إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التوسل أنواعه وأحكامه

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    فهذه وأمثالها اعتقادات باطلة، بل خرافات وترهات، وظنون وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، وقد رأيت أن أصلها أحاديث موضوعة مكذوبة، لعن الله واضعها، وقبح ملفقها.
    وعلى هذا فإن الوسائل الكونية منها ما هو مباح أذن الله به، ومنها ما هو حرام نهى الله عنه، وقد ذكرت فيما سبق أمثلة من هذه الوسائل بنوعيها مما يَهم الناس فيه، ويظنونه مباحاً وموصولاً إلى القصد مع أنه بعكس ذلك، وأذكر فيما يلي بعض الأمثلة على الوسائل الكونية المشروعة وغير المشروعة.
    فمن الوسائل الكونية المشروعة للكسب والحصول على الرزق اتخاذ البيع والشراء والتجارة والزراعة والإجارة، ومن الوسائل الكونية المحرمة الإقراض بالربا وبيع العينة والاحتكار والغش والسرقة، والميسر وبيع الخمور والتماثيل، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا ]سورة البقرة: الآية 275[.
    فكل من البيع والربا سبب كوني لكسب الرزق، ولكن الله تعالى أحل الأول، وحرم الثاني.
    كيف تعرف صحة الوسائل ومشروعيتها:
    والطريق الصحيح لمعرفة مشروعية الوسائل الكونية والشرعية هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، والتثبت مما ورد فيهما عنها، والنظر في دلالات نصوصهما، وليس هناك طريق آخر لذلك البتة.
    فهناك شرطان لجواز استعمال سبب كوني ما، الأول أن يكون مباحاً في الشرع، والثاني أن يكون قد ثبت تحقيقه للمطلوب، أو غلب ذلك على الظن.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #17
      وأما الوسيلة الشرعية فلا يشترط فيها إلا ثبوتها في الشرع ليس غير.
      فاتخاذ الحيوان في المثال الاسبق وسيلة مزعومة لمعرفة الغيب هو من الناحية الكونية باطل تدحضه التجربة والنظر، ومن الناحية الشرعية كفر وضلال، بين الله بطلانه وحذر منه.
      وكثيراً ما يخلط الناس في هذه الأمور، فيظنون أنه بمجرد ثبوت النفع بوسيلة ما تكون هذه الوسيلة جائزة ومشروعة، فقد يحدث أن يدعو أحدهم ولياً، أو يستغيث بميت فيتحقق طلبه، وينال رغبته، فيدعي أن هذا دليل على قدرة الموتى والأولياء على إغاثة الناس، وعلى جواز دعائهم والاستغاثة بهم، وما حجته في ذلك غير حصوله على طلبه، وقد قرأنا مع الأسف في بعض الكتب الدينية أشياء كثيرة من هذا القبيل، إذ يقول مسطرها، أو ينقل عن بعضهم قوله مثلاً: إنه وقع في شدة، واستغاث بالولي الفلاني، أو الصالح العلاني، وناداه باسمه، فحضر حالاً، أو جاءه في النوم فأغاثه، وحقق له ما أراد.
      وما درى هذا المسكين وأمثاله أن هذا - إن صح وقوعه - استدراج من الله عز وجل للمشركين والمبتدعين، وفتنة منه سبحانه لهم، ومكر منه بهم، جزاءاً وفاقاً على إعراضهم عن الكتاب والسنة، واتباعهم لأهوائهم وشياطينهم.
      فهذا الذي يقول ذاك الكلام يجيز الاستغاثة بغير الله تعالى، هذه الاستغاثة التي هي الشرك الأكبر بعينه، بسبب حادثة وقعت له أو لغيره، ويمكن أن تكون هذه الحادثة مختلقة من أصلها، أو محرفة ومضخمة لإضلال بني آدم، كما يمكن أن تكون صحيحة، وراويها صادقاً فيما أخبر، ولكنه أخطأ في حكمه على المنقذ والمغيث، فظنه ولياً صالحاً، وإنما هو شيطان
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #18
        رجيم، فعل ذلك عن قصد خبيث، هو تلبيس الأمور على الناس، وإيقاعهم في حبائل الكفر والضلال من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
        وقد تضافرت الأخبار على أن المشركين في الجاهلية كانوا يأتون إلى الصنم، وينادونه فيسمعون صوتاً، فيظنون أن الذي يكلمهم ويجيبهم إنما هو معبودهم الذي قصدوه من دون الله، وليس هو في الحقيقة والواقع غير شيطان لعين يريد إضلالهم، وإغراقهم في العقائد الباطلة.
        والمقصود من ذلك كله أن تعرف أن التجارب والأخبار ليست الوسيلة الصحيحة لمعرفة مشروعية الأعمال الدينية، بل الوسيلة الوحيدة المقبولة لذلك هي الاحتكام للشرع المتمثل في الكتاب والسنة وليس غير.
        وأهم ما يخلط فيه كثير من الناس في هذا الباب الاتصال بعالم الغيب بطريقة من الطرق، كإتيان الكهان والعرافين، والمنجمين والسحرة والمشعوذين، فتراهم يعتقدون في هؤلاء معرفة الغيب، لأنهم يحدثونهم عن بعض الأمور المغيبة عنهم، ويكون الأمر وفق ما يحدثون أحياناً، ويظنون ذلك جائزاً مباحاً، بدليل وقوعه كما يخبرون. وهذا خطأ جسيم، وضلال مبين، فإن مجرد حصول منفعة ما بواسطة ما لا يكفي لإثبات مشروعية هذه الواسطة، فبيع الخمر مثلاً قد يؤدي إلى منفعة صاحبه وغناه وثروته، وكذلك الميسر واليانصيب أحياناً، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى فيهما: يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير، ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما ]سورة البقرة: الآية: 219[ ومع ذلك فهما محرمان، وملعون
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #19
          في الخمر عشرة كما ثبت في الحديث (1).
          فإتيان الكهان كذلك حرام، لأنه قد ثبت في الدين النهي عنه، والتحذير منه، قال النبيr:  من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزل على محمد (2).
          وقال r:  من أتى عرافاً، فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة  (3).
          وقال معاوية بن الحكم السلمي للنبي r: إن منا رجالاً يأتون الكهان؟ فقال r:  فلا تأتهم...  (4).
          وقد بين الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه طريقة حصول الكهان والسحرة على بعض المغيبات بقوله r:  إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كالسلسلة على صفوان(5) ، فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر، ووصف سفيان - أحد رواة الحديث - (وهو ابن عيينة كما قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/537) بيده، وفرَّج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضها فوق بعض، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل ان يرمي بها إلى صاحبه، وربما لم تدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه، الذي هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الساحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق، فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا، فوجدناه حقاً؟(للكلمة التي سُمعت من السماء )
          التعديل الأخير تم بواسطة ابو فيصل الحربي; الساعة 2008-08-19, 03:17 AM. سبب آخر: سبحان الله
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #20
            وورد مثل هذا في حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله r جالساً في نفر من أصحابه، فاستنار نجم، فقال r:  ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟ قالوا: كنا نقول: يولد عظيم أو يموت عظيم، فقال رسول الله r:  فإنها
            لا يُرْمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء، حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع، فيُرمَون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون  (2).
            فمن هذين الحديثين وغيرهما نعلم أن الاتصال بين الإنس والجن واقع، وأن الجني يخبر الكاهن ببعض الأخبار الصادقة، فيضيف إليها الكاهن أخباراً أخرى ملفقة من عنده، فيحدث الناس، فيطلعون على صدق بعضها، ومع ذلك فقد نهى الشارع الحكيم عن إتيان
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #21
              هؤلاء الكهان، وحذر من تصديقهم فيما يقولون، كما مر معنا آنفاً.
              وبهذه المناسبة فلا يفوتنا أن نذكر أن الكهانة والعرافة والتنجيم ما يزال لها أثر كبير على كثير من الناس، حتى في عصرنا هذا الذي يدعي أهله أنه عصر العلم والتفكير، والتمدن والثقافة، ويظنون أن الكهانة والشعوذة والسحر قد ولّت أيامها وانقضى سلطانها، ولكن الذي يمكن النظر، ويطلع على خفايا ما يحدث هنا وهناك يعلم علم اليقين أنها ما تزال تسيطر على كثيرين، ولكنها لبست لبوساً جديداً، وتدبت بأشكال عصرية، لا بفطن إلى حقيقتها إلا القليل، وما استحضار الأرواح ومخاطبتها، والاتصال بها بأنواعه المختلفة إلا شكل من أشكال هذه الكهانة الحديثة التي تضلل الناس، وتفتنهم عن دينهم، وتربطهم بالأوهام والأباطيل، ويظنونها حقيقة وعلماً، وديناً، والحقيقة والعلم والدين منها بُرءاء.
              والخلاصة أن الأسباب الكونية، وما يُظن أنه من الأسباب الشرعية لا يجوز إثباتها،
              ولا تعاطيها إلا بعد ثبوت جوازها في الشرع، كما يجب في الأسباب الكونية إثبات صحتها وفائدتها بالنظر والتجربة.
              ومما يجب التنبه له، أن ما ثبت كونه وسيلة كونية، فإنه يكفي في إباحته والأخذ به، أن
              لا يكون في الشرع النهي عنه، وفي مثله يقول الفقهاء: الأصل في الأشياء الإباحة.وأما الوسائل الشرعية، فلا يكفي في جواز الأخذ بها، أن الشارع الحكيم لم ينه عنها، كما يتوهمه الكثيرون بل لا بد فيها من ثبوت النص الشرعي المستلزم مشروعيتها واستحبابها.لأن الاستحباب شيء زائد على الإباحة، فإنه مما يتقرب إلى الله تعالى، والقربات لا تثبت بمجرد عدم ورود النهي عنها، ومن هنا قال بعض السلف: (كل عبادة لم يتعبدها اصحاب رسول اللهصلي الله عليه وسلم فلا تعبدوها )
              التعديل الأخير تم بواسطة ابو فيصل الحربي; الساعة 2008-08-19, 03:19 AM. سبب آخر: سبحان الله
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #22
                وهذا مستفاد من أحاديث النهي عن الابتداع في الدين وهي معروفة، ومن هنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (الأصل في العبادات المنع إلا لنص، وفي العادات الإباحة إلا لنص). فاحفظ هذا فإنه هام جداً يساعدك على استبصار الحق فيما اختلف فيه الناس.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #23
                  الفصل الثالث:
                  التوسل المشروع وأنواعه
                  عرفنا مما سبق أن هناك قضيتين مستقلتين، أولاهما وجوب أن يكون التوسل به مشروعاً، وذلك لا يعرف إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، وثانيهما أن يكون التوسل بسبب كوني صحيحاً يوصل إلى المطلوب.
                  ونحن نعلم أن الله عز وجل أمرنا بدعائه سبحانه والاستغاثة به، فقال: وقال ربكم ادعوني استجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ]سورة: غافر: الآية 60[. وقال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعٍ إذا دعان، فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ]سورة البقرة: الآية 178[.
                  وقد شرع لنا عز شأنه أنواعاً من التوسلات المشروعة المفيدة المحققة للغرض، والتي تكفل الله بإجابة الداعي بها، إذا توفرت شروط الدعاء الأخرى، فلننظر الآن فيم تدل عليه النصوص الشرعية الثابتة من التوسل دون تعصب او تحيز.
                  إن الذي ظهر لنا بعد تتبع ما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة أن هناك ثلاثة أنواع للتوسل شرعها الله تعالى، وحث عليها، وَرَدَ بعضها في القرآن، واستعملها الرسول صلي الله عليه وسلم وحض عليها، وليس في هذه الأنواع التوسل بالذوات أو الجاهات أو الحقوق أو المقامات، فدل ذلك على عدم مشروعيته وعدم دخوله في عموم (الوسيلة) المذكورة في الآيتين السالفتين.
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #24
                    أما الأنواع المشار إليها من التوسل المشروع فهي:

                    1- التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا: كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني.
                    أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي. ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد r. فإن الحب من صفاته تعالى.
                    ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ]سورة الأعراف: الآية 180[.والمعنى: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى. ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له، خصت به تبارك وتعالى.
                    ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال: قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ]سورة النمل: الآية 19[.
                    ومن الأدلة أيضاً قول النبي صلي الله عليه وسلم في أحد أدعيته الثابتة عنه قبل السلام من صلاته صلي الله عليه وسلم :
                     اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي..  (1).
                    ومنها أنه صلي الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم)
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #25
                      فقال صلي الله عليه وسلم ( قد غفر له قد غفر له ).
                      وسمع النبي صلي الله عليه ويلم رجلاً آخر يقول في تشهده: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار) فقال النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه:  تدرون بما دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:  والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم (وفي رواية: الأعظم) الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي  (2).
                      ومنها قوله صلي الله عليه وسلم من كثر همه فليقل: (اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحد من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي) إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا ).
                      ومنها ما ورد في استعاذته عنه صلي الله عليه وسلم وهي قوله: ( اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني.. ) .
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #26
                        ومنها ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا حزبه - أي اهمه وأحزنه- أمر قال: ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ).
                        فهذه الأحاديث وما شابهها تبين مشروعية التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفه من صفاته، وأن ذلك مما يحبه الله سبحانه ويرضاه، ولذلك استعمله رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وقد قال الله تبارك وتعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه ]سورة الحشر: الآية 8[. فكان من المشروع لنا أن ندعوه سبحانه بما دعاه به رسوله صلي الله عليه وسلم ، فذلك خير ألف مرة من الدعاء بأدعية ننشئها، وصيغ نخترعها.
                        2 ـ التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي:كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي.. أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلي الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني.. ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ، فيه خوفه من الله سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه، ليكون أرجى لقبوله وإجابته.
                        وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله تعالى وارتضاه، ويدل على مشروعيته قوله تعالى: الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ]سورة آل عمران: الآية 16[ وقوله: ربنا آمنا بما أنزلت وتبعت الرسول فاكتبا مع الشاهدين ]سورة آل عمران: الآية 53[ وقوله: إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ]سورة أل عمران: الآيتان 193 و 194[.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #27
                          وقوله:

                          إنه كان فريق من عبادي يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين ]سورة المؤمنون: الآية 109[ وأمثال هذه الآيات الكريمات المباركات. وكذلك يدل على مشروعية هذا النوع من التوسل ما رواه بريدة بن الحٌصَيب رضي الله عنه حيث قال: سمع النبي صلي الله عليه وسلم رجلاً يقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحداً)، فقال صلي الله عليه وسلم قد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب  (1).
                          ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار، كما يرويها عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:  انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم (وفي رواية لمسلم: فقال بعضهم لبعض: انظروا إعمالاً عملتموها صالحة لله، فادعوا الله بها، لعل الله يفرجها عنكم). فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبُقُ (2) قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب شيء (وفي رواية لمسلم: الشجر) يوماً، فلم أرٍحْ عليهما(3) ، حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي انتظر
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #28
                            استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج.
                            قال النبي صلي الله عليه وسلم : قال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي، فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني حتى ألمت بها سَنَة (1) من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض (وفي رواية لمسلم: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح) الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
                            قال النبي صلي الله عليه وسلم : وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره، حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدّ لي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله ! لا تستهزئ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً. اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة … فخرجوا يمشون ).
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #29
                              ويتضح من هذا الحديث أن هؤلاء الرجال المؤمنين الثلاثة حينما اشتد بهم الكرب، وضاق بهم الأمر، ويئسوا من أن يأتيهم الفرج من كل طريق إلا طريق الله تبارك وتعالى وحده، فلجأوا إليه، ودعوه بإخلاص واستذكروا أعمالاً لهم صالحة، كانوا تعرفوا فيها إلى الله في أوقات الرخاء، راجين أن يتعرف إليهم ربهم مقابلها في أوقات الشدة، كما ورد في حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي فيه:  .. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة  (1) فتوسلوا إليه سبحانه بتلك الأعمال ؛ توسل الأول ببره والديه، وعطفه عليهما، ورأفته الشديدة بهما حتى كان منه ذلك الموقف الرائع الفريد، وما أحسب إنساناً آخر، حاشا الأنبياء ـ يصل بره بوالديه إلى هذا الحد.
                              وتوسل الثاني بعفته من الزنى بابنة عمه التي أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء بعدما قدر عليها، واستسلمت له مكروهة بسبب الجوع والحاجة، ولكنها ذكرته بالله عز وجل، فتذكر قلبه، وخشعت جوارحه، وتركها والمال الذي أعطاها.
                              وتوسل الثالث بحفاظه على حق أجيره الذي ترك أجرته التي كانت فَرَقاَ (2) من أرز كما ورد في رواية صحيحة للحديث وذهب، فنماها له صاحب العمل، وثمرها حتى كانت منها الشاه والبقر والأبل والرقيق، فلما احتاج الأجير إلى المال ذكر أجرته الزهيدة عند صاحبه، فجاءه وطالبه بحقه، فأعطاه تلك الأموال كلها، فدهش وظنه يستهزىء به، ولكنه لما تيقن
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • #30
                                منه الجد، وعرف أنه ثمرّ له أجره حتى تجمعت منه تلك الأموال، استساقها فرحاً مذهولاً، ولم يترك منها شيئاً. وأيْم الله إن صنيع رب العمل هذا بالغ حد الروعة في الإحسان إلى العامل، ومحقق المثل الأعلى الممكن في رعايته وإكرامه، مما لا يصل إلى عشر معشاره موقف كل من يدعي نصرة العمال والكادحين، ويتاجر بدعوى حماية الفقراء والمحتاجين، وإنصافهم وإعطائهم حقوقهم، دعا هؤلاء الثلاثة ربهم سبحانه متوسلين إليه بهذه الأعمال الصالحة أي صلاح، والمواقف الكريمة أي كرم، معلنين أنهم إنما فعلوها ابتغاء رضوان الله تعالى وحده،
                                لم يردوا بها دنيا قريبة أو مصلحة عاجلة أو مالاً، ورجوا الله جل شأنه أن يفرج عنهم ضائقتهم، ويخلصهم من محنتهم، فاستجاب سبحانه دعاءهم، وكشف كربهم، وكان عند حسن ظنهم به، فخرق لهم العادات وأكرمهم بتلك الكرامة الظاهرة، فأزاح الصخرة بالتدرج على مراحل ثلاث، كلما دعا واحد منهم تنفرج بعض الانفراج حتى انفرجت تماماً مع آخر دعوة الثالث بعد أن كانوا في موت محقق. ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يروي لنا هذه القصة الرائعة التي كانت في بطون الغيب، لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ليذكرنا بأعمال فاضلة مثالية لأناس فاضلين مثاليين من أتباع الرسل السابقين، لنقتدي بهم، ونتأسى بأعمالهم، ونأخذ من أخبارهم الدروس الثمينة، والعظات البالغة. ولا يقولن قائل: إن هذه الأعمال جرت قبل بعثة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم فلا تنطبق علينا بناء على ما هو الراجح في علم الأصول أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا. لأننا نقول: إن حكاية النبي صلي الله عليه وسلم لهذه الحادثة إنما جاءت في سياق المدح والثناء، والتعظيم والتبجيل، وهذا إقرار منه صلي الله عليه وسلم بذلك، بل هو أكثر من إقرار لما قاموا به من التوسل بأعمالهم الصالحة المذكورة، بل إن هذا ليس إلا شرحاً وتطبيقاً عملياً
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X