إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التوسل أنواعه وأحكامه

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    هذا، وفي القصة جملة إذا تأمل فيها العاقل العارف بفضائل الصحابة وجدها من الأدلة الأخرى على نكارتها وضعفها، وهي أن الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه كان لا ينظر في حاجة ذلك الرجل، ولا يلتفت إليه! فكيف يتفق هذا مع ما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أن الملائكة تستحي من عثمان، ومع ما عرف به رضي الله عنه من رفقه بالناس، وبره بهم، ولينه معهم؟ هذا كله يجعلنا نستبعد وقوع ذلك منه، لأنه ظلم يتنافى مع شمائه رضي الله عنه وأرضاه.
    (تنبيه): اطلعنا بعد صف هذه الملزمة على كتاب "التوصل إلى حقيقة التوسل" للشيخ محمد نسيب الرفاعي، الذي ذيل اسمه عليه بلقب "مؤسس الدعوة السلفية وخادمها"، وتقتضينا الأمانة العلمية، والنصيحة الدينية وقول كلمة الحق أن نبين حكم الله كما نفهمه، وندين الله تعالى به في هذا اللقب فنقول:
    إن من نافلة القول أن نبين ان الدعوة إنما هي دعوة الإسلام الحق كما أنزله الله تعالى على خاتم رسله وأنبيائه محمد صلي الله عليه وسلم ، فالله وحده سبحانه هو مؤسسها ومشرعها، وليس لأحد من البشر كائناً من كان أن يدعي تأسيسها وتشريعها، وحتى النبي الأكرم محمد صلوات الله وسلامه عليه إنما كان دوره فيها التلقي الواعي الأمين، والتبليغ الكامل الدقيق، ولم يكن مسموحاً له التصرف في شيء من شرع الله تعالى ووحيه، ولهذا فادعاه إنسان مهما علا وسما تأسيس هذه الدعوة الإلهية المباركة إنما هو في الحقيقة خطأ جسيم وجرح بليغ، هذا إن لم يكن شركاً أكبر، والعياذ بالله.
    فلا ندري كيف وقع هذا من رجل عاش دهراً طويلاً مع إخوانه في حلب وغيرها من البلاد الشامية في الدعوة السلفية التي هي أخص خصائصها وأهم اهتماماتها محاربة الشركيات والوثنيات اللفظية، فضلاً عن الشركيات الاعتقادية، ثم اعتزلهم جميعاً، هدانا الله تعالى وإياه، وجنبنا الزلل والفتن ومضلات الأهواء.
    ولعل أحداً يحاول التماس عذر للمؤلف بأنه إنما قصد من ذاك اللقب أنه مجدد الدعوة السلفية، وليس أنه منشئها وصائغ تعاليمها، وقد كان في المسلمين قديماً وحديثاً مجددون، والمؤلف واحد من هؤلاء في ظنه.
    ونقول: نعم، إن هناك مجددين لدعوة الإسلام الحق على تتالي الزمان، ولكن شتان بين المؤلف وأولئك المجددين، وحسبه أن يكون تابعاً لأحدهم، ولو وافقناه جدلاً على حشر نفسه معهم لكان من الواجب عليه ان يحدد دائرة لتجديده المزعوم كبلد أو قطر، أما إطلاقه ذاك اللقب الفضفاض فإنه يوحي إلى القراء بأنه المجدد للإسلام في العالم الإسلامي كله في هذا العصر، وأين هو من هذا؟
    أضف إلى ذلك أن من الأخلاق الأساسية التي يجب أن يتصف بها الداعية المسلم المتواضع، والبعد عن حب الظهور والتفاخر والادعاء، فإن هذه أدواء قاتلة تجرد الساعي اليها، والحريص عليها من أهلية الدعوة، وتفقده سلاحاً ماضياً للنصرعلى أعدائها، وتجعل عمله هباءً منثوراً، والعياذ بالله، فاللهم عصمتك وهداك.
    هذا وقدتصفحنا الكتاب المشار إليه على عجل، فوجدنا فيه بعض الأخطاء، ننبه على بعضها في محله، ومنها أنه قال في (ص237) في صدد الحديث عن إسناد القصة السابقة
    ما نصه: (إن في سند هذا الحديث رجلاً اسمه روح بن صلاح، وقد ضعفه الجمهور وابن عدي وقال ابن يونس: يروي أحاديث منكرة). وهذا خطأ محض لا ندري وجهه، وهذا الرجل (أي روح بن صلاح) إنما هو علة الحديث الثالث كما سيأتي.
    [CENTER] [/CENTER]

    تعليق


    • #62
      الشبهة الثالثة: الأحاديث الضعيفة في التوسل:


      يحتج مجيزو التوسل المبتدع بأحاديث كثيرة، إذا تأملناها نجدها تندرج تحت نوعين اثنين، الأول ثابت بالنسبة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولكنه لا يدل على مرادهم، ولا يؤيد رأيهم كحديث الضرير، وقد تقدم الكلام على هذا النوع.
      والنوع الثاني غير ثابت النسبة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وبعضه يدل على مرادهم، وبعضه
      لا يدل، وهذه الأحاديث التي لا تصح كثيرة، فأكتفي بذكر ما اشتهر منها، فأقول:

      الحديث الأول:
      عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً...أقبل الله عليه بوجهه .
      رواه أحمد (3/21) واللفظ له، وابن ماجه، وانظر تخريجه مفصلاً في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم 24). وإسناده ضعيف لأنه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، وعطية ضعيف كما قال النووي في "الأذكار" وابن تيمية في "القاعدة الجليلة" والذهبي في "الميزان" بل قال في "الضعفاء" (88/1): (مجمع على ضعفه)، والحافظ الهيثمي في غير موضع من "مجمع الزوائد" منها (5/236) وأورده أبوبكر بن المحب البعلبكي في "الضعفاء والمتروكين"، والبوصيري كما يأتي، وكذا الحافظ ابن حجر بقوله فيه: (صدوق يخطىء كثيراً، كان شيعياً مدلساً، وقد أبان فيه عن سبب ضعفه وهو أمران:
      الأول: ضعف حفظه بقوله: (يخطىء كثيراً، وهذا كقوله فيه "طبقات المدلسين": (ضعيف الحفظ) وأصرح منه قوله في "تلخيص الحبير" (ص241 طبع الهند) وقد ذكر حديثاً آخر: (وفيه عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف).
      الثاني: تدليسه، لكن كان على الحافظ أن يبين نوع تدليسه، فإن التدليس عند المحدثين على أقسام كثيرة من أشهرها ما يلي:
      الأول: أن يروي الرواي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه سمعه منه، كأن يقول: عن فلان، أو قال فلان.
      الثاني: أن يأتي الرواي باسم شيخه أو لقبه على خلاف المشهور به تعمية لأمره، وقد صرحوا بتحريم هذا النوع إذا كان شيخه غير ثقة، فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته، وهذا يعرف عندهم بتدليس الشيوخ.
      قلت: وتدليس عطية من هذا النوع المحرم، كما كنت بينته في كتابي "الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة" (24).
      وخلاصة ذلك أن عطية هذا كان يروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فلما مات جالس أحد الكذابين المعروفين، بالكذب في الحديث وهو الكلبي، فكان عطية إذا روى عنه كناه أبا سعيد، فيتوهم السامعون منه أنه يريد أبا سعيد الخدري! وهذا وحده عندي يسقط عدالة عطية هذا، فكيف إذا انضم إلى ذلك سوء حفظه! ولهذا كنت أحب للحافظ رحمه الله أن ينبه على أن تدليس عطية من هذا النوع الفاحش، ولو بالإشارة كما فعل في "طبقات المدلسين" إذ قال: (مشهور بالتدليس القبيح) كما سبق.
      ثم كأن الحافظ نسي أو وهم – أو غير ذلك من الأسباب التي تعرض للبشر – فقال في تخريجه لهذا الحديث: إن عطية قال في رواية: حدثني أبو سعيد. قال: (فأمن بذلك تدليس عطية) كما نقله ابن علان عنه، وقلده في ذلك بعض المعاصرين.
      [CENTER] [/CENTER]

      تعليق


      • #63
        قلت: والتصريح بالسماع إنما يفيد إذا كان التدليس من النوع الأول، وتدليس عطية من النوع الآخر القبيح، فلا يفيد فيه ذلك، لأنه في هذه الرواية أيضاً قال: (حدثني أبو سعيد) فهذا هو عين التدليس القبيح.
        فتبين مما سبق أن عطية ضعيف لسوء حفظه وتدليسه الفاحش، فكان حديثه هذا
        ضعيفاً، وأما تحسين الحافظ له الذي اغتر به من لا علم عنده فهو بناء على سهوه السابق، فتنبه ولا تكن من الغافلين. وفي الحديث علل أخر تكلمت عليها في الكتاب المشار إليه سابقاً، فلا حاجة للإعادة، فليرجع إليه من شاء الزيادة.
        وأما فهم بعض المعاصرين من عبارة الحافظ ابن حجر السابقة في "التقريب" أنها تفيد توثيق عطية هذا ففهم لا يغبطون عليه، وقد سألت الشيخ أحمد بن الصديق حين التقيت به في ظاهرية دمشق عن هذا الفهم فتعجب منه، فإن من كثر خطؤه في الرواية سقطت الثقة به بخلاف من قال ذلك منه، فالأول ضعيف الحديث، والآخر حسن الحديث، ولذلك جعل الحافظ في "شرح النخبة" من كثر غلطه قرين من ساء حفظه، وجعل حديث كل منهما مردوداً فراجعه مع حاشية الشيخ علي القاري عليه (ص121، 130).
        وإنما غرّ هؤلاء ما نقلوه عن الحافظ أنه قال في "تخريج الأذكار": (ضعف عطية إنما جاء من قبل تشيعه، وقيل تدليسه، وإلا فهو صدوق).
        وهم لقصر باعهم إن لم نقل لجهلهم في هذا العلم لا جرأة لهم على بيان رأيهم الصريح في أوهام العلماء، بل إنهم يسوقون كلماتهم كأنها في مأمن من الخطأ والزلل، لا سيما إذا كانت موافقة لغرضهم كهذه الجملة، وإلا فهي ظاهرة التعارض مع قول الحافظ المنقول عن "التقريب" إذ أنها تعلل ضعف عطية بسببين:
        أحدهما: التشيع، وهذا ليس جرحاً مطلقاً على الراجح.
        والثاني: التدليس، وهذا جرح قد يزول كما سيأتي، ومع ذلك فإنه أشار إلى تضعيفه لهذا السبب بقوله: (قيل). بينما جزم في "التقريب" بأنه كان مدلساً، كما جزم بأنه كان شيعياً، ولذلك أورده (أعني الحافظ نفسه) في رسالة "طبقات المدلسين" (ص18) فقال: (تابعي معروف، ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح) ذكره في "المرتبة الرابعة" وهي التي يورد فيها (من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد) كما ذكره في المقدمة، فهذان النصان من الحافظ نفسه دليل على وهمه في تضعيفه كون عطية مدلساً في الجملة المذكورة آنفاً. فهذا وجه من وجوه التعارض بينها وبين عبارة "التقريب". وثمة وجه آخر وهو أنه في هذه الجملة لم يصفه بما هو جرح عنده – كما سبق عن "شرح النخبة" – وهو قوله في "التقريب": (يخطىء كثيراً) فهذا كله يدلنا على أن الحافظ رحمه الله تعالى لم يكن قد ساعده حفظه حين تخريجه لهذا الحديث، فوقع في هذا القصور الذي يشهد به كلامه المسطور في كتبه الأخرى، وهي أولى بالاعتماد عليها من كتابه "التخريج"، لأنه في تلك ينقل عن الأصول مباشرة، ويلخص منها بخلاف صنيعه في "التخريج".
        ولما ذكرنا من حال العوفي ضعف الحديث غير واحد من الحفاظ كالمنذري في "الترغيب" والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" وكذا البوصيري، فقال في "مصباح الزجاجة" (2/52): (هذا إسناد مسلسل بالضعفاء: عطية وفضيل بن مرزوق والفضل بن الموفق كلهم ضعفاء). وقال صديق خان في "نزل الأبرار" (ص71) بعد أن أشار لهذا الحديث وحديث بلال الآتي بعده: (وإسنادهم ضعيف، صرح بذلك النووي في"الأذكار").
        [CENTER] [/CENTER]

        تعليق


        • #64
          الحديث الثاني:
          وحديث بلال الذي أشار إليه صديق خان هو ما روي عنه أنه قال:  كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً..  الحديث أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة – رقم82" من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه.
          قلت: وهذا سند ضعيف جداً، وآفته الوازع هذا، فإنه لم يكن عنده وازع يمنعه من الكذب، كما بينته في "السلسلة الضعيفة" ولذلك لما قال النووي في "الأذكار": (حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث) قال الحافظ بعد تخريجه: (هذا حديث واه جداً، أخرجه الدارقطني في "الأفراد" من هذا الوجه وقال: تفرد به الوازع، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث. والقول فيه أشد من ذلك، فقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم وجماعة، متروك الحديث، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة).
          [CENTER] [/CENTER]

          تعليق


          • #65
            قلت: فلا يجوز الاستشهاد به كما فعل الشيخ الكوثري، والشيخ الغماري في "مصباح الزجاجة" (56) وغيرهما من المبتدعة.
            ومع كون هذين الحديثين ضعيفين فهما لا يدلان على التوسل بالمخلوقين أبداً، وإنما يعودان إلى أحد أنواع التوسل المشروع الذي تقدم الكلام عنه، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته عز وجل، لأن فيهما التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟، لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته عز وجل، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى.
            وبهذا تعلم أن هذا الحديث الذي يحتج به المبتدعون ينقلب عليهم، ويصبح بعد فهمه فهماً جيداً حجة لنا عليهم، والحمد لله على توفيقه.
            الحديث الثالث:
            عن أبي أمامة قال:  كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد.. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك... .
            قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/117): (رواه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه).
            [CENTER] [/CENTER]

            تعليق


            • #66
              قلت: بل هو ضعيف جداً، اتهمه ابن حبان فقال: (شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس منه حديثه). وقال أيضاً: (لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل له).
              وقال ابن عدي في "الكامل" (25/13): (أحاديثه كلها غير محفوظة).
              قلت: فالحديث شديد الضعف، فلا يجوز الاستشهاد به أيضاً، كما فعل صاحب "المصباح" (ص56).
              [CENTER] [/CENTER]

              تعليق


              • #67
                الحديث الرابع:
                عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون...
                فلما فرغ دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فاضطجع فيه فقال:  الله الذي يحيي ويميت، وهو حي
                لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بين أسد، ولقنها حجتها، ووسع مدخلها بحق نبيك، والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين....
                قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/257): (رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح، وثقة ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح).
                قلت: ومن طريق الطبراني رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/121) وإسناده عندهما ضعيف، لأن روح بن صلاح الذي في إسناده قد تفرد به، كما قال أبو نعيم نفسه، وروح ضعفه ابن عدي، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني (ضعيف في الحديث)

                وقال ابن ماكولا: (ضعفوه) وقال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين: (له أحاديث كثيرة، في بعضها نكرة) فقد اتفقوا على تضعيفه فكان حديثه منكراً لتفرده به.
                وقد ذهب بعضهم إلى تقوية هذا الحديث لتوثيق ابن حبان والحاكم لروح هذا، ولكن ذلك لا ينفعهم، لما عرفا به من التساهل في التوثيق، فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى
                لو كان الجرح مبهماً، فكيف مع بيانه كما هي الحال هنا، وقد فصلت الكلام على ضعف هذا الحديث في "السلسلة الضعيفة" (23) فلا نعيد الكلام عليه في هذه العجالة، ولكن المشار إليهم جاؤوا بما يضحك فقالوا: (حكم عليه الشيخ ناصر بالضعف، فنطالبه بمن
                ضعف هذا الحديث من المحدثين).
                قلت: قد ذكرنا من ضعف رواية روح بن صلاح الذي تفرد به، وهذا يستلزم ضعف حديثه كما لا يخفى إلا عند المتابعة وقد نفاها أبو نعيم، أو عند مجيئه من طريق آخر وهيهات!
                ثم قالوا: (ولو فرض تضعيفه، فضعفه خفيف فلا يمنع جواز العمل، لأنه من باب ما جوزه المحدثون والفقهاء من العمل بالضعيف الذي ليس ضعفه بشديد في الترغيب والترهيب).
                قلت: ليس في هذا الحديث شيء من الترغيب، ولا هو يبين فضل عمل ثابت في الشرع، إنما هو ينقل أمراً دائراً بين أن يكون جائزاً أو غير جائز، فهو إذن يقرر حكماً شرعياً لو صح، وأنتم إنما توردونه من الأدلة على جواز هذا التوسل المختلف فيه، فإذا سلمتم بضعفه لم يجز لكم الاستدلال به، وما أتصور عاقلا يوافقكم على إدخال هذا الحديث في باب الترغيب والترهيب، وهذا شأن من يفر من الخضوع للحق، يقول ما لا يقوله جميع العقلاء.
                [CENTER] [/CENTER]

                تعليق


                • #68
                  الحديث الخامس:
                  عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال:  كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين  .
                  فيرى المخالفون أن هذا الحديث يفيد أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يطلب من الله تعالى أن ينصره، ويفتح عليه بالضعفاء المساكين من المهاجرين، وهذا – بزعمهم – هو التوسل المختلف فيه نفسه.
                  والجواب من وجهين:
                  الأول: ضعف الحديث، فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/81/2): حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه حدثنا أبي حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبيه عن أميه به.
                  وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بن عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد به. ثم رواه من طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة عن أمية بن خالد مرفوعاً بلفظ:
                  ... يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين .
                  قلت: مداره على أمية هذا، ولم تثبت صحبته، فالحديث مرسل ضعيف، وقال
                  ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/38): (لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل)
                  وقال الحافظ في "الإصابة" (1/133): (ليست له صحبة ولا رواية).
                  [CENTER] [/CENTER]

                  تعليق


                  • #69
                    قلت: وفيه علة أخرى، وهي اختلاط أبي اسحاق وعنعنته، فإنه كان مدلساً، إلا أن سفيان سمع منه قبل الاختلاط، فبقيت العلة الأخرى وهي العنعنة.
                    فثبت بذلك ضعف الحديث وأنه لا تقوم به حجة. وهذا هو الجواب الأول.
                    الثاني: أن الحديث لو صح فلا يدل إلا على مثل ما دل عليه حديث عمر، وحديث الأعمى من التوسل بدعاء الصالحين.قال المناوي في "فيض القدير":  كان يستفتح  أي يفتتح القتال، من قوله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ذكره الزمخشري.
                     ويستنصر  أي يطلب النصرة  بصعاليك المسلمين  أي بدعاء فقرائهم الذين
                    لا مال لهم.
                    قلت: وقد جاء هذا التفسير من حديثه، اخرجه النسائي (2/15) بلفظ:  إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم  وسنده صحيح، وأصله في "صحيح البخاري" (6/67)، فقد بين الحديث أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين،
                    لا بذواتهم وجاههم.
                    ومما يؤكد ذلك أن الحديث ورد في رواية قيس بن الربيع المتقدمة بلفظ:  كان يستفتح ويستنصر... فقد علمنا بهذا أن الاستنصار بالصالحين يكون بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم، وهكذا الاستفتاح، وبهذا يكون هذا الحديث – إن صح – دليلاً على التوسل المشروع، وحجة على التوسل المبتدع، والحمد لله.
                    [CENTER] [/CENTER]

                    تعليق


                    • #70
                      الحديث السادس:

                      عن عمر بن الخطاب مرفوعاً:  لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم ‍! وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضِف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال: غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتُك .
                      أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/615) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري: حدثنا إسماعيل بن مسلمة: أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر. وقال: (صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب).
                      فتعقبه الذهبي فقال: (قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن أسلم الفهري
                      لا أدري من ذا) قلت: ومن تناقض الحاكم في "المستدرك" نفسه أنه أورد فيه (3/332) حديثاً آخر لعبد الرحمن هذا ولم يصححه، بل قال: (والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد!).
                      قلت: والفهري هذا أورده الذهبي في "الميزان" وساق له هذا الحديث وقال: (خبر
                      باطل)، وكذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3/360) وزاد عليه قوله في الفهري هذا: (لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) قلت: والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رُشيد، قال الحافظ: ذكره ابن حبان، منهم بوضع الحديث، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة، لا يحل كتب حديثه، وهو الذي روى عن ابن هدية نسخة كأنها معمولة).
                      [CENTER] [/CENTER]

                      تعليق


                      • #71
                        قلت: والحديث رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص207): ثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري: ثنا أحمد ابن سعيد المدني الفهري: ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به. وهذا سند مظلم فإن كل من دون عبد الرحمن لا يعرفون، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الهيثمي حيث قال في "مجمع الزوائد" (8/253): (رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم).
                        قلت: وهذا إعلال قاصر، يوهم من لا علم عنده أن ليس فيهم من هو معروف بالطعن فيه، وليس كذلك فإن مداره على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال البيهقي: (إنه تفرد به) وهو متهم بالوضع، رماه بذلك الحاكم نفسه، ولذلك أنكر العلماء عليه تصحيحه لحديثه، ونسبوه إلى الخطأ والتناقض، فقال (وراث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين
                        شيخ الإسلام ابن تيمية)(1) رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص89): (ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم":
                        (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه)(2). قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً (3)، ضعفه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني، وغيرهم. وقال ابن حبان: (كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف، فاستحق الترك).
                        وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث. ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم).
                        قلت: وقد أورد الحاكم نفسه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في كتابه "الضعفاء" كما سماه
                        العلامة ابن عبد الهادي، وقال في آخره: (فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي
                        جرحهم، لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به، فإن الجرح
                        لا أستحله تقليداً، والذي أختاره لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء
                        الذين سميتهم، فالراوي لحديثهم داخل في قوله : صلي الله عليه وسلم من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَيْن  (1).
                        قلت: فمن تأمل في كلام الحاكم هذا والذي قبله يتبن له بوضوح أن حديث عبد الرحمن بن زيد هذا موضوع عند الحاكم نفسه، وأن من يرويه بعد العلم بحاله فهو أحد الكاذبَيْن.
                        [CENTER] [/CENTER]

                        تعليق


                        • #72
                          وقد اتفق عند التحقيق كلام الحفاظ ابن تيمية والذهبي والعسقلاني على بطلان هذا الحديث، وتبعهم على ذلك غير واحد من المحققين كالحافظ ابن عبد الهادي كما سيأتي،
                          فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصحح الحديث بعد اتفاق هؤلاء على وضعه تقليداً للحاكم في أحد قوليه، مع اختياره في قوله الآخر لطالب العلم أن لا يكتب حديث
                          عبد الرحمن هذا، وأنه إن فعل كان أحد الكاذبين كما سبق.

                          (تنبيه): إذا عرفت هذا فقول بعض المشايخ: (إن حكم الشيخ ناصر على الحديث بأنه "كذب وموضوع" باطل لأن مستنده قول الذهبي إنه موضوع) باطل حقاً لأن الذهبي قد وافقه من ذكرنا من الحفاظ الأعلام، ثم قالوا: (ومستند الذهبي ما في إسناد الحاكم من رجل قيل فيه إنه متهم). قلت: (هذا باطل أيضاً، لأن الرجل المشار إليه وهو عبد الله بن مسلم الفهري جهله الذهبي ولم يتهمه كما تقدم نقله عنه، وما أظن هذا يخفى عليهم ولكنهم تجاهلوه لغرض في أنفسهم، وهو أن يتسنى لهم أن يقولوا عقب ذلك: (لكن للحديث إسناد آخر عند الطبراني ليس فيه هذا المتهم، وغاية ما فيه أن فيه من هو غير معروف)، قلت: بل فيه ثلاثة لا يعرفون، وإذا كانوا لا يعلمون ذلك فلماذا عدلوا عن تقليد الهيثمي في قوله: (وفيه من
                          لم أعرفهم) كما سبق، وهو هلكى وراء التقليد، إلى قولهم: (فيه من هو غير معروف)؟! السبب في ذلك أن قول الهيثمي نص على أن (من هو غير معروف) جماعة، وأما قولهم فليس نصاً على ذلك، بل هذا يقال إذا كان في السند شخص لا يعرف أو أكثر، فهو في الحقيقة من تلبيساتهم على القراء. نعوذ بالله من الخذلان. ثم قالوا عطفاً على ما سبق: (وإن فيه
                          عبد الرحمن بن زيد وهو على الراجح عند الحافظ ابن حجر ممن يقال فيه ضعيف، وهذه الكلمة من أخف مراتب التضعيف) أقول: لكن الراجح عند غير الحافظ أنه أشد ضعفاً من ذلك، فقد قال فيه أبو نعيم: (روى عن أبيه أحاديث موضوعة). وكذا قال الحاكم نفسه
                          كما سبق، وهو وكذا أبو نعيم من المعروفين بتساهلهم في التوثيق، فإذا جرحا فإنما ذلك بعد ان ظهر لهما ان عبد الرحمن مجروح حقاً، ولذلك اتفقوا على تضعيفه كما نص في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل ضعّفه جداً علي بن المديني وابن سعد وغيرهما، وقال الطحاوي: (حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف) فهو معروف بالضعف الشديد منذ القديم، فما الذي حمل المخالفين على الإعراض عن هذه الأقوال المتضافرة على أن عبد الرحمن هذا ضعيف جداً – إن لم يكن كذاباً – إلى التمسك بقول الحافظ فيه (ضعيف) ؟! أقول هذا مع احتمال أن يكون سقط من قلم الحافظ أو قلم بعض النساخ عقب قوله (ضعيف) لفظة (جداً) وعلى كل حال فإن تقليدهم للحافظ في هذه الكلمة
                          لا يفيدهم شيئاً، بعد أن حكم هو على الحديث بأنه (خبر باطل) كما سبق نقله عن "لسانه"! فهذا من الأدلة الكثيرة على أن هؤلاء أتباع هوى، وليسوا طلاب حق، وإلا لأخذوا بقول الحافظ هذ الموافق لقول الذهبي وغيره من المحققين، ولم يعرجوا على تضعيفه فقط
                          لعبد الرحمن، ليعارضوا به الذهبي، ويدلسوا على الناس أمر الحديث، ويظهروه بمظهر الأحاديث التي اختلف فيها العلماء حتى يتسنى لهم ابتداع رأي جديد حول الحديث يتلاءم مع قول أحد الحفاظ في احد رواته ! فانظر اليهم كيف قالوا عقب ما سبق: (فما كان حاله هكذا عند المحدثين فليس من الموضوع، ولا من الضعيف الشديد، بل هو من القسم الذي يعمل به في الفضائل) !
                          أقول: وهذا كلام ساقط من وجهين: الأول: أنه مبني على أن عبد الرحمن ضعيف فقط وليس كذلك بل هو ضعيف جداً كما سبق، وسيأتي التصريح بذلك عن أحد الحفاظ النقاد. الثاني: أنه معارض لحكم الحافظ بل الحفاظ على الحديث بالبطلان كما سبق، فكيف جاز لهم مخالفتهم لا سيما قد صرح أحدهم في "التعقيب الحثيث" (21) (أنه ليس له صفة التصحيح والتضعيف)! فلعله قال ذلك تواضعاً ! وإلا فأنت تراه هنا قد أعطى لنفسه منزلة تسوغ له الاستقلال في البحث ولو أدى إلى مخالفة كل أولئك الحفاظ والنقاد ! ويؤيد هذا الذي نقوله فيه انه قال عطفاً على ما سبق: (فنحن في هذا الحديث مع من لم ير به ذلك (يعني الوضع) كالحاكم والحافظ السبكي، فليس علينا فيه افتيات على الحافظ الذهبي، لكن رأينا ما عليه الحافظان المذكوران أقرب إلى الصواب).
                          أقول: ولا يخفى ما في هذا الكلام من التلبيس والتدليس فإن الحاكم إنما ذهب في "المستدرك" إلى تصحيح الحديث كما سبق، والسبكي قلده في ذلك كما بينه الحافظ ابن عبدالهادي فقال في رده عليه في "الصارم المنكي" (ص32): (وإني لاتعجب منه كيف قلد الحاكم في تصحيحه مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث ضعيف الإسناد جداً، وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع، وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بن زيد بصحيح بل مفتعل على عبد الرحمن كما سنبينه، ولو كان صحيحاً إلى عبد الرحمن لكان ضعيفاً غير محتج به، لأن عبد الرحمن في طريقه، وقد أخطأ الحاكم وتناقض تناقضاً فاحشاً كما عرف له ذلك في مواضيع، فإنه قال في كتاب "الضعفاء"، بعد أن ذكر عبد الرحمن منهم) وذكر ما نقلته عنه فيما سبق (ص86-87): (فانظر إلى ما وقع للحاكم في هذا الموضع من الخطأ العظيم والتناقض الفاحش، ثم إن هذا المعترض المخذول عمد إلى هذا الذي اخطأ فيه الحاكم وتناقض، فقلده فيه، واعتمد عليه، فقال " ونحن قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم"، وذكر قبل ذلك بقليل أنه مما تبين له صحته. فانظر يرحمك الله إلى هذا الخذلان البين والخطأ الفاحش ! كيف جاء هذا المعترض إلى حديث غير صحيح ولا ثابت، بل هو حديث موضوع، فصححه واعتمد عليه، وقلد في ذلك الحاكم مع ظهور خطئه وتناقضه، مع معرفة هذا المعترض بضعف راويه وجرحه واطلاعه على الكلام المشهور فيه).
                          أقول: هذا شأن السبكي رحمه الله تعالى في هذا الحديث، وتقليد الحاكم في تصحيحه، وهذا مع كونه خطأ في نفسه كما سبق بيانه فهو خلاف رأي المشار إليه سابقاً الذي صرح بأن الحديث ضعيف لا صحيح ولا موضوع، فقد خالف – هو ومن قلده وناصره – الحاكم والسبكي كما خالفوا من سبق ذكرهم من العلماء الفحول الذين قالوا بوضع الحديث أو بطلانه، فليس افتئاتهم على الذهبي فقط، بل وعلى من وافقه وخالفه جميعاً ! فليتأمل العاقل ما يفعل الهوى بصاحبه ! لقد أرادوا أن ينزهوا أنفسهم عن الافتئات على الذهبي، وإذا بهم يقولون بما هو أدهى وأمر من الافتئات على من ذكرنا من العلماء !
                          ومن مغالطاتهم المكشوفة عند أهل العلم قولهم في أثناء كلامهم السابق بعد أن أشاروا إلى طريق الطبراني الذي سبق الكلام عليه: (فالذهبي لم يطلع على هذا الطريق، وإلا لو اطلع عليه لم يقل ذلك).
                          [CENTER] [/CENTER]

                          تعليق


                          • #73
                            أقول: وهذا كلام باطل، إذ أن الذهبي حكم على الحديث بالوضع والبطلان من طريق الحاكم، وفيه عبد الرحمن بن زيد ورجل آخر لا يعرفه، كما سبق بيانه في أول هذا التنبيه، وطريق الطبراني فيه علاوة على عبد الرحمن هذا ثلاث رجال آخرون لا يعرفون كما سبق أيضاً، فكيف يصح أن يقال حينئذ: (إن الذهبي لو اطلع على هذا الطريق لم يقل بذلك)؟!
                            اللهم إن هذه مغالطة ومكابرة مكشوفة أو جهل مركب، فرحمتك اللهم وهداك !
                            لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديث علتين:
                            الأولى: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأنه ضعيف جداً.
                            الثانية: جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن.
                            وللحديث عندي علة أخرى. وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده، فتارة كان يرفعه كما مضى، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر، لا يرفعه إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، كما رواه
                            أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" (ص427) من طريق عبد الله ابن اسماعيل بن أبي مريم
                            عن عبد الرحمن بن زيد به، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً، فلا يصح عن عمر مرفوعاً
                            ولا موقوفاً، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال: اللهم أسألك بحق محمد عليك.. الحديث نحوه مختصراً، وهذا مع إرساله ووقفه، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جداً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني، قال النسائي: (ليس بثقة).

                            وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم. أو عن كتبهم التي لا يوثق بها، لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى
                            النبي صلي الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.
                            [CENTER] [/CENTER]

                            تعليق


                            • #74
                              مخالفة هذا الحديث للقرآن:
                              ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه:
                              الأول: أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلي الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول:
                              فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم. وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث، فأخرج الحاكم (3/545) عنه: فتلقى آدم من ربه كلمات قال: أي رب ! ألم تخلقني بيدك؟
                              قال: بلى. قال: ألم تنفخ فيَّ من روحك؟ قال:بلى. قال: أي رب ! ألم تسكنّي جنتك؟ قال: بلى. قال: ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قالت: أرأيت إن تبتُ وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى. قال: فهو قوله: فتلقى آدم من ربه كلمات وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
                              قلت: وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين:
                              الأول: أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي.

                              الثاني: أنه ورد في تفسير الآية، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله،
                              ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل .
                              وقد قيل في تفسير هذه الكلمات: إنها ما في الآية الاخرى قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.وبهذا جزم السيد رشيد رضا في "تفسيره"
                              (1/279). لكن أشار ابن كثير (1/81) إلى تضعيفه، ولا منافاة عندي بين القولين،
                              بل أحدهم يتمم الآخر، فحديث ابن عباس لم يتعرض لبيان ما قاله آدم عليه السلام بعد أن تلقى من ربه تلك الكلمات وهذا القول يبين ذلك، فلا منافاة والحمد لله، وثبت مخالفة الحديث للقرآن، فكان باطلاً.
                              الموضع الثاني: قوله في آخره:  ولولا محمد ما خلقتك  فإن هذا أمر عظيم يتعلق بالعقائد التي لا تثبت إلا بنص متواتر اتفاقاً، أو صحيح عند آخرين، ولو كان ذلك صحيحاً لورد في الكتاب والسنة الصحيحة، وافتراض صحته في الواقع مع ضياع النص الذي تقوم به الحجة ينافي قوله تبارك وتعالى: إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون. والذكر هنا يشمل الشريعة كلها قرآناً وسنة، كما قرره ابن حزم في "الإحكام" وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الحكمة التي من أجلها خلق آدم وذريته، فقال عز وجل: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فكل ما خالف هذه الحكمة أو زاد عليها لا يقبل إلا بنص صحيح عن المعصوم صلي الله عليه وسلم كمخالفة هذا الحديث الباطل. ومثله ما اشتهر على ألسنة الناس:  لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك  فإنه موضوع كما قاله الصنعاني ووافقه الشوكاني في "الفوائد

                              المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص116). ومن الطرائف أن المتنبي ميرزا غلام أحمد القادياني سرق هذا الحديث الموضوع فادعى أن الله خاطبه بقوله: (لولاك لما خلقت
                              الافلاك) !! وهذا شيء يعترف به أتباعه القاديانيون هنا في دمشق وغيرها، لوروده في كتاب متنبئهم "حقيقة الوحي" (ص99).
                              ثم على افتراض أن هذا الحديث ضعيف فقط كما يزعم بعض المخالفين خلافاً لمن سبق ذكرهم من العلماء والحفاظ، فلا يجوز الاستدلال به على مشروعية التوسل المختلف فيه، لأن – على قولهم – عبادة مشروعة، وأقل أحوال العبادة أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص صحيح تقوم به الحجة، فإذا الحديث عنده ضعيف، فلا حجة فيه البتة، وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى.
                              [CENTER] [/CENTER]

                              تعليق


                              • #75
                                الحديث السابع

                                 توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم :

                                وبعضهم يرويه بلفظ:  إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم .
                                هذا باطل لا أصل له في شيء من كتب الحديث البتة، وإنما يرويه بعض الجهال بالسنة
                                كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "القاعدة الجليلة" (ص132، 150) قال: (مع أن جاهه صلي الله عليه وسلم عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين، ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه، فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له
                                كما قال سبحانه: قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما لهم فيهما من شرك، وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ]سورة سبأ: 22-23[.

                                فلا يلزم إذن من كون جاهه صلي الله عليه وسلم عند ربه عظيماً، أن نتوسل به إلى الله تعالى لعدم ثبوت الأمر به عنه صلي الله عليه وسلم ، ويوضح ذلك أن الركوع والسجود من مظاهر التعظيم فيما اصطلح عليه الناس، فقد كانوا وما يزال بعضهم يقومون ويركعون ويسجدون لمليكهم ورئيسهم والمعظم لديهم، ومن المتفق عليه بين المسلمين أن محمداً صلي الله عليه وسلم هو أعظم الناس لديهم، وأرفعهم عندهم. ترى فهل يجوز لهم أن يقوموا ويركعوا ويسجدوا له في حياته وبعد مماته؟
                                الجواب: إنه لا بد لمن يجوز ذلك، من أن يثبت وروده في الشرع، وقد نظرنا فوجدنا أن السجود والركوع لا يجوزان إلا له سبحانه وتعالى، وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم أن يسجد أو يركع أحد لأحد، كما أننا رأينا في السنة كراهية النبي صلي الله عليه وسلم للقيام، فدل ذلك على عدم مشروعيته.
                                ترى فهل يستطيع أحد أن يقول عنا حين نمنع السجود لرسول الله صلي الله عليه وسلم : إننا ننكر جاهه صلي الله عليه وسلم وقدره؟ كلا ثم كلا.
                                فظهر من هذا بجلاء إن شاء الله تعالى أنه لا تلازم بين ثبوت جاه النبي صلي الله عليه وسلم وبين تعظيمه بالتوسل بجاهه ما دام أنه لم يرد في الشرع.
                                هذا، وإن من جاهه صلي الله عليه وسلم أنه يجب علينا اتباعه وإطاعته كما يجب إطاعة ربه، وقد ثبت
                                عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:  ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به  فإذا لم يأمرنا بهذا التوسل ولو أمرَ استحباب فليس عبادة، فيجب علينا اتباعه في ذلك وأن ندع العواطف جانباً، ولا نفسح لها المجال حتى ندخل في دين الله ما ليس منه بدعوى حبه صلي الله عليه وسلم ، فالحب الصادق إنما هو بالاتبْاع، وليس بابتداع كما قال عز وجل: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ومنه قول الشاعر:


                                تعصى الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس بديع
                                لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
                                [CENTER] [/CENTER]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X