفي استدعاءٍ للتاريخ والمواقع الإسلامية السابقة خير مثال ودليل على ما ذهبنا إليه، فهل كان من الطبيعي بالقياسات القديمة أن يحقق المسلمون النصر في معاركهم كلها فيما مضى؟! هل كان من الطبيعي في معركة القادسية -على سبيل المثال- أن ينتصر اثنان وثلاثون ألف مسلم على مائتي ألف فارسي؟! بكل قياسات الماضي وقياسات الوضع الطبيعي، هل من الممكن أن يحدث مثل هذا؟ وأين؟ في بلادهم وعقر دارهم.

          وهل كان من الطبيعي في معركة اليرموك أن ينتصر تسعة وثلاثون ألف مسلم على مائتي ألف رومي؟! وهل كان من الطبيعي أن ينتصر ثلاثون ألف مسلم في تُستر على مائة وخمسين ألف فارسي ثمانين مرة متتالية في خلال سنة ونصف، وفي عقر دارهم أيضًا؟! وهل كان من الطبيعي كما ذكرنا في أحداث الأندلس السابقة أن ينتصر اثنا عشر ألف مسلم على مائة ألف قوطي في معركة وادي برباط؟!

          هذه كلها أمور من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تحدث حتى بقياسات الماضي، وهو لغز لا يمكن أن نجد له حلاًّ إلا بطريقة واحدة، هي أن نعلم ونتيقن أن الله تعالى هو الذي يحارب الكافرين؛ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى } [الأنفال: 17]. ويقول أيضًا: { وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } [محمد: 14].

          فالله تعالى يختبر المؤمنين بحربهم مع الكافرين، وليس هو I في حاجةٍ إلينا لينتصر على أعدائه أو المشركين به من اليهود والأميركان والروس، أو غيرهم من أمم الأرض الذين جحدوا وحدانيته واجتاحوا بلاد المسلمين، إنما كان من فضله علينا وجُوده وكرمه أن استعملَنَا جنودًا عنده تعالى ، وإنما نحن كمن يستر القدرة ويأخذ الأجرة، فنحن نستر قدرة الله تعالى في هزيمته للكافرين، ونأخذ الأجر على الثبات في هذا الموقف أمام الكفار.

          والذي يقول بأن الموقف في الماضي مخالف عن الموقف في الحاضر، أو أن حروب الماضي مختلفة بالكلية عن حروب الحاضر، وهو يعلم أن الله تعالى هو الذي نصر الصحابة ونصر مَنْ تبعهم بإحسان وإلى يوم الدين، من يرى هذا كأنه يقول -حاشا لله من هذا- بأن الله كان قادرًا على عادٍ وثمود وفارس والروم، ولكنه -نعوذ بالله من ذلك- ليس بقادر على أميركا واليهود وروسيا ومَنْ حالفهم، أو شايعهم من الأمم الحاضرة المقاتلة لأمة الإسلام!

          يقول تعالى في كتابه الكريم حكاية عن الأمم العاتية السابقة: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15].

          ويقول أيضًا في وصف حال الكافرين: { اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } [فاطر: 43- 44].

          غروب الإسلام في الأندلس وشروقه في القسطنطينية

          إن ما يمكن أن نستقيه من تاريخ الأندلس؛ أنه لا يغيب الأمل أبدًا في نصر الله، فإن الله دائمًا ما يُقَيِّض لهذه الأمة مَنْ ينصرها، ومَنْ يُجَدِّد لها أمر دينها.

          وقد حدث مثل ذلك كثيرًا في تاريخ الأندلس، كان منه ما حدث في نهاية عهد الولاة، وذلك بقيام عبد الرحمن الداخل، ثم ما حدث -أيضًا- في نهاية الإمارة الأموية على يد عبد الرحمن الناصر، وهكذا في كل عهد تجد مَنْ يجدِّد لهذه الأمة أمر دينها، تجد يوسف بن تاشفين، وتجد يعقوب المنصور الموحدي، وتجد يعقوب المنصور المريني، وغيرهم الكثير.

          وقد يتساءل البعض قائلاً: لقد انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكلية، فأين ذاك القيام، الذي من المفترض أن يكون بعد هذا الانتهاء، ما دامت كانت قد جرت السنة على ذلك؟!

          وفي معرض الردِّ على مثل هذا السؤال نسوق حدثًا في غاية الغرابة، فقد حدث قبل سقوط الأندلس الأخير بنحو أربعين سنة حادث عجيب، وأعجب منه هذا التزامن الذي فيه، فقد فُتحت القسطنطينية في سنة (857هـ= 1453م) أي قبل سقوط الأندلس بأربعين عامًا، فكان غروب شمس الإسلام على أوربا من ناحية المغرب يزامنه شروق جديد عليها من ناحية المشرق، واستبدل الله هؤلاء الذين باعوا، وأولئك الذين خانوا من ملوك غرناطة في الأندلس بغيرهم من العثمانيين المجاهدين الفاتحين الأبرار، الذين فتحوا القسطنطينية وما بعدها، وقد بدأ الإسلام ينتشر في شرق أوربا انتشارًا أسرع وأوسع مما كان عليه في بلاد الأندلس وفرنسا.

          وإنها- وايم الله- لآية من آيات الله I تبعث الأمل وتبثُّه في نفوس المسلمين في كل وقت وكل حين، مبشرة ولسان حالها: أمة الإسلام أمة لا تموت.

          أمة الإسلام . بك أم بغيرك؟!

          لكن المهم والذي من المفترض أن يشغل بال المسلم الحريص على دينه هو معرفة دوره هو في هذا القيام وهذه الدعوة، ومعرفة دوره في انتصار مثل انتصار الزلاقة، وغيره من مواقع المسلمين الخالدة.

          فإن كان قيام أمة المسلمين بنا فنحن مأجورون على ذلك، حتى ولو لم نَرَ نصرًا، وإن كان القيام بغيرنا فقد ضاع منا الأجر، حتى ولو كنا معاصرين لذلك النصر وذاك التمكين، وهذا هو ما يجب أن يستحوذ على أذهان المسلمين، وأن يعملوا ليكون لهم دور في إعادة بنيان هذه الأمة بعد ذاك السقوط الذي تحدثنا عنه.


          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • فلسطين حتى لا تكون أندلسا أخرى


            طبيعة الاستعمار الإسباني لبلاد الأندلس



            سؤال من تاريخ الأندلس ربما يكون هو الأخطر من نوعه، وربما يكون قد شغل أذهان البعض كثيرًا، وهو: لماذا انتهى الإسلام بالكلِّيَّة من بلاد الأندلس؟!


            فبلاد الأندلس (إسبانيا والبرتغال) هي اليوم من أقل بلاد العالم في عدد المسلمين، والذين بلغ عددهم فيها مائة ألف مسلم فقط، أي أقل من عدد المسلمين في مدينة من مدن أميركا.

            ففي مدينة دالاس الأميركية وحدها يصل عدد المسلمين إلى مائة ألف مسلم، وهي بعدُ لم تكن قد حُكمت بالإسلام، بينما تعداد المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) وبعد أن حُكمت ثمانية قرون بالإسلام لا يزيد عن مائة ألف مسلم، وهو أمر في غاية الغرابة.

            ومن هنا كان هذا السؤال: لماذا انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكلَّيَّة كأفراد وشعوب ولم ينتهِ من البلاد الأخرى، والتي استُعمرت استعمارًا صليبيًّا، طال أمده في بعض الدول؛ مثل: الجزائر التي احتُلت ثلاثين ومائة سنة، ومصر التي احتُلت سبعين سنة، وفلسطين احتُلت مائتي سنة في زمن الصليبيين، وغيرها من الدول الإسلامية التي غُلبت على أمرها، ورغم ذلك لم يندثر المسلمون، أيًّا كانت طريقة اندثارهم، ولم يتغيروا وظلوا مسلمين وإلى الآن؟!

            وللإجابة على هذا التساؤل لننظر أولاً ما كان يفعله الاستعمار الإسباني في بلاد الأندلس، فقد كان الاستعمار الإسباني استعمارًا استيطانيًّا إحلاليًّا، ما أن يدخلوا بلدًا إلا قتلوا كل مَنْ فيه من المسلمين في حرب إبادة جماعية، أو يطردونهم ويُهَجِّرونهم إلى خارج البلد، ثم يُهجِّرون إليها من النصارى من أماكن مختلفة من الأندلس وفرنسا مَنْ يحل ويعيش في هذه المدن وتلك الأماكن التي خلفها المسلمون، وبذلك لم يَعُدْ يبقى في البلاد مسلمون.

            وحكم البلاد وعاش فيها بعد ذلك نصارى وأبناء نصارى، على عكس ما كان يحدث في احتلال البلاد الإسلامية الأخرى؛ مثل: مصر، والجزائر، وليبيا، وسوريا، وغيرها؛ فإن الاحتلال في هذه البلاد كان بالجيوش لا بالشعوب، واحتلال الجيوش ولا شك مصيره إلى ردة وزوال.

            وإن مثل هذا ليضع أيدينا على شيء هو في غاية الأهمية؛ ذلك أن الاحتلال الاستيطاني هذا الذي حدث في بلاد الأندلس لم يتكرر في أيٍّ من بلاد العالم إلا في مكان واحد فقط، وهو -أيضًا- يخصُّ المسلمين، وهو فلسطين.

            فلسطين حتى لا تكون أندلسا أخرى


            إن ما يحدث الآن في فلسطين وعلى أرضها ما هو إلا تكرار لأندلس جديدة، ما يفعله اليهود الآن من تهجير اليهود إلى أرض فلسطين، وإبادة في الشعب الفلسطيني بالقتل والطرد والتشريد، وإصرارهم (اليهود) على عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم، ثم الإكثار من بناء المستعمرات، كل ذلك وغيره ما هو إلا خطوة من خطوات إحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطيني.


            فقد شُرِّد الشعب الفلسطيني وبات مصيره في طيِّ النسيان، بات العالم أجمع ينسى قضيته يومًا بعد آخر، بل بات محتملاً أن ينسى هو نفسه (الشعب الفلسطيني) قضيته، وأخشى والله! أن ينسى الفلسطينيون المشردون القضية تمامًا كما نسيها أهل الأندلس، الذين هاجروا إلى بلاد المغرب وإلى تونس والجزائر بعد عام أو عامين، أو عشرة أعوام، أو حتى بعد مائة عام، فقد مرَّ الآن على سقوط الأندلس خمسمائة عام، فمن يُفَكِّر في تحريرها؟!

            وهكذا وعلى هذا الوضع يسير اليهود ويجمِّعون شتاتهم إلى بلاد فلسطين لإحلال الشعب اليهودي مكان الشعب الفلسطيني.

            فكانت قضية فلسطين شديدة الشبه بالأندلس، وتُرى لماذا عُقد اتفاق السلام عام 1992م بين اليهود وبين الفلسطينيين، ومن بين كل بلاد العالم هناك يعقد في إحدى مدن الأندلس القديمة في مدريد؟!

            كانت مفاوضات السلام تدور في أوسلو وترعاها أميركا وروسيا وغيرها من البلاد، ومع ذلك أُقيمت في «مدريد» وفي إزالة علامات التعجب نجد أن ذلك كان بسبب أن المفاوضات قامت في سنة 1992م، وهي ذكرى سقوط الأندلس؛ حيث كان قد مر على سقوطها خمسمائة عام.

            ففي تلك الأثناء كانت شوارع «مدريد» مكتظة بالاحتفالات والمهرجانات، حيث هزيمة المسلمين وانتصار الصليبيين في هذه الموقعة القديمة منذ خمسمائة عام، وكأنهم يبعثون برسالة مفادها: ها هو التاريخ يتكرَّر، وها هي أحداث الأندلس تتكرر من جديد في فلسطين، وها هي الانتفاضة التي تحدث في فلسطين تُقتَل كما قُتلت من قبل انتفاضة موسى بن أبي غسان في غرناطة، ها هو التاريخ يتكرر، لا داعي للحرب، ولا داعي للجدال والمحاورات الكثيرة؛ فإن مصيركم هو ما حدث في الأندلس من قبل.

            دراسة التاريخ

            بعد هذه الدراسة، وبعد تلك الحقبة المهمة من تاريخ المسلمين، نستطيع أن نسطر من جديد: ما كان التاريخ -وتاريخ الأندلس خاصة- يومًا ما بُكاءً على اللبن المسكوب، ولا عيشًا في صفحات الماضي، إنما كان لأخذ الدرس والعبرة، وكما ذكرنا في البداية :
            { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف: 176].

            وأيضًا: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [يوسف: 111].

            والذي يجب أن يشغلنا الآن هو أن نقف مع تاريخ الأندلس وقفة نفهم منها أحداث فلسطين والعراق؛ وأحداث أفغانستان، الشيشان، وكوسوفا، والبوسنة والهرسك، وكشمير، وغيرها من البلاد، وما دور الشعوب والأفراد في قضية فلسطين حتى لا تصبح أندلس أخرى.

            والذي يجب أن يشغلنا هو أن يعرف كلٌّ منا دوره في الحياة؛ ومن ثَمَّ يقوم عليه بأحسن ما يكون وأحسن ما يجب أن يكون القيام، وإن معرفة مثل ذلك لتقبع خلف كل صفحة من صفحات تاريخ الأندلس، وخلف كل صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي بصفة عامة.

            وليعلم كل منا أنه إنما هو على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام، فليحذر وليحرص كل الحرص على ألا يُؤْتى الإسلام من قِبله، ولا يُلدغ الثانية، وقد قال تعالى : { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55].

            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • كلمة شكر وتقدير


              في الختام لا يسعني الا ان اتوجه الا بالشكر والامتنان والتقدير
              الى الدكتور راغب السرجاني صاحب الموضوع


              فكل الشكر والامتنان للدكتور راغب على على هذا الموضوع الطيب وما بذله من جهد ووقت في تنقية التاريخ الإسلامي الاندلسي من الشوائب التي علقت به مع مرور الأزمان من جهة وفي تنوير المسلمين فيما يتعلق بتاريخهم المليء بالعبر والعظات من جهة أخرى وتقويمه مسار الامة وردها لسبل الخير ...

              هو كالطبيب ، كما يداوي المرضى فهو ايضا يغرس فيهم الامل فكلما نقرأ نحس بالامان وان الامة ما زالت بخير من خلال توجيهه الامة الى افضل طريق وهو العلم
              لقد انار ابصارنا نحو كثير من الامور
              بتحليلاته للأمور ونظراته الشمولية للاححداث على حقيقتها ... واعادنا لماضي تاريخنا المنسي .

              بارك الله له في علمه وولده وعمله ومد في عمره

              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • ما شاء الله تبارك الرحمن
                متألق بعلمك وفهمك وقبلها خلقك الطيب

                حياة الإنسان كتاب . لكن قلائل هم الذين يعرفون قراءة اكثر من صفحة منه !

                تعليق


                • بارك الله فيك

                  تعليق

                  يعمل...
                  X