إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النفس و الروح

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    حوار العقل ومسلماته
    لقد قلنا في البديهية الأولى "إن كل وجود محدث لابدَّ أن يصدر عن وجود سابق عليه" فالإنسان مثلاً كصانع لا يستطيع أن يصنع البيت والطائرة إلا من مواد الأرض السابقة على وجود البيت والطائرة. ولكن أليس كل وجود بالقياس إلى الوجود السابق عليه هو محدث وأين ينتهي تسلسل المحدثات في الوجود ليبدأ الوجود الأصيل أو الأصل. وأين كان الوجود الأصل؟.
    إن أمامنا ثلاث فرضيات لا يوجد سواها للاستدلال على حقيقة الأصل إذا كنا نقصد بالأصل العناصر المادية في المحدثات أو المادة.
    الاحتمال الأول: العدم سبق المادة ثمَّ انبثقت منه، فظهرت المادة ولم تكن موجودة قبل ذلك.
    الاحتمال الثاني: إن المادة لم تكن، ثمَّ صنعها الصانع من لا شيء.
    الاحتمال الثالث: إن المادة موجودة أزلاً ولا بداية لوجودها كما أنه لا نهاية لوجودها. فهي أزلية أبدية.
    الاحتمال الأول: غير ممكن لأن ما لا وجود لـه لا يمكن أن يوجد. فكيف إذا كان العدم موجده. وهل يستطيع العدم أن يوجد نفسه ليوجد غيره. فلو سبق العدم والخلاء الوجود لما كان ثمَّة وجود، وما لم يكن أزلاً لن يكون، ولن يتكون. إذاً المادة قديمة وأزلية، والخلاء موجود أو العدم خارج حدود الوجود. والعقل يدلّنا بداهة بأن الوجود لا يصبح عدماً، وإن كل خبرات العلماء لا تستطيع أن تحول ذرة واحدة من ذرات الوجود إلى عدم، كما أنهم لا يستطيعون إيجاد ذرة واحدة من عدم. فما هو موجود في الأزل سيبقى موجوداً في الأبد، وما هو عدم في الأزل سيظل عدماً في الأبد.
    الاحتمال الثاني: لا يصح لأن الإيجاد من العدم هو إيجاد مما لا وجود لـه فهل يصح الإيجاد مما لا وجود له؟. وهذا يحيلنا إلى حوار الفلاسفة الذين طرحوا السؤال هل الفكر سبق المادة أم المادة سبقت الفكر، أو أيهما سبق الآخر في الوجود البيضة أم الدجاجة. وظل الفلاسفة في أخذ ورد إلى وقتنا الحاضر بين المثاليين الذين بدا لهم أن الفكر أو الصانع هو الذي أوجد المادة، بينما ردّ الماديون بأن المادة سبقت الفكر وإن الفكر انبثق منها. فجعلوا المادة صانعة للعقل وصانعة للإنسان. وقد أخطأ هؤلاء وهؤلاء. وإذا كانت البداهة تدلّنا بأن الفكر هو أثر من آثار المادة فهذا لا يعني السبق في الوجود. إذ المادة والفكر متلازمان ولا يمكن لأحدهما أن يسبق الآخر، ولكن كما نعرف من حالتنا الإنسانية، ومن مراقبتنا لعالم الكائنات الحيّة كلها، ندرك بأن العقل هو الذي يحكم المادة، ويتحكّم بها. فعقلنا هو الذي يحكم أجسامنا ويتحكّم في تصرفاتنا، وهذا العقل كان كامناً منذ اللحظة الأولى في خليتنا الأولى، بل قبل ذلك. كما هو شأن حواسنا والباقي من أعضائنا. كما إن لمادة الجسد برنامجها الخاص الذي لا دور للعقل في السيطرة عليه أو التأثير فيه، فنبضات القلب وعمل أعضاء الجسم أثناء اليقظة والنوم ليس للعقل أي دور فيه أو سلطة عليه. إن العقل يقوم بدور المرشد والمسيطر على تصرفات الجسد ويرد على رسائل الغرائز ولكنه لا يملك التأثير إلا نسبياً في برنامج عمل الأعضاء. وهكذا يتبين أن المادة والعقل يتعاونان منذ اللحظة الأولى في وجود كل كائن حي. وسوف نبين دور العقل والغرائز أو المادة الجسدية في كل مرحلة في فصل خاص بالموضوع. ولكن ما نعرفه هو، أن المادة لم تخلق العقل، بمعنى أنها سابقة لـه في الوجود، إذ لا يمكن مشاهدة البيضة خالية من روح الدجاجة، ولا البذرة خالية من برنامج الشجرة وروحها، إذ هما متلازمان. كما لا يمكن رؤية الكون منفصلاً عن عقل المكوِّن. إذ كيف ستنشأ علاقة بين مادة ميتة وخالق لا علاقة لـه في الأصل بهذه المادة. وكيف سيكون بالإمكان صنع ما لا وجود لـه من عدم. والعدم لا وجود، فهل يمكن إيجاد الوجود من العدم. ما الذي نتوصل إليه من هذا البحث. هل الصانع هو المادة؟ إننا نطرح هذا السؤال لكي لا يضيع الباحث عن الحقيقة وراء أوهام صنعتها الفلسفات، وأحياناً المعتقدات. فالموجودات أزلاً هي مادة وطاقة، مادة وعقل لا ينفصلان ولم يسبق أحدهما الآخر في الوجود، لأنهما عبارة عن وجهين لحقيقة واحدة، وهي حقيقة العالم. وإن حقيقة المادة الكلية في الوجود تقتضي بالمقابل وجود عقل كلّي كوني على موازاتها للتحكّم بها، وإيجاد ما نراه، وهذا لا يتناقض مع وجود الكائنات. فالإنسان لـه حواس ولكل ذرة في جسمه عقلها الخاص بها الذي ترسل من خلاله الرسائل إلى العقل عندما تتألم أو تشتكي أو يجوع الجسم أو تتأثر العين أو الأذن، ومع ذلك العقول الجزئية لا تحول دون وجود العقل الإنساني المستقل بوجوده، والمتعالي بحقيقته على الجسد بما يملكه من خبرة ومعرفة وتقدير لمصلحة الجسد، وإن كان العقل في جسد الإنسان ويسير معه حيث سار. إنها صفاتنا المتعددة التي نحملها في طيّات نوعنا الواحد الملقب بالإنسان. إنه التنوع في الحقيقة الواحدة. هذا التنوع قد يوهم بالتعدد، نتيجة للحيرة التي يثيرها إبداع العقل في الكون، مع أن حقيقة المادة والروح والعقل مترابطان. وبما أن المادة لا تزيد ولا تنقص نظرياً لأنها لا تفني ولا يستطيع العدم أن يضيف إليها شيئاً، فإن من الطبيعي أن يكون العقل الكوني غير قابل للزيادة والنقصان. وبما أنهما أزليان فسيكونان بحكم النتيجة أبديين، لا نهاية لهما. وهكذا نستطيع أن نستنتج بأن الاحتمال الثالث الذي توصلنا إليه هو الصحيح.

    تعليق


    • #17
      توضيح للبديهية الرابعة:
      لقد استنتجنا بأن الصانع لابدَّ أن يملك كل العناصر اللازمة لما يريد أن يصنعه، لأن فاقد الشيء لا يستطيع أن يعطيه. وبما أن الإنسان، وهو من أكمل إبداعات الصانع، يتميّز إضافة لامتلاكه للحواس بامتلاكه للعقل، فإن من صنع الإنسان لابدَّ أن يملك عقلاً أكبر من عقله وحواساً أعظم من حواسه لكي يصنعه. وإذا كان الماديون يقولون بأن المادة صنعت الإنسان، أو هو نتيجة من نتائج تفاعلاتها، وليس الله، فإنهم سيكونون بذلك قد جعلوا للمادة عقلاً وحواساً. والعاقل لا يصنع ما لا يريد. ولا يصنع بالصدفة، ولا يصنع دون غاية. وإذا كانوا قد جعلوا للمادة كل هذه الصفات وقبلوا بها، فإنهم يكونون قد جعلوا المادة إلهاً، والخلاف معهم قد انتهى، وإن بقي على المسمى الله، لا على مضمون الاسم. فليعبدوا عقل المادة، الذي ليس هو المادة كما يقررون، وكما نقول. وكما قال الغزالي لهم "الطبيعة ما معناها فلا تخلو أن تكون جماداً أو حياً. فإن كان جماداً كان القول فيه ـ الجماد لا يوصف بالفاعل ـ وإن كان حياً قلنا هذا الحي لا يخلو أن يكون لـه فاعل أو لا فاعل له. فإن قيل لـه فاعل آخر، فالطبيعة كآدم في افتقارها إلى محدث. وإن كانت الطبيعة حية لا فاعل لها ولا علّة، فهي الإله، فأسقطوا لفظة الطبيعة وقولوا إله فهو الذي نريد بيانه، فإن حوادث لا أولية لها محال إلا إذا قلنا فعلت الطبيعة طبيعة فذلك منتف، فلابد من استناد الحوادث إلى مبدأ لا علة لـه وليس بمعلول أصلاً"(1). ولكن لماذا إذا كانت الطاقة والمادة أزليتان وهما وجهان لحقيقة واحدة، فلماذا تمَّ في الأديان تقديس العقل الكوني بينما أهملت المادة؟ في الحقيقة إن المادة لم تهمل كلياً في الأديان، فالتوجه نحو الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب في الأديان هو اعتراف رمزي بمكانة المادة من حيث إنها أم تقوم بدور الكشف عن إبداع العقل الكوني الساري في كل ذرات الوجود. فالعقل الكوني ليس لـه مكان محدّد، كما إن العقل الإنساني ليس لـه مكان محدد. والعقل لا يمكن أن يظهر إلا من خلال تأثيره في المادة وإبداعه فيها. ولهذا قال الرسول  لأصحابه حين سئل عن مكان الله [إن أهل السماء يطلبونه كما تطلبونه أنتم].
      فالعقل هو أنوار المعرفة، طاقة فاعلة غير مرئية لعالم المثال الكامن في الذات والذي لا يظهر إلا في المادة حين تلبس الأفكار ثوب الطبيعة، وتظهر للحواس بأزيائها المتنوعة، وأشكالها المذهلة. فالمادة ثوب للفكرة لابدَّ منه، ولكن دون الفكرة ستظل مادة لا قيمة لها. وقد تكررت إشارات القرآن إلى خلق الإنسان من طين، وإلى ما يسميه العلماء الانفجار الكوني، وهي إشارات إلى أزلية المادة الكونية، وإبداع الخالق فيها، وبأن الإبداع الإلهي لم يكن في العدم، وإنما في المادة القابلة للتشكل وفقاً لإرادة العقل الحاكم عليها. لقد قال الله تعالى مبيناً وفي بيانه القول الفصل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين(المؤمنون/12) وقال: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول لـه كن فيكون(النحل/40). والشيء هو وجود كما قال الشيخ محيي الدين بن عربي، أي مادة تسمع الأمر وإلا لن يكون الأمر مفيداً أو مؤثراً. ولكن كيف تسمع هل بالأذن، فهذا ما يجب أن نتأمله كلما تعمقنا في فهم آيات القرآن؟. لقد بيّن الله أن عملية إبداع الإنسان اقتضت عدّة مراحل إلى حين خلقه. وإن هذا يقتضي منا أن نفهم بأن الأمر التكويني للمادة يتطلب وقتاً مع الأخذ بالأسباب لإنجاز كل إبداع إلهي. والأمر التكويني هو استخدام للأسباب بالطريقة الملائمة. فنحن مثلاً نكلّم المصباح الكهربائي حين نريد إشعاله أو إطفاءه بالضغط على القاطع المخصص لهذا الغرض. ونكلّم باب منزلنا ليفتح بالمفتاح. وهكذا تسمع كل الصناعات البشرية أمر الإنسان وتطيعه. وهذا مثال لما يقتضيه توسيع مفاهيمنا ونحن نقرأ القرآن لكي نفهمه. وفي إشارة إلى أزلية المادة وإبداع الله فيها بالأسباب قال: أوَلم يرَ الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون(الأنبياء/30). السموات والأرض، المادة، عناصر الخلق، كانتا في الأزل. ولكن الصانع هو العقل الكوني، الذي لابدَّ أن يكون مهيمناً على المادة الكونية حتّى لا يختل نظامها. وإن كل كائن حي يحتاج إلى عقل مواز لجسده للقيام بدوره في الحياة من البعوضة إلى الإنسان. وعندما يفقد هذا العقل القدرة على توجيه الجسد سيحدث الخلل والدمار للكائن. فكيف تسير آلاف المجرّات وملايين النجوم بنظام مذهل، ونحن نرفض أن نترك حركة سير السيارات لرغبة السائقين العقلاء لأن بعضهم قد يخالف القوانين ويسبب الحوادث. هذا يدلّنا بأن حركة الكون لا يمكن أن تكون عشوائية. وإذا نظرنا إلى أنفسنا وما فينا من القدرات سندرك بأننا لم نمنح ما منحنا من العقل والحواس من صانع لا يملك ما منحنا إياه. ولكن مشاهدة هذا العقل غير ممكنة كما قلنا، وما يشهد منه هو الآثار، الإبداع، المبدَعُ يدلُّ على المبدع، والصنعة تدلّ على الصانع. فبه عرفناه. ونحن الأقرب إليه، وإلا ما كان سخر لنا السموات والأرض، لأن الحكيم لا يسخر الأعلى للأدنى، وإنما يسخر الأدنى للأعلى، ولا يسخر الأقرب إليه للأبعد، بل الأبعد للأقرب، والإنسان هو الأعلى والأقرب، إلا من ابتعد وانحدر عن أصله بجهله وهوى نفسه.
      فنحن صورة صنعه الأكمل على الأرض، ومن أجلنا تتابعت الحوادث، وتم خلق السموات والأرض، فظهر نور الذات، وعالم المثال حين ظهر سر العقل المكنون مكتوباً على الطين. سأل أبو ذر الرسول  [هل رأيت ربك ـ قال: نور أنى أراه](مسلم ـ 178/ج3). فعرفناه بالآثار. قال الله ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير(لقمان/20). إن تسخير الكون للإنسان لابدَّ أن يكون لمكانة الإنسان العظيمة عند الله. وقد ورد في الحديث ما يؤكد هذه الحقيقة. قال: [لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته وفي لفظ على صورة الرحمن](كنز العمال ـ 1148/ح1). فالإنسان هو الصورة الأكمل في الوجود والأقرب إلى الله من كل قريب ظاهراً وباطناً، بقابلية الإنسان لحمل الأسماء الإلهية، وتخلقه بها، ولهذا سماه خليفة، وأسجد لـه الملائكة، وهداه إلى طريق الشريعة، لكي يذوق طعم خلافة الله في الأرض، لا خلافة الأنصاب والأزلام والأموال. فحشد الله في الإنسان كنوز معرفته، وقال لـه إظهر باسمي لأن المخلوقات لا تطيق شهودي، ولا تعرفني إلا بالحواس، وأنت لن تعرفني إلا إذا نظرت إلي بقبضة نوري التي غرستها بيدي في جنّة قلبك، فابحث عنها حتّى تراني على حقيقتي، وتدرك بأنك عاجز عن رؤيتي. وحين ستصبح في حيرة من أمرك بما تشهد من كبريائي وعظمتي ستعرف سر قدرتي. وعندها ستعود إلي طالباً القرب في المكان، حتّى تجلس في مجلس ليس فيه قرب ولا بعد، إذ ستضيق بك السموات والأرض كما ضاقت بي، وسيسعك قلبي، كما وسعني قلب الإنسان العبد. وعندها لن تطلبني في السماء ولا في الأرض، لأنك ستعرف من أنت وستعرفني، فادخل إليّ من باب أسمائي، واشهد صفاتي، واعلم أن اسمك الأكمل هو مرآتي.

      تعليق


      • #18
        توضيح للمسلَّمة الخامسة:
        ـ قلنا إن المصنوع لا يمكن أن يماثل الصانع. ولو خلق الله من يماثله لصار إلهاً مثله، ولو وجد إله مثله سيحدث التنازع في الكون، كما يحدث في الممالك بين الأب والأبناء لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا‌(الأنبياء/22). ما اتخذَ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهبَ كلُّ إله بما خلقَ ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون(المؤمنون/91). بمنطق العقل والحكمة ينفي الله ما قد يظنه بعض الناس، من وجود صاحبة أو ولد أو إله آخر أو مثيل لله، فهو الذي لا مثيل لـه والذي لا تحدّه الصفات ولا الأسماء وإن عرفنا بعض ما عرّفنا به، وكيف سنعرف الله حق المعرفة ونحن لا نكاد نعرف أنفسنا. لهذا قال الشيخ محيي الدين بن عربي في عبارة جامعة "لو علمته لم يكن هو، ولو جهلك لم تكن أنت"(2). فلا يعرف الله غير الله، ومثل هذه المعرفة لا سبيل إليها إلا على وجه التقريب لا الإحاطة. وكما قال أبو بكر الصديق "العجز عن درك الإدراك إدراك". فلنتوقف ولا نطلق العنان لعقولنا في المعروف الذي لا يعرف.

        تعليق


        • #19
          ...........................يتبع................... .............

          تعليق


          • #20

            تعليق

            يعمل...
            X