إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    المشاركة الأصلية بواسطة التركي مشاهدة المشاركة
    اخي بارك الله فيك .. بالفعل جهد يستحق الثناء ..
    اخي هل ورد اسم الامارات هكذا في الوثيقة .. ام انك قمت بالتعديل على العنوان بحيث تقصد بالامارات , امارة ابو ظبي وساحل عمان .. حيث انه لم تكن هذه الامارات ( ابو ظبي وغيرها ) قد توحدت تحت مسمى ( الامارات العربية المتحدة ) في ذلك الوقت ..
    حياك الله ياغالي
    اشكر لكم وجودكم ومتابعتكم
    ما تم ذكره هو كما ورد في المقال دون زيادة او نقصان

    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #47
      كيف ضاعت مملكة القرم… أندلس المسلمين المفقود؟!



      ن الحديث عن مملكة القرم يقتضي بالضرورة الحديث عن الصراع بين الدولة العثمانية وروسيا، ولذلك لكون القرم كانت ولاية تابعة للعثمانيين ولموقعها الهام على الحدود الجنوبية للإمبراطورية الروسية .
      لقد كانت الدولة العثمانية قوة إسلامية عظيمة، نجحت في فرض إرادتها على مساحات واسعة من آسيا وافريقيا وأوربا ودام حكمها ستة قرون (1299-1923م)، ولكن انتشار الظلم، وانهيار الاقتصاد، وغياب دور العلماء الربانيين، والترف والانغماس في الشهوات والتدخل الأجنبي في شؤونها أدى هذا وغيره إلى تفسخ دعائم الدولة ثم تفككها وسقوطها.
      وبنظرة سريعة إلى أحداث القرن السابع عشر، نجد أن النمسا والدول المتحالفة معها حققت انتصارات عسكرية عديدة على الدولة العثمانية أدت إلى توقيع اتفاقية كارلوفيتز سنة 1699م، تنازل العثمانيين بموجبها عن بلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا، ومدينة أزاق التي كانت تحت سلطة خان القرم لروسيا.
      أما الإمبراطورية الروسية فقد كانت في أوائل القرن الثامن عشر تحت حكم بطرس الأول أو الأكبر (1672-1725م)، وأصبحت روسيا في عهده أكبر دولة في العالم، بعد أن بدأت في القرن الرابع عشر بداية متواضعة في إمارة موسكو فقط، وغدت حدودها تمتد من بحر البلطيق إلى المحيط الهادي.
      وبعد أربعين سنة من وفاة بطرس الأكبر، تربعت على عرش روسيا الإمبراطورة كاترين الثانية الكبرى، التي حكمت من عام 1762-1796م، وحرصت على توسيع حدود الدولة الجنوبية وتوطيد حكمها، وكذلك سن القوانين لكسب تعاطف المسلمين لضمان عدم انضمامهم للدولة العثمانية أثناء حربها معهم.


      القضاء على مملكة القرم الإسلامية

      تعتبر شبه جزيرة القرم والأراضي المجاورة لها ذات موقع استراتيجي مهم للدولة الروسية، من خلال إطلالها على البحرين الأسود والأزوف، وبالتالي التحكم فيهما وبتجارتهما، ثم الولوج إلى البحار الأخرى (مرمرة وإيجه والمتوسط).
      لذلك حرصت روسيا على السيطرة عليها، وقد ذكر المؤرخون أن العديد من القياصرة الروس دأبوا على الأخذ بالنصيحة أو المشروع الذي قدمه مستشار القيصرة الروسية كاترينا الثانية ميخائيل فارانتسوف عام 1762م تحت عنوان “ملاحظات عن صغار التتار”، الذي تحدث عن وجوب إخضاع خانية تتار القرم للدولة الروسية ثم السيطرة عليها كاملا من خلال خطوات وخطة مفصلة، وإلا ستبقى مصدر خطر على الأراضي الروسية.
      وفي القرن الثامن عشر تمكنت روسيا من دحر القوات العثمانية في عدة مواقع، مما ساعد ذلك في تعاظم تكالب الاستعماري على الإمبراطورية العثمانية بين فرنسا وإنجلترا وروسيا، ويجسد هذا الوضع تصريح نيقولاي الأول قيصر روسيا للسفير الإنكليزي في حفل رسمي سنة 1853م: “نحن أمام رجل مريض جدا، لنتفاهم بيننا لتقاسم تركته، وبكل صراحة سوف تحدث مصيبة كبرى إذا تمكن هذا الرجل ذات يوم من الفلات من أيدينا”.


      الحرب الروسية العثمانية بين عامي 1768-1774م

      تمركز أسطول الإمبراطورية الروسية في الشمال في بحر البلطيق، فقد كان البحر الأسود بحيرة عثمانية مغلقة تفرض عليه سيطرتها، فأبحر الأسطول الروسي من بحر البلطيق إلى المحيط الأطلسي، واجتاز البحر المتوسط، وحين أخبر السفير الفرنسي “الباب العالي” بتحرك الأسطول الروسي، لم يتحرك أحد من القادة والوزراء، ولم يصدقوا أن يقوم أسطول العدو باجتياز تلك البحار إلى المياه العثمانية، وتقابل الأسطولان في بحر إيجه، واستمر القتال أربع ساعات انتصر بعدها العثمانيون.
      رجع العثمانيون بعد إحراز النصر إلى ميناء جشمة بالقرب من إزمير، وتبعتهم سفينتان صغيرتان من مراكب الروس، وظن العثمانيون أنهما فارتان وترغبان في الانضمام إليهم، فلم يتعرضوا لهما، وما إن دخلا الميناء حتى ألقيا النيران على السفن العثمانية التي كانت ترسو متلاصقة بعضها بعض فاشتعلت النيران بسرعة، وانفجرت المعدات الموجودة بالسفن، وسرعان ما احترق الأسطول العثماني برمته في 5 يوليو 1770م، وأحدث هذا الانتصار دويا هائلا في أوربا، فلأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية تتغلب عليها دولة أوربية بمفردها دون حليف وشريك في حرب شاملة، واستمر المناوشات بين الطرفين إلى عام 1774م.


      اتفاقية “كوجك قينارجه” و”سلخ القرم”

      منذ عام 1772م بدأت سلسلة محادثات واجتماعات بين الجانبين الروسي والعثماني لوقف الحرب وتقرير مصير خانية القرم والملاحة في البحر الأسود.
      إلى أن توجت بتوقيع إتفاقية مصالحة وسلام في قرية كوجك قينارجه (في بلغاريا اليوم) 21 يوليو/تموز من عام 1774م وقد جاءت في 30 مادة، وكان هذا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول (والذي حكم 1774-1789م) ،وعهد الخان القرمي صاحب كراي الثاني (الذي حكم بين عامي 1771-1775م).

      ومن أهم بنودها ونتائجها:

      1- الإعتراف بالقرم كدولة مستقلة، ولا ترتبط بالدولة العثمانية إلا من خلال قيام شيخ الإسلام في اسطنبول بتنظيم الشؤون الدينية للقرم .

      2- استيلاء روسيا على العديد من المناطق التي كانت تحت حكم الخان القرمي، ومنها: مناطق قبارديا والأراضي الممتدة بين نهري (دنيبر)، و(البوغ الجنوبي) شمال شبه جزيرة القرم، إضافة إلى مدن وقلاع كيرج (كيرتش)، وإيني كالي، وكينبورن، وآزوف.

      3- أعطت المعاهدة لروسيا حق رعاية السكان الأرثوذكس الذين يعيشون في البلاد العثمانية، وكان هذا الاعتراف ذريعة لروسيا في أن تتخل في شؤون الدولة العثمانية.

      4- لروسيا وتجارها حرية الملاحة والتجارة في بحار أزوف والأسود والمتوسط، وقد كانت الدولة العثمانية تفرض سيطرتها الكاملة على البحر الأسود، حتى أن الرعايا الروس كانوا ينقلون بضاعتهم وتجارتهم على السفن العثمانية .

      5- ألزمت المعاهدة أن تدفع الدولة العثمانية غرامة 15000 كيس من الذهب للروس.

      رغم أن معاهدة “كوجك قينارجه” لم تفقد تركيا سوى أراض قليلة لكن المعاهدة كانت ضربة قاسمة للدولة العثمانية فيما يختص سيادتها على البحر الأسود والمضايق، ورفعت روسيا إلى مصاف الدول القوية بعد انجلترا وفرنسا، وبالمقابل انزلت الدولة العثمانية من القمة إلى السطح.


      القرم بعد “كوجك قينارجه”

      سرعان ما بدأت روسيا بنقض بنود الاتفاقية والتدخل في شؤون القرم، وذلك من خلال بث رجالها في بلاد القرم لإيجاد المشاغب الداخلية بها، وبالتالي ابتلاعها وضمها إلى أملاكها، حيث لم يكن قصدها من استقلالها السياسي وقطع روابط تبعيتها للدولة العثمانية إلا الوصول لهذه الغاية.
      واستمرت في إلقاء الدسائس ونشر الفتن بين الأهالي حتى عزلوا أميرهم الخان دولت كراي الرابع (حكم في ولايته الثانية من عام 1775-1777م) والذي انتخبه الأهالي بمقتضى معاهدة “كوجك قينارجه”، وأقاموا شاهين كراي (حكم من عام 1777-1783م) فلم يقبل تعيينه فريق عظيم من الأعيان وخيف من وقوع حروب داخلية.
      لذا أمرت روسيا الجنرال القائد جريجوري بوتيمكين (1739-1791م) باحتلالها، فدخلها بسبعين ألف جندي كانوا منتظرين على الحدود لهذه الغاية، فتم لها مقصدها الذي كانت تسعى وراءه من مدة، وذلك بعد ثمان سنوات من الاتفاقية والتي تعهدت فيها روسيا بالحفاظ على استقلال إمارة القرم.
      وهكذا سقطت الخانية القرمية الإسلامية وضمت أراضيها إلى الإمبراطورية الروسية عام 1783م، لتبدأ معاناة المسلمين القرميين التتار.
      وسنتحدث في مقالة أخرى- إن شاء الله – عن حال مسلمي القرم تحت حكم القيصرية الروسية 1783-1917م.

      المصدر أوكرانيا برس



      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #48
        وثيقة عثمانية “توجه السفن الإنجليزية إلى دبي”


        وثائق من الأرشيف العثماني عن الخليج العربي
        التاريخ 30 كانون الأول 326 [1 رومي]
        محرم 329 [1هـ/13 كانون الثاني 1911م]

        مذكرة من نظارة الداخلية إلى مقام الصدر الأعظم :
        لقد كتب القنصل الإنجليزي في البصرة إلى سفارة [بلاده في إستانبول] أنه بناءً على اختلال الأمن في المنطقة، ونظراً لضرورة الحفاظ على حياة رعايا الإنجليز في البلد، فلابد من إرسال سفينة حربية إنجليزية إلى ميناء البصرة. ونتيجة للاتصالات التي جرت بين الخارجية [العثمانية] والسفارة [الإنجليزية]، والتي رُدّ بها على القنصل المذكور كما ذكرتها الأخبار الموثوقة، تقرر إرسال السفينة المطلوبة في حال عدم تمكن أفراد الأمن العام – الذين يتم إرسالهم إلى بغداد – من استتباب الأمن في المنطقة.


        وقد ذكرت [البرقية الواردة من ولاية البصرة] أن توجه سفينة إنجليزية إلى المنطقة غير خال من محظورات سياسية. بل وكما وردت الأخبار فإن عدة سفن إنجليزية توجهت إلى دبي الواقعة على سواحل حضرموت، وأنها أنزلت العساكر إلى البر، ورُكز العلم الإنجليزي. ثم تبين أخيراً أن الموقع المذكور [دبي] لا يقع على سواحل حضرموت؛ بل إنه في قضاء قطر الواقع على السواحل النجدية(1). وهي من الأجزاء المكملة للممالك العثمانية. وتجدون بطيه صور ثلاث قطع من البرقيات الواردة من ولاية البصرة، المتضمنة إبداء الرأي في توجه قائد الأمن العام بالولاية إلى الموقع المذكور بالسفينة “مرمريس”، لإجراء تحقيقات لازمة في الموضوع.
        وقد تبين أيضاً من البرقية التي وردت إلى نظارة الخارجية من قَبل، أن مسألة ميشيل لا أساس لها من الصحة. أما حادثة أنتبا فهي أن عدة أشخاص من الجناة داهموا ليلاً منزل شخص من رعايا اليونان يدعى أنتبا. وبناءً على مقاومته لهم لم يستطيعوا إحداث ضرر، ولاذوا بالفرار. وهي عبارة عن ذلك، ليس إلا. وعلى الرغم من وجود قوات عسكرية كافية بالبصرة، إلا أنه تم إرسال قوة عسكرية إضافية، بغية توفير الأمن اللازم للبلد. ومما لا شك فيه أن ظهور مثل تلك الحوادث مؤسف للغاية. وقد تم إجراء الاتصالات اللازمة مع نظارة الخارجية بشأن مسألة دبي، ولا حاجة إلى إرسال السفينة إلى هذا الموقع [أي دبي]. كما تم إبلاغ نظارة الخارجية بأمر توجه السفن الإنجليزية إلى المنطقة، وقيامها بإنزال العساكر في الموقع المذكور، وركز العلم الإنجليزي فيه.



        (1) : هذه الوثيقة محفوظة في الأرشيف العثماني بإستانبول تحت تصنيف Dah.Sys. 30/5


        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #49

          السياسة المركزية العثمانية ومحاولات تأزيم الحكم في جبل لبنان (1841 – 1843)



          بعد أن نجحت الدولة العثمانية في إزاحة محمد علي باشا عن حكم بلاد الشام وبعض الولايات التي خضعت له أبان مدة توسعه ، سعت قبل ذلك وبعده إلى إعادة النظر في إدارة شؤون الولايات التابعة لها ضمن خطة تهدف إلى إصلاح وتنظيم شؤون الدولة(1) . فبعد أن كانــت الولايات العثمانية وخاصة العربية منها، تحكمها اسر محلية وراثية، كالمماليك في بغداد والأسرة القرملية في طرابلس الغرب ..)) رأت أن من الأفضل هي أن تقوم باختيار الحاكم المناسب لتضعه على رأس الإدارة في كل ولاية، ويكون مرتبطا بصورة مباشرة بالباب العالي أو بنظارة الداخلية فيما بعد، ويمكن أن نضع الحملة العسكرية العثمانية على ولاية بغداد في عام 1831م والموصل في عام 1834م وطرابلس الغرب في عام 1835 جزء من الأمثلة التي تؤكد هذه السياسة التي استأنفها السلطان عبد المجيد بعد أن بدأها والده السلطان محمود الثاني.
          وفيما يخص الأوضاع في جبل لبنان بعيد نفي الأمير بشير الثاني، فقد سعت الحكومة العثمانية إلى فرض الحكم المركزي المباشر على الجبل ، وكانت الدولة العثمانية تدرك العقبات الداخلة والخارجة المتمثلة برفض أهالي الجبل للحكم المباشر، والذي يعني إلغاء الإمارة الشهابية وبمساعي الدول الكبرى للحؤول دون تعزيز سيطرة الدولة العثمانية على ولاياتها، وخاصة الإمارة اللبنانية التي بات واضحا أنها تسعى إلى إيجاد مصالح ونفوذ فيها لا يمكن أن تسمح المساس بها . لكن السلطان عبد المجيد وجد طرائق أخرى للحصول على ما يريد، إذ أراد الإبقاء على الإمارة الشهابية مؤقتا حتى تنجلي الأمور على ما يريد عبر (تعيين) أمير من قبله وليس (اختياره) من أعيان جبل لبنان، وكان أهم ما تميز به هذا التعيين هو اختياره شخصية مهزوزة ليس لها القدرة والقابلية على إدارة شؤون الإمارة مما ينعكس بالتالي على الأوضاع في البلد ويتجه بها نحو التدهور، فيخلق بذلك مبررا للدولة العثمانية التدخل لإقالة هذا الأمير والبرهنة على فساد الإمارة فيعطيها ذلك دفعا قويا لان تخضع الجبل إلى حكمها المباشر.
          وهكذا أصدر السلطان عبد المجيد فرمان تعيينه إلى شخصية مهزوزة تدعى الأمير بشير الثالث 1840-1842م (الملقب بابي طحين) أميرا على جبل الدروز، وكل ما كان يملكه هذا الأمير من الامتيازات هو انه أحد أهم عملاء الإنكليز في جبل لبنان أثناء الحملة (الانكلو-عثمانية) ضد إبراهيم باشا عام 1840م، إذ كانت مهمته (تهييج العامة ضد حكم محمد علي وكان يتلقى أوامره من أحد العملاء الإنكليز المدعو ريتشارد وود ) R.wood الذي كان يقف وراء تعيينه وكان بنفسه قد حمل فرمان تعيينه.
          اتصف الأمير بشير الثالث بضعف الرأي وسوء العمل والتصرف، وقد كرهه أعيان الدروز لأنه لم يكن لهم يد في تعيينه؛ ولأنه لم يمتلك مزايا الأمراء. وزاد من ذلك إقدامه على ارتكاب جريمة قتل السيدة حبوس زوجة أحد ابرز الأمراء الأرسلانيين، وقد عد أبو شقرا المؤرخ اللبناني المعروف هذه الجريمة بأنها كانت بمثابة (البواعث الأولية على نفخ ضرم الفتنة الأولى). ولم يكن الدروز وحدهم كارهين له، فالموارنة كانوا منزعجين منه على الرغم من كونه نصرانيا؛ لأنهم رأوا فيه انه (لا يشبه سلفه الا بالاسم) لذا عمد الموارنة على (إلقاء الفتن والوساوس .. استجابة لتعليمات العيلة الأميرية الشهابية) التي بات واضحا أنها كانت أيضا لا تدعم هذا الأمير. فخلقت الدولة العثمانية بتعيينها هذا الأمير المكروه، الظروف المناسبة لإشعال نار الفتنة للإطاحة به ليتسنى لها بالتالي إحلال الحكم المناسب محل حكم الأمراء الشهابيين الذي بات لا ينسجم مع السياسة العثمانية الهادفة إلى تركيز سلطاتها بشكل أكثر.

          قام السلطان بتوجيه فرمان سلطاني الى أعيان الدروز ومشايخهم يؤكد لهم أن الأمير بشير الثالث قد عينه عليهم فقط، مما أثار الاكليروس الماروني الذي اخذ ينظر إلى حاله وان يلتمسوا من السلطان أن يكون لهم أمير ماروني شهابي عليهم ينصب مباشرة من الباب العالي دون وساطة الوالي العثماني، فنجح في زرع بذور الانفصال بين ابرز طائفتين في جبل لبنان.
          ولم يتخلص بشير الثالث من النفوذ الإنكليزي عليه، بل بقي يستشيرهم هم في أي أمر يعرض عليه، وقد نفر أعيان الدروز منه خاصة بعد أن أهانهم وازدرى بهم ورفض إعــادة بعض مقاطعاتهم التي كان الحكم المصري السابق قد سلبها منهم وصادرها فأصبح بقاؤه مسالة وقت فقط.
          فبدأ مشايخ الدروز بالتحرك، وكانت البداية عريضة موجهة إلى الباب العالي في حزيران عام 1841 يبينون موقفهم من الأمير بشير الثالث الذي انزل بهم (( صنوف الاحتقار ساعيا لإذلالنا وكنا أوفر وجاهة من المسيحيين لذا نسترحم جلالة السلطان أن يعين علينا رئيســـا متعهدين له بالخضوع لجميع إحكام خط كلخانة(*) الشريف وخاصة فيما يتعلق بالضرائب) ابرز ما يمكن أن نستشفه من هذه البرقية إدراك أعيان الدروز للعبة السياسة التي تنوي الدولة العثمانية القيام بها، وهي مما شاتهم الدولة في مسالة تعيين حاكم عليهم، وليس اختيارهم كما كان في السابق.
          تلقى الباب العالي برقية مشايخ الدروز بفارغ الصبر فسارع إلى إصدار الأوامر بإعفاء الدروز من الضرائب لثلاث سنين، كما أمر بإنشاء مجلس في 15 أيلول عام 1841 يترأسه الأمير بشير الثالث وهذا يعطي مؤشرا على عناية الباب العالي للدروز خاصة؛ لأنهم وقفوا إلى جانب الدولة أثناء أزمتها مع محمد علي، لكن سنرى فيما بعد أن الأمير بشير الثالث المعروف بقصر نظره قد ناصب زعماء الدروز العداء لذا قام نكاية لهم بتعيين أحد مشايخ الخوارنة، وهم نصارى، كوكيل عنه في رئاسة المجلس وكان هذا الأخير مشهورا بعدائه للدروز، وفي خاتمة المطاف رفض الأمير بشير الثالث تنفيذ الفرمان السلطاني الذي طلب إليه إعادة بعض المقاطعات إلى الدروز عندها حزم الدروز أمرهم إلى الإطاحة بالأمير بشير الثالث وتعيين أمير شهابي اكثر تفهما منه، ولكن البطريرك الماروني الذي كان نفوذه قد اخذ بالتنامي بشكل ملفت للنظر رفض اقتراحهم، لأنه كان يرغب بعودة الأمير بشير الثاني الذي نفي إلى مالطة بعد الحملة العسكرية العثمانية على بلاد الشام 1840.
          عمقت هذه المواقف من أسباب التباعد بين أقوى طائفتين في جبل لبنان (الدروز و الموارنة) وبدأت الأمـور تنذر بشر مستطير، وكان الجميع يترقب الشرارة التي ستشعل نار الحــرب بين الطائفتين، وجاءت عندما انتزع رجل من نصارى دير القمر صيد رجل درزي من بعقلين مما أدى إلى تشاجرهما، وتمكن الدرزي مــن اثخان النصراني بالجراح فاستصرخ النصراني في أهله وبدأ القتال(*)، وكان النصارى يبعثون بالرسائل إلى القرى المجاورة يستنجدون بهم، وقام البطريرك الماروني بتوزيع منشورا يحض الموارنة على الانتقام وجرت مواقع ومعارك عديدة في مناطق دير القمر ونيحا وجزين والجرد وبعبدا والمتن والملاحظ إن معظم هذه المناطق تتركز في جبل الشوف.
          لقد اتحد الدروز بوجه النصارى والأمراء الشهابيين، مما أعطى لهذه الحركة بعدا سياسيا تمثل بكونها تمرد على الأمير الشهابي، فاحرقوا دير القمر في 14 تشرين الاول عام 1841م واحرقوا معها قصور الشهابيين ومنازلهم في مناطق الحدث وبعبدا ومن بينهم قصر الأمير بشير الثالث الذي بدلا من أن يقوم بتهدئة الأوضاع، واتباع الحكمة في التعامل مع هذه الظروف راح يطلب تدخل الدولة العثمانية ويرسل لنصارى المناطق المجاورة طالبا (المساعدة والمعونة).
          سارع الباب العالي إلى التدخل وأمر والي صيدا بإرسال العساكر العثمانية إلى جبل لبنان وتوزيعها على المناطق الرئيسة لتعمل على الحيلولة دون أي صدام قد ينشب مجددا، كما طلب من زعماء الدروز والنصارى بان يكفوا عن القتال، لكن البطريرك الماروني الذي كان يرغب بتوتر الأوضاع للبرهنة على سوء إدارة الأمير بشير الثالث وكي يقنع الدولة (بتعيين) ما يريده، رفض تهدئة الأوضاع وصمم على تقديم (المؤونات والعلائف والبارود والرصاص) عبر التشديد على أعيان الموارنة بدعم هذه الخطط، لذا استمرت المعارك وكانت الهزيمة واضحة على نصارى الشوف، لذا قرر الدروز توسيع نطاق المعارك لتشمل زحلة ذات الأكثرية النصرانية بحجة دعمها للنصارى، لكن والي صيدا أرسل عساكره مرة أخرى إلى زحلة لمنع تكرار حوادث القتل.
          انتهز قناصل الدول (فرنسا، بريطانيا، روسيا) فرصة الاضطرابات فقدموا مذكرة مشتركة إلى والي صيدا يلفتون نظره إلى (الإشاعات) التي تدور حول دور السلطات العثمانية في تحريض الدروز على الانتقام من النصارى وان الجنود العثمانيين ساهموا في تجريد نصارى دير القمر من أسلحتهم، وقد حذر القنصل الإنكليزي ريتشارد وود في تشرين الاول عام 1841 والي صيدا من مغبة عزل الأمير بشير الثالث؛ لان (أهالي لبنان (بأجمعهم) لا يسمحون مطلـــقا بان يتولى إدارة بلادهم أحد الباشوات)
          أسفرت هذه الفتنة عن مقتل اكثر من ثلاثمئة لبناني وخراب في الممتلكات، ولكن أسوء النتائج كانت فقدان الثقة بين الطوائف اللبنانية، وازدياد روح الكراهية خاصة بعد تجاهل السلطات العثمانية مسالة التعويضات ومعاقبة محركي الفتنة مما انعكس بشكل خطير على مستقبل لبنان.

          وفي أوائل عام 1842 أقدمت الدولة العثمانية على خلع الأمير بشير الثالث ونقله إلى العاصمة إستانبول مرسلة أحد ابرز كبار ضباطها المدعو مصطفى نوري باشا، وهدفها من إرسالـه (إعادة ترتيب الأوضاع في جبل لبنان )، لكن الواقع كان يهدف إلى إقناع جميع الأطراف اللبنانية بفوائد الحكم العثماني المباشر، وسعى إلى مصالحتهم، وبدا بالتقرب إليهم عبر الهبات والهدايا لكن أعيان الموارنة تحت ضغط الاكليروس الماروني، رفضوا مقترحات المبعوث العثماني فما كان منه إلا أن يصر على موقفه بعد أن كسب الدروز إلى صفه وأعلن في 16 كانون الثاني 1842 م عن إلغاء الإمارة الشهابية عن جبل لبنان تمهيدا للخطوة التالية.
          لقد كانت موافقة الدروز على إلغاء الإمارة الشهابية (نكاية بالموارنة) الذين بقوا متحكمين بها، فاستغلت الدولة العثمانية ذلك الكره أيما استغلال ونجحت في تفرقة الصفوف، ليتسنى لها تحقيق الأهداف السياسية، وجاءت الخطوة التالية القاضية بتعين والي عثماني عسكري يدعى عمر باشا النمساوي(*) (15 كانون الثاني /17 أيلول 1842)، الذي بدوره سعا إلى اتباع سياسة التقارب من الطوائـف كــافة واقناع النصارى باستبعاد عودة الشهابين إلى الحكم، ومن اجل ترسخ الحكم العثماني المباشر، سعى عمر باشا إلى تجميع التواقيع من اللبنانيين عبر تشكيل لجان لجمعها، ورغم ذلك لم يسعى إلى تضميد جراح المنكوبين أثناء فتنة 1841 ولم يبحث عن الجناة بل اكتفى بفرض أعمال السخرة على اللبنانيين.
          أما على صعيد الإدارة، فقد سار في إدارة الجبل على خطى الإدارة الشهابية والمعنية عندما عين مدبرا (كتخذا) له وأعاد توزيع المقاطعات اللبنانية على الإقطاعيين واخذ بالتقارب من جميع الطوائف وكسب ودها عبر تعيين بعضهم في وظائف كبيرة في لبنان كنائب الحاكم أو قائد الجند. وقام بإنشاء (هيئة حاكمة) ضمت مختلف الطوائف اللبنانية البارزة في محاولة منه لإشراك الطوائف جميعها في حكم لبنان.
          كان هم عمر باشا هو القضاء على فكرة عودة الإمارة الشهابية، لتحقيق ذلك سعا بالتقرب من العناصر المناهضة لهم والمنافسة لتطلعاتهم، فقام بإعادة الأملاك التي صودرت منهم وثبتهم على ما توارثوه من امتيازات، فما كان منهم إلا أن يقفوا إلى جانبه ويبعثوا بالعرائض المؤيدة لحكمه والمناهضة لعودة الشهابيين إلى الحكم وكان من بين هؤلاء بعض أمراء ومشايخ المتن وكسروان.
          جوبهت هذه السياسة برفض ومعارضة من البطريرك الماروني، والدول الكبرى كفرنسا وبريطانيا اللتين تعهدتا بالدفاع عن حقوق الطوائف اللبنانية وتزويدهم بما يحتاجونه، وكان لاحتجاج سفراء الدول الكبرى على هذه العرائض وتشكيكهم بصحتها دافعا للدولة العثمانية أن ترسل أحد موظفيها كمبعوث سلطاني في نيسان عام 1842 لدراسة حالة التواقيع عن كثب، لكن هذا الأخير أهمل احتجاجات القناصل على هذه العرائض وامتدح (المحبة والولاء التي أظهرها اللبنانيون بجميع فئاتهم نحو الحكومة الرشيدة التي يرأسها عمر باشا).
          وقد رفع تقريره النهائي إلى استانبول التي أضحت ساحة للتباري الدبلوماسي بين سفراء الدول الكبرى، وكان وزير الخارجية صارم أفندي يسعى للإبقاء على الوضع السياسي في جبل لبنان على حاله مستعينا بالسفير البريطاني Stratford Canning(*) (الذي لا ينازعه مـنازع في قوة نفوذه وسيطرته) لكن الأخير تخلى عنه في اللحظة الأخيرة عندما (ندد بأساليب التخويف والإفساد) التي اتبعها عمر باشا للحصول على عرائضه، وطعن في صحة التقرير الذي قدمه المبعوث العثماني مطالبا بإلغاء الحكم المباشر وإقامة نظام (يرضى عنه جميع الأطراف) اعتبار تعين عمر باشا مجرد (تدبير مؤقت لمراعاة الحال).
          أدت جهود قناصل الدول بتغذية روح الرفض لدى الزعماء اللبنانيين، إلى توحد المعارضة من اكليروس، وبعض الإقطاعيين الموارنة والدروز التي دعمتهم فرنسا وبريطانيا، وزاد من المعارضة اتباع عمر باشا سياسة ضريبية مجحفة بحق الأهالي اللبنانيين بحيث وصلت إلى إضعاف ما وصلت عليه أيام الحكم المصري، مما دفعهم إلى إرسال العرائض إلى الباب العالي في أيار عام 1842 يطالبون بتخفيض الضرائب؛ لأنه سيؤدي البلاد إلى (الخراب)، فضلا عن كونه مناقضا للقرار السلطاني القاضي بإعفائهم من الضرائب لثلاث سنوات.
          وجد بعض الإقطاعيين الموارنة، وخاصة المؤيدين لعودة الأسرة الشهابية دعما من فرنسا عبر ظهور قطع من أسطولها عبر الساحل اللبناني، ثم بدا الخلاف مع الدروز، بسبب وشايات عن تخطيط الأسر الدرزية على القيام بحركة ضد عمر باشا، سارع الأخير بمطاردتهم، ولما اقدم بعض الدروز على نهب بعض أمتعة الجند النظامي أدى إلى ازدياد التوتر بين الطرفين، فقام الوالي في 6 نيسان 1842 باعتقال سبعة من زعماء الدروز البارزين فأثار ذلك ردة فعل عنيفة تمثلت بإقدام الدروز إلى إعلان التمرد على سلطة عمر باشا واخذوا بقطع الطريق على القوات العثمانية وسرعان ما انضم إليهم دروز حوران وما جاورها واقتحموا جبل لبنان(لتحرير المشايخ واعادة الحكم الذاتي) ولما رأى الدروز أن حركتهم هذه لايمكن لها النجاح دون مساعدة الموارنة لهم، قاموا بمناشدة إخوانهم في الوطن بنسيان الماضي، واقتراح عقد ميثاق تحالفي يقضي بموافقة الدروزعلى إعادة الإمارة الشهابية وتعويض المتضررين من النصارى التي لحقت بها أبان فتنة 1841 لكن عدم الثقة على مـا يبدوا كانت قد بلغت حدا لم يكن بالإمكان إعادة إصلاحه فرفض الموارنة ذلك الميثاق ورفض الدروز تقديم مزيد من التنازلات.
          أما الدولة العثمانية فقد رأت في تقارب الدروز مع الموارنة ما يهدد سياستها الرامية إلى استمرار التفريق بينهما، وعدم اتفاقهم على مبادئ قد تضر السياسة العثمانية الراغبة في مزيد من المركزية في حكم المقاطعات التابعة لها، لذا ومن اجل تخفيف التوتر مع الدروز سارعت السلطات العثمانية إلى إطلاق سراح الزعماء المعتقلين الدروز، ومنحت بعض الأمـــوال لبعض الزعماء الموارنة لتسكين خواطرهم عن الدولة العثمانية، وبينما كانت القوات الدرزية قد حاصرت قصر عمر باشا وقطعت عنه الماء مطالبته بإلغاء التجنيد الإجباري والامتناع عن تجريد السلاح والإعفاء من الضرائب وإقالة عمر باشا من منصبه، لكن من هذه المطالب لم تنفذ بسبب تمكن والي صيدا من تحييد النصارى في هذه الحركة، عبر إرساله رسولا إلـــى البطريرك الماروني (يستشيره) فيمن يصلح للولاية من الأمراء اللمعيين الموارنة كما شن هجوما كاسحا على القوات الدرزية المحاصرة لعمر باشا تمكن من إزاحتهم ومطاردتهم. وفي 7 كانون الاول 1842 استجاب والي صيدا لمطالب الرافضين لتعيين عمر باشا، فاقيل من منصبه واستبدل بشخص لم يستمر سوى بضع ساعات إذ كانت الدول الكبرى قد اتفقت فيما بينها على تطبيق نظام جديد للبنان وضع موضع التنفيذ عند مطلع سنة 1843(2) .
          _________________
          الهوامش :
          (1. ) Bernard Lewis,The Emergnce of modren Turey(London-1963)P.73.
          (*) خط كولخانة ، كان هذا الخط بمثابة قانون الإصلاح الرئيسي للدولة العثمانية وكان للوزير مصطفى رشيد باشا 1800-1858م جهدا في انجازه عندما قرأ هذا الفرمان في قصر كولخانة راجع الجميل ، تكوين العرب،ص340 .
          (*) ويعتقد بعض الكتاب أن الدروز كانوا المعتدين على الموارنة بحجة انهم دخلوا دير القمر، فارتكبوا ابشع الأعمال والواقع أن تحديد المعتدين لايمكن فرضه على طرف دون آخر فالبحث العلمي يشير إلى أن الجميع كان لهم في هذه العمليات دون استثناء، راجع شاكر التاريخ الإسلامي في العهد العثماني, ج8,ص174 .
          (*) عمر باشا النمساوي ولد سنة 1806 من اصل كرواتي يدعى ميخائيل لاتاس اسلم وسمى نفسه عمر / شارك في حروب الشام ضد إبراهيم باشا يتصف بالشجاعة والإقدام والحنكة السياسية راجع الصليبي ، تاريخ لبنان ، ص85 .
          (*)الفايكوند ستراتفورد دي ردكليف 1786-1880م وهو إبن تاجر بريطاني دخل وزارة الخارجية بفضل إبن عمه جورج كاننج، قضى معظم حياته العامة في استانبول مسؤولا عن المصالح البريطانية وكان لفضوله القوي وبصيرته اكسبته مساندة الدولة العثمانية ، كان يسعى الى منع اللروس من تدمير الدولة العثمانية وكان مستشارا غير رسمي للسلطان العثماني، بالمر
          (2) بدأت هذه الحركة قبل هذا التاريخ حيث ترجع إلى أواسط القرن الثامن عشر بجهود شخصية مصطفى باشا للمزيد عن حركة الإصلاحات في الدولة العثمانية شفيق جحا ((التنظيمات أو حركة الإصلاح في الإمبراطورية العثمانية )) مجلة لأبحاث الجامعة الأمريكية (بيروت –1965 ) ص107 وما بعدها عبد العزيز نوار التاريخ الحديث للشعوب الاسلامية (دار النهضة القاهرة –1973) ؛ ص173- 190خالد زيادة اكتشاف التقدم الأوربي بيروت –دار الطليعة بيروت 1981ص45-61 .


          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #50
            عبد الحميد صاحب مشروع






            إذا كان الجانب المتعلق بالمشروعات من شخصية عبد الحميد الثاني قد بقي عبر التاريخ في ظلال عبقريته السياسية؛ فإنه ينبغي لنا ألاّ نهمله عند النظر في الرسائل التي يبعثها إلى يومنا هذا، بل ينبغي أن يكون في مقدمة النماذج التي نقتبسها من جوانب شخصيته.
            فعلى سبيل المثال، هل تعلمون أنه كان يخطط في مطلع القرن العشرين لبناء جسرين على مضيق البوسفور والخليج في استنبول، وأنه حضّر في ذلك عدة مشروعات مختلفة؟! وعلى الرغم من أن مشروع جسرَي مضيق البسفور الذي قدمته شركة السكة الحديدية في البوسفور، والذي يعود الى المعماري الفرنسي فردينان أرنودن عام 1900م لم يكتب له أن يرى النور؛ فإن الوثائق مازالت تبين الرسومات والمخططات وتظهر فيها الدلائل التي تشير إلى العمل المكثف في البنية التحتية، والتخطيط لمستقبل استنبول في ذلك العصر.
            حدد المعماري فردينان ارنودن مكانين لبناء جسر:
            الأول: في ممر أنابيب الغاز القائم حالياً بين سراي بورنو واسكودار.

            الثاني: في المكان الذي يقوم عليه اليوم جسر السلطان الفاتح والذي انشئ عام 1986م بين روملي حصار وقنديللي. وكان تصميمه خطان للسكة الحديدية ومحطتان للقطار في بقركوي وبوستانجي. وكان سيطلق عليه الجسر الحميدي.
            وفي الصورة مشروع الجسر الذي يقوم مكانه اليوم جسر السلطان محمد الفاتح، والذي قُدم الى السلطان عبد الحميد الثاني عام 1900، ويظهر عليه الجوامع. (القبب الكبيرة القرميدية الملونة؛ تُزينها السبائك النحاسية الخزفية المذهبة، وتحيط بها المآذن التي تحمل كل جماليات مآذن القرنين السادس والسابع عشر) .


            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #51
              “غارالدماء ” والتاريخ المنسيّ





              تعدّ غارالدماء من أكبر المعتمديات في البلاد التونسية من حيث المساحة ومن حيث عدد السّكان كذلك. وهي تقع في ولاية جندوبة في أقصى الشمال الغربي من البلاد. وأراضيها من أخصب الأراضي، يمرّ بها وادي مجردة قادما من سوق أهراس الجزائرية. وتوجد في هذه المنطقة جِبال وغابات تُنسيك جبال عين دراهم وغاباتها، وعلى الحدود التّونسية الجزائرية تقع “محمية الفايجة”، وهي أكبر حديقة للحيوانات في تونس، وفيها أنواع كثيرة من الحيوانات التي لا توجد في أيّة منطقة أخرى. كما تُوجد فيها منطقة عين سلطان، وهي عبارة عن جنّة صغيرة على وجه الأرض تجري من تحتها المياه، وتوجد فيها “الغُرّة” و”وشتاتة” و”العيون” و”عرقوب الصّابون” وغيرها من المناطق الرائعة بمناظرها وأهلها الطّيبين.


              وأهل غارالدماء لا يكادون يسمعون اسم منطقتهم في وسائل الإعلام، وكأنّها غير موجودة على خريطة البلاد التّونسية، كما لا تجد في كتب التّاريخ أيّة إشارة عنها وكأنّ الاستعمار الفرنسي لم يمرّ من هناك ولم يُذق أهلها الويلات. ولحسن الحظ عثرنا اليوم هناك بعيدًا في المصادر التّركية على بعض المعلومات التي يمكن أن تمثل منطلقا لإنارة أهل هذه المنطقة بتاريخهم، فمن ضيّعه الأقرب أُتيح له الأبعد كما قال علي كرّم الله وجهه.
              تعرّض أهل غارالدّماء للظّلم من قبل القوات الفرنسية المتمركزة في الجزائر منذ عام 1830م. وعندما غزت الجيوش الفرنسيّة البلاد التّونسية كان أهالي غارالدماء عُرضة لبربريّة هذا الجيش، وكانت هذه المنطقة معبرًا لها بسبب وجود سكة الحديد التي كانت تربط بين تونس والجزائر. ثم لما استقلت تونس عام 1956م كان الثوّار الجزائريون يلجؤون إلى هذه المناطق فتطاردهم القوات الفرنسية، وتنكل بكل من يتستّر عليهم أو يقدّم لهم الدّعم من أهالي المنطقة.
              ثم تعرضت للظّلم في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، فلم يلتفت إليها، ثم جاء نظام بن علي من بعده ففعل الشّيء نفسه. ثم وقعت واقعة الثّورة، وظلّ أهلها ينتظرون أن تُنصفهم لكن سفينة البلاد مازالت تتقاذفها الأمواج، ولم ترسُ حتى الآن على أرض ثابتة. لم يشتطوا في الطّلب كما فعل الآخرون، ولم يخرّبوا بُيوتهم بأيديهم كما فعلت جهات أخرى في البلاد، ومازالوا ينتظرون يوما يُنصفون فيه. فيرَون مصْنعا أو معملا أو فندقا قد شُيد في هذه المنطقة الجميلة.
              كانت غارالدّماء تسمى “الرقبة” قبل أن يتغّير اسمها، وأغلب الظن أن سبب تسميتها بهذا الاسم محطّة القطار (Gare) التي أنشئت هناك، وسميت باسم أحد الفرنسيين ويُدعى مَاو (maou)، ثم أصبح الاسم غاردمَاو (Ghardimaou. ويدعم هذا الرأي ما ورد في صحيفة “ترجان الحقيقة” التّركية، ففي أحد التّلغرافات المؤرخة بتاريخ 8 أفريل 1881م تمّ الحديث بالتفصيل عن القبائل التي تسكن مناطق جبال خمير، بما فيها القبائل القاطنة في غارالدماء، وسُمّيت باسم “الرَّقبة”. وفي تلغراف آخر بتاريخ 8 أكتوبر من العام نفسه أصبح اسمها غارلدماء. ونحن في حاجة إلى بحث مستفيض للحصول على معلومات علميّة مؤكدة في هذا الخصوص.
              وفيما يتعلق بالتّركيبة السّكانية لغارالدماء جاء في تقرير منشور في صحيفة “وَقت” الترّكية الصادرة في هر أفريل سنة 1881م أسماء القبائل التابعة لبني خمير، وكشف عن أنّ المسلحين بالبنادق من بين هؤلاء يبلغ عددهم سبعة آلاف شخص، وتحت عنوان “منطقة الرّقبة” أورد المعلومات التالية “قبيلة حكيم وفيها 180 منزلا و35 فارسا مسلّحا، وقبيلة وشتاتة وفيها 200 منزل و40 فارسا مسلحا، وقبيلة المراسن وفيها 150 منزلا و35 فارسا مسلحا، وقبيلة أولاد علي وفيها 300 منزل و60 فارسا مسلحا، وقبيلة بني مازن وفيها 200 منزل و30 فارسا مسلحا، وقبيلة عين سلطان وفيها 130 منزلا و35 فارسا مسلحا. وهم يقطنون في مناطق قريبة من وادي مجردة”.
              كما يُورد التّقرير تفاصيل حول القبائل القاطنة في مناطق الكاف القريبة من غارالدماء. وجاء في أحد التّقارير التي أرسلتها الحكومة الفرنسية إلى والي تونس محمد الصادق باي ونشرتها بعض الصحف التركية أن “جنرالات فرنسا سوف يتحرّكون بالتنسيق مع المسؤولين التونسيين لردع بني خمير خصوصا في المناطق القريبة من وادي مجردة عند الدخول إلى الأراضي التونسية” والمقصود هنا المناطق الواقعة في غارالدماء وما بعدها باتجاه سوق الأربعاء (جندوبة حالياّ).
              وفي الأيام الأولى من شهر أكتوبر سنة 1881 م، أي بعد الغزو الفرنسي للبلاد بعدة أشهر تعرّضت القوات الفرنسية في مناطق الشمال الغربي لهجمات كثيرة، وتم قطع خط سكّة الحديد والتلغراف، وعلى إثر ذلك أرسل الجنرال الفرنسي لوجيرو إلى وزير الحربية في بلاده تلغرافا بتاريخ 6 أكتوبر جاء في ما يلي “لقد تعرضت الفرقة العسكرية في مجاز الباب لهجوم بينما كانت في طريقها إلى تستور، لكننا تمكنا من صده. وقد انقطعت المخابرات التلغرافية من مجاز الباب، كما أن المخابرات انقطعت بين باجة وغارالدماء منذ مساء الخامس من أكتوبر”. كما وردت أخبار أخرى تفيد بأن المقاومين تمكنوا من الاستيلاء على محطة القطار في وادي الزرقاء وتخريب خط الحديد وهدم المحطة بشكل كامل.
              وتحت عنوان “حوادث شتى” نشرت الصحيفة نفسها الصادرة بتاريخ 8 أكتوبر أخبارًا كثيرة عن المقاومة التي اندلعت في أماكن كثيرة من البلاد التونسية شمالا ووسطا وجنوبا، وكذبت مزاعم الفرنسيين بأن مناطق البلاد كلها تحت السيطرة الكاملة. وحول عمليات المقاومة في غارالدماء قالت الصحيفة نقلا عن مصادر فرنسية “لقد وقعت مواجهات في المنطقة التي تسمى غارالدماء، وتم قطع خط سكة الحديد في منطقة وادي الزرقاء، وجميع الطرق في هذه المنطقة واقعة تحت التهديد والخطر”.
              إن هذه المعلومات التي حَصلنا عليها حول منطقة غارالدماء في المصادر التّركية تكتسي أهمية كبيرة بالنّسبة إلى الذّاكرة الجماعية لأهالي هذه المنطقة بشكل خاص والذاكرة الوطنية بشكل عام، وبالنسبة كذلك إلى الباحثين في التّاريخ. فلا يُعقل أن يَنتصب مدرس التّاريخ من أبناء المنطقة يتحدث عن تاريخ المناطق الأخرى من بلاده التّونسية وهو لا يَعرف شيئا علميّا مُوثّقا حول منطقته التي ولد ونشأ فيها. فالتّاريخ عُنصر مهم في تكوين الهويّة الشّخصية لكل فرد ولكل أمّة، وكلّما عرف الفرد أكثر عن تاريخه وماضيه ازداد ارتباطه بأرضـه ووطنه.
              _____________
              المصدر صحيفة “الضمير” التونسية



              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #52
                المؤثرات التركية في اللهجة الكويتية



                حدد الباحث طلال الجويعد أسباب تأثر اللهجة المحلية ببعض المفردات التركية، مشدداً على أن التبادل التجاري ساهم في هذا التبادل الثقافي والأدبي بشكل كبير.
                وقال الجويعد ضمن أمسية «المؤثرات التركية في اللهجة الكويتية» التي نظمتها رابطة الأدباء الكويتيين في مقرها بمنطقة العديلية، إن اللغة التركية مكونة من اللغتين العربية والفارسية، لأن الأتراك كانوا مجموعة من القبائل الرحل، لكن باعتناقهم الإسلام انتقلوا إلى من موطنهم الأم إلى البلاد الإسلامية، مستفيدين من «العربية» التي أصبحت لغة الدين و»الفارسية» التي كانت لغة الأدب، وبهذا المزج مع اللغة الأصلية تكونت اللغة التركية.
                وأضاف: «إن قضية الاندماج اللغوي قضية صعبة، وإن اللغة التركية هي لغة مكونة من أكثر من لغة، فتحوي على أربعين في المئة فقط من اللغة الأصلية للأتراك بينما %40 مأخوذة من اللغة العربية و%20 من اللغة الفارسية، وثمة خلاف كبير بين الفرس والأتراك في أصل بعض الألفاظ».

                لغة عالمية
                وبشأن تطور المد العثماني، أكد الجويعد أن النفوذ العثماني شهد تطوراً كبيراً في القرن الثالث عشر، إذ سيطرت الإمبراطورية العثمانية على العديد من دول العالم في قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتماشياً مع بسط النفوذ أصبحت اللغة التركية لغة عالمية، ووصل تأثيرها إلى العديد من اللغات ومنها اللغة العربية، وهو ما جعل اللهجة الكويتية تتأثر بها أيضا، محدداً أسبابا أخرى أدت إلى تأثر اللهجة الكويتية بالمفردات التركية، في مقدمتها التبادل التجاري، إذ كانت الكويت تشهد حركة تجارية نشيطة، وكان التجار الكويتيون يعودون من سفرهم بالعديد من المصطلحات التركية.
                واستطرد الجويعد في الحديث عن الانفتاح التجاري الذي كانت تعيشه الكويت آنذاك، مبيناً أن تجار الترانزيت الذين يجوبون البلدان كانوا يحملون معهم بعض المفردات لأنهم يسعون إلى التعرف على لغة البلد مكتسبين بعض العادات والسلوكيات من التبادل الثقافي، لذلك استحوذت اللغة التركية على نصيب الأسد في تأثر اللهجة الكويتية بها، ويلفت الجويعد إلى أن حرية الحركة التجارية بين العراق والكويت ساعد أيضا على دخول بعض ألفاظ التركية إلى اللهجة الكويتية.
                المؤرخون والمؤثرات
                وعن رصد المؤرخين الكويتيين للمفردات التركية التي تأثرت بها اللهجة الكويتية، استعرض الجويعد الإصدارات التي تناولت المفردات التركية التي استقرت في اللهجة الكويتية ودرجت على ألسنة الكويتيين، ومنهم كتاب «من تاريخ الكويت» للمؤرخ سيف مرزوق الشملان، و«الموسوعة الكويتية المختصرة» للمؤلف حمد السعيدان، وإصدار «المفردات الأجنبية في اللهجة الكويتية» للمؤلف خالد سالم، وكذلك «موسوعة اللهجة الكويتية» للباحث خالد الرشيد.
                وفي ما يتعلق بالتأثيرات الأخرى، أوضح الجويعد أن تأثير التركية على اللهجة الكويتية لم يكن فقط في إطار الألفاظ المتداولة في الحياة اليومية بل تجاوز ذلك إلى التأثير في بعض قواعد الصرف، إذ أن جيم الصنعة الشائعة في اللهجة الكويتية والتي مازال الكويتيون يستخدمونها في كلامهم حتى الآن مأخوذة من التركية، وكذلك ياء التخيير.
                مفردات متداولة
                ثم قرأ الجويعد مجموعة مفردات تركية انصهرت ضمن اللهجة الكويتية بعضها استمر تداوله حتى الآن، وعدد منها اندثر ومن هذه المفردات:
                «
                أسطى وبقجة ودوشك وتفك وجنطة وقوزي وشيشة وعرموط وطرشي وزنكي وبشكير وطابور وزنجير وشرشف وكور وقيمر وإسكل وطابه وأبله وطوز ونرجيلة».

                مكونات اللهجة المحلية
                ثم فتح باب النقاش، وقد لفت محتوى الندوة الحضور، وطرحوا مجموعة استفسارات حول أصول بعض المفردات المتداولة، معتبرين أن اللغة كائن يتطور مع مرور الأيام.

                وبدوره، تمنى الدكتور سليمان الشطي إجراء تصنيف للمؤثرات التي ساهمت في دخول بعض الكلمات إلى اللهجة الكويتية، وكذلك عقد مقارنة بين مكونات اللهجة المحلية الأصلية والألفاظ الأخرى المتداولة التي تنتمي إلى لغات أخرى، كما أوضح أن كلمة طوز فارسية الأصل لكنها دخلت إلى التركية. أما الدكتورة فاطمة العازمي فلفتت إلى أن ظاهرة انتقال الألفاظ من لغة إلى أخرى تندرج تحت مصطلح «الاقتراض اللغوي» وأن هذا الاقتراض لا يقتصر على الألفاظ فقط، بل يمتد إلى الجوانب الصرفية أيضاً.
                يذكر أن الباحث خالد سالم أدار الندوة، مستعرضاً لمحة ذاتية عن الضيف.
                ____________
                المصدر:صحيفة الجريدة الكويتية


                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                تعليق


                • #53
                  آثار التغريب السياسي على المجتمع العثماني:


                  التحدي والاستجابة (الجزء الأول)



                  المجتمع العثماني بين المركزية والتفتيت
                  حقيقة الاستبداد الشرقي
                  إن عبارة “الاستبداد الشرقي” التي دأب الأدب الاستشراقي على إلصاقها بأنظمة الحكم غير الغربية وبخاصة في الحضارة الإسلامية،هي عبارة تسربت إلى جمع من المثقفين العرب الذين بنوا مشاريعهم الفكرية الضخمة على التصديق المطلق بمضمونها ووجوب إنقاذ مجتمعاتنا من براثنها التي غرست في جسدها لقرون طويلة آن أن تنتهي بالحرية والديمقراطية،وهذه العبارة توحي بملوك فراعنة يتشبهون بالآلهة ويتحكمون حتى في دبيب النمل تحت سلطانهم،ورغم ذلك فإننا عند التطبيق التاريخي العملي نجد صورة مغايرة للحكم الإسلامي حتى لو استندنا إلى مصادر خارجية.


                  وفي هذا السياق يقول المؤرخ شارل عيساوي واصفاً الحكم العثماني عند بداية القرن التاسع عشر:”كانت سلطة السلطان العثماني محصورة في منطقة صغيرة حول استانبول رغم ضخامة الدولة التي كانت بقيتها تُحكم بواسطة باشاوات وأعيان وزعماء قبليين مستقلين استقلالاً ذاتياً”[1]،كما يشير المؤرخ دونالد كواترت إلى مبالغة بعض الباحثين في تقدير الدور الذي قامت به السلطة المركزية العثمانية في إدارة الدولة مؤكدا أن قوة السلطان لم تكن مستمدة من الجيش وحده بل “من تواصل السلالة الحاكمة مع القوى السياسية والشعبية أيضاً”،مقدماً أمثلة تاريخية للاستقلال الذاتي الذي تمتعت به قوى محلية إلى درجة أن”أصبحت لا تقيم وزناً لأوامر وتعليمات الباب العالي” وذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر،أما في القرن الثامن عشر فإن السلطة المركزية”لم تعد بيد السلطان أو كبير وزرائه(الصدر الأعظم) بل أصبحت قائمة على التراضي والمساومة بين مختلف القوى من جهة والسلطان من جهة أخرى”،وقبل ذلك كان “القرار السياسي في الحقبة 1550-1650 أصبح إلى حد بعيد خارج إرادة السلطان”و”أن عناصر جديدة أخذت تشاطر السلطان الحكم لا بل تنوب عنه أحياناً”[2].
                  ويقول المؤرخ السوفييتي فلاديمير لوتسكي الذي وصف بأنه أكبر اختصاصي سوفييتي في مجال تاريخ البلاد العربية الحديث والمعاصر:”بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تبدو في الظاهر دولة مركزية،كانت في الواقع دولة لامركزية”[3]،ويقول المؤرخ المعاصر زين نور الدين زين إن البلدان العربية “لم تكن تحكم إداريا وبصورة مباشرة من القسطنطينية”مستدلاً على ذلك بدراسة الملفات الرسمية وقوائم تقدير الواردات الخاصة بسوريا والعراق ومصر،كما أشار إلى أن الأمراء الإقطاعيين والزعماء المحليين في البلاد العربية مُنحوا “استقلالاً داخلياً يكاد أن يكون استقلالاً ناجزاً”[4]،وأكد الدكتور محمد أنيس هذه الحقائق مشيراً إلى أن المركزية لم تكن مباشرة ولا شاملة وذلك في حديثه عن خصائص الحكم العثماني للشرق العربي حتى نهاية القرن الثامن عشر[5].
                  إجراءات التغريب السياسي
                  أدت ظروف الضعف والهزيمة التي أحاطت بالدولة العثمانية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى البحث عن مخرج بالسير على نهج أوروبا مما هو مفصل في دراسة سابقة(الأثر الاقتصادي للتغريب الرأسمالي على المجتمع الإسلامي:التحدي والاستجابة)،وكان التوجه نحو المركزية من الإجراءات التي قامت بها السلطنة العثمانية ضمن الإصلاحات التي نفذتها لتحقيق مزيد من السيطرة على موارد الدولة لاستخدامها في تنفيذ برامج دعم القوة العسكرية،وكان من أشهر خطواتها القضاء على الجيش الإنكشاري الذي كان بمثابة حزب معارضة تمكن من تغيير سياسة عدة سلاطين بل وتمكن من خلع بعضهم وتنصيب آخرين،فجاء قضاء السلطان محمود الثاني عليه سنة 1826 ليخلص مؤسسة الحكم من هذه المعارضة وليسهل عملية السير في طريق التغيير العسكري وتركيز السلطة بيد السلطان الذي شن أيضا حملات عسكرية على قوى الأعيان المحليين وتمكن من انتزاع مصدر قوتهم بمصادرة أراضيهم أو بإلغاء نظام الإقطاع العسكري الذي يستندون إليه[6]ثم بمحاولة فرض رقابة الدولة على تسجيل الأراضي وجمع الضرائب كما حدث عندما سن قانون الأراضي سنة 1858،وتأكد هذا التوجه بقانون الولايات سنة 1864 بصفته خطوة أخرى في دعم مركزية السلطة إذ قسمت أراضي الدولة إلى ولايات وتوابعها يحكمها موظفون تعينهم العاصمة،ثم تأسست إدارة الديون العمومية سنة 1881 لتشرف على بعض موارد الدولة حفظاً لحقوق الدائنين بعد إعلان الإفلاس سنة 1875،وقد انتزعت هذه الإدارة الدولية من الأعيان عملية جمع الضرائب ففقدوا بذلك مصدر قوّتهم.
                  وكان صدور فرمان الكلخانة سنة 1839 بعد اعتلاء السلطان عبد المجيد العرش خلفاً لوالده محمود الثاني ثم صدور الفرمان الهمايوني سنة 1856 بعد حرب القرم مما أعطى التوجه الغربي المركزي في الدولة العثمانية صفة الالتزام الدولي في معاهدة باريس التي أعقبت الحرب،ولكن فترة حكم السلطان عبد المجيد لم تكن بنفس الدرجة من المركزية التي حكم بها والده السلطان محمود،ثم توجت انتصارات رجال التغريب في الدولة بصدور دستور سنة1876 بعد اعتلاء السلطان عبد الحميد العرش،وقد منح هذا الدستور الدولة الصفة التمثيلية البرلمانية في خطوة كان القصد منها إرضاء الدول الأوروبية لتكف عن التدخل في شئون الدولة العثمانية كما ظن ولاة الأمر يومئذ[7].
                  وقد استمرت عملية تركيز السلطة في عهد السلطان عبد الحميد رغم تراجعه عن تبني الأساليب الغربية في الحكم،وفضل أسلوب جده محمود على أسلوب والده عبد المجيد[8]،وكان هدفه الحفاظ على سلامة أراضي الدولة[9]،ووقف التدخلات الأجنبية[10]، وتحقيق الوحدة الإسلامية[11]،ولما قامت ثورة الاتحاد والترقي عليه سنة1908 اتبعت نهج إطلاق الحريات لبرهة لنفس السبب السابق وهو الحفاظ على أراضي الدولة ولكن استناداً إلى مبادئها التغريبية النابعة من مبادئ الثورة الفرنسية والتي أملت شعارها الثلاثي (حريت،مساوات،عدالت) شديد الشبه بشعار الثورة الفرنسية المتضمن الحرية والإخاء والمساواة،ولما رأت الجمعية أن الشعوب البلقانية تحاول استغلال الوضع الدستوري الجديد للانفصال عن الدولة وأن المشكلة القومية لم تحل بتطبيق الدستور كما كانوا يظنون،فرض عليهم الحرص على سلامة أراضي الدولة نهجاً مركزياً جديداً[12]مستمداً من تجربة الثورة الفرنسية أيضاً[13]فأصبحوا يرون أن المساواة لا يمكن تطبيقها قبل فرض الانسجام بين عناصر الدولة وذلك بفرض التتريك عليها جميعا لتصبح ذات هوية موحدة[14]،وهو أسلوب لجأت إليه الثورة الفرنسية-مثلهم الأعلى-من قبل، كما كانت الأفكار القومية التي تبناها تيار في المجتمع التركي نتاجاً أوروبياً بلوره مجموعة من المفكرين والمستشرقين الغربيين الذين أحيوا الاهتمام باللغة والتاريخ للعرق الطوراني الذي منحته هذه الأدبيات هذا الاسم،وقد كان قسم كبير من أولئك العلماء من اليهود وهي ظاهرة ملفتة[15].


                  منابع التغريب السياسي الأخرى
                  وقد واجه المجتمع الإسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أفكاراً تغريبية من غير المؤسسة الحاكمة إذ تبنت دول الغرب على عادتها في تشجيع النزعات الاستقلالية خارج دولها،تبنت أفكاراً سياسية إسلامية وقومية وقُطرية بهدف تفتيت الوحدة التي كانت تلم المجتمع العثماني،وقد تنوعت هذه الأفكار بين وجوب عودة الخلافة للعرب لبث الفرقة بين عنصري الدولة الرئيسين،واستقلال ولايات لتسهيل ابتلاعها على المعتدي الغربي.


                  أهداف الغرب وتبعية المتغربين والفوضى الخلاقة المبكرة
                  ساندت أوروبا النهج المركزي العثماني لأنه “كان من الأسهل والأربح السيطرة على سوق الإمبراطورية من خلال الامتيازات والتنازلات من جانب إدارة عثمانية مركزية واحدة مما ستكون عليه الحال من خلال العديد من الحكام والأعيان في الولايات الذين جعلت كياناتهم المتفرقة التجارة أصعب في أثناء القرن الثامن عشر.وهكذا،سمحت القوى الأوروبية باستمرار الدولة المركزية العثمانية وشجعت البيروقراطية الناشئة على توسيع مجال نشاطها ونطاقات مسئولياتها”[16]، وأصبح هناك “مودة واضحة بين السفارات الأوروبية والبيروقراطية الإصلاحية” وتنامى نفوذ الحكومات الأوروبية في الإدارة اليومية للدولة العثمانية[17]،حتى أن مدحت باشا الذي وصل إلى منصب الصدارة العظمى في الدولة ووصف في الأدبيات النهضوية بأنه من زعماء الإصلاح في العصر الحديث وأنه “أبو الدستور”و”أبو الأحرار” و “أبو الإصلاح” كان كما تصفه وثيقة بريطانية “صنيعة لدائرة خارجيتنا”[18]أي عميلاً لوزارة الخارجية البريطانية،إذ تعاون مع الإنجليز في أخطر سياسات الدولة مثل خلع وتولية السلاطين[19]،ولجأ إلى هؤلاء الإنجليز في أشد ساعات الأزمة[20]،ولكن لم تتحقق آمال المصلحين رغم كل ذلك وكانت النتيجة الفعلية لهذا الارتباط هو أن “دفع جهاز الدولة المركزية ثمن التأييد الأوروبي” كما يقول المؤرخ دونالد كواترت[21]،كما أدت سياسة الاسترضاء إلى زيادة التوحش الإمبريالي الغربي كما يقول الباحث أحمد صلاح الملا[22].


                  ومنذ البداية لم يهتم الغرب بسلامة الدولة العثمانية بصورة مطلقة،إذ شجع النزعات الانفصالية قبل وبعد وفي نفس الوقت الذي كان يوقع فيه الاتفاق على المحافظة على أراضيها كما تشهد بذلك عمليات استقلال صربيا(1812) واليونان(1828) والاحتلال الفرنسي للجزائر (1830) ثم الاحتلال البريطاني لقبرص(1878) ومصر(1882) والاحتلال الفرنسي لتونس(1881) وغير ذلك من أمثلة تؤكد أن أوروبا لم تكن لها سياسة إلا مصالحها،تدعم مركزية الدولة عندما يروق لها ذلك وتحارب هذه المركزية عند اللزوم.
                  وعندما انتقل الغرب، وبخاصة بريطانيا، من مبدأ المحافظة على أراضي الدولة العثمانية إلى التنازع على تقسيمها بعد مؤتمر برلين(1878)اقتطع بعض ولاياتها كما مر ذكره،ثم تطورت السياسة الأوروبية إلى العمل على القضاء على هذه الدولة بإثارة نعرات التجزئة الداخلية التي كتب عنها رينيه بينون سنة 1908:”إن القومية العربية وما لقيته في أوروبا الغربية من دعاية وإعلان لم تكن من الحوادث الطارئة المنفصلة بعضها عن بعض،بل إنها،على وجه التحديد،مرتبطة بحركات الاستقلال التي ظهرت في الجزيرة العربية،تلك الحركات التي كانت بريطانيا تعضدها علناً وترجو لها النجاح”[23]،وقد اتخذت الأفكار الانفصالية أحيانا شكل الدعوة إلى الخلافة العربية بدلاً من الخلافة العثمانية استناداً إلى أحكام فقهية تشترط النسب القرشي في الخليفة،وهي دعوة بدأها ساسة إنجليز كما يقول الزعيم المصري مصطفى كامل باشا الذي نقل عن كتاب المستر ولفرد بلنت(مستقبل الإسلام)بيتاً من الشعر يشير إلى أن فوضى هدم الدولة العثمانية لن تعود بالضرر على المسلمين بل ستتطور إلى الأفضل:
                  لا تقنطوا فالدر ينثر عقده***ليعود أحسن في النظام وأجملا

                  وهو أمر يذكر بفكرة الفوضى الخلاقة التي يبدو أنها ليست محدثة،كما يدعو إلى السخرية لأن بريطانيا تريد العقد في جيدها لا في جيد الإسلام[24]،ومن السذاجة أن نظن أنها حريصة على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدق تفاصيلها(!)،وقد كشف جنرال فرنسي حقيقة النوايا البريطانية في مقال كتبه عن موقف الحلفاء في الشرق في بداية العشرينات فقال:”وقد سعت إنكلترا إلى القضاء على تركيا وخليفتها وإزالة الإسلام وحكمه مع دولته التركية من الوجود والاستعاضة عنه بإسلام عربي تكون مكة مركزه ولندن المسيطرة عليه”[25]،وقد تبنى مجموعة ممن وصفوا برواد النهضة العروبيين والسلفيين هذه الفكرة البريطانية(*)في وقت كان المجتمع الإسلامي يواجه عدوانا غربيا سافرا ولا يخدمه أفكار تزيد انقساماته وتناحره،مما دعا مصطفى كامل إلى التحذير من حملة لواء هذه الفكرة بالقول إن بريطانيا رأت أن خير وسيلة تضمن بقاءها في مصر هي هدم السلطنة العثمانية ونقل الخلافة الإسلامية إلى رجل يكون تحت وصاية الإنجليز ولذلك خرجوا بمشروع الخلافة العربية مؤملين به استمالة العرب،وقال أيضا:”وإني أعرف كذلك أن في مصر جماعة يسعون لحل المملكة العثمانية وإقامة خلافة عربية تكون ألعوبة في أيدي إحدى الدول الأجنبية،فهؤلاء وأمثالهم هم أعداء الدولة والملة وأضر على الإسلام من أعدائه الظاهرين،ولا عجب إذا نبذتهم الأمة المصرية بأسرها واحتقرتهم….”[26].
                  إعجاب رموز التغريب بالاستعمار الحديث وثناء بعضهم على الحملات الصليبية
                  ولم يكن هذا الهجوم فريداً ومقصوراً على زعيم الحركة الوطنية،إذ شارك فيه نخبة من أهل مصر كعبد الله النديم وحافظ إبراهيم وغيرهما من الأدباء[27]لتباعد أولئك اللاجئين عن القضايا التي تهم شعب مصر وفي مقدمتها مقاومة الاحتلال،وقد كان أولئك النهضويون يسيرون وفق البوصلة البريطانية،إذ يطالب أحدهم وهو ولي الدين يكن بالدستور والحرية في الدولة العثمانية ويهرب من استبداد السلطان عبد الحميد لاجئاً إلى كنف الاحتلال البريطاني في مصر حيث يعارض هو نفسه هناك مطالب الشعب المصري بالدستور والحرية ويهزأ بالمصريين ومطالبهم[28]،وآخر هو عبد الرحمن الكواكبي ينظّر للحرية ومقارعة الاستبداد العثماني ولا يتكلم كلمة واحدة في آثاره الخالدة ضد استبداد الاحتلال البريطاني الذي كان يحميه ويئن تحت وطأته في نفس الوقت ملايين المصريين وهو ما يثبت نظرية الزعيم مصطفى كامل عن انفصال أولئك المفكرين عن هموم مجتمعاتهم العربية والإسلامية التي كانت تفكر بطريقة معاكسة،إذ طرحت الجماهير قضية الانفصال عن الدولة العثمانية لما ظنت أنها ستقع تحت الاحتلال نتيجة الهزيمة في الحرب مع روسيا(1877-1878)[29]،و”لم يكن عرب 1908 في وارد التفكير بالانفصال عن إسطنبول،خاصة في ظل المخاطر الأوروبية التي تهدد الجميع”[30]،كما كانت الجماهير تتنادى للجهاد من كل صوب إذا تعرض قطر للاحتلال الأجنبي كما حدث زمن الحملة الفرنسية على مصر[31]،فلم تكن الشعوب تطيق الاحتلال الأجنبي ولهذا تعلق قطاع عريض من الحركة الوطنية المصرية بالدولة العثمانية بعد دخول الاحتلال البريطاني سنة 1882،وكان معظم المصريين أثناء الحرب الكبرى الأولى(1914-1918) “يتمنون أن يخلّص العثمانيون البلاد من الحكم البريطاني” كما كتب أحد موظفي الحكومة البريطانية[32]،أما بعض ساسة ومثقفي النهضة فكان ارتباطهم بالمصالح الأجنبية يصل-كما فعل نجيب عازوري-حد تبرير الاحتلال الأجنبي لبعض أقطار العرب التي يخرجها من دائرة العروبة التي يتحدث عن نهضتها ويجمّل الدوافع الاستعمارية التي قادت إلى احتلالها،سواء كان هذا الاحتلال بريطانياً يستبد بمصر أو فرنسياً يرتكب الأهوال في الجزائر،وينفي-كما فعل ولي الدين يكن-عن أهل مصر القدرة على حكم أنفسهم “فلم يختلف،في هذا الحكم،لا عن كرومر الإنكليزي ولا عن محمي كرومر،البروتستانتي فارس نمر” كما يقول الدكتور محمد الناصر النفزاوي[33]،وربما كنا سنجد تفسيراً لهذه النزعات التغريبية في يأس عازوري وإحساسه بالتراجع والفساد الذي أصاب الدولة العثمانية مما دفعه للجوء إلى الحل الخارجي كما فعل بعض المعاصرين الذين ضاقوا بالاستبداد العربي،إلا أن هذا التفسير سرعان ما يتبدد حين نراه يسحب إعجابه بالغرب على عدوانه التاريخي الذي أجمعت الأمة على إدانته وذلك حين قال:”تقدم فرنسا من بين كل الدول الأوروبية،المساعدة الأسخى والأكثر عفوية للمظلومين والتعساء،فالأمة الفرنسية بجوهرها أمة الفروسية،وهي التي بادرت إلى الحملات الصليبية الخطيرة التي عادت نتائجها بفوائد على العالم بأسره”[34](!)،ولهذا لم يكن من المستغرب أن تصبح أفكاره بشأن نبذ الرابطة الدينية وإحلال رابطة العنصر محلها أفكاراً “بعيدة وغريبة عن البلاد العربية حتى سقوط حكم السلطان عبد الحميد”[35].


                  المجتمع الشرقي بين ماضيه الإسلامي وحاضره التغريبي
                  سجل ضابط بحري بريطاني اسمه أدولفوس سليد والذي زار الدولة العثمانية ابتداء من سنة 1829 ملاحظات مهمة على عملية التغريب التي كانت قد بدأت في ذلك الوقت،ومما قاله في المقارنة بين ما قبل التغريب وما بعده:”إلى هذا اليوم تمتع العثماني عرفياً ببعض أعز مزايا الرجال الأحرار التي ناضلت الأمم المسيحية من أجلها زمناً طويلاً:إنه لا يدفع شيئاً إلى الحكومة أكثر من ضريبة معتدلة للأرض…كما لا يدفع شيئا للمؤسسة الدينية لأن الأوقاف كافية لإعالة علماء الإسلام،وهو يرحل أينما يريد دون جوازات سفر ولا ضابط جمارك يدس عينيه وأصابعه القذرة في متاعه،ولا شرطة تراقب تحركاته أو تتنصت على كلامه،بيته مقدس الحرمة وأبناؤه لا يؤخذون منه ليصبحوا جنوداً إلا إذا دعتهم الحرب…ومن أدنى الأصول يمكنه الطموح إلى منصب باشا دون تجاوز،وإذا كان يعرف القراءة يمكنه أن يصبح صدراً أعظم…أليست هذه الميزة مهمة جدا للأمم الحرة؟ألم يؤد استبعاد الناس من مناصب الشرف إلى الثورة الفرنسية؟….وفي مقابل هذه الحرية والقدرة على تحقيق أوسع الآمال،ماذا قدم السلطان(بعملية المركزة)؟يمكن القول لاشيء”،ويعلق المستشرق برنارد لويس بالقول إن نقده الرئيس للمصلحين أنهم دمروا النظام القديم الذي لم يكن شراً في حد ذاته،بل على العكس تضمن كثيرا من الأشياء المرغوبة جداً[36].


                  ويذكر عادل مناع أنه بعد إقامة النظام المركزي في الدولة العثمانية صار بإمكانها تطبيق ما تشاء من إجراءات دون مواجهة مقاومة على عكس ما كان يحدث سابقاً “حين كان الأهالي يثورون من حين إلى آخر ضد الحكام الذين يفرضون سياسة غير مقبولة”[37].
                  ومع ذلك فإن المركزية لم تكن آنذاك كما قد يتبادر للأذهان بعد تجاربنا مع مركزية الدولة القُطرية،فيذكر المؤرخ زين نور الدين زين أن “مصائب العرب،حتى في عهد السلطان عبد الحميد،لم تكن متأتية من شدة الحكم التركي وقسوته بقدر ما كانت نتيجة لعدم سطوة الحكم التركي وقدرته على إثبات وجوده”[38].
                  ومن الدلائل الهامة ما يتعلق بالفكر السياسي الإسلامي في تلك المرحلة والذي عبر عنه ابن عابدين الذي استقرت الفتوى في المذهب الحنفي عليه في حياته وبعد وفاته،مع العلم أن هذا المذهب هو المذهب الرسمي للدولة العثمانية آنذاك،وقد عبر عن الموقف الإسلامي من الحكم في حاشيته الشهيرة المسماة رد المحتار على الدر المختار التي وضعها بين عامي 1815-1820 [39]،وردّ فيها في بحث الأشربة على من قال بحرمة الدخان لنهي السلطان عنه بقوله كما ينقل الكوثري عنه:”إن ولي الأمر لا شأن له في التحليل والتحريم،كيف وقد قال فقهاؤنا:من قال لسلطان زماننا عادل فقد كفر،حيث يكون اعتقد الظلم عدلاً”[40]،ومع ذلك لم يتعرض أحد للشيخ بسوء ولم تسحب جنسيته ولم يجرجر في دهاليز المخابرات ولم تنصب له المقصلة مع جرأة ما أفتى به في عصر المركزية وظل في منصب الإفتاء في عموم الدولة،فماذا سيقول ابن عابدين أو الكوثري رحمهما الله إذا رأيا أن الحلال والحرام وقد أصبحا اليوم من شأن الدول الغربية الكبرى التي لا تجد الدولة القُطرية حرجاً من إطلاعها على شئون دينها لنيل رضاها عنه(**)،هذا فضلا عن الفتاوى التي طالما شرعت التدخل في بلادنا وتدميرها خدمة للمصالح الغربية الكبرى،مما يصدق قول أمير الشعراء شوقي حين تنبأ بحال الأمة والدين بعد سقوط الخلافة في قصيدة رثائها بقوله :
                  ولتشهدن بكل أرض فتنة ***فيها يباع الدين بيع سماح
                  يفتى على ذهب المعز وسيفه***وهوى النفوس وحقدها الملحاح

                  ومن الطريف في شأن ابن عابدين أن “أحد المخذولين من كبار موظفي وزارة المعارف في الآستانة”،كما يصفه الكوثري،قدم تقريراً لمنع تداول الحاشية بسبب العبارة السابقة،فاستاءت الأوساط العلمية وتدخلت لدى السلطان عبد الحميد نفسه ووضحت له أن المسألة التي مُنع الكتاب بسببها موجودة في كل كتاب فقهي،فصدر أمره بإعادة تداول الكتاب،والأهم من ذلك “نفي ذلك الموظف الكبير الذي قدم ذلك التقرير، إلى إحدى الولايات الشرقية البعيدة ليكون مستخدماً بسيطاً في إحدى البلديات”[41]،فأين هذا من استبداد دول الاستقلال والتجزئة التي لا يمكن أن تكون فيها عاقبة النفاق المرذول كمصير ذلك”المخذول”،ورغم تراجع السلطان شخصياً عن قرار منع تداول حاشية ابن عابدين فقد استخدم الحدث لتشويه صورته ودارت الأيام وأصبح حذف مسائل مهمة من كتب الشرع ومنع تداولها من التهم التي ألصقت بالسلطان وأدرجت في فتوى خلعه بناء على تحريف مضمون ذلك الحدث[42]،وهو ما يلقي ضوءاً على الطريقة المشوهة التي وصلتنا بها أحداث تلك الفترة.
                  ويقودنا هذا الحدث إلى الإنجازات الثقافية للدولة المركزية في عهد السلطان عبد الحميد والتي لحقها كثير من الافتراء السخيف والذي وصل حد الادعاء بأنه حظر تداول اسم قصره يلدز وترجمته أي كلمة نجم وهمّ بحذفها وغيرها من القرآن الكريم[43]مع أن الحقيقة تؤكد أنه تطوع بطبع صحيح البخاري وتوزيعه على الأقطار الإسلامية مع احتوائه على هذا اللفظ في تفسير سورة النجم دون اللجوء إلى هذا الإجراء الملفق في كتاب للحديث فضلاً عن القرآن الكريم[44]،وما زالت الطبعة السلطانية هي أساس الطبعات المتداولة في يومنا هذا لأنها أصح نسخة وأجلها كما يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في مقدمة طبعته،ولن نعجب أن مصادر تلك الأخبار والافتراءات كانت من “متنوري”شبان الأتراك[45].
                  وعلى الجهة المقابلة يقول المؤرخان شو:”ساهمت زيادة المعرفة بالقراءة والكتابة في عهد عبد الحميد في نمو النشاط الثقافي،وقد بني الكثير من المكتبات العامة،وازدهرت الطباعة العثمانية بآلاف الكتب والصحف والمجلات والكتيبات التي غمرت جمهوراً متلهفاً”،ويتحدثان عن الرقابة في ذلك العصر بالقول إن “كثرة المطبوعات أربكت الرقابة كثيراً مما أدى إلى جعل تطبيق قوانينها متقطعاً،ورغم أنه كان ثقيل الوطأة وتحكمياً بلا ريب فإنه افتقر إلى الفعالية التي ميزت الرقابة في جميع أنحاء العالم حديثاً….وإن معظم الكتّاب تمكن من تلبية حاجات القراء دون انتهاك القانون ونتج عن ذلك عدد ضخم من الروايات والمقالات والكراريس وكتب أخرى شملت مواضيع عديدة ومختلفة مما جعل هذه الحقبة من أكثر الفترات حيوية ثقافية في التاريخ العثماني حتى ذلك الوقت”[46].
                  ويسرد كل من المؤرخين عادل مناع وروجر أوين أمثلة تشير إلى نفس النقطة وهي أن المركزية التي طبقت في عصر التنظيمات العثمانية كانت تختلف عن المركزية التي طبقتها فيما بعد دول الاستقلال والتجزئة[47]،وقد تحدى السلطان عبد الحميد في مذكراته أن يؤتى بدليل واحد على أنه أمر بإغراق أي شخص من معارضيه كما أشيع عنه[48]وكما جاء في فتوى خلعه،وصدق هذه الإشاعات شاعر النيل حافظ إبراهيم في أحد أبياته،وواصل التحدي أحد كتّاب قصر يلدز بعد زمن من عزل السلطان ووفاته،وذلك في أربعينات القرن العشرين في زمن كثرت فيه الاتهامات للزمن العثماني فلم يظهر دليل واحد يؤكد الإشاعات[49]،فهل نعجز اليوم مثلاً عن توثيق جرائم حكام التجزئة بعيداً عن القضاء الفاسد؟وقد تطرقت إلى بعض النماذج التوضيحية عن المركزية الحميدية في التعامل مع المعارضة السياسية في دراسة(المدخل الصهيوني لتدجين الفكر السياسي الإسلامي).

                  الحقائق المهملة عن الجاسوسية العثمانية
                  وهذا يقودنا إلى الحديث عن نظام التجسس في عهد السلطان عبد الحميد والذي كثر الحديث عنه وقالت فيه دائرة المعارف الإسلامية مثلا:”فضل السلطان عبد الحميد أن يستبد بالحكم كأسلافه،وقل اهتمامه بنقل أساليب الحكم الغربية ووجه همه إلى الاحتفاظ بمكانة السلطان وتقوية نفوذه فتوسل إلى هذا بتنمية ذلك النظام المرذول،نظام الرقابة والتجسس الذي جعل هذه الأيام تعرف في تاريخ تركية باسم “دور استبداد”…”[50]،وما أريد توضيحه أن هذا النظام لم يكن موجهاً لتلمس مواطن المعارضة بين الرعية فقط كما حدث في دول التجزئة، التي كانت مع تشددها على رعاياها الذين تحصي أنفاسهم، شديدة الانكشاف أمام أعدائها من الغربيين والصهاينة حتى وصل الأمر بزعيم دولة كبيرة يستعجب من تجسس الصهاينة على بلاده لا غضباً لحرمتها وكرامته بل لأنه لا يخفي شيئاً يستحق التجسس عليه(!)،أما نظام الجاسوسية في الدولة العثمانية فيمكن أن نتتبع كثيراً من مواطن عمله في الوثائق المختلفة التي كانت تشير إلى التجسس على أعداء الدولة كالوثيقة التي كتبها ثلاثة مخبرين من بيروت وعكا وحيفا يفضحون فيها تواطؤ بعض المسئولين في بيع الأراضي لليهود سنة 1890،وهو ما “يخالف رضا مولانا السلطان”[51]،والوثيقة التي كتبها أحد أبناء البوسنة والهرسك الذين لجئوا إلى قيسارية في فلسطين يفضح فيها نشاطات أثرياء اليهود وتعاون الموظفين الفاسدين في تمليكهم الأراضي[52]،وتزخر المذكرات السياسية للسلطان عبد الحميد بالإشارة إلى المعلومات الداخلية والدولية التي استقاها من شبكة التجسس عنده كتلقي بعض كبار الموظفين هدايا ثمينة جداً في قضية إنشاء سكة حديد بغداد “وواضح ألا تكون هذه الهدايا إكراماً لسواد عيونهم”،وكمنح أذونات زيارة لولايات العراق لضباط إنجليز يخططون لأهداف سياسية ينكرونها في العلن وتتصل بالاستيلاء على البصرة،كما نجد متابعة صحف أوروبية تكتب في شئون الدولة العثمانية كالجزيرة العربية والقضية الأرمنية والعلاقات مع ألمانيا[53]،وهذه الأمثلة تؤكد ما جاء في مذكرات السلطان عبد الحميد عن مضار التدخل الأجنبي بصفتها سبباً لإنشاء شبكة التجسس[54]،كما توجب رؤية أوسع لطبيعة المركزية في آخر مراحل الدولة العثمانية والبعد عن التعميمات التي لا تستند إلى أدلة موثقة.


                  علاقة القمة بالقاعدة زمن المركزية العثمانية
                  ويسرد الشيخ كامل الغزي-الذي عاصر السلطان عبد الحميد وتقلد المناصب في عهده وفي ما تلاه-الصورة العامة لعلاقة الدولة المركزية في ذلك الزمن بالقاعدة الشعبية فيقول في ذكره شيئاً من سيرة هذا السلطان:”كانت الطبقة الدنيا والوسطى من الرعية على اختلاف عناصرها تخافه وتحبه:تخافه لقوة بطشه وعظيم دهائه وتمكنه من الاطلاع على أحوال رعاياه…وتحبه رعاياه لأنه كان لا يحب أن يبهظهم بالضرائب،فكان الرخاء في أيامه شاملاً والرعية راتعة في بحبوحة التنعم والرفاهية،وكان عظيم العناية بكل ما يرضي رعاياه لا سيما البسطاء منهم،غير متوان عن الإتيان بكل ما ينطبق على رغائبهم،خصوصا بما كان له علاقة بالدين كخدمة شعائره وإعمار المعابد….وكان من أجلّ آثاره وأكبر حسناته وأقواها اجتذاباً لقلوب المسلمين عامة وقلوب رعيته خاصة سكة الحديد الحجازية فإنه وحده الساعي بإنشائها وبسعيه المشكور تم أمرها”[55]،وسيأتي أن السياسة التي اتبعتها السلطة المركزية في ذلك الزمن تتماشى مع هوية الجماعة وتطلعاتها.


                  نتائج التنظيمات الخيرية والإجراءات التغريبية
                  لقد تمكنت الدولة العثمانية في ظل المركزية من تحقيق إنجازات تحديثية، سيأتي ذكرها، قبل أن يقطع الغرب طريقها وينقل هذه المركزية إلى دول أكثر تفاهماً مع مصالحه ومخططاته في بلادنا،وإن الدولة المركزية التي انقلبت فيما بعد ضد شعوبنا وطالما اشتكى أنصار التغريب منها ونسبوا إليها جل أمراضنا ليست وليدة تراث استبدادي شرقي كما حاولوا إيهام مجتمعاتنا،بل هي وليدة مرحلة من التغريب أو كما يقول المؤرخ رشاد قصبة إن المركزية البيروقراطية العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر فُرضت وتأسست تحت رعاية المراكز الرأسمالية والسياسية للاقتصاد الرأسمالي العالمي،وهي بعيدة كل البعد عن كونها امتداداً للميراث العثماني،كما أن ضعف المجتمع المدني في أواخر سني الدولة وبداية عهد الجمهورية التركية نشأ من وضع خاص بظروف الاقتصاد الرأسمالي العالمي وليس امتدادا لثقافة شرقية كوّنت أسس المؤسسات العثمانية التقليدية[56].


                  ومن اللافت للنظر أن دستور رجال التنظيمات التغريبية نص في مادته الخامسة على أن”حضرة السلطان مقدس وغير مسئول”وهي مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية كانت جمعية الاتحاد والترقي تتمسك بها[57]رغم أن الجمعية في الحقيقة وضعت السلطان على الرف وحكم مستبدوها باسمه بشكل أقسى من الاستبداد الفردي الذي نسبوه للسلطان عبد الحميد،وقد اتخذ الكماليون من هذا النص الدستوري تشنيعاً على الخلافة ثم أسسوا استبداداً تغريبياً دموياً أعتى من استبدادها وأمرّ،وسارت الاستبداديات العربية العلمانية على منوالهم.
                  وأدت إجراءات التنظيمات الإدارية الأخرى إلى نتائج سياسية أيضا مازلنا نعاني من آثارها إلى اليوم،فقد أدت زيادة الملكيات الواسعة التي سهلها قانون 1858 إلى سهولة تسرب هذه الأراضي إلى المهاجرين الصهاينة في فلسطين عن طريق شرائها من كبار الملاك الذين كان كثير منهم يقيمون بعيدا عن أراضيهم ومن ثم لم يكن لديهم مانع من التخلص منها لصالح من يدفع سعراً مغرياً، وهم في هذه الحالة اليهود الصهاينة الذين كانوا يحظون برعاية القناصل الأجانب،ودعم ذلك قانون سنة 1867 الذي سمح بتملك الأجانب العقارات في الدولة،وهذا الموضوع سيكون له حديث خاص بإذن الله.
                  وفي سنة 1916 انقضّت الثورة العربية بدعم من الحلفاء في الحرب الكبرى الأولى على الرابطة الإسلامية والعثمانية التي كانت تجمع سكان الدولة العثمانية وذلك رداً على التعصب الطوراني لجمعية الاتحاد والترقي وسياسة التتريك التي انتهجتها واستفزت القوميات غير التركية،وكانت الثورة العربية محاولة لإقامة الخلافة العربية التي طالما منى الإنجليز بها ساسة العرب ونشرت السلفية حلم العودة إليها في توافق مع رغبات غربية لم يكن يتيماً في تاريخنا الحديث،ولكنه لم يؤت الثمرة المرجوة عربياً بعد أن اغتر قادة العرب ب”التيجان الموهومة والأماني البالية”كما يقول نقيب الأشراف الذي عاصر الأحداث محمد أديب آل تقي الدين الحصني في كتابه منتخب التواريخ لدمشق،ج1ص309،إذ لم يعترف الحلفاء بخلافة مفجر الثورة العربية وتخلصوا منه بعدما أدى دوره واستقر رأيهم على تفتيت الدولة العربية الموعودة،فلم تعد لنا خلافة أو وحدة عربية ولا تركية،وقد كانت الثورة العربية تتويجاً لجهود غربية استمرت عشرات السنين لاصطناع المبررات لانتزاع أجزاء استراتيجية من جسم الدولة العثمانية لصالح الدول الاستعمارية،وهي جهود وجدت ضالتها في فكرة استقلال الأقاليم التي احتفى بها في نفس الوقت ولاة ذوو نزعات غربية-حضارية أو سياسية-ظنوا أن الخير في استقلالهم عن الجسم الأكبر الذي يضم معظم الشرق العربي الإسلامي،وبهذا ولدت الهويات الفرعية التي ظلت تتشعب حتى وصل عدد الدول “المستقلة” التي قامت على مساحة الدولة العثمانية إلى أكثر من ثلاثين دولة[58]رسمت الدول الكبرى حدودها ونصبت زعماءها وتدخلت حتى في تصميم أعلامها التي يبجلها أبناؤها[59]،والطريف أن تكون هويات الاستقلال قد نشأت في البداية لأسباب استعمارية تضر بأصحاب تلك الهويات الذين اعتنقوها فيما بعد في غفلة عن هذه الأسباب وعن ضرر التجزئة ذاتها التي ولدها هذا الاستقلال فجعل تلك البلدان مشرذمة وضعيفة أمام غيلان الغرب الكبرى وعاجزة عن الدفاع عن أنفسها ومن ثم مضطرة لسلوك نهج التبعية للتعلق بمن هم أقوى منها لضمان وجودها واستمرارها،ويرجع الدكتور برهان غليون صنمية الدولة العربية القطرية في الزمن المعاصر إلى ظروف حديثة متصلة بفشلها في تحقيق المواطنة نتيجة ضعفها وهزالها وعدم قدرتها على زرع الانتماء إليها،وكان إظهار قوتها وبطشها ملازماً هشاشتها المعنوية والأخلاقية والسياسية[60].
                  وتقول دائرة المعارف الإسلامية “إن عهد التنظيمات كان عاملاً فعالاً في انحلال الدولة مثله في ذلك مثل المصالح السياسية للدول الأجنبية”[61].
                  هويات التغريب أضرت بأصحابها
                  وليس هذا مجال استعراض المصالح الغربية التي اقتضت احتلال البلاد العربية،فالمهم فيما يتعلق بموضوعنا أن فكرة الاستقلال عن الكيان الجامع كانت هي الممهد لاحتلال هذه البلدان ولذلك ليس من الغريب أن تحظى منذ نشوئها عند أحد الولاة مثلاً بالتشجيع الغربي وأن يكون هذا الوالي ذا نزعة تغريبية ومن المفارقات ألا يظهر ميوله الاستقلالية إلا في مواجهة أخوته في العقيدة والانتماء، في الوقت الذي تذوب فيه شخصيته أمام الأجنبي الغربي.


                  تونس:وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تدعم التغريب المركزي في الدولة العثمانية،شجعت كل من بريطانيا وفرنسا الباي التونسي مادياً لدفعه بعيداً عن المركز العثماني[62]،ودافعت فرنسا عن فكرة استقلال تونس عن الدولة ممهدة الطريق لاحتلالها العسكري بعد إصلاحات تغريبية قام بها الباي بتشجيع أوروبي مهد الطريق للاستعباد المالي الذي استدعى الاحتلال الفرنسي[63]،وسنجد الدفاع عن النزعات الاستقلالية عن الجسم الأكبر نموذجاً متكرراً في السياسة الاستعمارية يخفي وراءه رغبة جامحة في السيطرة على الأقاليم التي تستقل عن الكيان الأكبر.
                  مصر:وكانت الرغبة في بسط الحماية الفرنسية على مصر هي السر في تشجيع الفرنسيين ولاة مصر على التحرر من السلطة العثمانية[64]،كما دعمت بريطانيا الميول الاستقلالية لورثة محمد علي ابتداء من عباس باشا الذي ساندته ضد تطبيق القوانين العثمانية في مصر[65]بعد أن استفادت من المركزية العثمانية نفسها في تحطيم تجربة جده النهضوية التي استفادت منها بدورها مع بقية أوروبا في “زعزعة أركان الدولة العثمانية وفي رفع مستوى تدخلها المباشر في شئون السلطان العثماني”[66]،ومن العجيب أن عباس باشا “كان يحتقر جهاراً الثقافة الغربية ويمقت الأوروبيين،إلا أن هذا لم يعفه عن الخضوع إلى التعليمات الواردة من إنكلترا”[67]، التي مهدت الطريق بكل ذلك لاحتلال مصر عسكرياً مستفيدة بصورة خاصة من النزعة الاستقلالية عند الخديو إسماعيل بالإضافة إلى نزعته التغريبية التي نفرته من العثمانيين وقربته من أوروبا وجعلته يقوم ب”إصلاحات” تغريبية أوقعته في فخ الاستعباد المالي الأوروبي قبل الاحتلال،ولما قامت الحرب الكبرى الأولى سنة 1914 قامت بريطانيا بإعلان الحماية على مصر رسمياً وقطعت علاقاتها الاسمية حتى ذلك الوقت بالدولة العثمانية وسخرت جميع الإمكانات المصرية وأنهكتها في سبيل الحرب[68]التي لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل،ومن ذلك أنها خلعت الخديو عباس حلمي الذي شاكس المحتلين ونصبت عمه حسين كامل سلطاناً على مصر ليناوئ ويقارع بهذا اللقب منصب السلطنة العثمانية التي كانت في حرب مع الحلفاء،وقد عبر المصريون عن رفضهم لوضع السلطان الألعوبة،الذي يستمد سلطته من الإنجليز بعدما كان الخديو يستمدها من الخليفة،بمحاولة اغتياله مرتين بالإضافة إلى محاولة اغتيال رئيس وزرائه وأحد وزرائه أيضا[69]،كما أطلقوا على كثير من مواليد سنوات الحرب أسماء الزعماء الأتراك أنور وجمال وطلعت(وكان من هؤلاء المواليد رئيسا مصر فيما بعد وشقيق أحدهما)،ومن الطريف أن منصب السلطان المصري هذا الذي أعلنه الإنجليز منحوه صلاحيات أقل من صلاحيات منصب الخديو[70]رغم التفخيم اللفظي،وهي سمة لازمت دول الاستقلال والتجزئة التي أصبحت ألقاب حكامها ألقاب مملكة في غير موضعها كالقط يحكي انتفاخاً صولة الأسد، كما يقول الشاعر ابن عمار الأندلسي،وخلاصة الأمر أن ترفيع مصر إلى مقام السلطنة كان غطاء لاحتلالها وتسخيرها لحاجات بريطانيا الحربية،ولما انتهت الحاجة منها ألغيت هذه السلطنة في نفس العام الذي ألغيت فيه السلطنة العثمانية(1922)لتقوم بدلاً منها المملكة المصرية غطاء لشكل جديد من الهيمنة البريطانية تحت عنوان مزيف هو الاستقلال المتحفظ عليه!
                  الكويت:كما بذل الإنجليز جهوداً كبيرة في الدفاع عن استقلال الكويت عن الدولة العثمانية ليمنعوا وصول سكة حديد بغداد إليها مع أنها كانت ستحول الإمارة إلى محطة نهائية لطريق تجاري عالمي يقطعه قطار الشرق السريع من برلين مروراً بعواصم أوروبا ثم استانبول فبغداد فالكويت مما كان سيمنح ميناء الكويت أهمية اقتصادية كبيرة قبل ظهور النفط بعشرات السنين،وما يؤكد ذلك ما جاء في تقرير مؤسسة ماكينزي الاستشارية لسنة 2008 عن الإصلاح الاقتصادي في الكويت:”التجارة من العراق وإليه عبر الكويت تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار(سنوياً) ،وحتى يكون ذلك لا بد من السكك الحديدية”،هذا ما ستصنعه سكة محدودة،مع العلم أن مجمل التجارة الكويتية بلغت حتى ذلك العام 70 مليار دولار(سنوياً)[71]،فما هي قيمة التجارة لو كانت الكويت محطة نهائية لطريق عالمي كسكة تمتد عبر القارات من برلين إلى بغداد ومنذ مائة عام؟وهو أمر تحاول العودة إليه اليوم ولو بصورة جزئية بواسطة مشاريع السكك الحديدية الإقليمية التي مازالت في عالم التخطيط،فكان هذا الاستقلال المحتفى به من مستلزمات المصالح الغربية على حساب مصالح السكان المحليين وإن صورت السياسة عكس ذلك.
                  فلسطين:كما كان ابتداع الخريطة الفلسطينية الحالية وخلق الهوية الفلسطينية المستقلة عن جوارها السوري من مستلزمات منح هذه الأرض للوطن القومي اليهودي الذي فصّلت بريطانيا هذه الخريطة وفق مصالحه كما أملتها مصالحها الإمبراطورية يومئذ،وأثبتت الأيام أن هذه الخريطة ما رسمت إلا لتسلم للصهاينة وتصبح كياناً صهيونياً استعمارياً ولم يستفد أهلها من هويتهم المستقلة سوى أنها أصبحت مبرراً لحصر القضية داخل حدودهم ولتخلي إخوانهم عنها بصفتها صراعاً بين الفلسطينيين وحدهم والإسرائيليين ولا شأن لمن هم خارج هذه الحدود الفلسطينية بهذا الصراع،وجل ما يتفضل به بقية العرب والمسلمين-الذين استبعدوا رسمياً من المواجهة بحكم هوياتهم الإقليمية المغايرة-هو القبول بما يقبل به الفلسطينيون الذين أصبح لهم كيان خاص،ولكنه ضعيف أيضاً لا يقدر وحده على مواجهة الدعم الغربي الشامل للصهاينة في الوقت الذي يُنكر فيه على الفلسطيني تلقي بندقية من أخيه،وأصبح القبول بما يقبل به الفلسطيني مبرراً تحت شعارات عدم التدخل في الشئون الداخلية والقرار الوطني المستقل،ولكن هذا القبول ترجم عملياً بالقبول فقط باستسلام الفلسطينيين للصهاينة إذ عندما يقومون بالمقاومة والمواجهة لا يُقبل منهم ذلك ويُدفعون إلى عملية السلام الفاشلة دفعاً ويُتركون فرادى لمصيرهم لو أصروا على القتال،وبهذا تحولت الهوية المستقلة المصابة بالعجز البنيوي إلى تبرير للاستسلام وضياع حقنا في فلسطين.
                  وخلاصة الحديث كما تظهره الأمثلة السابقة أن هوياتنا المستقلة نشأت لاحتضان المصالح الاستعمارية وأحياناً كان الاستقلال شعاراً رفع للإضرار بأصحابه الذين نالوا “استقلالهم”ولكن على حساب مقومات وجودهم الحقيقية.


                  استهانة التغريب بمجتمعاتنا وتلاعبه بها
                  وقد بلغت الاستهانة التي عامل بها الغرب هوية مجتمعاتنا حداً جعل حاكماً استعمارياً مستبداً كاللورد كرومر يظن أن بإمكانه أن يمنح مصر هوية جديدة يختلقها من العدم،وذلك حين فكر بدمج جميع العناصر التي تقطن وادي النيل بما فيها من أوروبيين توافدوا على مصر في القرن التاسع عشر في ظل تشجيع محمد علي باشا وخلفائه وبلغ عددهم أكثر من مائتي ألف في زمن ابتكار كرومر الفكرة الجديدة(2% من السكان في سنة 1907)[72]ليصنع من هذا الخليط أمة مصرية ذات هوية لا علاقة لها بالجامعة الإسلامية،ويصف المؤرخ روجر أوين هذه المحاولة بأنها فكرة جديدة تماماً على الرأي العام المصري،ودليل على القطيعة التامة بين كرومر والمجتمع الذي يحكمه،وممارسة غريبة وطائشة يلفت النظر، أكثر من زيفها، جنون العظمة الذي ارتبط بها[73]،وعلى كل حال فإن كان الاستعمار فشل في ذلك فقد نجح في تكريس الهويات القُطرية التي أصبحت خنادق يتترس فيها أبناء الأمة الواحدة ضد بعضهم بعضاً.


                  التغريب كان علاجاً لأمراض مغايرة لما كنا نعانيه في ذلك الوقت
                  لقد ظن أصحاب مدرسة النقل العام عن الغرب أن الحياة الدستورية البرلمانية التي توصل الغرب إليها نتيجة تطورات داخلية تدريجية امتدت لمئات السنين،أن هذه الخلاصة هي الدواء العام الشامل لجميع الأمراض التي كانت تنتاب حياة المجتمع العثماني في القرن التاسع عشر[74]،وهي الكفيلة بانتشاله من تخلفه ووضعه ثانية بين دول الدرجة الأولى،ويمكننا أن نجد وجهة النظر المقابلة عند السلطان عبد الحميد الذي ابتدأ عهده بتطبيق الدستور ثم علقه طيلة حكمه إلى أن أجبرته ثورة الاتحاد والترقي على إعادة العمل به سنة 1908،إذ كان يرى أن ما هو مناسب لدول تتمتع بالوحدة القومية والدينية قد لا يكون مناسباً لدول تتصف بالتنوع السكاني ولا تقبل طوائفها بتبني لغة واحدة أو التنازل عن استقلالها الذاتي مما سيجعل من تطبيق المساواة المطلقة يعني انقساماً وقتالاً وفوضى،فالدواء قد يتحول إلى سم زعاف لو وضع في غير موضعه أو استخدمه غير المختص،وليس أي دواء يصلح لأي مرض،والمطالبون العثمانيون بالدستور يقلدون الغرب من غير إدراك للظروف المختلفة بين تطبيق الديمقراطية في بريطانيا حيث لا يوجد في البرلمان الإنجليزي ممثل واحد عن الهند أو مصر،وما يراد للدولة العثمانية التي تحوي قوميات متعددة سيكون تمثيلها جميعا في الوقت الذي تتدخل فيه الدول الكبرى لحمايتها وبالاً على الدولة وعنصرها الإسلامي،وكان يرى اتفاقاً بين الدول الغربية الكبرى-بما فيها حليفته الظاهرية ألمانيا-على تقسيم الدولة العثمانية،وهي المشكلة الرئيسة التي كانت تواجه بلاده[75]،ولم يكن يعتقد أن تطبيق الدستور سيحول دون وقوع هذه الكارثة أو سيكون علاجاً لها[76].


                  وقد أثبتت الأيام صحة نظرته فسجل موقفه بعد عزله وقال:”ماذا حدث بعد إعلان المشروطية(أي الدستور الذي يقيد سلطة الحاكم ويجعلها مشروطة)؟هل انخفضت ديون الدولة؟هل كثرت الطرق والموانئ والمدارس؟هل أصبحت القوانين الآن أكثر تعقلاً ومنطقاً؟هل ازدادت الحقوق الشخصية عما قبل؟هل الأهالي الآن أكثر رفاهية؟هل تناقصت الوفيات وزادت المواليد؟…..”[77]،وقد كانت النتيجة الأوضح أن الدستور في ذلك الوقت لم يكن العلاج الشامل لجميع أمراض المجتمع وأنه ليس صمام الأمان المرتجى، وقد قال السيد تقي الدين الحصني نقيب الأشراف في أواخر الزمن العثماني والذي سبق ذكره في المقارنة بين الزمن الحميدي وزمن الاتحاد والترقي إنه”قد ثبت لدى أكثر المفكرين بأن الفكرة التي كانت في مخيلة السلطان عبد الحميد بأن الشعب ليس عنده قابلية للحكم الدستوري قد أظهر أثرها عند تولي أمر الحكومة لأناس كانوا هم أعظم وأشد استبداداً من ذاك السلطان فكان الناس برجل واحد يستبد برأيه فانقلب ذلك لآراء جمعية عظيمة مختلفة المشارب متفاوتة المآرب…..وكان بسوء إدارتهم انسلاخ أكثر البلاد عن حكم هذه الدولة في هذه الآونة”[78].
                  ولم تكن عامة الناس تدرك أبعاد الثورة الدستورية،ويصف المؤرخان شو حالة الجماهير عندما أعلن الدستور بقولهما كما ينقل الأستاذ سعد محيو:”نساء ورجال تحركوا على متن موجة واحدة من الحماس،ضاحكين،باكين،في خضم حالة عاطفية….قال الجمهور:تهتفون من أجل ماذا؟أخبرونا،ماذا يعني الدستور؟يرد خطيب بسرعة:الدستور شيء عظيم إلى درجة أن من لا يعرفه منكم يكون حماراً”[79]،وقد سعت الدولة بخطى حثيثة نحو نشر التعليم كما سيأتي لجسر هذه الهوة على عكس القوى الاستعمارية التي كانت تصر على إبقاء شعوبنا متخلفة جاهلة لتتمكن من الهيمنة عليها بسهولة.(ملاحظة:لا صلة بين هذا الموضوع وأية أحداث معاصرة في البلاد العربية قد تشاركه المفردات ولا يلمح إليها من قريب أو بعيد،إنما هو عبرة تاريخية تخص التغريب في الزمن المشار إليه في المتن).
                  والطريف أن تيودور هرتزل مؤسس الكيان الصهيوني،أو الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط،كان في الزمن الذي أتحدث عنه ضد الديمقراطية ومشهراً بسيئاتها كما كتب في يومياته،وذلك لأنه”كان يسعى-مسبقا-إلى التمييز الذاتي لليهود عن بقية الأقليات وبقية المواطنين”ويرفض المساواة لأنها تساعد في اندماج اليهود في المجتمعات الرأسمالية وهو ما ينافي آماله الدينية وأفكاره الذاتية عن تميز اليهود كما يقول الأستاذ كامل زهيري في تحليل مواقفه،وينقل عن هرتزل قوله:”وأنا ضد الديمقراطية لأنها متطرفة فيما ترضى عنه وفيما لا ترضى عنه،وتشجع الهدف البرلماني….إن أمم الوقت الحاضر لا تلائمها الديمقراطية في الحكم،وأنا أعتقد أنها ستزداد عدم ملاءمة يوماً بعد يوم”،ويقول أيضا عن كيانه المرجو:”سنقمع كل معارضة بالإقناع الحبي،أو بالقوة إن لزم الأمر”[80].
                  وفي الدول التي قامت على أنقاض الدولة العثمانية ظل كثير من المنظرين والزعماء في دولة التجزئة من الذين تبنوا مشاريع نهضوية وهللت لهم القومية والليبرالية يعتقدون بقصور شعوبهم وعدم تأهلها للحكم الديمقراطي ويمارسون عليها سلطات فردية، وبعضهم كان يدعو علناً للتعاون مع الاستعمار، الذي كان يعتقد أن المحليين لا يمكنهم حكم أنفسهم ويحتقر حتى المتشبهين به من”المتأوربين”، وانتقد أولئك المتعاونون المقاومة الوطنية، رغم اعترافهم بأن المستعمِر لا يعمل لإنشاء الحكم الديمقراطي في المستعمَرة، واستمر ذلك بعد الدولة العثمانية بزمن طويل (كمال أتاتورك، أحمد لطفي السيد، محمد حسين هيكل، نوري السعيد،جمال عبد الناصر، ميشيل عفلق، الحبيب بورقيبة، …إلخ) كما يصف ذلك كثير من المؤرخين (***).
                  وخلاصة القول أن مؤسس الديمقراطية الوحيدة في الشرق كان ضد الديمقراطية لأنها تخالف ما تصوره هو مصلحة لشعبه وتعيق تقدمه نحو آماله،وهو يسحب هذا الحكم على جميع الأمم التي عليها أيضا نبذ الديمقراطية وليس على شعبه وحده فقط،والغريب في الأمر أن الديمقراطية الوحيدة في الشرق لم تر في هذا عيباً على مؤسسها ومازالت ترفع صوره في كل مكان في الأراضي التي احتلتها وقامت عليها وعدت هذا الموقف مرحلة من مراحل بنائها دون انتقاص أو خجل،أما نحن فمازلنا نندب بسبب حظنا الذي ابتلانا بالاستبداد الحميدي ونحمل تلك الفترة أوزار الثقلين إلى يومنا هذا متناسين كل الديكتاتوريات الليبرالية والقومية والاشتراكية اليمينية واليسارية التي حكمت بلادنا بعد العثمانيين، ومازال أنصارها يعيبون على السلطان عبد الحميد “استبداده” الذي يبدو مزاحاً فكاهياً مقابل تلك الاستبداديات الدموية اللاحقة التي مازالوا يؤيدونها ويبخرون لها، وهذا من ازدواجية معاييرهم التغريبية، وإن إلقاءنا كل الملامة على الحقبة العثمانية يحمّل التاريخ أكثر مما يحتمل ولا يعتبر بإنجازات كبرى صنعها الآخرون ممن انطلقوا من أوضاع شبيهة بأوضاعنا بعد انتهاء الحرب الكبرى الأولى(1918)عندما غادرنا العثمانيون وبدأ غيرنا في البناء من نفس المستوى الذي كنا فيه ومع ذلك تمكنوا في برهة قصيرة من الوصول إلى قمة العالم كالروس السوفييت الذين قامت ثورتهم البلشفية سنة 1917 وبدأت عملية البناء منذ ذلك الحين وأوصلت الروس إلى القمة التي تربعوا عليها زمناً ثم انحدروا بعد عشرات السنين (1991) إلى الدرجة الثانية، ونحن لم نصنع شيئاً في تلك الفترة وما نزال في مكاننا الذي تركنا العثمانيون عنده بل تراجعنا ونحن نولول من الطغيان العثماني، ولم ننظر إلى إنجازات أخرى صنعت في ذلك العهد ولم نتمكن من البناء عليها أو حتى المحافظة عليها لأن دول الاستقلال والتجزئة كان من طبيعتها البنيوية عدم استيعاب الإنجازات التي صنعتها دولة الوحدة ومن ثم هدمتها وأوضح مثل على ذلك سكة حديد الحجاز أو حرية التنقل للمواطن العربي أو الاكتفاء الذاتي الغذائي أو القدرة على رفض الإملاءات الغربية وغير ذلك.
                  التغريب سلاح يشهره ضدنا الغرب الذي يقول ما لا يفعل
                  وفي الوقت الذي كان الغرب عموماً وبريطانيا خصوصاً تحتضن المعارضين العثمانيين المطالبين بالحياة الدستورية في الدولة العثمانية وتوفر لهم ملجأ في القاهرة المحتلة فضلا عن عواصم أوروبا،كان الاحتلال البريطاني ينكر على المصريين الحياة الدستورية ويقمع مطالبهم بها ويبرر ذلك بالقول إنهم لا يستطيعون حكم أنفسهم لأنهم لا يدركون مصالحهم الحقيقية المتطابقة مع المصالح البريطانية التي يخدمها هذا الاحتلال،وكان المتغربون يسايرون هذا التوجه الاستعماري-كما مر-إما تصريحاً وإما بالصمت عن الاستبداد الاحتلالي مع الإصرار على عدم رؤية استبداد إلا عند العثمانيين،وإذا كان الجهل والأمية هما العقبة أمام تطبيق الحكم الدستوري،فإن الفرق بين الدولة العثمانية والاحتلال البريطاني أنها كانت جادة في السير على طريق التعليم وكانت الإنجازات العثمانية في هذا الحقل ملحوظة عند كثير من المؤرخين الذين أشاروا إلى الطفرة التعليمية التي قامت بها الدولة في أواخر القرن التاسع عشر والتي كانت”على الرغم من كل شيء أهم الإنجازات التي تمت في ذلك العصر”[81]وذلك إلى درجة جعلت المؤرخيْن شو يصفانها بأنها كانت تفجراً تعليمياً[82]،وبخاصة مقارنة بالإمكانات الضئيلة التي توفرت للعثمانيين آنذاك،وفي نفس الوقت الإهمال الذي عانى منه التعليم تحت سلطة الاحتلال البريطاني الذي تميز بإهمال هذه الناحية و”تمسكه بالسياسة الرامية إلى الحد من عدد الخريجين من المتعلمين المصريين”[83]،ويقارن المؤرخ بين نسبة التعليم المصري قبل الاحتلال (1873) حين وصلت 1.7% ونسبة التعليم بعد نهاية عهد كرومر (1907) الذي جاء لينشر الحضارة بين “المتخلفين” حين انخفضت إلى 1.5% “وبقيت الأغلبية الساحقة من السكان أميين”، “فقد كان اهتمامه بنشر التعليم بطيء جداً لما فوق مستوى التعليم الابتدائي والأساسي، بعد أن استنتج من خلال تجربته في الهند بأن توسع دائرة التعليم العالي-الغربي الطراز-قد تساعد على خلق طبقة من الساخطين والناقمين والديماغوجيين” (ص 160- 161)، وهي سياسة اتبعت في فلسطين أيضا حيث حكم الانتداب بدستور فرض من الأعلى لتسهيل تطبيق وعد بلفور ولم يكن لأهل البلد كلمة فيه كما أرسى أول مندوب بريطاني سام “قاعدة مهمة في فرض السيطرة الصهيونية على فلسطين عن طريق التشكيك الدائم في التمثيل العربي،بينما كانت مسألة التمثيل اليهودي في فلسطين ترسخ وتخطو خطوات حثيثة إلى الأمام”،وبينما وضعت القيود على تطور مؤسسات الحكم الذاتي العربية،أولى الانتداب رعاية للمؤسسات اليهودية[84]،ولم يحاول تأسيس قاعدة للحكم العربي إذ”بخلت الحكومة على حاجات ذات أهمية حيوية أكبر مثل التعليم”كما جاء في عريضة اللجنة التنفيذية العربية لوزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرتشل في سنة 1921[85]،كما أنشأ الانتداب جامعة عبرية ورفض إنشاء جامعة عربية وترك غالبية الناس في جهل رغم الإمكانات الواسعة للإمبراطورية البريطانية التي تنفق منها نسبة عالية للتعليم في مركزها[86]،وذلك مع زعمها أنها جاءت حاملة لواء الحضارة إلى الجهلة والمتخلفين،هذا في حين كانت الحكومة العثمانية قد عملت “على توفير أكبر قدر من المدارس للسكان العرب حسب إمكاناتها”[87]،وكانت قدرتهم على الصعود في السلم التعليمي في الدولة أكبر مما صارت إليه زمن الانتداب،إذ كانت نسبة المجاورين منهم لرواق الشام في الأزهر مثلا أكثر من النصف(135 من 222 في بداية القرن العشرين)[88]،فلا عجب بعد ذلك أن يفضل أهل فلسطين الاستبداد العثماني على الديمقراطية البريطانية وأن يواجهوا وزير المستعمرات البريطاني منذ البداية بأنهم يتحسرون “على زوال أيام العثمانيين حين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم عن طريق برلمان،مضيفين أن المسئول التركي الوحيد بين ظهرانيهم كان الوالي أو المتصرف الذي كان له مجلسه الاستشاري المنتخب من أهالي البلد لمساعدته….لقد تغير كل هذا الآن،فليس لنا صوت ولا رأي في حكومة البلد”[89]،حتى ظهر اتجاه فلسطيني ينادي بالعودة إلى العثمانيين ويطالب بالاستقلال في ظل انتداب تركي[90]وذلك بعد انتصارات مصطفى كمال على الحلفاء وزيادة شعبيته بين المسلمين قبل إلغاء السلطنة والخلافة وإعلان الجمهورية.


                  الغرب يقطع الطريق على مسيرة التحديث
                  لم تكن الدولة المركزية في آخر العهد العثماني منفصلة عن هوية الأمة وتطلعاتها،وتمكنت من إحراز إنجازات ضخمة وبخاصة لو حسبنا قلة الإمكانات وتكالب الأعداء،ويلخص المؤرخ الأوروبي نيكولاس دومانيس هذه الإنجازات بقوله إن خسارة البلقان لصالح الإنفصاليين المسيحيين بعد الحرب الروسية(1878)جعل الهوية العثمانية تتخلى عن مكانها للهوية الإسلامية وأصبح النظام الحاكم يركز اهتمامه على رعاياه المسلمين كالأتراك والعرب والألبان والشركس والأكراد بصفتهم قاعدة لتجديد الدولة،واستمرت عملية التحديث مع تركيز السلطة وتمكن السلطان عبد الحميد من السيطرة على موارد الدولة البشرية والمادية أكثر من أي من أسلافه،كما أرسيت دعائم الجيش والإدارة والتعليم والمواصلات(السفن البخارية والسكك الحديدية والطرق والبرق الكهربائي)بالإضافة إلى إدارة القصر على أسس عقلانية،كما شهد المجتمع العثماني واقتصاده تحقيق سمات الحداثة المميزة كالقطارات والسفن البخارية التي طغت على وسائل النقل القديمة،ونمت استانبول وبيروت وسالونيكا نموا ضخما،وزاد سكان المدن نتيجة نمو الزراعة التجارية والنمو الخيالي للتجارة الداخلية والخارجية،ورغم معاناة الصناعة العثمانية من منافسة البضائع الأوروبية الرخيصة فقد شهدت هذه الصناعة انبعاثاً هاماً في العهد الحميدي وتكاثرت المصانع حول المراكز الحضرية كاستانبول وإزمير وبيروت وسالونيكا كما تكاثرت المنظمات العمالية،وفي نهاية عهد السلطان كان في استانبول 285 مطبعة،وصحافة نابضة بالحياة[91]،ويعلق المؤرخ دونالد كواترت على مسيرة الإصلاح العثماني بالقول إننا “لا نستطيع التكهن بما كان سيحدث لو كُتب لمسيرة الإصلاح أن تمضي قدماً” و “أن المجتمع العثماني خلال القرن التاسع عشر كان يعيش فترة تطور لم تكتمل نتيجة لزوال الدولة سنة 1922″[92].


                  أوروبا تحطم آمال تطبيق الديمقراطية وتقدم مصالحها الأنانية على حساب الآخرين
                  وماذا كان موقف أوروبا عندما وصل أنصار الحكم الديمقراطي إلى الحكم بعدما نالوا من الرعاية والتأييد والإيواء من الأوروبيين وهم في صفوف المعارضة ضد السلطان عبد الحميد؟ماذا كان موقف بريطانيا التي وصفها طلعت باشا في خطاب إلى نائب بريطاني بقوله:”إذا كان الزعماء(عندما قمنا بالثورة)قد أحبوكم فإن الجماهير كادت أن تعبدكم….إننا نحن،تركيا الفتاة،قدمنا لكم تركيا على طبق ولكنكم رفضتم التقدمة”[93].

                  يقول المؤرخان شو تعليقاً على سياسة التدخل الأوروبي في الدولة العثمانية إن الدول الكبرى تطالب دائماً بالإصلاحات حينما تكون بعيدة عن المس بمصالحها،ولهذا عندما قامت الثورة الدستورية ضد حكم السلطان عبد الحميد “تحطمت إمكانات تطبيق الديمقراطية في الدولة نتيجة الجشع الذي أبداه جيرانها والدول الكبرى الذين أثبتوا طمعهم في أراضي الحكام الديمقراطيين الدستوريين من ثوار تركيا الفتاة بنفس القدر الذي طمعوا فيه بأراضي المستبد عبد الحميد” إذ استفادوا من فراغ السلطة الذي نشأ عن اندلاع الثورة سنة 1908 فانقضت النمسا على مقاطعة البوسنة والهرسك وألحقتها وأعلنت بلغاريا استقلالها التام وقامت اليونان بإلحاق جزيرة كريت،ولم تُجدِ كل الاعتراضات العثمانية أمام الدول الكبرى الموقعة على ضمانات مؤتمر برلين(1878)،واتضح للرأي العثماني العام خطأ الرأي الذي قال إن الدستور هو الذي سينهي جهود أوروبا لتفتيت الدولة العثمانية التي خسرت في غضون فترة قصيرة من الحكم الدستوري أكثر مما خسرته أثناء الحكم الحميدي منذ احتلال مصر سنة 1882[94]،وكانت نتيجة ذلك توجه الحكم الدستوري الجديد نحو المركزية وسياسة التتريك مما أجهض محاولة تطبيق النموذج الديمقراطي الغربي في الدولة العثمانية.

                  تحطيم الكيان الجامع مهما كانت هويته سياسة غربية رئيسة وفكرة تغريبية أساسية
                  1-الوحدة في الفكر السياسي الإسلامي
                  إن وحدة جماعة المسلمين المستمدة من أصول شرعية كثيرة هي جوهر الفكر السياسي الإسلامي،فعلى مر العصور كانت وحدة الخلافة تمثل وحدة الأمة حتى في أزمان الانقسامات السياسية ولم يكن تعددها في مرحلة تالية إلا تعبيراً عن الرغبة في توحيد الأمة حول رمز جديد(الخلافة الفاطمية)أو التمسك بشرعية سابقة(الخلافة الأموية في الأندلس)أما جوهر الوحدة فلم ينازع فيه أحد حتى مع وجود عدد كبير نسبياً من الحكام المسلمين الأقوياء المستقلين الذين لقبوا أنفسهم بألقاب الإمامة والخلافة في مراحل متأخرة،ولم يعن ذلك غياب وحدة الأمة الإسلامية عن عقول المسلمين[95]،ولهذا ظلت نوازع الوحدة تعمل ضد التجزئة كلما أمكن ذلك،ولم يتم الإجماع على خلافة فعلية إلا لمن أدى وظائفها،إذ “ليس المقصود من الخلافة ذات الخليفة أو رجلاً معيناً من أسرة مخصوصة يسمى بهذا الاسم(ويتبرك) به أو يرثها كالعقار،وإنما المقصود منها ثمراتها التي هي القوة بحماية البيضة الإسلامية ونفاذ الأوامر الدينية والنواهي وحمل الكافة على اتباع منهج واحد وقانون واحد ينطبق على مصالحهم في دينهم ودنياهم مع حفظ كيانهم،وإذا فقدت هذه الثمرات فلا معنى للخلافة ولا فائدة للمسلمين من الخليفة”[96]،ولهذا ظل الكيان الإسلامي الموحد كياناً قوياً في الميزان العالمي،ولذلك أيضاً لم يكن من العجيب أن تسلم الأمة للعثمانيين بالخلافة بعدما أثبتوا جدارتهم في هذه الوظائف رغم عدم قرشيتهم،إذ جعلت انتصاراتهم”الأمة العربية متعاطفة مع الدولة العثمانية،وراضية بوضع الخلافة بين يديها،ناسية أو متناسية الشرط الديني المعروف بأن يكون الخليفة عربياً وقرشياً وهاشمياً،فإن الانتصارات التي حققها العثمانيون تحت راية الجهاد لم تترك مجالاً للنقاش حول شروط الخلافة ومؤهلات الخليفة”كما يقول الأستاذ أحمد الشقيري في كتاب علم واحد وعشرون نجمة[97].


                  2-العمل الغربي على تمزيق الوحدة وقبول المتغربين بالدور الوظيفي في ذلك
                  وقد رأينا أن أوروبا الصاعدة سعت دائما-ضمن محاولاتها لإخضاع العالم والقضاء على المنافسين-لتمزيق الثوب العثماني الموحد حتى عندما دعمت المركزية التي كانت تريدها مجرد أداة في خدمة هيمنة الغرب ولهذا كانت تشجع النزعات الانفصالية باستمرار،ولهذا فقد دخلت الدولة العثمانية الحرب الكبرى الأولى إلى جانب ألمانيا والنمسا على أمل استعادة ما فقدته من بلاد على أيدي الحلفاء وكانت استعادة الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي هي الهدف العثماني من دخول هذه الحرب في الوقت الذي تبدت فيه مخاطر الخلفاء على أراضي العثمانيين:الروس يطالبون بالمضائق والإنجليز بالعراق ونفطه والفرنسيون بسوريا[98]،ولما بدأت الحرب أصبح القضاء على الدولة العثمانية هدفا معلنا للحلفاء كما صرح بذلك”بيان عن السياسة الخارجية مرفوع إلى المجلس الحربي الملكي” الذي قام اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني وصاحب الوعد المشئوم ورئيس البعثة البريطانية الخاصة الذي كان في زيارة للولايات المتحدة بتسليم نسخة منه إلى وزير الدولة الأمريكي وجاء في هذا البيان الصادر في سنة 1917 :”لاشك أن القضاء على الامبراطورية العثمانية قضاء تاما هو من أهدافنا التي نريد تحقيقها،وقد يظل الشعب التركي،ونأمل أن يظل،مستقلا أو شبه مستقل في آسيا الصغرى،فإذا نجحنا فلا شك أن تركيا ستفقد كل الأجزاء التي نطلق عليها عادة اسم الجزيرة العربية(Arabia) وستفقد كذلك أهم المناطق في وادي الفرات ودجلة،كما أنها ستفقد استانبول،أما سوريا وأرمينيا والأقسام الجنوبية من آسيا الصغرى فإنها،إن لم تضم إلى الحلفاء،فمن المرجح أنها ستبقى ضمن حكمها”[99]،هذا بالإضافة إلى وثائق كتبها لورنس العرب أثناء الثورة العربية.

                  ففي تقرير كتبه لورنس في يناير/كانون الثاني/ جانفي 1916 تحت عنوان سياسات مكة قال:”إن تحرك(الشريف حسين) يبدو مفيداً لنا، لأنه ينسجم مع أهدافنا المباشرة:تحطيم الجبهة الإسلامية الموحدة وهزيمة وتمزيق الامبراطورية العثمانية، ولإن الدول التي سيقيمها(الشريف) خلفاً لتركيا ستكون غير ضارة بنا كما كانت تركيا قبل أن تصبح أداة في أيدي الألمان.إن العرب أقل توازناً من الأتراك، وإذا عولج أمرهم بشكل مناسب فإنهم سيظلون في حالة من الشرذمة السياسية، نسيج من الإمارات الصغيرة المتحاسدة غير القابلة للتوحد، ومع ذلك يمكنها الاجتماع في مواجهة أية قوة خارجية”، وهذا الاجتماع الذي يقلق لورنس ورؤساءه هو ما يعمل الغرب جاهداً لمنعه منذ تلك الأيام.
                  ويختم تقريره قائلا إن الشريف حسين “يفكر يوماً بالحلول محل السلطة التركية في الحجاز، ولو تمكنا من ترتيب هذا التغير السياسي ليكون بالعنف، سنقضي على خطر الإسلام بجعله ينقسم على نفسه في عقر داره، وسيكون هناك خليفة في تركيا وخليفة في الجزيرة العربية في حالة حرب دينية، وسيصبح عجز الإسلام كما كان عجز البابوية عندما كان الباباوات في أفنيون” (وهي فترة تراجعت فيها هيمنة البابوية وسميت الأسر البابلي للكنيسة 1309-1377 تشبيها بأسر بني إسرائيل على أيدي البابليين في القرن السادس ق.م، وقد أعقبها انقسام وصف بالعظيم نتيجة وجود بابا في روما وآخر في أفنيون 1378-1417).
                  وفي تقرير حمل عنوان “لو تم احتلال سوريا” وكتبه لورنس سنة 1916 أيضا لاقتراح حل للمشكلة التي يسببها إعلان الخليفة العثماني الجهاد ضد الحلفاء الذين يحتلون بلاداً يقطنها ملايين المسلمين، قال لورنس:”مهما نتج عن هذه الحرب، فإنها يجب أن تقضي تماماً ونهائياً على السيادة الدينية للسلطان” (****).
                  وكان المصير الذي تعرضت له الدولة العثمانية التي ساحت جيوش المحتلين في أراضيها يختلف عما نال ألمانيا التي لم تحطم في نهاية الحرب،ولم تخف هذه المفارقة عن ملاحظة المؤرخين:”إن الامبراطورية العثمانية لم (تنهار).هذا تعبير شديد السلبية.لقد مزقوها إرباً مثلما تخلع مفاصل الدجاجة قبل الأكل،حتى ألمانيا نفسها لم تتكبد تقطيع الأوصال وانتزاع الأحشاء”كما يقول المؤرخ جيرمي سولت[100].
                  إن الضربات المتلاحقة التي وجهت للدولة العثمانية تثبت النوايا الغربية بشكل يلغي الحاجة إلى إثبات أن بريطانيا اشترطت إلغاء منصب الخلافة الإسلامية على الجانب التركي في مؤتمر لوزان سنة 1923، لأن الموقف الغربي عموماً والبريطاني خصوصاً لم يقتصر على لحظة واحدة فقط من التآمر السري على منصب أصبح هزيلاً وشبيهاً بوزارة أوقاف في ظل إعلان قيام الجمهورية التركية، بل كان عداء علنياً لفكرة الخلافة نفسها اتضح بسياسة الدول الغربية تجاه إضعافها ونهش أطرافها لمدة تزيد على قرن من الزمان أثبتت فيها الحوادث والحروب الكبرى حقيقة النوايا التي اختلفت فيما بينها فقط على كيفية اقتسام الغنائم، التي هي بلادنا، ولم تختلف على فكرة التقسيم ذاتها، وكان هذا هو محتوى “المسألة الشرقية” التي تريد حلاً، أو كما قال مراقب أكاديمي أمريكي عاصر الحرب الكبرى الأولى وكتب في سنة 1917 أن”الأمم الأوروبية منذ بداية القرن التاسع عشر اجتمعت كالصقور حول الجثة لاقتطاع ما يمكنها من الامبراطورية التركية”(*****)، ولهذا كان القضاء على الدولة العثمانية من أبرز “إنجازات” الحرب الكبرى كما صرح بذلك ساسة ومؤرخون من أوروبا وأمريكا كما سيأتي تفصيله في الجزء الثاني من هذه الدراسة، ويؤكد مصير الشرق العربي بعد الحرب حين اتفقت أوروبا على اقتسام بلادنا وفق اتفاقات التجزئة ونكثت بوعود التحرر التي بذلتها للعرب أن عداءها ليس مع كيان سياسي محدد، كما ادعت كذباً لتغوي العرب، بقدر ما هو عداء مع أي وحدة شاملة تلم شعث بلادنا كما أثبتت الأحداث لاسيما تقطيع أوصال المشرق العربي ورفض الاعتراف بالخلافة العربية التي طالما رعى الغربيون الدعوة إليها، بالإضافة إلى ضرب كل محاولات التوحد والنهوض فيما بعد، وها نحن مازلنا في نتائج تلك الحقبة المريرة إلى اليوم.

                  ولهذا فإن ما قام به مصطفى كمال عندما ألغى السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية يلتقي موضوعيا مع أهداف الحلفاء الغربيين ولم تخرج إنجازاته الجغرافية عما رسمه بلفور أمام الأمريكيين،وقد أوضح كمال للأوروبيين أهدافه بالقول “إنكم تستطيعون أن تنالوا سوريا وبلاد العرب،ولكن كفوا أيديكم عن تركيا،فنحن نطالب بحق كل شعب داخل حدود بلاده الضيقة”[101]وهو ما يتفق مع المخطط الأوروبي السابق،ولهذا لم يمانع الحلفاء في إلغاء معاهدة سيفر المذلة(1920)بعدما منحهم النظام الكمالي في معاهدة لوزان(1923)الموافقة على تطبيق تلك المعاهدة السابقة على كل البلاد غير التركية وهو ما قامت به الدول الأوروبية بموافقة عصبة الأمم التي جعلت هذه البلدان العثمانية السابقة خاضعة للانتداب[102]،واستثنيت تركيا من ذلك، ولهذا”تجاوبت الدول الأوروبية كلها مع نظرية مصطفى كمال بشأن الإمبراطورية العثمانية،وحمدوا له نظرته المختلفة تماما عمن سبقوه في اعتبار مشاكل الإمبراطورية عبئاً ثقيلاً على كاهل الأتراك ينبغي عليهم أن يتخلصوا منه ليتفرغوا لحركتهم الوطنية القومية”[103]،والغريب أن لا تنصح الإمبراطوريات الغربية أنفسها بنفس النصيحة فتتخلص من الأعباء الإمبراطورية وتتفرغ لشئونها القومية(!).
                  ويظل النقاش بعد ذلك على ما سمي شروط كيرزون الأربعة الخاصة باشتراط إلغاء الخلافة في مؤتمر لوزان سنة 1923 ومحاولة إثباتها مقابل نفيها مما لا طائل منه،لأن مصطفى كمال تشرب الأهداف الغربية وتبناها-كما فعل غيره من دعاة النهوض عن طريق استرضاء الغرب-ونفذها من تلقاء نفسه ولا حاجة لإثبات أنه تلقى أمراً بذلك في عرض مسرحي أو لم يتلق،فما هو مثبت أنه تبني وجهة نظر العدو وهذا أسوأ من تنفيذ أوامره بالإكراه،وهو وصف ينسحب على دعاة التغريب المعاصرين الذين يتمسكون بالدولة القُطرية انسجاما مع متطلبات السياسة الدولية التي يتحكم الغرب بها،فإذا ذكرت فكرة الخلافة التي تمثل الوحدة الإسلامية هاجوا وماجوا وتحججوا بعدم الواقعية وحقائق السياسة الدولية،وهو ما يؤكد أن الغرب-ومن خلفه أنصار التغريب-لا يريد لنا ما يريده لنفسه،إذ أن هذه السياسة الدولية تتقبل كل الكيانات المندمجة كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الروسي والاتحاد الكندي وغيرها من بلاد تمتد على مساحات واسعة وتضم شعوباً متباينة في كل شيء هذا إضافة إلى الكومنولث البريطاني والمنظمة الدولية للفرانكوفونية،كل هذا مقبول وواقعي ومرغوب،أما الوحدة الإسلامية أو حتى الوحدة العربية الأصغر فهي التاريخية والعاطفية المخالفة للواقعية،كما يمكن أن تضم كل من الصين والهند ما يزيد عن المليار نسمة في كل منهما،فهذا واقعي ومقبول،أما الوحدة الإسلامية المشابهة فهي المثالية والمستحيلة،وعندما يوحد كيان مصطنع كالكيان الصهيوني شتاتاً من جميع شعوب الأرض ويحيي فيهم عظام لغة من الرميم فهذا تقدم يثير إعجاب المنبهرين لأنه دليل قوة حضارية تتفوق علينا،وعندما نريد تطبيق الأمر ذاته على الشعوب الإسلامية فهو رجعية تثير سخرية العقلاء أو شفقة الحكماء ويتفنن المكتشفون في إيجاد العوائق والصعاب التي تحول دون ذلك ويُنسى الدرس الذي كنا نتلقاه عن وجوب التعلم من الصهاينة وكأنه أُلقي منذ البداية بهدف إثارة الإعجاب بهم ومن ثم الاستسلام لهم فقط وليس التعلم من تجربتهم للاستفادة مما ينفعنا فيها كواقع الحال في التغريب عموماً.
                  3-رفض الغرب أي مشروع وحدوي حتى لو كان استرضائياً تجاهه
                  والسر في كل تلك المواقف هو الموقف السياسي لدول الاستعمار الكبرى التي تحتكر الوحدة لأنفسها وترفض وحدتنا رفضاً مطلقاً،كما ظهر موقفها من الوحدة العربية زمن محمد علي باشا رغم سياسة استرضاء الغرب التي اتبعها،أو الوحدة المصغرة والمحافظة على مصالح الاستعمار زمن الشريف حسين بعد الحرب الكبرى الأولى حين قسمتها الدول الغربية إلى دويلات فسيفسائية،والغريب أن يردد المتغربون هذه الحجج المتعلقة بالواقعية والعقلانية فلا يطالبون-كما يُفترض بالتغريب-بالسير على خطى الغرب بما فيه صالح بلادهم بل يطالبون بالسير وفق أوامر الغرب لنا والتي لا يقبلها الغربيون لأنفسهم ،والأغرب أن يتشرب الإسلاميون هذه الهزيمة فيتخلون بخضوع عن وحدة الأمة في استسلام مطلق لمشيئة الغرب يضاهي التسليم بمشيئة الله،رغم أن الوحدة فريضة شرعية وركن الاجتماع الإسلامي قبل أن تكون ضرورة بشرية وركن القوة السياسية،وقد سبقتنا أجيال في السير على طريق استرضاء الغرب بالتنازلات المستمرة فلم تنل غير الفشل الذريع والتراجع السريع في وقت كنا فيه في عداد الدول العظمى فكيف بنا اليوم ونحن في عداد الأموات موتاً سريرياً.

                  4-اعتراضات الغرب ليست قضاء لا مرد له
                  إن الوحدة ليست مستحيلة كما تثبت الكيانات الموحدة في التاريخ المعاصر، فقد كانت ألمانيا، الأصغر مساحة من العراق، منقسمة في زمن صلح وستفاليا (1648)، إلى ثلاثمائة دولة، ومع ذلك أصبحت دولة عظمى واحدة فيما بعد،وكون الدول الكبرى تقف اعتراضاً على وحدتنا لا يجعلها مستحيلة كما أثبتت تجربة الثورة البلشفية التي تمكنت من تحقيق الوحدة السوفييتية رغم التدخل المسلح للدول الكبرى،أما كونها لم تستمر فهذه مسئولية نظامها فيما بعد،المهم أن إرادة الجماهير يمكنها أن تحطم أية معارضة دولية تقف في وجه مصالحها الحقيقية.



                  مقاومة التغريب السياسي

                  ذكرت فيما سبق أن السلطان عبد الحميد استخدم المركزية التي جلبها التغريب في العمل على وقف التدخلات الغربية والحفاظ على سلامة أراضي الدولة وتحقيق الوحدة الإسلامية حول مركز الخلافة الإسلامية في مواجهة الاعتداءات الأوروبية،ولهذا استخدم فكرة الجامعة الإسلامية لمقاومة الانقسامات القومية والمذهبية في دولة تعج بالتنوع كالدولة العثمانية،وفيما يتعلق بالشعب العربي،تجمع المراجع التاريخية أن فكرة الانفصال القومي عن الدولة لم تولد إلا بعد عزل هذا السلطان الذي كانت سياسته الإسلامية قد كسبت ولاء الأغلبية الساحقة من سكان المنطقة العربية حتى حدوث الانقلاب عليه[104]،وينطبق هذا على الأكراد أيضا[105]الذين ثاروا على الحكم الكمالي بعد إلغاء الخلافة ورشحوا أحد أبناء السلطان عبد الحميد ليكون ملكاً على كردستان[106].


                  الآثار السلبية للتغريب السياسي: زوال المجال السياسي الموحد وأثره على احتمالات النهوض:
                  كان انهيار الحكم العثماني في بلادنا سنة 1918 أول زلزال كارثي يصيب مشرقنا في القرن العشرين كما يقول الدكتور وليد الخالدي، قارناً إياه بزلازل سنوات 1948 و 1967 و 1990 [107]، فقد أدى إلى هبوط مكانتنا السياسية الدولية من دولة عظمى، انتقلت في آخر أيامها وأسوأ حالاتها إلى مؤخرة الدول العظمى ولكنها ظلت بينهم تحاول جاهدة التخلص من مظاهر الضعف وتصارع الظروف لاكتساب أسباب القوة والمحافظة على استقلالها السياسي والاقتصادي والحضاري ومسايرة الزمن علمياً وتقنياً وصناعياً[108] لحماية نفسها، محكومة في ذلك بمنطق الدولة العظمى الذي يوجه النقد إليها لو تخلفت عن أقرانها الكبار[109]، فأصبحنا بعدها مجالاً مستباحاً للاحتلال والانتداب والحماية ثم الاستتباع دولاً صغيرة متحاسدة ومتفرقة ومتصارعة، تماماً كما أراد لورنس، أقصى أماني أحدها أن تكون وكيلاً إقليمياً عن دولة كبرى وحامياً لمصالحها، أما البقية فيكفي أحدها أن تعيش في ظل الحماية الغربية من أطماع جيرانها مقدمة إمكاناتها وثرواتها قرباناً لأطماع أعدائها كي يضمنوا أي شكل من بقائها، وأي تطلع نحو أكثر من هذا الدور لم ولن يكتب له النجاح لسبب بسيط هو عدم توفر مستلزمات الحضور الدولي الفاعل لدولنا القائمة على مساحات ذرية، كالعمق البشري والجغرافي والموارد الاقتصادية اللازمة لدعم القرار السياسي المطلوب لفرض الإرادة في مواجهة الدول الكبرى، فلا يخفى على أي ملاحظ أن الموارد المالية في وطن العرب في جهة، والموارد البشرية في جهة مختلفة، والإمكانات الزراعية في جهة ثالثة، والإمكانات العلمية منبوذة تبحث عن التفتح في جهات خارجية رابعة، والمواقع الحيوية لا تجد من يدافع عنها فيسوّق الغرب فكرة الفراغ الذي عليه أن يملأه.

                  ولأن الضعف سمة ملازمة لبنية هذه الدويلات المجهرية، فإنها حولت الإمكانات الهائلة التي هبطت عليها باكتشاف الثروات الطبيعية التي منحتها رأس المال، وبزيادة أعداد سكانها، إلى مصادر ضعف وتبعية، مع أن العهد العثماني كان يتوق إلى هذه الموارد وكان نقصها نتيجة المحددات الطبيعية آنذاك من أسباب الضعف الرئيسة فيه[110] وكانت الدولة في أشد الحاجة إليها في مجالها الأكثر ملاءمة لاستخدامها من المجال المجزأ الذي خلفها، فلما ظهرت عند دول التجزئة هذه الإمكانات الجديدة، التي تعد مصادر قوة في بلاد أخرى مستقلة، أصبح الجو غير ملائم لاستغلالها في أقطارنا المقسمة بعدما فقدنا المجال الجغرافي الواسع والموحد والمستقل الذي يتيح الفرصة للإفادة المثلى من موارده كافة، وأصبح العدد الكبير من البشر عبئاً نتيجة العجز عن الاستفادة منه في ظل قلة الموارد الاقتصادية لدول الاكتظاظ السكاني، وصارت الثروة الاقتصادية مصدر ضعف في مواجهة الأطماع الخارجية بها في ظل قلة الموارد البشرية والإمكانات الاستراتيجية لدول الوفرة المادية، أي أن هذه الموارد الحيوية لم تفدنا في دعم مكانتنا الحضارية بل كانت نقمة في ظل التشتت وسوء الإدارة والتدخل الأجنبي[111] وأدت إلى مزيد من التبعية بدل الاستقلال، وزيادة التخلف المقنّع بدل التنمية الحقيقية، وذلك نتيجة ما أسماه الدكتور نادر فرجاني منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي:هدر الإمكانية.
                  وقد دفعت المصالح الغربية في بلادنا دول الغرب إلى العمل على إنشاء الوطن اليهودي في عقر دارنا “وأزالت هزيمة العثمانيين آخر العقبات أمام هجرة اليهود وشرائهم للأراضي” كما يقول المؤرخ الأمريكي مايكل أورين[112]، وعد الدكتور وليد الخالدي انتقال السيادة على فلسطين من العثمانيين إلى بريطانيا “الحدث الفصل” في بناء الدولة اليهودية في الفترة الواقعة بين انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897 وقيام الكيان الصهيوني سنة 1948 [113]، ورحبت القيادات الجديدة التي خلفت العثمانيين في العالم العربي، سواء القيادات السياسية المجزأة، أوالقيادات الفكرية المتغربة، والمتحالفة جميعاً مع بريطانيا، رحبت بالتعاون مع الغرب لتحقيق الحلم الصهيوني مما زاد من أسباب التشرذم والاستنزاف والتبعية والضعف في بلادنا.
                  الخلاصة
                  لقد أدت الأفكار السياسية الغربية التي دخلت المجتمع الإسلامي إلى عدة ظواهر سلبية أثرت على استقلاله ووحدته وسلامة أراضيه،ومن هذه الأفكار فكرة الدولة المركزية التي تغولت في عهد الدولة القطرية إلى درجة غير مسبوقة في التاريخ الإسلامي، والانقسامات القومية التي تكاثرت فأصبحت انقسامات قُطرية والتي تكاثرت أيضا داخل الأقطار ذواتها لتصبح طائفية ومذهبية وجهوية وقبلية وحزبية فتم القضاء على الكيان الواحد الذي كان يجمع الشرق العربي الإسلامي كله لتواجه كياناته المحدثة أعداءها ضعيفة لأنها مشتتة ومنقسمة ومشرذمة ومتحاسدة ومتنابذة ومتنافسة على التعلق بالدول الكبرى التي تضمن بقاءها وتدافع عن وجودها الهزيل،ويلاحظ أن نتائج الفكر الغربي في بلادنا تختلف عن نتائجه في بلاد الغرب حيث لم تنتج هناك الفرقة والتشرذم بل بنت دولاً كبرى تمتد أراضيها على مساحات واسعة وتلم شعث شعوب مختلفة وتمتلك إمكانات ضخمة،ولا عجب في مثل هذه المفارقة لأن التغريب في بلادنا نشأ عن اتباع الأوامر الغربية وليس النموذج الغربي كما طبق في بلاد المنشأ،ولهذا كان من نتائج ذلك أيضاً تسرب الهجرات الأوروبية التي كانت تتخلص منها أوروبا إلى بلادنا ومنها الهجرة الصهيونية التي نبذ الغرب أصحابها وقذف بهم إلينا فتطورت الهجرة في عهد الانتداب والاستقلال إلى كيان صهيوني سلب فلسطين وهجر أهلها وتغلب على كل كيانات الاستقلال والتجزئة،والسؤال بعد كل هذه الآثار السلبية:فما هي فوائد الأفكار الدستورية والبرلمانية والديمقراطية والحقوقية وغيرها من الأفكار التي يمن بها الغرب علينا إذا كانت مقترنة بالتجزئة وما ترتب عليها من تبعية وضعف سياسي ونهب اقتصادي،وبالاحتلال وما نتج عنه من قتل وتهجير وسلب،وبكلمة مختصرة ما هي فوائد التغريب إذا لم ينتج لنا ما أنتجه لأصحابه؟

                  وقد قاوم الكيان الإسلامي الجامع عوامل الهدم واستخدم بعض أدوات التغريب كالدولة المركزية-المسلحة بفكرة الجامعة الإسلامية-ضد بعضها الآخر كعوامل الانقسام والتشتت وتمكن من الصمود في وجهها عقوداً[114]، لولا أن تسربت أفكار الانقسام الغربية إلى مركز الدولة في عهد جمعية الاتحاد والترقي،ومن المفارقات أن هذا التسرب الانقسامي حدث فيما يفترض أنه رد من متغربي الجمعية على الهجمة الغربية على نموذج الحكم الدستوري البرلماني الغربي في الدولة العثمانية،أما في عهود الاستقلال والتجزئة-بشكل عام-فلم تعد مقاومة التمدد الغربي أو الوحدة أو حماية الأرض والعرض أو تحقيق التنمية المستقلة وغيرها من الأهداف الحيوية-للحكم والأمة فيما مضى وللأمة وحدها اليوم-تحظى بالقدرة ولا بالرغبة الرسمية للسير في طريقها،واتخذت مركزية الدولة منحى جديداً،فبدلا من استخدامها في سياسة مستمدة من هوية الأمة وتعمل لصالح مجموعها،وتحظى بقبول عامتها كما حدث في الزمن الحميدي[115]،أصبحت المركزية سيفاً يسلطه حلفاء الغرب لتنفيذ برامجه المتناقضة مع صالح الأمة رغم رفضها وممانعتها مما أدى لزيادة الهوة بين الحاكم المتغرب-سياسياً أو حضارياً أو كلاهما-والمنفصل فكرياً وشعورياً عن شعبه،والأمة المتمسكة بشخصيتها وهويتها في مواجهة العدوان الغربي المستمر،وزيادة ارتماء هذا الحاكم في الأحضان الغربية الحامية له من شعبه الذي لم يعد راغباً في زعامته لأنه لا يراه ممثلاً لتطلعاته وآماله،وهناك أمثلة عديدة في التاريخ المعاصر ينطبق عليها هذا الوصف،بل لعلها أكثرية النماذج التي حكمت بلادنا.

                  ……(يتبع)



                  الهوامش
                  ________________________________________
                  [1] -Charles Issawi, An Economic History of the Middle East and North Africa, Routledge, London, 2010, pp. xii-xiii.
                  [2] -دونالد كواترت،الدولة العثمانية 1700-1922،مكتبة العبيكان،الرياض،2004،ترجمة:أيمن أرمنازي،ص173 و178 و198 و88 و82 و83.
                  [3] -لوتسكي،تاريخ الأقطار العربية الحديث،دار الفارابي،بيروت،2007،ص29.
                  [4]-زين نور الدين زين،نشوء القومية العربية: مع دراسة تاريخية في العلاقات العربية التركية،دار النهار للنشر،بيروت،1979،ص33-34.
                  [5] -الدكتور محمد أنيس،الدولة العثمانية والشرق العربي 1514-1914،مكتبة الأنجلو المصرية،القاهرة،1993،ص142-143.
                  [6] -Resat Kasaba, The Ottoman Empire and The World Economy: The Nineteenth Century, State University of New York, Albany, 1988, p.64.
                  [7] -مجموعة من المستشرقين،دائرة المعارف الإسلامية،دار الشعب،القاهرة،1969،ج10ص81.وأيضا:
                  -ز.ي.هرشلاغ،مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط،دار الحقيقة،بيروت،1973،ص50.
                  [8] -كتاب عصر السلطان عبد الحميد وأثره في الأقطار العربية 1876-1909،المكتبة الهاشمية،دمشق،ص401.
                  [9] -زين نور الدين زين،ص82. وأيضا:
                  - عادل مناع،تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918:قراءة جديدة،مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت،1999،ص 216.
                  [10] -عادل مناع،ص199. وأيضا:
                  -Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, History of the Ottoman Empire and Modern Turkey, Cambridge University Press, 2002, Vol. 2, p. 243.
                  وأيضا:
                  -Jonathan S. McMurray, Distant Ties: Germany, the Ottoman Empire, and the Construction of the Baghdad Railway, Praeger, London, 2001, p. 58.
                  [11] -دائرة المعارف الإسلامية،ج2ص201.
                  [12] -زين نور الدين زين،ص82-83.
                  [13] -جورج أنطونيوس،يقظة العرب:تاريخ حركة العرب القومية،دار العلم للملايين،بيروت،1978،ترجمة:الدكتور ناصر الدين الأسد والدكتور إحسان عباس،ص182.
                  [14] -زين نور الدين زين،ص84.
                  [15] -قيس جواد العزاوي،الدولة العثمانية:قراءة جديدة لعوامل الانحطاط،الدار العربية للعلوم،بيروت،ومركز دراسات الإسلام والعالم،فلوريدا،1994،ص127-134.
                  [16] -خليل إينالجيك ودونالد كواترت(تحرير)،التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية،دار المدار الإسلامي،بيروت،2007،ترجمة:د.قاسم عبده قاسم،ص492.
                  [17]-Resat Kasaba, p. 56.
                  [18]-ج.ج.لوريمر،دليل الخليج:القسم التاريخي،قسم الترجمة بمكتب أمير قطر،الدوحة،ج4ص2123.
                  [19]-محمد كرد علي،خطط الشام،مكتبة ابن تيمية،القاهرة،2007،ج3ص98-99.
                  [20]-الدكتور محمد حرب(تقديم وترجمة)،مذكرات السلطان عبد الحميد،دار القلم،دمشق،1991،ص102-103 و111.
                  [21]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ص493.
                  [22]-أحمد صلاح الملا،جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة:رشيد رضا ومجلة المنار1898-1935،دار الكتب والوثائق القومية،القاهرة،2008،ص20.
                  [23] -زين نور الدين زين،ص195 هامش رقم12.
                  [24]-مصطفى كامل باشا،المسئلة الشرقية،مطبعة اللواء،القاهرة،1909،ج1ص27-28.
                  [25] -محمد أديب آل تقي الدين الحصني،كتاب منتخب التواريخ لدمشق،دار البيروتي،1979،ج1ص328.
                  (*)يتهم السلطان عبد الحميد في مذكراته جمال الدين الأفغاني بالتورط في التخطيط لهذا المشروع البريطاني بقوله:”وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنجليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنجليزي يدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الأتراك.واقترحا على الإنجليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين” ص148،وقد توقف بعض الباحثين حائرين أمام هذا التصريح دون اتخاذ موقف،ولكننا لو قمنا بتفكيك هذا الخطاب لوجدنا أن جميع ما فيه من معلومات يمكن إثباتها من مصادر أخرى،فعلاقة الأفغاني بويلفرد بلنت مشهورة منذ البداية فقد كان بلنت يدعم مجلة العروة الوثقى مالياً “آملاً في تحول القائمين عليها من موقف معاداة السياسة البريطانية” ويذكر في رسالة إلى الشيخ محمد عبده:”لأنني أرى في صداقة إنجلترا خير أمل للمسلمين”(النفزاوي ص226)،كما أن الأفغاني يثني على بلنت في العروة الوثقى بصفته مشهوراً “بمحبة المسلمين والمدافعة عن المصريين”(السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني،الآثار الكاملة،مكتبة الشروق الدولية،القاهرة،2002،ج1 العروة الوثقى ص303)،أما الأهم من ذلك وهو علاقة بلنت بالخارجية البريطانية فموثقة في مؤلفه (التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر،مكتبة الآداب،القاهرة،2008)الذي يذكر فيه تكليفه بالقيام بمهمة رسمية في مصر لصالح وزارة الخارجية(ص90 و142)،كما كان “وسيطاً في المفاوضات التي دارت بين السير أوكلند وعرابي” ومهمات أخرى لصالح بريطانيا نقلها تيودور رتشتين عن كتاب بلنت آنف الذكر في كتابه الذي قدم له بلنت شخصياً(تاريخ المسألة المصرية،لجنة التأليف والترجمة والنشر،القاهرة،1950،ص145 و204)،أما الدعوة للخلافة العربية فقد كانت في صلب كتاب بلنت “مستقبل الإسلام” الذي صدر سنة 1881 بتأثير من الشيخ محمد عبده تلميذ الأفغاني المخلص في ذلك الزمن(النفزاوي،ص225)،أما الأفغاني نفسه فقد”رشح القاهرة أن تكون عاصمة للخلافة الإسلامية،فقال بعد أن عدد مزايا مصر:إن عاصمتها(القاهرة)لا بد أن تصير في وقت قريب أو بعيد كرسي مدينة لأعظم الممالك الشرقية،بل ربما كان ذلك أمراً مقرراً في أنفس جيرانها من سكان البلاد المتاخمة لها،وهو أملهم الفريد كلما ألمّ خطب أو عرض خطر”(أحمد الشقيري،الأعمال الكاملة،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،2006،المجلد الثالث:الكتب والدراسات القومية/1،ص2641 نقلا عن جمال الدين الأفغاني:الأعمال الكاملة،ص50،74 و466)ومما هو معروف أن القاهرة كانت إحدى محطات دعوة الخلافة العربية(نفس المرجع) رغم أن الخديو ليس عربيا(!)
                  وقد استمرت ظاهرة الإنسانية البريطانية التي مثلها بلنت والتي تخدم في المحصلة الأهداف السياسية الاستعمارية،وقال فيها الأستاذ أحمد الشقيري وكأنه يتحدث عن بلنت بدقة:”وكان عدد من الشخصيات البريطانية،في الوطن العربي،التي “تتعاطف” مع القضية العربية،وتبدي “أسفها” لما حل بالشعب الفلسطيني “وندمها” على صدور وعد بلفور وما خلف من مآس وكوارث.وكانت هذه الشخصيات دائمة الالتصاق بالشخصيات العربية الرسمية،تحثها على الدوام أن تكون مواقفها السياسية هادئة ومرنة وإيجابية،وأنه يجب مخاطبة الرأي العام الدولي باللغة الدبلوماسية العاقلة الرشيدة،تماماً كما يجري هذه الأيام مع”أصدقائنا” الأمريكان،واستجابتنا لنصائحهم بأن تكون سياستنا عاقلة وهادئة،وبذلك تتحقق مطالبنا المعروفة”(نفس المرجع،المجلد الرابع:الكتب والدراسات القومية/2،ص3145)،فهل من عبرة بعد حصاد الهشيم؟
                  [26] -كتاب مصطفى كامل باشا في 34 ربيعا،مطبعة اللواء،القاهرة،1910،ج9ص200.
                  [27] – الدكتور محمد محمد حسين،الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر،مكتبة الآداب،القاهرة،ج1ص205-209.
                  [28] -نفس المرجع،ج1ص95و125.
                  [29] -زين نور الدين زين،ص66-67.
                  [30] -سعد محيو،مأزق الحداثة من احتلال مصر إلى احتلال العراق،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،2010،ص97.
                  [31] -الدكتور محمد أنيس،ص265.
                  [32] -دكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد،البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى،مكتبة العبيكان،الرياض،1994،ص177.
                  [33] -د.محمد الناصر النفزاوي،التيارات الفكرية السياسية في السلطنة العثمانية 1839-1918،دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع،صفاقس،وكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية،تونس،2001،ص291.
                  [34]-نجيب عازوري،يقظة الأمة العربية،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت،ترجمة:د.أحمد بوملحم،ص115.
                  [35] -عادل مناع،ص247.
                  [36] -Bernard Lewis, The Emergence of Modern Turkey, Oxford University Press, 2002, pp. 125-126.
                  [37] -عادل مناع،ص197.
                  [38] -زين نور الدين زين،ص27.
                  [39] -الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور،ابن عابدين وأثره في الفقه الإسلامي:دراسة مقارنة بالقانون،دار البشائر،دمشق،2006،ج2ص666و933,
                  [40] -الشيخ محمد زاهد الكوثري،مقالات الكوثري،المكتبة الأزهرية للتراث،القاهرة،1994،ص198. وأيضا:
                  -خاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين،رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار،دار الكتب العلمية،بيروت،2003،ج10 كتاب الأشربة ص43.
                  (**)جاء في صحيفة الوطن الكويتية في عدد يوم 12 نوفمبر 2007 في الصفحة رقم 21 العنوان التالي:”الأوقاف أطلعت سفارتي بريطانيا وأمريكا على نهجها في نشر الوسطية”،وتكرر الحدث مرة أخرى في 30 إبريل 2008 الصفحة رقم 10 من الصحيفة ذاتها ولكن مع الجانب الأمريكي والجانب الألماني هذه المرة مع تقديم الشكر للأمريكيين لدعمهم المشروع الوسطي.
                  [41] -الشيخ محمد زاهد الكوثري،ص198-199.
                  [42] -الأمير شكيب أرسلان،تاريخ الدولة العثمانية،دار ابن كثير،دمشق وبيروت،ودار التربية،دمشق وبيروت،2001،ص337.
                  [43]-كامل البالي الحلبي،كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب،دار القلم العربي،حلب،1993،ج3ص389.
                  [44]-صحيح البخاري،دار إحياء التراث العربي،بيروت،ج6ص175كتاب التفسير/ سورة والنجم.
                  [45] -كامل البالي الحلبي،ج3ص390.
                  [46] -Shaw & Shaw, pp. 251-252.
                  [47] -روجر أوين،الشرق الأوسط في الإقتصاد العالمي 1800-1914،مؤسسة الأبحاث العربية،بيروت،1990،ترجمة:سامي الرزاز،ص112. وأيضا:
                  -عادل مناع،ص331 هامش رقم 32.
                  [48] -محمد حرب(تقديم وترجمة)،مذكرات السلطان عبد الحميد،دار القلم،دمشق،1991،ص168.
                  [49] -محمد مصطفى الهلالي،السلطان عبد الحميد الثاني بين الإنصاف والجحود،دار الفكر،دمشق،2004،ص153.
                  [50] -دائرة المعارف الإسلامية،ج2ص199.
                  [51] -موقع مؤسسة فلسطين للثقافة/وثائق/ترجمة حرفية لوثيقة عثمانية تحكي على لسان ثلاثة مخبرين للدولة العثمانية تفاصيل تواطؤ بعض المسئولين الأتراك في فلسطين عام 1890 في بيع أراضي تمتد بين حيفا ويافا للمستوطنين اليهود.
                  http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOF o92b21m%2bfG1DBlB9XEqGdrE7NZgHCq79p%2b1s8aegT%2fl1 h%2fLXxeHcg6DwZHjv39mkBvGObSWSuCrjjyt%2bf%2fMsJKGD YIjsegceasnDaqQnPR68%3d
                  [52] -موقع مؤسسة فلسطين للثقافة/وثائق/مهاجر بوسني إلى فلسطين يحذر من الحراك الصهيوني قبل النكبة
                  http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOF oKTRVSsoOMIsmemCzpWg7oVlaTvh8g%2ftVFBh6po2Ha0fuFss 6yudYyL1WauEnb1RTGJQ1mNi80AtcF1v0CvHBZeOOh0FrRs5Wo gf0%2bmgDWQI%3d
                  [53] -السلطان عبد الحميد الثاني،مذكراتي السياسية،مؤسسة الرسالة،بيروت،1979،ص43 و50 و81 و134 و140.
                  [54] -مذكرات السلطان عبد الحميد،ص159.
                  [55] -كامل البالي الحلبي،ج3ص382.
                  [56] -Resat Kasaba, p. 115.
                  [57] -الدكتور محمد محمد حسين،ج2ص66 و77.
                  [58] -دونالد كواترت،ص16.
                  [59] -عوني الجيوسي،انتحار المفارقة ومصرع السخرية:هل صمم مارك سايكس علم العرب؟،صحيفة القدس العربي25/11/2006.
                  [60] -برهان غليون،نقد السياسة:الدولة والدين،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء وبيروت،2004،ص206-212.
                  [61] -دائرة المعارف الإسلامية،ج2ص199.
                  [62] -سعد محيو،ص77.
                  [63] -لوتسكي،ص203-204.
                  -يوجين روجان، العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2011، ترجمة: محمد إبراهيم الجندي، ص 158.
                  [64] -تيودور رتشتين،تاريخ المسألة المصرية 1875-1910،لجنة التأليف والترجمة والنشر،القاهرة،1950،ترجمة:عبد الحميد العبادي ومحمد بدران،ص6.
                  [65] -الدكتور محمد أنيس،ص225.
                  [66]-نائلة الوعري،دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين1840-1914،دار الشروق للنشر والتوزيع،عمّان ورام الله،2007،ص34.
                  [67] -لوتسكي،ص171.
                  [68] -نفس المرجع،ص407-410.
                  [69] -نفس المرجع،ص411.وأيضا:
                  -الدكتور محمد محمد حسين،ج2ص6-7.
                  [70]-دكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد،ص152.
                  [71]-صحيفة الوطن الكويتية،17/2/2008،ص26.
                  [72] -Charles Issawi, p. 80.
                  [73] -روجر أوين،اللورد كرومر الإمبريالي والحاكم الاستعماري،المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة،2005،ترجمة:رءوف عباس،ص144و442.
                  [74]-Shaw & Shaw, Vol. 2, p. 273.
                  [75] -مذكرات السلطان عبد الحميد،ص80-81 و131 و144-145 و182.
                  [76] -Marvin Lowenthal(ed), the diaries of Theodor Herzel, The Universal Library, New York, 1962, p. 152.
                  [77] -مذكرات السلطان عبد الحميد،ص197.
                  [78]-محمد أديب آل تقي الدين الحصني،ج1ص284.
                  [79] -سعد محيو،ص92.
                  [80] -كامل زهيري،في الفكر الصهيوني المعاصر،مجلة الهلال،مايو 1968،عدد خاص عن فلسطين،ص27-28.
                  (***) يفصل الدكتور مجيد خدوري هذه الآراء والممارسات العربية في كتابه عرب معاصرون: أدوار القادة في السياسة،الدار المتحدة للنشر،بيروت، 1972،ص73-77 (نوري السعيد) و111-112 (جمال عبد الناصر) و223 (الحبيب بورقيبة) و324-325 و331-332 و336-339 (أحمد لطفي السيد) و355 و358 و368 (محمد حسين هيكل) و383 (ميشيل عفلق).
                  وعن آراء اللورد كرومر حاكم مصر البريطاني (1883-1907)ومسئولين استعماريين آخرين في الشعب المصري والديمقراطية والمثقفين المتأوربين والمقاومة الوطنية يمكن مراجعة: بيتر مانسفيلد، تاريخ الشرق الأوسط، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ترجمة: أدهم مطر، ص 157-176.
                  وعن رأي الرئيس جمال عبد الناصر في الديمقراطية والمشاركة في الحكم بالإضافة إلى ممارسته الحكم الفردي وأجهزة التجسس (التي هزأت ب”جورنالجية” السلطان عبد الحميد عند المقارنة بالعقوبات المترتبة على الوشايات في الحالتين) يمكن مراجعة: عبادة كحيلة (تحرير)، رءوف عباس: صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، ص 366-373 (مقال:هكذا تكلم خالد محي الدين).
                  وعن مصطفى كمال أتاتورك: د. تهاني شوقي عبد الرحمن،نشأة دولة تركيا الحديثة 1918-1938،دار العالم العربي،القاهرة،2011،ص284.
                  [81] -أكمل الدين إحسان أوغلي(إشراف وتقديم)،الدولة العثمانية تاريخ وحضارة،مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية،استانبول،1999،ترجمة:صالح سعداوي،ج1ص115،دراسة الدكتور كمال بكديللي،الدولة العثمانية من معاهدة قينارجة الصغرى حتى الانهيار.
                  [82] -Shaw & Shaw, Vol. 2, p. 255.
                  [83] -روجر أوين،2005،ص475.وأيضا:
                  -ز.ي.هرشلاغ،ص154.
                  [84] -سحر الهنيدي،التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي:فترة هربرت صامويل 1920-1925،مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت،2003،ص155.
                  [85] -نفس المرجع،ص256.
                  [86] -يمكن الحصول على تفصيلات عن الإنفاق السنوي البريطاني على بند التعليم وغيره من البنود من هذا الموقع http://www.ukpublicspending.co.uk/.
                  [87] -الدكتور عمر جميل نشوان،التعليم في فلسطين منذ العهد العثماني وحتى السلطة الوطنية الفلسطينية،دار الفرقان للنشر والتوزيع،عمّان،2004،ص60.
                  [88] -عادل مناع،ص226-227.
                  [89] -سحر الهنيدي،ص160-161.
                  [90] -نفس المرجع،ص213.
                  [91] – Robert Aldrich(ed), The Age of Empires, Thames & Hudson, London, 2007, p. 39.
                  [92] -دونالد كواترت،ص324.
                  [93] -زين نور الدين زين،ص218 هامش رقم16.
                  [94]-Shaw & Shaw, Vol. 2, pp. 276-277.
                  [95] -نيقولاي إيفانوف،الفتح العثماني للأقطار العربية 1516-1574،دار الفارابي،2004،ترجمة:يوسف عطا الله،ص52.
                  [96] -محمد أديب آل تقي الدين الحصني،ج1ص239.
                  [97] -أحمد الشقيري،المجلد الثالث:الكتب والدراسات القومية/1،ص2531.
                  [98] -Jonathan S. McMurray, pp. 112-113.
                  [99]-زين نور الدين زين،ص125-126.
                  (****)جمع المؤلف التالي أوراق لورنس السرية:
                  Phillip Knightley and Colin Simpson, The Secret Lives of Lawrence of Arabia, McGraw-Hill Company, New York, 1969.
                  والنصوص المستشهد بها من الصفحات التالية:60-61 و 70-71 و 66 على التوالي.
                  وقد قام الأستاذ زهدي الفاتح بترجمة بعض النصوص المهمة من المرجع السابق في كتابه: لورنس العرب على خطى هرتزل: تقارير لورنس السرية، دار النفائس، بيروت، 1971.
                  [100] -د. جيرمي سولت،تفتيت الشرق الأوسط:تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي،دار النفائس،دمشق،2011،ترجمة:د. نبيل صبحي الطويل، ص97.
                  (*****)Morris Jastrow, The War and the Bagdad Railway, BiblioLife, Charleston, South Carolina, 2010, p. 118.
                  وهو مؤلف صدر أولاً سنة 1917 ثم أعيد طبعه سنة 1918 في الولايات المتحدة وذلك أثناء الحرب الكبرى الأولى.
                  [101] -د. تهاني شوقي عبد الرحمن،نشأة دولة تركيا الحديثة 1918-1938،دار العالم العربي،القاهرة،2011،ص 190.
                  [102] -ز.ي.هرشلاغ،ص300.
                  [103] -د. تهاني شوقي عبد الرحمن،ص174،نقلا عن حلمي أحمد عبد العال شلبي،إنهاء الخلافة العثمانية،رسالة ماجستير جامعة عين شمس،أكتوبر1977،ص207.
                  [104]-عادل مناع،ص246.
                  [105] -د. عبد الرءوف سنو،النزعات الكيانية الإسلامية في الدولة العثمانية 1877-1881،بيسان للنشر والتوزيع،بيروت،1998،ص128.
                  [106] -ديفيد مكدول،تاريخ الأكراد الحديث،دار الفارابي،بيروت،2004،ترجمة:راج آل محمد،ص305.
                  [107] -وليد الخالدي، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية والنادي الثقافي العربي، بيروت، 2009، ص255-256.
                  [108] -أكمل الدين إحسان أوغلى(إشراف)، الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999، ترجمة:صالح سعداوي، ص736-741.وأيضا:
                  -Jonathan S. McMurray, p. 123.
                  [109] -روجر آلن (تحرير)، إبراهيم المويلحي:الأعمال الكاملة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص29.وأيضا:
                  -أكمل الدين إحسان أوغلى، ج1ص429.
                  [110] -دونالد كواترت، ص238.
                  [111] -الياس توما، التطورات الاقتصادية والسياسية في الوطن العربي منذ سنة 1950، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، 1987، ترجمة:عبد الوهاب الأمين، ص63و260.
                  [112] -مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال: أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم، كلمة، أبوظبي، وكلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، 2008، ترجمة: آسر حطيبة، ص409.
                  [113] -وليد الخالدي، ص288.
                  [114] – عادل مناع،ص212
                  [115] – الدكتور عبد العزيز محمد عوض،بحوث في تاريخ العرب الحديث 1514-1914،مكتبة المحتسب،عمّان،1983،ص90-91.


                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #54

                    عبد الحميد.. رجل القفازات البيضاء!



                    الصورة التي أمامنا بالأبيض والأسود عندما كان السلطان عبد الحميد الثاني أميراً، التقطت في منتصف عام 1876 بعد ارتقاء أخيه الكبير السلطان مراد الخامس العرش، وتمت طباعتها من قبل استوديو W.&D. Downey في لندن.
                    على رأسه طربوش “عزيزي”، كتافيته بادية على كتفيه، يجلس على أريكةٍ مرصعةٍ بالصدف، كأنه واقفُ على شوكة!، وسيفه الفولاذي، الذي استلّه بشراسة في خلال بضع سنوات، بين ساقيه؛ يقف بهدوءٍ ووقارٍ، وربما العرش خلفه ينتظره…
                    جسور كما يبدو، نظراته العميقة تتخلّل قلوب الناظرين.
                    ومن المعروف ان الشاهزادات العثمانيون لا يعفون لحاهم وفق تقاليد القصر. وشارباه مفتولتان على “الطراز العثماني”، يبدو أنه سيخرج في سفرٍ طويلً.
                    يتسرب الهدوء قبل العاصفة من كل جانب من جوانب الصورة.
                    انظروا، لقد خلع أميرنا قفاز يده اليمنى، فقد قال مكيافيلي “لا يمكن العمل في السياسة بالقفازات البيضاء”، وعناداً منه؛ فضل اللون الأبيض في جميع قفازاته، ووجدوا خزانةً مليئة بالقفازات البيضاء في قصره بعد إرساله الى سالونيك، وهكذا فضل البياض في سياسته ودبلوماسيته.
                    ومن الغريب أنه لا زال هناك من يصرون على وصفه “بالسلطان الأحمر”؛ على الرغم من أنه لم يصادق على إعدام سياسيٍ واحد. يا للأسف…
                    وأقول: إن كان هناك شخصُ ما زال يحافظ على قفازاته وهي بيضاء؛ فليرم عبد الحميد بحجر!
                    فليرم!


                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #55

                      الشيخ صالح الشريف التونسي…مستشارا في وزارة الحربية العثمانية




                      في تاريخ تونس شخصيات سامقة كلما رنّ ذكرها انبعث طنينها عاليا ليبلغ الآفاق، لها فضل عظيم على وطنها. فهؤلاء الأعلام سفراء الوطن كلما ذُكروا ذُكر معهم بلدهم وموطنُهم. لذلك ترى الشّعوب الحية حريصة على أن تُعرّف بهؤلاء الرجال الأعلام الذين خُلّدوا في تاريخها لتجعل من أصداء أسمائهم حقائق حيّة لمعان عظيمة بهدف أن تبقى تلك المعاني حيّة على الدّوام. وفي تاريخ تونس أسماء لعلماء ومفكرين وسياسيين أقاموا في اسطنبول لأسباب مختلفة، إما لبعض الوقت أو لمدد طويلة. وقد تركوا آثارهم في هذه المدينة أو تركت هذه المدينة آثارها فيهم.
                      ومن بين هؤلاء العالم الشّيخ صالح الشريف التونسي. ينحدر الشيخ صالح الشريف من النسب الإدريسي الحسني، وانتقلت عائلته من منطقة بجاية بشمال البلاد الجزائرية إلى تونس أثناء النصف الأول من القرن التاسع عشر. وفي عام 1840م كان جدّه الشيخ محمد العربي الشّريف أحد الخمس عشر عالما من المالكية الذين اختارهم المشير أحمد باشا في سلك التدريس الرسمي بجامع الزيتونة الأعظم. وكان والده الشيخ محمد المختار من أفاضل الفقهاء في تونس.
                      وقد ولد الشيخ صالح الشّريف في حدود سنة 1869م، ودرس بجامع الزيتونة على يد ثلّة من كبار العلماء من بينهم العلامة عمر بن الشيخ وشيخ الإسلام سالم بوحاجب والشيخ حسين بن حسين والعلامة الكبير محمد النجار وشيخ الإسلام محمد بن يوسف.
                      وفي سنة 1304 حصل على شهادة التطويع وانتصب للتّدريس بإشارة من شيخه عمر بن الشيخ ورعايته وإشرافه. وكانت دروسه فياضة غزيرة كثيرة في جامع الزيتونة وغيره من المساجد والزوايا بتونس، حتى زاد عدد الدّروس التي يُلقيها يوميّا على السبعة، وكان خطيبا مفوها بليغ الأثر في النفوس ومدرسا حاذقًا.
                      وفي سنة1898م شارك في لجنة إصلاح التعليم بجامع الزيتونة الأعظم برئاسة الشيخ محمد العزيز بوعتور، فكان سيفا مسلّطا على مُحاولي الإخلال باستقلال كيان الجامعة الزيتونية، مما جعل مدار تلك اللجنة عليه ونجاحُها في فصل الحياة الجامعية عن كل تبعيّة إداريّة راجعًا إليه.
                      وكان تعلقه شديدًا بالجامعة الإسلامية التي أنشأها السّلطان عبد الحميد الثاني والتي تهدف إلى إحياء روح التعاون والتضامن على أسس إسلامية بعيدًا عن كل نعرات قومية أو طائفية، كما كان وثيق الصّلة بالخلافة العثمانية، فبدأت فكرة الرّحلة الشرقية تحوم حول فكره حتى استقرت ورسخت. فبدأ في توثيق الارتباط التّونسي العثماني متعاونا في ذلك مع محمد البشير صفر ومع الأحرار من الأتراك المهاجرين الذين كانوا يمثلون شق أنصار الجامعة الإسلامية من حزب الاتّحاد والترقي، وهو الشقّ الذي كان يتزعمه أنور باشا. وبدأ في تعلم اللّغة التركية في دروس كان عمل على إعدادها لهذا الغرض بمدرسة الجمعية الخلدونية، وأحكم علاقاته في الشّرق بواسطة المتعاونين معه من أركان النهضة السّياسية في تركيا.
                      وفي سنة1906 م خرج من البلاد التونسية قاصدًا الشرق بنيّة الحج مع فكرة راسخة في الاستقرار النهائي بالشرق، فقصد اسطنبول دار الخلافة العثمانية. ووجد سمعته الطيّبة وشهرة علمه قد سبقته إليها فلقي عناية كبيرة من رجال الاتّحاد والترقي. وكانت نار الفتنة والانقسام بين العرب والأتراك قد بدأت في الظهور فعمل بكل جهده على إخمادها. وحج سنة 1907م فصب جهوده من أجل الالتفاف حول الخلافة . ثم استقر بمدينة دمشق فعَلاَ مقامُه وطار صِيته، واشتهرت دعوته الإسلامية فأدخلته في خصومات مع أنصار فكرة الخلافة العربيّة، وكانت أشد خلافاته في ذلك مع صاحب مجلة المنار محمد رشيد رضا.
                      وفي عام 1909م عاد إلى اسطنبول فعُيّن ملحقا بدائرة مشيخة الإسلام، وكانت له في ذلك آثار ملموسة في العمل لجلب كثير من الرجال في العالم الإسلامي إلى دائرة الخلافة بواسطة الرّباط الديني المحض. ولما نشبت الحرب التّركية الإيطالية بسبب عدوان إيطاليا على ليبيا سنة 1911م سافر الشيخ صالح الشريف إلى طرابلس فكان مجاهدًا واعظا، وعمل بنفسه على ردّ الغارة الإيطالية، وبعلمه وبيانه في جمع الكلمة وقتل الفتنة، حتى اخترق خطوط النّار مرات في سبيل الإصلاح بين العناصر الإسلامية المشتركة في تلك الحرب. وقد شهد الضباط الأتراك في مذكراتهم أنه كان أول من دخل إلى طرابلس الليبية عبر برقة.
                      وقويت صلاته بسبب ذلك بالقائد التركي أنور باشا فأبلى معه البلاء الحسن في الحرب البلقانية، وتزعم رحمه الله المظاهرة التي قامت عند الباب العالي، مقر الحكومة العثمانية ضد حكومة كامل باشا لما عزمت على تسليم أدرنة لبلغاريا. ثمّ لمّا تكونت حكومة الاتحاد والترقي برئاسة طلعت بك، وكان أنور باشا وزير حرب فيها سُمي الشّيخ صالح الشريف مستشارا بوزارة الحربية.
                      ونشبت الحرب العالمية الأولى في سنة 1914م وهو في وظيفته تلك فكان في أثنائها سفيرا مفوضا على رأس بعثة مدنية عسكرية لإصلاح ذات البين في الخلاف الذي نشب سنة 1915م بين آل سعود بنجد وإمارة آل الرشيد في حائل، ولكنه لم يستطع الاتصال بالملك عبد العزيز آل سعود بالرغم من كونه كان يحمل تفويضا من الحكومة العثمانية.
                      وفي سنة 1915 م انتقل إلى ألمانيا رفقة الشاعر التركي الكبير محمد عاكف أرْصُـوي (1873-1936م)، وقام بنشاط كبير في سبيل القضية الجزائرية التونسية، والتقى المسئولين الألمان، وعلى رأسهم قيصر ألمانيا بهدف إطلاق سراح المساجين المسلمين في السّجون الألمانية ونصرة القضية التونسية الجزائريّة. وفي ألمانيا أصدر الشيخ صالح الشريــف رفــقة الشيــخ الخضــر الحسين مجــلة “الجهاد” وأسس “لجنة استقــلال تونس- -الجزائر”. ويذكر الباحث التركي قادر كُــون في مقال له في إحدى الموسوعات التركية بعنوان “رحلة محمد عاكف أرصوي إلى ألمانيا في ضوء وثائق جديدة” تفاصيل الرحلة التي قادت الشاعر التركي أرصوي إلى ألمانيا برفقة الشيخ صالح الشريف، ويبين أنه عثر على وثائق كثيرة تتعلق بالشيخ صالح الشّريف التونسي في الأرشيف الألماني.
                      وعند حدوث الاضطرابات بتركيا في نهاية الحرب العالمية الأولى انتقل الشيخ صالح الشريف إلى سويسرا، وأقام بمدينة لوزان رفقة عدد من اللاجئين السّياسيين أهمهم شكيب أرسلان، إلى أن توفي رحمه الله في عام 1920 م، ووصل نعيه إلى تونس بواسطة برقية إلى عائلته من سفير تركيا ببـُـرن، ثم نقل جثمانه إلى البلاد التونسية بعد ستة أشهر، وتم دفنه في مقبـــرة الزلاج.
                      ______________________
                      المصدر صحيفة الضمير التونسية



                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #56
                        نائبة السلطنة ماه بيكر كوسيم



                        التاريخ الإسلامي على امتداد عصوره بظهور العديد من الشخصيات النسائية البارزة التي تركت بصمات واضحة في سياسات الدول ومصير الأمم، كـ «ست الملك في عصر الدولة الفاطمية و«صبح» في الأندلس و«شجرة» الدر في مصر أواخر الدولة الأيوبية وبداية الدولة المملوكية، وسواء كان دور تلك النسوة سلبيا أو إيجابيا في ميزان التاريخ إلا أنهن تركن أسماءهن خالدة في ذاكرته.
                        كما أن التاريخ العثماني امتداد في عصوره للتاريخ الإسلامي فإن ظاهرة بروز سيطرة العنصر النسائي فيه أمر طبيعي، فقد برزت في العصر العثماني شخصيات نسائية مؤثرة جدا في إدارة سياسة الدولة وعلى رأسها شخصية «خرم سلطان» «روكسلانه» «ت1558م» تلك الجارية الأوكرانية التي لعبت دورا قاسيا في سبيل الوصول إلى التدخل في شؤون الحكم والاستحواذ على قلب السلطان سليمان القانوني ومن ثم العمل على إيصال ابنها سليم للحكم وإن تطلب ذلك سفك الدماء، فكان من ضحايا مؤامراتها الأمير مصطفى أكبر أولاد السلطان وولي عهده ثم الوزير القدير مقبول إبراهيم باشا صهر السلطان وصديقه ليحل محله رستم باشا الكرواتي زوج ابنتها.

                        وبعد وفاة «خرم سلطان» بنصف قرن تخرج لنا شخصية نسائية لا تقل خطورة وتأثيرا عن شخصية «خرم سلطان» وهي «ماه بيكر كوسيم خانم» والدة سلطان كما عرفت في المصادر العثمانية، والتي كان تأثيرها أشد وأكثر ضررا على الدولة من سابقتها «خرم سلطان» حيث إنها كانت تحتل منصب والدة سلطان الذي يعتبر حسب البروتوكول العثماني المنصب الذي يلي السلطان مباشرة.
                        ولدت «كوسيم» خانم في إحدى القرى البلقانية بحدود العام 1590م وتنتمي لأسرة يونانية ولأب كان يعمل قسيسا، ولا يُعرف شيء عن حياتها ولا عن اسمها قبل وقوعها وهي صغيرة سبية في قبضة الجنود العثمانيين ومن ثم أرسلها والي البوسنة هدية من ضمن الهدايا المرسلة للسلطان العثماني الجديد أحمد الأول «1603-1617» وهي لاتزال في الثالثة عشرة من عمرها، حيث ألحقت من ضمن جواري السيدة الوالدة «خندان» والدة السلطان أحمد الأول، وفي قصر طوب قابي اعتنقت «كوسم» كغيرها من الجواري الإسلام ثم تلقت دروسا في الدين واللغة والإتكيت.
                        وفي العام 1605م توفيت والدة السلطان أحمد «خندان»، فانتقلت ملكية «كوسيم» إلى السلطان نفسه والذي أعجب بها واتخذها زوجة ثانية له بالإضافة إلى زوجته الأولى السيدة ماه فيروز وأم ولي عهده عثمان فأنجبت له «كوسيم» كلا من مراد وقاسم وإبراهيم بالإضافة إلى عائشة وفاطمة، ونتيجة للبروتوكولات العثمانية لم يكن لـ «كوسيم» أية سلطة في عهد زوجها حيث كانت التقاليد تحصر السلطة في الحريم بيد الزوجة الأولى.



                        وفي العام 1618م تولى ابن زوجها عثمان الثاني مقاليد الحكم فأصدرت والدته «ماه فيروز» أمرا بإبعاد «كوسيم» وحاشيتها إلى القصر القديم الواقع في حي بايزيد «تشغله الآن جامعة استانبول» حيث مكثت فيه كوسيم ثلاثة أعوام لحين وفاة ضرتها «ماه فيروز» العام 1621م، فبعد وفاتها عملت «كوسيم هانم» على العودة إلى قصر طوب قابي ونجحت في ذلك بعد حين إلا أن تدخلها في شؤون الحكم لم يبدأ إلا بعد تولي ابنها الأكبر مراد الرابع السلطة العام 1623م وهو لم يتجاوز الحادية عشرة فاتخذت لقب نائبة السلطان وكان بيدها الختم السلطاني الأمر الذي شجع رجال الدولة من وزراء وقادة إلى التقرب منها وكسب تأييدها بالهدايا والتزلف للحصول على المناصب المهمة في الدولة الأمر الذي أدى إلى وصول العديد من الرجال غير ذوي الكفاءة إلى المناصب العالية وانتشار الرشوة والفساد مما أثر سلبا على قوة الدولة وأمنها فسادت الفوضى في الأقاليم وتمرد الولاة وانهزمت الجيوش العثمانية في العراق واستولى الصفويون على بغداد وجنوب العراق، ولولا انشغال أوروبا بحرب الثلاثين عاما «1618-1648م» لكانت النتائج وخيمة.
                        استمرت نيابة «كوسيم» قرابة تسعة أعوام حتى بلغ ابنها مراد الرابع سن العشرين فأمسك بزمام الأمور وأبعد أمه عن شؤون السياسة حيث عادت إلى قسم الحريم في قصر طوب قابي ولم تقدر على التأثير على ابنها السلطان مراد الذي عرف بشدته وقسوته مع معارضيه وشكه الشديد بكل من حوله حتى حدا به الأمر إلى قتل أخوته الثلاثة سليمان وبايزيد وقاسم والمحجوزين في قصر طوب قابي خنقا العام 1638م قبل خروجه مع الجيش لاستعادة بغداد من الصفويين، ولم تجد توسلات «كوسيم» خانم نفعا في إنقاذ ابنها الثاني قاسم إلا أنها نجحت في إنقاذ ابنها الأصغر إبراهيم بعد أن أقنعت ابنها السلطان مراد الرابع بالإبقاء عليه حيا خوفا من انقراض سلالة آل عثمان حيث إن السلطان مراد الرابع لم يرزق بولد حي فأبقى على أخيه إبراهيم محجوزا في قصر طوب قابي.
                        وفي فبراير العام 1640م توفي السلطان مراد الرابع وهو في سن 28 دون وريث متأثرا بمرض النقرس، فأسرعت «كوسيم» إلى ابنها السلطان إبراهيم «1640-1648» وأخرجته من حجزه بعد إلحاح شديد وأجلسته مقام أخيه المتوفى على سدة الحكم.



                        كان السلطان ابراهيم شخصية طيبة مسالمة بخلاف شقيقه مراد الرابع كما كان مصابا بمرض الشقيقة نتيجة لما واجهه من خوف ورعب أثناء حجزه في قصر طوب قابي ولرؤيته أخوته الثلاثة يخنقون أمامه، وقد حاول السلطان إبراهيم السير على سياسة أخيه السلطان مراد إلا أن قلة خبرته ومرضه لم تساعده على ذلك إضافة إلى أن سيطرة والدته «كوسيم» وحاشيتها على أمور الحكم جعله ينصرف عن شؤون الحكم وترك الأمور بيد والدته التي صارت تعين وتعزل من تشاء وتقرب من يدفع أكثر فصار الوزراء يعينون ويعزلون في فترات قصيرة كما كان القائد أو الوزير يُعدم لأتفه الأسباب، وأصبحت خزينة الدولة في يد «كوسيم» وحاشيتها تتصرف بها كما تشاء، فتأخرت الرواتب وتذمر الجند والولاة، فكان من نتائج هذه السياسة الخرقاء أن فشلت الحملة المرسلة إلى جزيرة كريت نتيجة انقطاع الإمدادات والأموال عنها، وأعدم قائد الحملة نتيجة المؤامرات داخل القصر.
                        حاول السلطان إبراهيم إنقاذ الوضع فعين الوزير الكفء «هزار باره أحمد باشا» صدرا أعظم إلا أن هذا لم يعجب «كوسيم» وحاشيتها فألبوا الجند عليه ونسبوا إليه الفساد فثار عليه الجند وقتلوه، الأمر الذي دعا السلطان إبراهيم إلى محاولة الحد من سلطة والدته وتهديده لها بالنفي إلى جزيرة رودس إن لم تكف عن التدخل في شؤون الدولة.
                        انزعجت «كوسيم» وحاشيتها من الأغوات من محاولة السلطان استعادة سلطاته فدبروا مؤامرة لعزله بسبب نسبة الفساد إليه فثار جنود الانكشارية عليه وطالبوا بعزله وتنصيب ابنه الطفل محمد الرابع محله فتم لهم ذلك، واقتيد السلطان إبراهيم إلى مكان حجزه في قصر طوب قابي، وبعد عشرة أيام تمردت فصائل الفرسان من السباهية وطالبوا بعودة السلطان المخلوع وعدم رضاهم بسلطان طفل، فرأت «كوسيم» التي تجردت من أمومتها بأن تأمر بإعدام ابنها السلطان ابراهيم حتى تخمد هذه الثورة وأرسلت الجلادين حيث المكان الذي حجز فيه ابنها وتم خنقه بخيط حرير رغم توسلاته لهم وزهده في الحكم.
                        أصبحت مقاليد الأمور بعد مقتل السلطان إبراهيم في يد والدته «كوسيم» التي اتخذت لقب نائبة السلطة وأطلقت العنان لحاشيتها من الأغوات في التدخل بشؤون الدولة وعزل وتعيين الولاة والوزراء، فانتشر التذمر في أقاليم الدولة وعمت الفوضى ونشب القتال بين أنصار «كوسيم» من قوات الانكشارية وخصومهم من السباهية، وتوالى على منصب الوزارة عشرة صدور عظام خلال فترة وجيزة قتل معظمهم بعد عزلهم، كما نشب صراع داخل القصر بين السيدة «كوسيم» وبين كنتها وزوجة ابنها «خديجة تورخان» أم السلطان محمد الرابع التي لم تعجبها سياسة حماتها التي دمرت الدولة، فقررت «كوسيم» التخلص من كنتها وحفيدها السلطان الطفل وتعيين حفيدها الآخر سليمان مكانه، إلا أن مؤامرتها كشفت وتمكنت «خديجة تورخان» بالتعاون مع الجلاد «اوزون سليمان آغا والجارية ملكي قلفه من خنق» كوسيم وهي نائمة في سريرها ليلة 16 رمضان العام 1061هـ الموافق 3سبتمبر 1651م ، وأرسلت جثتها لتدفن بجانب زوجها السلطان أحمد الأول في ضريحه الملحق في جامعه الأزرق، لتنقضي صفحة «كوسيم» التي قيل عنها إنها لعبت أدوارا منحوسة في تاريخ الدولة العثمانية.
                        قال عنها المؤرخ التركي «يلماز اوزتونا»: كانت ذكية إلى درجة استثنائية ماكرة مراوغه أستاذة في صنع الخطط، مقنعة في كلامها تعي إرضاء الشعب.
                        ورغم ذلك فقد عرفت «ماه بيكر كوسيم» بأنها ذات خيرات كثيرة فكانت تؤدي ديون المعسرين وتنفق على زواج الكثير من الفتيات الفقيرات والجواري، بنت جامعا فخما في اسكودار مزينا بأفخر أنواع البورسلان والخزف وأوقفت عليه خانا «فندقا» عرف باسم خان الوالدة، إضافة إلى حمام عمومي ومدرسة للصبيان وسبيل ماء، وكانت كل عام ترسل صرة من المال لتوزع على فقراء الحرمين إضافة إلى أوقافها فيهما والتي يصرف من ريعها على الحرمين الشريفين.
                        ________________
                        المصدر مجلة الكويت/ طلال الجويعد


                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #57
                          لعبت أدوارا منحوسة في تاريخ الدولة العثمانية
                          لم تتدخل النساء في شؤون السياسة الا وفسدت
                          [CENTER][SIZE=6][COLOR=#ff0000][FONT=microsoft sans serif]قدماء[/FONT][/COLOR][/SIZE]
                          [/CENTER]

                          [COLOR=#40e0d0][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][RIGHT]"[COLOR=#ff0000]ركني الحاني ومغناي الشفيق
                          [/COLOR][/RIGHT]
                          [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/COLOR][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][LEFT][COLOR=#ff0000]وظلال الخلد للعاني الطليح[/COLOR][/LEFT]
                          [RIGHT][COLOR=#ff0000]علم الله لقد طال الطريـــــــــق [/COLOR][/RIGHT]
                          [LEFT][COLOR=#ff0000]وأنا جئتك كيما استريــــــح[/COLOR][COLOR=#40e0d0]"[/COLOR][/LEFT]
                          [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE]

                          تعليق


                          • #58
                            التحدي والاستجابة

                            الأثر الاقتصادي للتغريب الرأسمالي على المجتمع العثماني: التحدي والاستجابة





                            كان شعور المسلمين بالتفوق على المجتمعات الأوروبية مانعاً إياهم من الحاجة إلى اقتباس شيء من أنماط حياتها،وقد استمر هذا الشعور مادامت الدولة الإسلامية في موقع القوة في ميزان القوى العالمية،وقد احتفظت الدولة العثمانية بهذا التفوق بطريقة ملحوظة إلى نهاية القرن السابع عشر،ورغم إحساس المسلمين بالحاجة إلى الإصلاح بعد تغير ميزان القوى لغير صالحهم في الوقت الذي شهد صعود أوروبا ودولها المختلفة على التتابع،فقد ظل إيمان المسلمين بتفوق ثقافتهم وعدم الحاجة إلى اقتباس خارجي إلا في المجالات العسكرية لغرض تعديل الميزان وإلحاق الهزيمة بأوروبا التي كانت تركع على أعتاب السلطان العثماني الذي لم يكن يشعر بالحاجة إلى إقامة تبادل دبلوماسي أو إرسال مبعوثيه إلى دولها التي هي أدنى منه[1]ويكتفي باستقبال مبعوثيها ويخاطب ملوكها بألقاب الولاة عنده،ثم تحول الأمر إلى الاعتراف بمساواة هذه الدول للدولة العثمانية ثم صار إلى التراجع والهزيمة أمامها.


                            وتقول دائرة المعارف الإسلامية إنه على الرغم من العلاقات السياسية والاقتصادية التي ربطت المجتمع العثماني بأوروبا لمدة قرون،فقد ظل هذا المجتمع ضمن دائرة الحضارة الإسلامية،وعلى الرغم من توالي الهزائم العسكرية والتراجعات الاقتصادية التي أصابته ونبهته إلى التفوق المادي والفني للغرب الأوروبي،فإنه وجد من الصعب أن يسلم بالتفوق الثقافي لأوروبا واقتصر اقتباسه منها على الاستعانة بمهرة أوروبيين في تنظيم الجيش والأسطول منذ القرن الثامن عشر الذي ما إن أشرف على نهايته حتى كان هنالك في الدولة العثمانية من يسلم بالتفوق الثقافي الأوروبي[2].
                            بدأ إحساس المجتمع العثماني بالـتأثير الغربي عن طريق التجارة التي بدأ ميزانها يميل لصالح البضائع الأوروبية نتيجة التطور التقني وبخاصة بعد الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر بالإضافة إلى الحماية الجمركية التي فرضتها دول أوروبا على الواردات إليها للحفاظ على صناعاتها،وقد سهلت الامتيازات الأجنبية التي كانت الدولة العثمانية قد منحتها لدول أوروبا هذا التغلغل الاقتصادي،فقد مُنح التجار الأوروبيون بموجبها الأمان وحرية التجارة داخل أراضي الدولة كما خفضت الضرائب التي كان عليهم أداؤها مما أعطاهم ميزة على التاجر المحلي،هذا في الوقت الذي تحولت فيه الصادرات العثمانية من الصناعات إلى منتجات الزراعة التجارية التي أصبحت تزود الأسواق الأوروبية باحتياجاتها من المواد الأولية.
                            وكان من مصادر التأثير الغربي على المجتمع العثماني أيضا تطور وسائل المواصلات وتغلغل رأس المال الأوروبي في الدولة[3]،ثم جاءت حقبة التنظيمات،وهي عملية إصلاح شامل وفق النموذج الغربي قصد منها إعادة صياغة المجتمع العثماني لوقف التدهور الذي ينحدر فيه،وقد سهلت هذه العملية التغلغل الاقتصادي الغربي الذي ترك آثاراً واضحة على هذا المجتمع وهو ما أحاول البحث فيه في هذا العرض الذي لن يحصر جميع الآثار بالطبع في هذه المساحة المحدودة ولكنه سيلقي الضوء على نماذج دالة منها.

                            تعريف التغريب الاقتصادي
                            ما أريده من مصطلح التغريب الرأسمالي هو اتباع النموذج الاقتصادي الأوروبي نتيجة إرادة غربية،سلمية أو حربية،متفقة مع النموذج الرأسمالي الذي يطبق في دول المركز، أم مختلفة ومناقضة إياه،وسواء كان الاتباع طوعاً أو كرهاً،والآثار هي ما نتج عن هذا النهج،ويدخل في هذا التعريف التجارة الحرة سواء قبلت طوعاً كما في الحالة العثمانية أو فرضت بالقوة العسكرية كما حدث في الاستعمار أو الحروب التي شنت على الصين لنشر استعمال الأفيون فيها،وإن كان البحث في هذه الدراسة لن يتطرق لآثار الاستعمار القسرية،كما يدخل في التعريف أيضاً الاستثمارات الأجنبية التي بنت كثيراً من وسائل المواصلات والبنية التحتية،هذا بالإضافة إلى الديون الأجنبية التي كان لها أثر واضح في البنية الاقتصادية العثمانية.


                            الاختلاف بين معاملة الداخل ومعاملة الخارج سمة رئيسة للحضارة الغربية لا تستثني الكوارث الناتجة عن العدوان الغربي من التغريب
                            إن مخالفة النهج الذي اتبعته أوروبا خارج أوطانها لما مارسته في الداخل الأوروبي هو جزء رئيس في عملية التغريب،فلا يمكننا أن ندعي مثلا أن حروب الأفيون مثلا ليست جزءاً من الحضارة الغربية لأنها لم تمارس في الداخل الأوروبي،أو أنها مجرد انحراف عن مسار التنوير الغربي،وذلك لأن مجموع الممارسات في الداخل والخارج هي التي تبين الموقف الحقيقي لحضارة شملت العالم كله بنفوذها بل يمكننا القول إن الموقف من الآخر هو الكاشف عن حقيقة هذه الحضارة التي تميزت بهذا الانتشار فلم يعد جوارها محدوداً، ومن هنا أهمية حكم الآخرين عليها،كما تميزت بالهوة السحيقة بين ما حدث في الداخل وما منح للخارج،بين الشعار المرفوع والواقع المنظور فلم يكن التناقض مجرد أحداث هامشية بل كان السمة الغالبة على السياسات المتبعة،وعندما تكون تصرفات الإنسان متناقضة يُحكم عليه بمجموع أعماله وليس بالصالح منها فقط وبخاصة إذا اختص نفسه بالحسن وعامل الآخرين بالإساءة،فلا تُلغى حينئذ الإساءة من أعماله بل يُحكم بأنه منافق أو أناني مثلا.

                            ولقد كان الاستئثار من طبيعة دافع المنفعة والربح الذي حفز الغرب في علاقاته الخارجية وفي كل نواحي حياته،ولهذا فإن التناقض بين الداخل والخارج،النفس والآخر،هو جزء لا يتجزأ من مبادئ الغرب وسلوكه وليس مجرد انحرافات نادرة،وهذا لا يعني مطالبته بأن تكون المبادئ وحدها هي مسيرة السلوك بعيداً عن المصالح،ولكن ما حدث تاريخياً لم يكن مجرد تبادل منافع بين الغرب والكتل الحضارية الأخرى بل كان سعياً محموماً نحو التفرد بالمنفعة وحصرها في الذات وحرمان الأطراف الأخرى منها وعدم التردد في استخدام أحط الوسائل للوصول إليها والرضا للنفس بارتكاب ما يحرّم فعله على الغير،وكان من الطبيعي في هذه الأحوال أن تتبدل المواقف السياسية بسرعة لهثاً خلف المصالح مما عبر عنه قادة غربيون عندما قالوا إنه لا وجود لصداقات أو عداوات دائمة بل المصالح وحدها هي الدائمة فقط.

                            نظرة العثمانيين إلى أوروبا في بدايات التغريب
                            اتسمت نظرة المجتمع الإسلامي لأوروبا في القرن التاسع عشر بالتغير وفق تضاريس المواقف السياسية،ورغم حالة المواجهة التي سادت العلاقات العثمانية الأوروبية في القرون السابقة،فقد تغيرت النظرة إلى الأوروبيين عندما بدأ العثمانيون يشعرون-نتيجة الضعف-بالحاجة إلى الاقتباس من التطور الأوروبي[4]،وأيضا عندما بدأ تدخل بعضهم في المواجهات إلى جانب الدولة العثمانية في الزمن نفسه تقريبا[5]،وذلك ابتداء من الحرب مع روسيا(1787-1792)ثم الحملة الفرنسية 1798 حين عجز العثمانيون عن صدها بمفردهم ووقفت بريطانيا إلى جانبهم ثم انقلبت عليهم ليقف الفرنسيون إلى جانبهم في انقلاب واضح في المواقف والمواقع،ثم تدخلت الدول الكبرى-بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا وفرنسا-في الأزمة المصرية (1831-1840) ثم ساندت بريطانيا وفرنسا الدولة ضد روسيا في حرب القرم (1853-1856)،وقد انتشرت حالة من اليأس والتسليم في بداية ذلك القرن بالتفوق الغربي كما مر ذكره،وأدى هذا إلى الاعتقاد بأن استرضاء أوروبا-التي زاد تدخلها في الشئون العثمانية-بالأخذ بالنهج الأوروبي سيؤدي إلى ازدهار الدولة وزيادة الثقة بحكومتها[6](ستظهر الأيام أن ازدهار الدولة لم يكن هدف أوروبا من التدخل)،وقد ساد النفوذ الروسي-الذي ساند الدولة ضد محمد علي باشا في الأزمة المصرية-إلى اندلاع حرب القرم(1853)حين ساندت كل من بريطانيا وفرنسا العثمانيين ضد روسيا ومن ثم ساد نفوذهما في الدولة إلى بداية الثمانينات[7]حين احتلت فرنسا تونس (1881) واحتلت بريطانيا قبرص (1878) ومصر (1882) مما نفّر العثمانيين منهما ومن مجمل السياسة التغريبية الاسترضائية وجعلهم يتجهون صوب ألمانيا بحذر في عملية تحول في وجهة الإصلاح نحو الأصول الإسلامية ومواجهة التغريب الثقافي مع الإفادة من التقنية الغربية[8]،وأصبح الخلاف الداخلي في الدولة في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر ليس على مبدأ التحديث بين أنصاره وبين المحافظين من العلماء والأعيان،فقد أجمع الكل على وجوبه ولكن وقع خلاف على هويته بين أنصار التحديث المستقل والمحافظ على الهوية العثمانية وأنصار التحديث الذي يهمل الاستقلال والهوية ويقلد الغرب دون تحفظ ويخدم مصالحه الاستعمارية في المنطقة[9].



                            إجراءات التغريببدأت عملية التأثر بالغرب في النصف الثاني من القرن الثامن عشر واتخذت صفة رسمية مع صدور فرمان كلخانة في سنة 1839 أثناء احتدام الأزمة المصرية في الدولة العثمانية،وكان القضاء على الجيش الإنكشاري سنة 1826 هو الخطوة التي أزالت المعارضة للإصلاح العسكري كما كانت الخطوة الأولى التي مهدت الطريق لسيادة الليبرالية الاقتصادية بعد زوال الدعم عن دعاة الحماية الاقتصادية من الحرفيين وأرباب الطوائف الحرفية المنتمين لهذا الجيش الذي كان حاميهم الأكثر تنظيماً ونفوذاً بعد تحولهم من الاحتراف العسكري إلى الحياة المدنية[10]،كما عقدت في أثناء الأزمة المصرية أيضا معاهدات التجارة الحرة مع عدد من الدول الغربية بين 1838-1841 وكانت معاهدة بلطة ليمان مع بريطانيا في سنة 1838 هي الأبرز من بينها حين أراد العثمانيون الحصول على التأييد البريطاني لمواجهة الخطر الروسي بالإضافة إلى خطر محمد علي باشا،ثم تأكدت هذه التوجهات في الفرمان الهمايوني بعد حرب القرم(1856)الذي اتخذ صفة الالتزام الدولي في معاهدة باريس في تلك السنة بعد تأييد الإنجليز والفرنسيين للعثمانيين في تلك الحرب التي نتج عنها بالإضافة إلى ذلك تورط الدولة العثمانية لأول مرة في تاريخها بالديون الأجنبية التي فتحت أبواب الجحيم على استقلالها وسيادتها وساهمت في إحكام الإجراءات التغريبية حولها،كما سهل الفرمان المذكور تسلل رأس المال الأجنبي[11]إذ بدأت في تلك الفترة عملية تحديث البنية التحتية للمواصلات في الدولة العثمانية ببناء السكك الحديدية أساساً بأموال الاستثمار الأجنبي الذي هدف من إنشائها إلى تحفيز تجارته بالوصول إلى مواقع المواد الأولية وتسويق بضائعه في نفس الوقت،وصدر قانون الأراضي سنة 1858 تبعه قانون يسمح بتملك الأجانب العقارات سنة 1867 بعدما كان ذلك من المحظورات عليهم.

                            أكدت التنظيمات على الإصلاحات السياسية أكثر من غيرها،ولم تحفل فرمانات الإصلاح الرسمية بإجراءات اقتصادية تفصيلية للنهوض بمالية الدولة[12]،واكتفى طابعها الاسترضائي بتسهيل منح الامتيازات للاستثمار الأجنبي والسماح بتملك الأجانب العقارات في الدولة[13]،ولم يكن من العجيب أن تساند أوروبا هذه الإجراءات التي صاحبها أمل فيها لدى رجال الدولة العثمانيين أن تؤدي إلى نهايات سعيدة،فأصبحت هناك “مودة واضحة بين السفارات الأوروبية والبيروقراطية الإصلاحية”وتنامى نفوذ الحكومات الأوروبية في الإدارة اليومية للدولة العثمانية[14]،ولكن لم تتحقق آمال المصلحين رغم كل ذلك وكانت النتيجة الفعلية لهذا الارتباط هو أن”دفع جهاز الدولة المركزية ثمن التأييد الأوروبي”كما يقول المؤرخ دونالد كواترت[15]،كما أدت سياسة الاسترضاء إلى زيادة التوحش الإمبريالي الغربي كما يقول الباحث أحمد صلاح الملا[16]،ونتائج هذا الارتباط بالغرب هو ما يبحثه هذا المقال.
                            الخيار التغريبي بدأ طوعاًيقول المؤرخ دانيال غوفمان إنه خلافا لحال المستعمرات الخاضعة للهيمنة البريطانية المباشرة “لم يتمكن الإنجليز من فرض مسار سياسي على الإمبراطورية العثمانية يلزمها بالأهداف الاقتصادية لتلك الدولة”،فكان على الحكومة البريطانية مفاوضة الحكم العثماني من أجل تحقيق أهدافها،ولم تكن الإصلاحات العثمانية التي تكاثرت في القرن التاسع عشر إلا “انعكاساً لمطامع ومطامح كل من لندن وإسطنبول على حد سواء”[17]،فإلي أين قادتنا أوهام تطابق المصالح مع الغرب آنذاك والتي مازلنا نحلم بها إلى اليوم رغم سلبية النتائج التي عصفت بنا منذ البداية؟

                            أهداف السياسات الغربيةرغم ادعاءات الغرب برفع ألوية الحضارة ونشر أعلام المدنية بين الأمم المتخلفة،فإن هدف السياسات الغربية كان تحقيق الأرباح ولو على حساب الآخرين الذين يفترض أن ينشر التقدم بينهم،ووسيلة ذلك التي تحولت إلى هدف دائم هي تحطيم المقومات الاقتصادية المستقلة بحجة تخلفها وربط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد الغربي ليصبح تابعاً له بحجة تحديثه[18]،وعند الحديث عن أهداف السياسة البريطانية في الدولة العثمانية يقول المؤرخ كواترت إن بريطانيا كانت “تحتاج بالدرجة الأولى إلى الاقتصاد العثماني للحصول على المواد الخام المستوردة وأسواق التصدير لصناعاتها التي كانت تنمو بسرعة كبيرة،وهي حاجة صارت ملحة بسبب انتشار نزعة الحماية بين زبائنها الأوروبيين وكانت تتصاعد في ذلك الوقت”[19].

                            بالإضافة إلى ذلك فقد حل زمن تعارضت فيه أهداف السياسة البريطانية في الشرق العثماني حيث كانت بريطانيا تعمل في الوقت نفسه على الحفاظ على الدولة العثمانية بصفتها سداً في وجه التمدد الروسي من جهة،ومن جهة أخرى تعمل للحفاظ على مصالحها التجارية في الدولة بصفتها سوقاً للبضائع البريطانية،ففضلت بريطانيا مصالحها التجارية على حساب سلامة الدولة العثمانية[20]التي أصبحت هدفاً لأطماعها الاستعمارية بعد مؤتمر برلين حين احتل الإنجليز جزيرة قبرص(1878)ثم مصر(1882)وتاجروا بولايات عثمانية أخرى مع شركائهم الأوروبيين،وهو ما يدل على طبيعة الأهداف الربحية التي ناقضت الشعارات الحضارية التي رُفعت.
                            ويلاحظ المؤرخون الاقتصاديون أن الاستثمار الذي قامت به رؤوس الأموال الأجنبية في الدولة العثمانية كان يتركز في المال(منح القروض)وبناء البنية التحتية لتسهيل التجارة بالحصول على المواد المحلية الأولية وتسويق البضائع الأجنبية المصنعة،أما المجالات الصناعية والزراعية والتعدينية فقد عانت من الإهمال[21]،ويلاحظ المؤرخان شو أن القوى الكبرى لم تقم بحفز الصناعة العثمانية بالاستثمارات التي اهتمت فقط بشبكة المواصلات والمواد الأولية التي تعود بالفائدة على هذه القوى،بل إنها استخدمت الامتيازات الأجنبية لكبح تقدم العثماني وإبقائه حيث هو بلا تقدم[22].
                            ويفصل المؤرخ شارل عيساوي التباين بين المصالح المحلية والأجنبية بالقول إن هدف الأجانب كان التحكم بالاقتصاد ومحاولة صياغته لخدمة المصالح الأوروبية،أما الحكومات الشرقية فأرادت إصلاح بنيانها لصيانة استقلالها وتحديث مجتمعاتها،ولهذا اهتم الأجانب بتحقيق ما يخدم أهدافهم وهو الحصانة ضد الحكومات المحلية والتي حققتها الامتيازات التي أعطتهم مزايا على المواطنين المحليين واستثنتهم من دفع ضرائب عالية،كما اهتموا بتطبيق حرية التجارة وشبكة المواصلات والبنية التحتية التي تسهل التجارة بالإضافة إلى استقرار العملة واسترداد ديونهم[23].
                            ولا حاجة للتأكيد على أن هذه الاهتمامات كانت أسباباً في تراجع المجتمعات الشرقية لا تقدمها،فالتجارة الحرة والامتيازات والديون كلها كانت معاول تهدم البنيان الاجتماعي وهو أمر لم يكن يهم حَمَلة عبء الحضارة الذين كانوا يسعون للتميز عن “المتخلفين” وليس دمجهم في بنيان الغرب الحضاري كما مر،وأمام العدوان الغربي الذي شن حروباً كثيرة على الشرق كان هم الحكومات المحلية الرئيس تحديث جيوشها وكادر موظفيها لضمان سيادتها على كامل أراضيها لتحقيق الأمن اللازم للتقدم[24].
                            وبهذا نرى تباعد الأهداف بل تناقضها في ظل اختلال ميزان القوى وعدوان طرف على آخر عدواناً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً،وإن تحققت بعض الفوائد،فإنها كانت جانبية ولا أثر لها في مسيرة التطور كما سيرد،ولا نطالب الغرب أو غيره برعاية مصالحنا أو تحقيق تقدمنا بالطبع،ولكن ما حدث في التاريخ يتعدى عدم تحقيق الشعارات التي رفعها الغربيون عن حمل ألوية الحضارة إلى العالم ليصل إلى حد محاربة تقدم الآخرين لأنه يصطدم بالمصالح الغربية كما شخصها أصحابها بل العمل على إبقاء هؤلاء الآخرين متخلفين لو اقتضت المصالح أيضا كما سنرى في الأمثلة اللاحقة.
                            التنظيمات العثمانية امتداد للامتيازات الأجنبيةوقبل الدخول في نتائج الإجراءات التغريبية التي حدثت في القرن التاسع عشر لابد من الإشارة إلى أن التنظيمات العثمانية التي سميت التنظيمات الخيرية،فتحت الأبواب لعملية التغريب وما رافقها من معاهدات جاءت نتيجة لالتزامات الدولة في زمن ضعفها تجاه معاهدات الامتيازات الأجنبية التي توسع العثمانيون في عقدها ابتداء من القرن السادس عشر بناء على ممارسات تاريخية لمن سبقهم وكانوا يمنحون بها التجار الأوروبيين القادمين لأراضي السلطان مزايا كتحديد الضرائب الواجبة عليهم ومنحهم الأمان في تجوالهم وتحكيم قناصلهم في مشاكلهم وفق قوانينهم وغير ذلك من منح كان السلطان في زمن القوة يتصدق بها عليهم لتحقيق أهداف عثمانية سياسية كتفتيت الجبهة الأوروبية ومنعها من الاتحاد ضد العثمانيين تحت لواء امبراطورية الهابسبيرغ النمساوية،واقتصادية كتشجيع التجارة خلال الطرق القديمة بعد تحول طرقها عن الشرق العثماني إلى رأس الرجاء الصالح[25].

                            لم تكن هذه الامتيازات في البداية ثقلا على الدولة بل حققت لها أهدافا حيوية في زمنها وما كان من الممكن آنذاك التنبؤ بمآل الأحوال بعد قرون[26]حين ضعفت الدولة العثمانية وقويت دول أوروبا وأصبحت هذه الامتيازات قيوداً على سيادة العثمانيين واستقلالهم وجاءت إجراءات التغريب لتسير على منوالها في منح المزايا لهم ولذلك لم يكن من المبالغة القول أن التغريب عموماً والتنظيمات خصوصاً جاءت امتداداً لسياسة الضعف تجاه الامتيازات وقامت بدورها بتعزيز هذه الامتيازات[27].
                            حرية التجارة:فشل القبول الطوعي بالحلول المستوردة في تحقيق الازدهاركانت التجارة الحرة هي البند الأول الذي كسبه الغرب من السياسة العثمانية وذلك ضمن المعاهدات آنفة الذكر التي حددت فيها الدولة العثمانية الضرائب على الواردات وتعهدت بعدم زيادتها إلا بموافقة الطرف الأوروبي،وكانت الفلسفة السياسية والاقتصادية الليبرالية التي اعتنقها أنصار التغريب والنقل عن أوروبا في القرن التاسع عشر تطالب بإزالة الحواجز الجمركية وتوسيع النشاط الاقتصادي[28]بصفة ذلك طريقا لازدهار جميع الدول التي يتخصص كل منها في إنتاج زراعي أو صناعي محدد حسب تقسيم العمل الدولي،وقد تبنى الغربيون حرية التجارة بعد زمن من ممارسة الحماية الجمركية لحماية صناعاتهم عندما كانت ناشئة،وبعد أن وصلت هذه الصناعات إلى مستوى فني عال من القدرة على المنافسة،وفي الوقت الذي فرضوا فيه الحماية لصناعاتهم ولم يتمكنوا من فرض التحرير على بعضهم بعضاً[29]،فرضوا تحرير التجارة على بقية العالم بالضغوط السياسة أحياناً وبالقوة أحياناً أخرى[30]،إلا أن الإصلاحيين العثمانيين تبنوا هذه السياسة “طوعاً”ضمن خططهم التغريبية القائمة على استرضاء أوروبا لنيل تأييدها ضد محمد علي باشا[31]،وفي الوقت الذي لم يفكر فيه قادة الإصلاح بفرض سياسات حمائية لصالح الصناعة المحلية[32]،كان الأوروبيون يعلمون تمام العلم الأثر التدميري لسياستهم على اقتصاد الآخرين وصناعاتهم رغم كل الحديث الطويل عن المزايا المتبادلة للتجارة الحرة،”ففي مواجهة هذا الطوفان من المنسوجات الأوروبية الرخيصة،التي لم يكن يُفرض عليها سوى الحد الأدنى للغاية من التعريفات الجمركية،لا يكون مفاجئاً أن يضطر الكثيرون من العاملين في حقل الغزل والنسيج والصباغة في الشرق الأوسط إلى الخروج من هذا المجال؛علماً أن آخرين قد قاسوا بدرجة كبيرة من جراء أنه صار من الأصعب العثور على إمدادات محلية من القطن والحرير،سواء نتيجة لانخفاض الإنتاج أو لمنافسة المشترين الأجانب في شرائها.لكل هذه الأسباب،فإن معظم المراقبين الأوروبيين الذين كانوا يكتبون في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر كانوا يتنبئون مبتهجين بالدمار الشامل لصناعة النسيج في الشرق الأوسط”[33]،هذا في الوقت الذي كانت فيه تجارة المنسوجات تؤلف البند الرئيس في التجارة العالمية في القرن التاسع عشر وأكثر من نصف الصادرات البريطانية[34]،وقد تمكنت المنسوجات القطنية البريطانية لغاية سنة 1910 من الاستيلاء على ثلاثة أرباع السوق العثماني.

                            ولم تقتصر معاهدات التجارة الحرة على تحديد قيمة الضرائب،إذ أدت أيضا إلى إلغاء احتكار الدولة للتجارة الخارجية والحق في فرض القيود والضرائب على الصادرات الذي كان محمد علي باشا قد أقام عليه نهضته الصناعية والعسكرية في مصر،وأدى هذا الإلغاء باسم حرية التجارة إلى تدمير الأساس الاقتصادي لهذه النهضة ثم حرمان الحكومة المركزية من موارد مالية هي في أمس الحاجة إليها مما جرها فيما بعد إلى فتح أبواب جحيم الاقتراض زمن حرب القرم(1854)[35]،وقد حاول محمد علي أن يتجاهل متطلبات معاهدة التجارة الحرة ولكن النفوذ الأجنبي أجبره على إلغاء احتكاراته فأغلقت المشاريع الصناعية التي كانت بدورها قد حطمت الصناعات التقليدية فأدى التدخل الغربي إلى محو الصناعة نهائياً[36]،والغريب أن دول أوروبا التي استخدمت الوالي ضد السلطان أولاً ثم السلطان ضد الوالي ثانياً عادت فيما بعد محمد علي لتشجع استقلال مصر عن السلطان تمهيداً لوقوعها في براثن الاحتلال البريطاني.
                            كما نصت معاهدات التجارة الحرة على منح التجار الأجانب حرية الحركة داخل الدولة العثمانية ومنحهم حقوق الرعايا المفضلين للدولة فيما يتعلق بالتجارة الداخلية مما أفشل المحاولات العثمانية لعزل هذه التجارة عن مساوئ الامتيازات الأجنبية[37].
                            وبهذا نرى أن استيراد الحلول التي نجحت في الغرب وإسقاطها على واقعنا دون مراعاة التسلسل التاريخي الذي أوصل الغرب لهذه الحلول أو اختلاف الظروف بين ظروفنا وظروفه ليس تجربة ناجحة ولا تؤدي إلى الازدهار الذي حاول تحقيقه من كان قبلنا.
                            التجارة مع الغرب تعمل على تحطيم الاكتفاء الذاتي للمجتمع الشرقيأدى نمو التجارة مع أوروبا بعد الثورة الصناعية إلى تحول القطاع الزراعي العثماني من زراعة القوت التي تكفي حاجات المجتمع من الغذاء وترتبط بها صناعات حرفية تكفي حاجاته من السلع المصنعة،إلى الزراعة التجارية التي تستهدف تزويد الغرب الأوروبي بحاجته من الغذاء والمواد الأولية[38]كالقطن مثلاً لتتخصص المراكز الصناعية الغربية في إنتاج البضائع المصنعة التي تصدر بدورها إلى الشرق والعالم فيما يعرف بالتقسيم الدولي للعمل(أي أن تكون زراعة الغذاء والمواد الأولية من نصيب الأطراف المتخلفة والصناعة من نصيب المركز الأوروبي المتطور)،وهو ما أدى إلى سير المجتمعات الشرقية في طريق فقدان الاكتفاء الذاتي.


                            الديون والرقابة المالية الأجنبية:فشل الإشراف الأجنبي والقبول المكره على الحلول المستوردة في تحقيق الازدهار
                            إذا كان رجال الإصلاح العثماني قد قبلوا بحرية التجارة وتبعاتها طوعاً انطلاقاً من ظروف داخلية،فإن الأمر مختلف مع الديون الخارجية وتبعاتها التي ترددت الدولة كثيرا قبل الإقدام عليها رغم التشجيع الأوروبي على وقوعها في هذا الفخ[39]،ومن الملفت أنها لم تقبل الاستدانة إلا في أواخر أيامها،أي بعد مرور زمن على القرن الأخير من حياتها وذلك نتيجة الأعباء الكبيرة التي ألقتها عليها حرب القرم(1853-1856)ضد روسيا،وظلت الأعباء العسكرية-التي تطلبها صد العدوان الغربي المستمر-والديون التي تطلبتها هذه الأعباء تستهلك معظم الميزانية العثمانية إلى آخر أيام الدولة،فكانت هذه بوابة واسعة للإضرار باستقلالها وسيادتها،وجرّت هذه الديون الهيمنة الأجنبية على المالية العثمانية بل وعلى القرار السياسي أيضاً بحجة حفظ حقوق الدائنين في البداية بالمبعوثين والمستشارين والممثلين عن حملة السندات الذين كوّنوا المجلس الأعلى للمالية(1860)الذي أصبح “المشرف الرئيس على الإصلاحات المالية في الدولة العثمانية”[40]،ثم بعدما أعلنت الدولة إفلاسها سنة 1875تكونت خلفاً للمجلس المذكور إدارة الديون العمومية سنة 1881 من ممثلين عن الدائنين ووضع تحت إشرافها ما بين 20%-30% من الإيرادات العثمانية لإنفاقها على خدمة الديون،أي الفوائد بالإضافة إلى الأقساط،وإذا كانت الإدارة قد أدت عملها بكفاءة،لصالح أصحاب الأموال الأجانب بالطبع،فإن أداءها لم يؤد إلى تغيير في مكانة الدولة العثمانية ضمن تقسيم العمل الدولي بين أجزاء الاقتصاد العالمي،إذ ظلت مورداً للمواد الأولية وسوقاً للبضائع الغربية ولم يؤد الإشراف الأجنبي على ماليتها إلى تحسين وضعها الاقتصادي[41]،بل كانت مع بقية دول الأطراف عاملاً في زيادة التراكم الرأسمالي الإمبريالي لدول المركز[42]وذلك بفعل الأداء الفعال لتلك الإدارة، ومع ذلك فقد عد المؤرخان شو أن نصيب إدارة الديون كان ضئيلاً من إجمالي الزيادة الكبيرة في الإيرادات العثمانية (43%) التي حققها البرنامج الاقتصادي الإصلاحي الذي طبقه السلطان عبد الحميد في أثناء ربع قرن إلى سنة 1907،وتلك المساهمة المتواضعة غير كافية لتبرير فرض الرقابة الأجنبية على المالية العثمانية (ص 225).

                            نعم لقد شجعت إدارة الديون العمومية المستثمرين الأجانب على الاستثمار داخل الدولة العثمانية في السكك الحديدية والموانئ والمرافق العامة،”لكن ثمن ذلك كان هيمنة رأس المال الأجنبي على الاقتصاد العثماني”،كما أدت القروض والاستثمارات الأجنبية إلى إحداث تغيرات ضرورية في البنية التحتية للدولة،”لكن الثمن كان باهظاً”[43]أيضا،فإضافة إلى عبء الديون الثقيل والانتقاص من سيادة الدولة واستقلالها،فإن المنطق التنموي لهذه الهيمنة لم يؤت أكله فظلت الأرباح-كما مر- تصب في جيوب المنتفعين الأجانب الذين وقفوا بكل قوة لعرقلة أي تقدم ذاتي متكامل يخرج زبائنهم من تحت سيطرتهم كما سيأتي،ولهذا لم يكن لنا أمل بالتطور في ظل هذه السيطرة.
                            الديون مقدمة الاحتلالهذا فيما يتعلق بالديون العثمانية،أما الدول الصغيرة التي احتفت بفكرة الاستقلال والابتعاد عن المجال العثماني الموحد فقد دخلت بوابة الاستدانة لأجل الإسراع في عملية التحديث وبناء الكيانات المستقلة،واندفعت في سبيل الفرنجة للوصول إلى التماثل مع أوروبا[44]حتى في مظاهر الترف السفيه الذي لا تقدر عليه مجتمعاتنا البسيطة خلافاً لأوروبا الغنية،ولأن هذا الإنجاز يتطلب زمناً طويلاً حتى بالمعيار الغربي، وذلك لكي تتمكن المجتمعات التقليدية من استيعاب التقنيات الحديثة التي لم تحصل على الوقت الكافي للتوطن في هذه المجتمعات،فقد أثقل التغريب-السفيه أحياناً كثيرة- كاهل هذه الكيانات ودفعها نحو المزيد من التبعية لمصادر التقنية الحديثة ولمزيد من الديون للإسراع في تحقيق أهدافها[45]،فكانت الهيمنة على مواردها بعد إفلاسها أشد من الهيمنة على الدولة العثمانية التي استفادت من ثقلها الدولي في الحفاظ على استقلالها عن الأجانب[46]،أما الصغار فقد أدت ديونهم إلى السيطرة الأجنبية عليهم في النهاية بالحكم الأجنبي متمثلاً في مستشارين ثم وزراء ثم الوقوع تحت الاحتلال المباشر بذريعة الحفاظ على أموال الدائنين كما حدث لتونس(1881)ومصر(1882)والمغرب(1912).


                            الاستثمارات الغربية في السكك الحديدية:فشل “التقاء المصالح”في تحقيق الازدهاركان استثمار رؤوس الأموال الأجنبية في إنشاء السكك الحديدية العثمانية مثلاً نموذجياً لما سمي “التقاء المصالح” بين التنمية الشرقية والمصالح الغربية،وفي الوقت الذي احتاجت فيه الدولة العثمانية إلى إنشاء هذه الخطوط الحديدية حين بدأت تنتشر في أنحاء العالم،كانت إمكاناتها المالية قد نقصت إلى حد لم يعد فيه من المتيسر الاعتماد على النفس في بناء هذه المشاريع الحيوية،ولهذا عهد بها إلى أصحاب رءوس الأموال البريطانية والفرنسية الذين اقتضت مصالحهم تحفيز التجارة مع العالم العثماني باستيراد مواده الأولية منه وتسويق السلع الأوروبية فيه وجاء اختراع القطارات ليهيئ وسيلة أكثر فعاليه في نقل البضائع والمسافرين من طرق النقل القديمة،وقد استفاد الشرق العثماني من إنشاء الخطوط الحديدية فوائد جمة أتت استجابة لحاجته الذاتية التي أملت عليه المبادرة بطلبها،ومن هذه الفوائد:

                            فوائد اقتصادية:كتطوير الكفاءة الإدارية في جمع الضرائب وتشجيع الزراعة بربط أراضيها بمصارف التسويق كالمدن والموانئ وهو ما سيخفض نفقات النقل ويمكّن المزروعات المحلية من منافسة المزروعات الواردة التي تباع بأسعار منخفضة وفقاً لمعاهدات التجارة الحرة،كما ستؤدي زيادة المحاصيل إلى زيادة العائد الضريبي في الدولة،وستخفض القطارات من أجور نقل المسافرين فيزيد التنقل الداخلي المصحوب بانتشار العمران في المناطق التي تمر بها القطارات فزاد عدد السكان وظهرت صناعات متعلقة بالحديد والصلب.
                            وفوائد سياسية:بتقوية سلطة الدولة في الأقاليم البعيدة التي سيصبح نقل الجند إليها أكثر سهولة.
                            وفوائد عسكرية:بسرعة نقل الجيوش إلى جبهات القتال كما حدث في حروب اليونان(1897)والبلقان(1912)والحرب الكبرى(العالمية 1914)[47].
                            ولكن الآثار لم تقتصر على الفوائد لأن الأطراف التي موّلت هذه الخطوط الحديدية كان لها نصيبها من الإفادة،وليست المشكلة هنا بل في أن فائدة الغربيين كانت على حساب العثمانيين وأدت إلى الإضرار بهم:فمن ذلك تقسيم الدولة إلى مناطق نفوذ بين الدول الكبرى حسب هوية الاستثمارات الغالبة في كل منطقة وهو ما تطور بعد الحرب الكبرى الأولى إلى تقسيم الدولة نفسها بين الإنجليز والفرنسيين وفق ما حازه كل طرف فيما سبق،كما ساهم انتشار البضائع الغربية الرخيصة في تدمير صناعات محلية وتغير توجه التجارة العثمانية التي كان معظمها داخلياً نحو التجارة مع الخارج لاستيعاب بضائعه وتزويده بالمواد الأولية[48].
                            ومن السلبيات الظاهرة التي أشار إليها المؤرخون الاقتصاديون الضمانات الكيلومترية التي منحتها الدولة العثمانية لأصحاب الامتيازات الذين أنشئوا السكك وضمنت لهم بها حداً أدنى من الأرباح عن كل كيلومتر يتم بناؤه،ومن المؤرخين من رأى ثمن هذه الضمانات مرتفعاً جداً ومنهم من رآها وسيلة رئيسة لنهب الدولة نهبا ربويا على يد رأس المال الأجنبي[49]،وهناك أيضا من رأى أن التقدم الذي أحرزته القطارات في الدولة العثمانية وصل إلى نقطة استيعاب الأضرار التي نتجت عن هذه الضمانات وأن المستقبل كان سيشهد مزيدا من التقدم[50]،ويجمل هرشلاغ الرأي بالقول إن تعهد الحكومة العثمانية بحماية المستثمرين له مبرر اقتصادي خصوصاً إذا كان المشروع حيوياً،ولكنه يلوم المستثمرين الأجانب الذين جاوزوا المعقول حين طالبوا في نفس الوقت بالنقيضين:حرية الحركة لرءوس أموالهم من ناحية،والتدخل الحكومي لصالحهم من ناحية أخرى،وهو اعتراض يتضاعف في بلد متخلف يعاني النقص في رؤوس الأموال وحالته المالية توقعه بصورة متزايدة ومستمرة في أنياب الدائنين واستعبادهم[51]،ويرى شارل عيساوي أنه رغم السلبيات التي صاحبت إنشاء القطارات فلم يكن لها بديل[52].
                            ويلاحظ أن قسماً من الفوائد التي عادت على الدولة العثمانية من بناء السكك الحديدية كان لها نتائج سلبية على المدى البعيد لأنها كانت جزءاً من عملية اندماج بالسوق الغربي واقتصاده وليست تطوراً ذاتياً يؤدي إلى نهضة اقتصادية مستقلة كالتي حدثت في أوروبا نفسها،ويرى الدكتور جورج قرم أن تحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية إلى الغرب عطل أثر التنشيط التحديثي المتوقع من هذه الاستثمارات[53]،وقد كانت المبالغ التي خرجت من الدولة إلى المستثمرين والمقرضين بين سنتي 1854-1914 أكبر من المبالغ التي دخلتها[54].
                            ومن تلك النتائج السلبية التي ترتبت على المزايا العاجلة للسكك انتشار الزراعة التجارية[55]،أي زراعة محاصيل لأجل التصدير،مع الابتعاد التدريجي عن زراعة القوت التي تكفي السكان ذاتياً،وكان تطبيق التنظيمات جعل زيادة الإنتاج الزراعي ممكناً بتركيز السلطة وتحسن الأمن وتسجيل الأراضي وفق قانون 1858 وزيادة المساحات المستصلحة[56]،في الوقت الذي جعل تغلغل الاقتصاد الغربي بوسائل المواصلات الحديثة عملية الارتباط به أكثر احتمالاً،وقد حولت الزراعة التجارية في ذلك الوقت أقاليم أخرى في العالم من الاكتفاء الذاتي إلى الاعتماد الكلي على الأسواق الغربية في تصريف المادة الأولية التي يتخصص بها إقليم ما وفي التزود بالغذاء الذي لم يعد يُزرع في هذا الإقليم كما فعل الاحتلال البريطاني في مصر فيما بعد،ومع أن الزراعة التجارية وفرت للدولة العثمانية موارد مالية إضافية على المدى القصير،فإنها كانت جزءاً من اندماج في السوق الغربية التي اجتاحت العالم ولو تحقق مرادها لتحولت الدولة إلى الإنتاج الزراعي الأحادي الذي يفقدها اكتفاءها ويجعلها ملحقاً بالاقتصاديات الغربية لتتفرد أوروبا بالإنتاج الصناعي الذي يزيد قوتها وهيمنتها على العالم،ولهذا فقد ترافق التحول نحو زراعة التصدير مع زيادة الطلب على الصناعات الخارجية مما ترك آثاراً سلبية على الصناعات المحلية التي كانت تتكامل في السابق مع الزراعة المحلية وتكفي حاجات المجتمع من البضائع المصنعة وتجعله مستقلاً بنفسه ومكتفياً بذاته.
                            ومن هذه الفوائد التي تحولت إلى أضرار بعيدة المدى أن التوسع التجاري مع الغرب الأوروبي أثّر سلبا على التجارة الداخلية بين أجزاء الدولة العثمانية والتي كانت تحتل المكانة الأولى بلا منازع إلى زمن التغريب،فكانت السكك الحديدية تنقل 75% من صادراتها إلى الأسواق الأوروبية مما أدى إلى تراجع التجارة البينية داخل الدولة[57].
                            وكانت نتيجة الاختلاف بين ظروف السكك الحديدية في مواطنها الأولى الأوروبية والأمريكية وظروفها في الدولة العثمانية أنها لم تؤد للعثمانيين ما أدته للغرب الأوروبي من نهضة صناعية ويعزو شارل عيساوي ذلك إلى التباين في مجمل البنية الاقتصادية في الحالتين[58]،إذ كانت السكك الحديدية الغربية جزءاً عضوياً من نهضة عامة أدت دورها فيها،أما في الحالة العثمانية فكانت امتداداً لاقتصاد إمبريالي تلاقى مع بعض الحاجات المحلية وحاول استنزافها لصالحه مما جعل السكك هنا عائقا في بعض الأحيان أمام النهضة المحلية نتيجة التسهيلات التي قدمتها للتغلغل الإمبريالي في التجارة والصناعة والزراعة التي لم يتح لها مجال النمو الذاتي كما لو كانت متفردة بالساحة الوطنية،والفقرة التالية تؤكد التضارب بين مصالح الداخل والخارج.

                            بناة السكك الحديدية يعارضون بناءها خارج سيطرتهمولم يقتصر الأذى الغربي على ما سبق وبدا فيه التباين بين ممارسات الغربيين داخل مجتمعاتهم وأفعالهم مع غيرهم،بل ظهر تعمد الأذى واضحاً في معارضة دول أوروبا الكبرى وبخاصة بريطانيا مشاريع سكك حديدية عثمانية كان الغرض منها إعادة إيقاظ هذه المنطقة وبث الحيوية فيها وإشاعة الازدهار الذي كانت تنعم فيه في الماضي،وأبرز هذه المشاريع سكة حديد الحجاز التي كان من المخطط أن تربط العاصمة استانبول باليمن وسكة حديد بغداد التي تربط بين برلين والكويت عبر استانبول وقد رأت بريطانيا على وجه الخصوص وبقية أوروبا في هذه المشاريع ما يناقض مصالح هيمنتها فعملت بكل طاقتها لتعطلها وتعرقل إنشاءها مما يؤكد مرة أخرى أن إقدام رءوس الأموال الأجنبية على إنشاء بعض الخطوط الحديدية داخل الدولة بالإضافة إلى مشاريع أخرى في البنية التحتية لم يكن المقصود منها “نشر الحضارة” أو”تمدين الشعوب المتخلفة”،أو حتى تبادل المنافع مع الآخرين،بل كان المقصود منها هو تحصيل المنافع تحصيلاً حصرياً ومنع الفائدة عن الغير في أية لحظة تصطدم مع خطط الهيمنة والسيطرة وحب الاستئثار بجميع الخيرات،أي أن الغرب لا يقدم “مساعدة” دون أن يكون عائدها راجعاً إليه وبشرط ألا تساعد غيره على مزاحمة أطماعه.


                            مجمل نتائج “الإصلاحات” التغريبيةليس من العجيب بعد كل هذا أن تأتي الإصلاحات التغريبية بعكس ما قصد منها في البداية،ويقول المؤرخ الاقتصادي البريطاني روجر أوين إن هدف الإصلاحات كان تمكين العثمانيين من الصمود في وجه الخطر السياسي والعسكري المتزايد من جانب بريطانيا وأوروبا بالتدخل في شئونهم،ولكن بعد تطبيق هذه الإصلاحات “جاء تأثيرها الرئيس عكسياً تماماً لما كان مستهدفاً في الأصل”،إذ بدلاً من الحصول على مزيد من الاستقلال عن بريطانيا وفرنسا وروسيا،أصبحت الدولة العثمانية ومصر أكثر تبعية،وبدلاً من السيطرة على التغلغل الاقتصادي الغربي،”أصبحت عملية التغلغل برمتها أكثر سهولة بما لا يقاس”[59]،وقد كانت الإصلاحات “هي ذاتها تنازلات للدول الأجنبية وللأقليات القومية”،ولهذا فإن الفوائد الناتجة عن المصالح الأجنبية التي أنتجت هذا التغريب “كان إسهامها في تقدم السكان المحليين عارضاً تماماً”،لأن طبيعة التغلغل-كما ظهر في مجال السكك الحديدية-غير متناسقة ولا تؤدي دوراً داخلياً متكاملاً لأن هدفها التكامل مع الاقتصادات الخارجية ذات الاحتياجات المختلفة عن احتياجات الداخل،ولهذا فقد تحطمت بنية المجتمع الشرقي القديمة ولكن دون أن تحل محلها بنية جديدة قادرة على البقاء[60]،وهو نفس ما يحدث في يومنا هذا حين تكون الآثار الإيجابية للتغريب الاقتصادي الذي تمارسه المؤسسات المالية الدولية يعود بعضها “للصدفة أكثر من كونها نتيجة لرغبة حدت بمن قاموا بها،فقد كان هدفها الأول ولعله الوحيد تسديد الديون ورفع العقبات التي تعيق فتح الاقتصاديات الوطنية بالكامل”[61]،فالقصة إذن هي نفسها منذ بداية الاختراق الغربي للعالم ولم تؤثر فيها آلية التصحيح الذاتي المزعومة في الحضارة الغربية الديمقراطية.

                            ولو وضعنا الحوادث في سياقها التاريخي في ذلك الوقت الذي كان فيه مفكر بارز مثل كارل ماركس يسعى لإزالة الرأسمالية من جذورها ومع ذلك كان مقتنعاً بدورها الحضاري المؤقت ولم يكن مطلعاً بعد على التناقضات التي ظهرت منها في هذا المجال[62]فما بالنا بغيره؟فإننا حينئذ ربما خففنا الحكم على طائفة المتغربين الأوائل،أو من ظهر فيما بعد أنهم كانوا من العملاء،إذ كما يقول المؤرخ المعروف إريك هوبزباوم”ربما كانوا يرون أن الأجانب،بقوتهم التي لا تقهر،سيساعدونهم على تحطيم أغلال التقاليد،بما يتيح لهم أن يقيموا في ما بعد مجتمعاً قادراً على الوقوف في وجه الغرب”[63]،وبالفعل فإنه حتى رجال الدولة العثمانية من المتغربين،فضلاً عن المعادين للغرب الذين عرفوا حقيقته قبل غيرهم،كانوا يرون أن مكان دولتهم بين القوى العظمى ولذلك لا بد من تقويتها لتحقيق هذا الهدف[64]،وذلك على عكس ساسة دول الاستقلال الوهمي والتجزئة المجهرية التي نشأت على أنقاض العثمانيين وكان الضعف والتبعية من صفاتها البنيوية ولهذا كان أولئك الساسة يستمرئون الذل والمهانة علي أيدي الغربيين والتبعية لهم دون أي طموح أو تطلع لمناوأتهم أو منافستهم أو رد عدوانهم.
                            ولقد حققت الدولة العثمانية كثيراً من الإنجازات في هذه المرحلة في القرن التاسع عشر،فقد استخدمت نصف مليون موظف مدني مع نهاية القرن تمكنوا من إدارة أموال الدولة،وقاموا بوظائف تتصل بواجبات الحكومات الحديثة،إذ أداروا المستشفيات ومراكز الحجر الصحي،ومئات المدارس،ومزارع وحقول نموذجية بالإضافة إلى مدارس زراعية،كما بنوا طرقاً سريعة وخطوط البرق الكهربائي(التلغراف)،وسككاً حديدية مع صيانتها[65]،ومن المفارقات أن دفعة التحديث الكبرى تمت في عصر السلطان عبد الحميد الثاني الذي اتبع سياسة إسلامية وناهض التغريب الثقافي كما مر،ولكن “في الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية العثمانية تكافح لإصلاح ذاتها والحفاظ على وجودها دولة حديثة،اضطرت في البداية إلى أن تستنزف مواردها المحدودة لتحمي شعبها من القتل على يد أعدائها ثم إلى أن تحاول أن تقدم الرعاية للاجئين الذين تدفقوا إلى الإمبراطورية عندما انتصر هؤلاء الأعداء…لم يكن للدولة العثمانية “فسحة للتنفس” لترتيب بيتها من الداخل،كانت هناك حاجة إلى الوقت لبناء دولة وجيش حديثين.كانت هناك حاجة إلى الوقت لخلق الاقتصاد الصناعي الذي كان أساس الدولة القوية.لم يتح أعداء العثمانيين،خصوصاً روسيا،لهم هذا الوقت” كما يقول المؤرخ الأمريكي جستن مكارثي[66]،ولهذا تمنى السلطان عبد الحميد أن تتاح له عشر سنوات من السلام وعدم التآمر الغربي ليتفرغ للبناء كما تفعل اليابان البعيدة عن وكر الوحوش الأوروبية[67]، ،ويكفي أن تتحدث الأرقام عن حجم الاستنزاف الغربي الذي كان يمتص ثلث الموارد العثمانية لخدمة الديون ويضطرها إلى إنفاق أكثر من 60% من إيراداتها على الجيش ومستلزماته حسب إحصاء سنة 1907-1908 وفقاً للمؤرخيْن شو،فماذا تبقى للتنمية؟ومع ذلك فقد تمكن برنامج السلطان عبد الحميد للإصلاح الاقتصادي من تحقيق ما وصفه المؤرخان شو بأنه “زيادة ضخمة” في مجمل إيرادات الدولة وصلت إلى 43% في نهاية عهده (ص 225)،ولا نستطيع الرجم بالغيب في مستقبل بلادنا آنذاك لو تحققت هذه الأمنية،فتدخل المصالح الغربية التي هي جزء لا ينفصل عن الفلسفة الغربية قطع علينا هذا الطريق كما قطعه على كثير من الأمم الأخرى،ولم يكن بإمكان العثمانيين أن يحققوا في أجيال قليلة ما احتاجت أوروبا لتحقيقه خمسة قرون[68]حتى لو ساروا على نهجها،ويلاحظ المؤرخ هوبزباوم أن سياسات التغريب منيت بالإخفاق ويدلل على ذلك بمصير البلاد التي اختارت هذا الخيار كمصر والصين،ويتساءل:هل حققت البلاد التي اختارت التبعية للغرب أي منافع تعوض هذا الخضوع؟ويجيب بالقول إن”أغلب الشعوب في العالم الثالث لم تكن،على ما يبدو،قد حققت أية فائدة ذات شأن من التقدم غير المسبوق الذي حققه الغرب”[69].
                            المقاومة الاقتصادية العثمانيةرغم كل العوائق السابقة التي وضعها التغريب،ووضعتها الدول الكبرى أمام الدولة العثمانية لابتزازها ومنع نهوضها فقد امتلكت هذه الدولة مجالاً موحداً ذا إمكانات واسعة مكنها رغم الضعف والتراجع من مقاومة عوامل الهزيمة فتمكنت حتى آخر لحظاتها من تحقيق إنجازات تبين حجمها بعد سقوطها وقيام دول الاستقلال والتجزئة مكانها حين لم تستطع هذه الدويلات حتى الرجوع إلى النقطة التي تسلمتها من الدولة العثمانية وانطلقت منها في مسيرتها الوطنية، فاستمر تراجعها بالاستسلام المطلق للغرب المستعمر رغم الإمكانات التي امتلكتها ورغم الاستقلال الذي نالته بكفاح شعوبها ولكن مجالاتها الضيقة والمتناحرة لم تترك لها إلا حيز الهزيمة والخنوع.

                            وكان لاحتفاظ العثمانيين باستقلالهم السياسي وقوة عسكرية لابأس بها دور كبير في تمكينهم من مقاومة المشاريع الاقتصادية الغربية خلافا لحال المستعمرات وأشباهها حيث كانت الهيمنة لطرف استعماري واحد،في الوقت الذي لم تتمكن دولة استعمارية واحدة من السيطرة على الدولة العثمانية وظلت دول أوروبا تتنافس فيما بينها للحصول على المكاسب من النخبة العثمانية الحاكمة التي تمتعت بهامش واسع للمناورة والتفضيل بين هذه القوى،وظل تغلغل رأس المال الأجنبي في المجال العثماني أقل من المستعمرات الرسمية وأشباهها،كما ظلت هناك حدود لمدى التنازلات الممنوحة لرجال المال والأعمال الأجانب[70]،وكل هذه الصفات انعدمت في المستعمرات وأشباهها التي امتدت على رقعة الكرة الأرضية في القرن التاسع عشر بسبب السيطرة الاستعمارية الشاملة على معظم أرجاء العالم.
                            وقد تنوعت وسائل المقاومة العثمانية حسب الموقف،سواء كان الطرف الأجنبي دائناً أو مستثمراً أو تاجراً أو حتى حكومة دولة كبرى،ويصف المؤرخ كواترت السياسة الاقتصادية العثمانية بأنها كانت “مرنة وخلاقة،تعطي فقط الحد الأدنى لتحقيق الأهداف المطلوبة”،كما أن المخاطر التي تواجه الشركات الأوروبية كانت”تزيد بفعل الاستقلال السياسي الذي يمارسه النظام العثماني”[71]،ويقول أيضا إن الحكومة العثمانية احتفظت باستقلالها وحمت الجماعات المقاومة والمتمردة من كثير من تبعات التدخل الأوروبي المباشر[72].
                            1- المقاومة التجارية:
                            أ-الحماية الجمركية:
                            ففي مجال الحماية الجمركية تمكنت الدولة العثمانية من انتزاع موافقة الدول الكبرى على زيادة الضرائب ثلاث مرات، بين عقد معاهدات التجارة الحرة(1838)التي وُقعت في ظروف الهزيمة واقتضت موافقة الأطراف الأوروبية على زيادة الضرائب على بضائعها،وإلغاء الامتيازات(1914)حين انتهت كل القيود السياسية والاقتصادية الغربية على الدولة العثمانية،ويصف كواترت سياسة الجمارك العثمانية بأنها لم تكن مجرد استجابة للضغوط الخارجية بل كانت أيضا “جهداً لحفز الاقتصاد بتقوية الصادرات وحماية الصناعيين المحليين”[73]،ولهذا فقد قامت الدولة بإلغاء معظم الرسوم على التجارة الداخلية بحلول سنة 1874[74]،وفي السنة التالية تجاوزت القوانين في تخفيض الضرائب على الصادرات وذلك لصالح التجار المحليين[75]،وقد كانت السياسة الحمائية العثمانية “أحد التصدعات المبكرة في الهيمنة العالمية البريطانية”[76]،وكان هذا “الانقضاض العثماني على التجارة الحرة” تحدياً استبق “قبل عقد من الزمن الهجمات العالمية على التجارة الحرة البريطانية التي ميزت الربع الأخير من القرن التاسع عشر”[77]،وقد حارب أنصار الحماية الجمركية العثمانيون ضد مواطنيهم الليبراليين، والأوروبيين “بكل قوة” إلى أن “ساد في النهاية دعاة الاقتصاد الوطني المحمي على حساب المدافعين عن التجارة الحرة”[78]،واللافت للنظر أن هذا حدث بعد ثورة جمعية الاتحاد والترقي سنة 1908 مما يدل على أن توجه التغريب العثماني لم يكن تابعاً للغرب وذلك بحكم سيطرة منطق الدولة العظمى على رجال الدولة العثمانيين بطريقة لا يقبلون معها وضع التبعية الذي قبِل به فيما بعد ساسة الاستقلال الوهمي والتجزئة المجهرية.
                            ب-الاستيراد والتصدير:
                            وفي مجال الاستيراد والتصدير ظلت التجارة بين أجزاء الدولة العثمانية حتى آخر أيامها تتفوق كثيراً على تجارتها الخارجية[79]وذلك رغم معاهدات التجارة الحرة التي سهلت التجارة مع أوروبا، “وظلت الأجزاء الباقية من الامبراطورية تكوّن وحدة تجارية واحدة لا تؤثر فيها الحدود أو الحواجز الجمركية والقيود التي ستقوم بينها بعد تحطيم الإمبراطورية في الحرب،وكان هذا التدفق الداخلي الحر للسلع ذا أهمية كبيرة لتركيا وللأقاليم التابعة لها على السواء”[80]،وذلك في زمن الهيمنة الأوروبية على العالم حين كانت التجارة الخارجية هي وسيلة النهب الاستعماري للمستعمرات مما جعلها تطغى على التجارة المحلية في أجزاء العالم المختلفة[81]،وظل قطاع التجارة الخارجية العثمانية قطاعاً محدوداً،وهذا من دلائل استقلالها[82]،ويشبه الاستيراد فيه في العقد الثاني من القرن العشرين استيراد دولة صغيرة[83]،أي أن الدولة العثمانية لم تكن معتمدة على الاستيراد لتلبية حاجاتها مع أنها كانت في أضعف حالاتها وهي تلفظ آخر أنفاسها، أما التصدير فلا يعتمد على سلعة واحدة بل على مكوّنات عديدة[84]،وهذه الحقائق تناقض ما حدث زمن الاستقلال والتجزئة،فحجم التصدير العثماني عشية الحرب الكبرى(1914)وصل إلى14% من الناتج الإجمالي،أما الاستيراد فوصل إلى 19%،أما عند ولاية مصر، التي حاول حكامها الاستقلال عن الخلافة فوقعوا في براثن الاحتلال الأجنبي، في نفس الزمن فوصلت الأرقام إلى 34% و28% [85]أي ما يقارب الضعف،وعند الحديث عن عهد دولة الاستقلال نجد التجارة الخارجية قد وصلت إلى73% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية و87% للدول النفطية في سنة 1975 مثلاً[86]،والتصدير العربي يعتمد على منتج واحد هو النفط( 90% سنة 1979)ولولاه لما غطى الناتج المحلي الإجمالي قيمة التجارة الخارجية مما يشير إلى شدة الاعتماد على تصدير المنتج الواحد[87]وهو ما يؤكد ارتفاع مؤشر التبعية[88]،أما التجارة البينية بين دول الاستقلال والتجزئة العربية فمازالت ضآلتها “أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاديات العربية” كما جاء في تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية والاجتماعية العربية في سنة 2007،إذ لا تكوّن هذه التجارة أكثر من 8% من تجارة البلاد العربية الإجمالية وهو رقم يراوح مكانه منذ عشرات السنين(مقارنة بأرقام الدكتور صايغ في بداية الثمانينات مثلاً[89])،ويعزو الدكتور عبد الوهاب الأمين فشل جهود التكامل العربية إلى هيمنة اعتبارات السيادة الوطنية[90].
                            ج-اختيار العلاقات التجارية:
                            وكانت الدولة العثمانية قادرة على الاختيار في علاقاتها الاقتصادية كما في علاقاتها السياسية التي مر ذكرها في وقت خضع معظم العالم للسيطرة الاستعمارية وشبهها،وهذا من دلائل الاستقلال الحقيقي[91]رغم الضعف والتراجع،فبعدما كانت بريطانيا تهيمن على التجارة والاستثمار والديون في الدولة العثمانية،هبط نصيبها من الدين العثماني بنسبة الثلثين بين 1881و1914 في الوقت الذي زادت المساهمة الألمانية ثلاثة أضعاف[92]،كما تدهورت أهميتها التجارية بالاشتراك مع فرنسا[93]،وتضاءلت أهميتها الاستثمارية كذلك بعدما كانت أكبر مصدر لرأس المال الأجنبي في الدولة العثمانية[94].
                            د-استهلاك البضائع:
                            يذكر المؤرخ شوكت باموك إنه رغم جهود ممثلي وزارة الخارجية البريطانية وممثلي مصانع نسيج لانكشاير في بريطانيا، لم تتمكن هذه المصانع من إنتاج النوعية التي يفضلها سكان الشرق من الأقمشة القطنية، وأن هذه الاستمرارية للتفضيلات الشرقية جعلت من الأفضل أن يتم نسيج الخيوط المستوردة في البيوت القروية أو في المؤسسات الصناعية التي تستجيب لهذه الأذواق في المدن، وأن بقاء هذه المؤسسات إلى الحرب الكبرى الأولى يجب أن يُعزى إلى هذه الميزة التي حافظت على ذوقها في سوق النسيج العثماني، وأن هذه المؤسسات الإنتاجية التي تركزت في حلب وجوارها لم تكن تنتج للاستهلاك المحلي فقط بل كانت تصدر للأناضول ومصر (ص 124)، وقد فشلت المنتجات الأوروبية كذلك في الاستحواذ على سوق الأنسجة الصوفية التي حافظت على خياراتها المحلية أكثر من المنتجات القطنية (ص 197).
                            2- المقاومة الزراعية
                            وتمكن العثمانيون من مقاومة التغريب الاقتصادي في حقل الزراعة أيضا والذي برز فيه أكثر من غيره قوة السلطة المركزية العثمانية،إذ استخدمت الحكومة المركزية قوتها النسبية في وضع حد للتدخلات الأجنبية التي أرادت تحويل الدولة العثمانية إلى الإنتاج الزراعي الأحادي ليتلاءم مع حاجة السوق الغربية،ورغم ازدياد الارتباط بالصناعات الأجنبية التي استوردت المواد الأولية من العثمانيين،ظل الإنتاج الزراعي متنوعاً لأن الزراعة العثمانية أظهرت “ميلاً ضعيفاً نحو زراعة المحصول الواحد،بل على العكس،فبمرور الوقت لم يكن الإنتاج الزراعي والصادرات إلى الخارج أكبر حجماً وحسب،بل أكثر تنوعاً أيضاً”[95]،وهو ما نتج عنه تنوع الصادرات في ميدان التجارة كما مر[96]،وظلت ملكية الأرض الصغيرة والمتوسطة هي السائدة في الدولة لأنها تلائم مصالحها الضريبية[97]على عكس المصالح الأجنبية التي تستفيد من الملكيات الواسعة كما سيأتي[98]،كما كانت الدولة في سنواتها الأخيرة متوازنة بين استيراد وتصدير الحبوب[99]استمراراً لتاريخ طويل من الاعتماد على الاقتصاد الزراعي الذي يولي اهتمامه بما سماه هرشلاغ زراعة القوت،تحولت بعدها الدول التي نشأت على المساحة العثمانية إلى الاعتماد على الاستيراد بعدما حولتها السلطات الاستعمارية إلى الزراعة الأحادية لتلبية الحاجات الغربية،فتحولت بلد مثل مصر من “سلة الخبز العظيمة للامبراطوريات على مدى آلاف السنين”[100]إلى أن أصبحت في ظل حكم البريطانيين “تعتمد بصورة خطيرة على محصول واحد(هو القطن)،بحيث أنها فقدت أية سيطرة كانت تتمتع بها على مصيرها الاقتصادي”[101]،وقد عزز الإنجليز نمط زراعة القطن في مزارع كبيرة “ممهدين بذلك لجملة المشكلات التي كانت مصر ستبتلى بها في القرن العشرين”[102]،وذلك حين أصبحت أسيرة المعونات الغذائية الأمريكية،أما فلسطين فقد “كانت تصدر،قبل الحرب العالمية الأولى،القمح والشعير إلى البلدان الأوروبية وإلى مصر وتركيا،باتت في عهد الانتداب،تحتاج إلى استيراد القمح والطحين حتى في السنين التي تكون جودة الغلال فيها فوق المعدل”[103]،وذلك بعدما حولها الانتداب إلى زراعة الحمضيات وحدها.
                            وقد استمر العجز الغذائي عند دول الاستقلال والتجزئة التي تستورد أكثر من نصف حاجاتها من الحبوب والزيوت النباتية والسكر ونسب عالية من البقوليات ومنتجات الألبان حسب أرقام سنة 2009[104]حين دفعت البلدان العربية أكثر من 27 مليار دولار ثمنا لغذائها المستورد وهو ضعف رقم سنة 2000[105]،وقد لجأت دول الغرب إلى الرد على زيادة أسعار النفط بزيادة أسعار الغذاء[106]وهددت باستخدام “سلاح الغذاء”[107]في مقابل سلاح النفط كي لا يستفيد العرب من ثرواتهم في دعم قضاياهم،وهو مؤشر على عمق أزمة دول الاستقلال والتجزئة التي فقدت أمنها الغذائي.
                            3- المقاومة المالية
                            بعد إعلان الإفلاس العثماني(1875)والحرب العثمانية الروسية(1877-1878)التي زادت عبء الديون العثمانية،استغل السلطان عبد الحميد الخلاف بين الدول الكبرى في مؤتمر برلين(1878)ليعلن للدائنين أن عليهم دمج هذه الديون وتخفيض قيمة خدمتها “وإلا فلن ينال أحد منهم شيئاً”من أمواله مما سيسبب كارثة مالية تعم أوروبا حين يفقد الآلاف من حملة السندات كل ما يملكون[108]،وبالفعل تم التوصل إلى تسوية جنبت الدولة مصير ولايتيها المصرية والتونسية اللتين حرصتا على”الاستقلال”عنها بدعم أجنبي فسقطتا بعد الإفلاس في فخ الاحتلال الأوروبي الذي كان يسره استغلال فكرة الاستقلال عند الولاة لينفرد بهم، كل على حدة،ومن طريف المفارقات أن الشخص الذي تولى حكم مصر حكماً مطلقاً باسم الاحتلال البريطاني،وهو اللورد كرومر،حاولت بريطانيا أن تفرضه وزير مالية على الدولة العثمانية قبل ذلك كما فرضت على مصر المراقبين ثم الوزراء الأجانب وكان كرومر نفسه من ضمنهم فيما سبق تعيينه مندوباً سامياً،ورغم أنه قبِل الترشيح الجديد للوزارة في استانبول،فإنه “تبين أن الحكومة العثمانية ليس لها رغبة في طرح هذا الموضوع”[109]،وهو حدث يتجلى فيه الفرق الكبير بين مصير الدولة الجامعة ومصير ولايتها “المستقلة” التي رزحت تحت عبء هذا المستبد ربع قرن بعد ذلك(1883-1907)،واستطاع الباب العالي “أن يخرج من عراكه مع دائنيه فائزاً منتصراً واضطر حملة السندات التركية وهم صاغرون أن يقنعوا بالقليل الذي قسم لهم”[110]،فقد خفضت قيمة الديون القديمة إلى 15% فقط من قيمتها الإسمية والديون الحديثة إلى50%،وحاول القيصر الروسي استغلال حاجة السلطان الذي طلب إليه تخفيض تعويضات الحرب بالاشتراط عليه الحصول على تأييد عثماني للسياسة الروسية،فرفض السلطان رفضاً قاطعاً بيع مواقف بلاده وفضّل دفع تعويضات لمئة سنة-كما تم الاتفاق فعلاً على ذلك-على قبول إملاءات أجنبية مهما كان الثمن المدفوع[111]،ويمكننا هنا أن نعقد مقارنة مع دول الاستقلال والتجزئة التي أصبحت تبيع مواقفها وفق المعروض من الأثمان كما اتضح ذلك في أكثر من أزمة مرت ببلادنا.
                            وقاومت الدولة العثمانية كذلك هيمنة الدائنين على مواردها التي كرست لسداد الديون،ومن أوضح الأمثلة على ذلك موقفها السلبي من احتكار الريجي للتبغ الذي تفرع عن إدارة الديون العمومية سنة 1883 وكان مختصاً بالتحكم بإنتاج واستهلاك التبغ داخل الدولة لصالح استيفاء الدائنين الأوروبيين أموالهم،ورغم وجود نتائج إيجابية لمهمة هذا الاحتكار فإن الأثر السلبي الذي نتج عن وضع قسم من رعية الدولة تحت سلطة أجنبية تحدد لهم أنظمة الزراعة والإنتاج وما يتبعها وضع الدولة ومواطنيها أمام تحديات فرضتها أوضاع الإفلاس والضعف،ولكن ذلك لم يؤد إلى الاستسلام وقاد إلى أشكال من المقاومة أبرزها عملية تهريب التبغ الذي فتح فرصاً أمام المزارع العثماني للبيع وجنبه سلبيات أنظمة الاحتكار،وقد دعمت الدولة عمليات التهريب بالتغاضي عنها وعدم التعاون مع إدارة الاحتكار على قمعها واتخاذ إجراءات تحد من سلطته وقد اشترك الموظفون الرسميون في عمليات التهريب لأن مناوأة الاحتكار كانت من دلائل الولاء للدولة مما سبب له خسائر جمة ودفعه لاتهام الحكومة بسوء النية لتفضيلها مصالح رعيتها وأن سياستها هي السبب في خسائر الاحتكار وأن ذلك نابع من “التعصب الإسلامي العنيد” ضد التجديد الغربي،ويؤكد المؤرخ كواترت أن سياسة الحكومة هي السبب في نجاح المقاومة[112]،وتذكر دائرة المعارف الإسلامية أن جميع الأوساط العثمانية قاومت إدارة الديون العمومية[113]،وهي الأصل الذي تفرع منه احتكار الريجي.
                            هذه الصورة تناقض ما حدث في ولاية مصر”المستقلة” التي هيمن عليها الدائنون زمن ولاية الخديو إسماعيل وانتزعوا أموالهم بكل وحشية من الفلاح المصري رغم المجاعة التي أصابت الصعيد سنة 1878 ومات فيه ما لا يقل عن عشرة آلاف نسمة غير من قتلته الأمراض،ومع ذلك أصرت الحكومة البريطانية المتحضرة على وجوب سداد أقساط الديون في موعدها لأن الدائنين يجب ألا يتحملوا آثار “الحال المحزنة التي لم يكونوا السبب فيها”!،وترك مؤلف تاريخ المسألة المصرية لخيال القارئ تصور الطرق التي جمعت فيها الأموال من الفلاحين في هذه الظروف[114]،وذكّر السير جوليان جولد سميد في مقال كتبه في صحيفة التيمس في 23/8/1879 الدائنين بأنه لو اقتدى الخديو اسماعيل بما فعله السلطان عبد الحميد مع الدائنين من إلغاء ديونهم بدل دفع ربح باهظ لظل الخديو جالساً على عرشه ولكان المصريون أسعد حالاً بكثير مما وصلوا إليه[115].
                            4- المقاومة ضد المستثمرين
                            رغم أن المستثمرين كانوا يخدمون برامجهم الخاصة عند إنشاء استثماراتهم وبهذه الطريقة قاموا بتشويه الهياكل الاقتصادية المستقلة والمكتفية ذاتياً في المستعمرات وإلحاقها باحتياجات الاقتصادات الغربية،فإن الدولة العثمانية تمكنت في كثير من الأحيان من فرض مصالحها على هؤلاء المستثمرين الذين كان عليهم أخذها بالحسبان عند تنفيذ مشاريعهم،وقد أشار هرشلاغ إلى أن نمط الاستثمار في الدولة لم يتحدد بدوافع الربح والتخطيط الأجنبي فقط بل أيضا باهتمامات السلطان العثماني والباب العالي[116]،كما تمكنت الدولة من تنفيذ مشاريع قطارات ضخمة وقفت الدول الكبرى ضدها وبخاصة بريطانيا التي فعلت كل ما تستطيع لعرقلة مد سكة حديد الحجاز ومع ذلك بنيت بأموال المسلمين من كل بقاع العالم[117]،وكذلك فعلت مع سكة حديد بغداد التي مد قسم كبير منها بأموال ألمانية وسيطرة عثمانية، وليست ألمانية،على المشروع[118]،وكانت الدولة تلغي المشروع الاستثماري الأجنبي أحياناً إذا لم يلتزم بشروطها بغض النظر عن تدخلات القناصل، كما حدث في مشروع سكة حديد حيفا-دمشق البريطاني الذي فضلت عليه مشروع سكة حديد بيروت-دمشق الفرنسي ولما اتبع هذا الأخير سياسة لم تلائم العثمانيين بنوا بموازاته خطاً آخر ليكون جزءاً من مشروع الحجاز الكبير وينافس المشروع الفرنسي.
                            ولم يتمكن رأس المال الأجنبي من الهيمنة على عمليات الاستثمار في الدولة العثمانية،إذ ظل إلى ما قبل اندلاع الحرب الكبرى الأولى لا يتجاوز 10% من مجموع الاستثمار الداخلي[119]،وقد أشار الدكتور إبراهيم العيسوي إلى أن انخفاض نسبة الاستثمار الخارجي إلى الاستثمار الداخلي من صفات استقلالية الدولة[120].
                            5- المقاومة العقارية
                            رغم صدور قانون الأراضي سنة 1858 الذي كان من نتائجه تحويل الملكيات العامة إلى إقطاعات كبيرة لفئة محدودة من الملاك،فقد ظلت الملكية الصغيرة والمتوسطة هي الغالبة على أراضي الدولة إلى أواخر أيامها كما مر وذلك نتيجة جهود الدولة في دعم هذه الملكيات ومناوءة تكوّن الضياع الكبيرة التي لم تصبح ظاهرة إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين[121]،ومع أن ظهور الملكيات الكبيرة كان نتيجة لإجراءات التغريب،وهو من صفات أنماط الملكية في زمن السيطرة الانتدابية على البلاد العربية[122]،فقد قام كثير من المؤرخين المتغربين بوصم الدولة العثمانية بصفة الإقطاع بأثر رجعي ينسحب على كل تاريخها[123]،وذلك رغم الاختلاف الجذري بين ما سمي إقطاعاً عثمانياً والإقطاع الأوروبي بسماته المعروفة[124]،وأصبحت صورة الإقطاعيات الكبرى بما فيها من استغلال طبقي كبير ومظالم فادحة ضد الفلاحين مرتبطة في الإعلام السينمائي العربي بالباشا التركي، وهذا ظلم كبير لحقيقة الدولة العثمانية.
                            ورغم السماح للأجانب بتملك العقارات وفق الفرمان الهمايوني سنة 1856 وقانون 1867،فإن الملكية الفعلية لهم لم تكن ذات شأن”على الرغم من اهتمام القناصل المعاصرين باستحواذ الأوروبيين على الأرض العثمانية…وقد تحطمت الآمال الأوروبية بالحصول على مزارع شاسعة فيها عمالة مطيعة على صخرة عداء الموظفين العثمانيين وندرة العمالة الزراعية…كما كانت المحاكم العثمانية تعارض امتلاك الأرض من قبل الأجانب،بحسبما كان القناصل يشكون بلا كلل”[125]،ويذكر المؤرخ كواترت في مكان آخر أن امتلاك الأجانب الأرض في الدولة العثمانية لم يكن أمراً سهلاً نظراً “للمعارضة الداخلية لهذا الأمر من قبل بعض شرائح المجتمع العثماني”[126]،وقد أدت المقاومة العثمانية إلى إفشال جميع خطط الاستيطان الأوروبي فيها رغم معاناة الدولة العثمانية من قلة السكان التي كانت تغري أوروبا المتحفزة آنذاك لاستعمار العالم وتصدير مشاكلها السكانية إلى أطرافه،ولكن لم تتمكن دولة من دول الغرب،سواء بريطانيا[127]أو فرنسا[128]أو الولايات المتحدة[129]أو حتى ألمانيا حليفة العثمانيين[130]،من تحقيق مآربها بعدما رفض العثمانيون ذلك رفضاً قاطعاً ليبقى في بلادهم متسع للمضطهدين من المسلمين[131]الذين كانوا يعانون في تلك الأيام من العدوان الروسي والبلقاني بتشجيع من الدول الكبرى والذين هاجروا إلى الدولة العثمانية بأعداد كبرى قدرت بمدى يتراوح بين 5-7 ملايين نسمة في القرن والنصف الأخير من حياتها[132].
                            كما أن الدولة عندما قدمت هذا التنازل الذي يسمح للأجانب بالتملك العقاري اشترطت عليهم الخضوع للقوانين المالية ولوائح الضرائب العقارية العثمانية بالإضافة إلى خضوعهم للمحاكم العثمانية في المنازعات العقارية،وهو ما قاد المؤرخ عبد الرحمن الرافعي إلى عقد مقارنة بين”حدود الامتيازات الأجنبية في تركيا”و”اتساع حدود الامتيازات في مصر” حيث طغى سلطان الأجانب وأصبح المصريون تحت سلطة المحاكم الأجنبية في خلافاتهم مع هؤلاء الأجانب،وسبب كل هذا الضعف هو مجاملة الخديو اسماعيل للقناصل الأجانب ليحصل على تأييد دولهم في خلافه مع الدولة العثمانية مما جعل الرافعي يعجب من شعور الخديو بالخطر منها مع ضعفها ولا يشعر بالخطر من الاستعمار الأوروبي مصدر الخطر الحقيقي على مصر وقد كان هذا الخلل بسبب نزعة الخديو الأوروبية[133]،وفي هذا المثل أوضح دليل على نتائج النزعات التغريبية التي تؤدي دائما إلى الاستغلال ثم الاحتلال.
                            6- المقاومة الصناعي:
                            أ-الصناعات التقليدية:
                            ظلت الصناعة العثمانية تضاهي مثيلاتها العسكرية في أوروبا كما كانت بعض جماعات الحرفيين العثمانيين تنتج سلعاً في غاية الجودة إلى بداية القرن التاسع عشر[134]حين أعطت الثورة الصناعية ميزة للأوروبيين على غيرهم في تطوير قدراتهم،وفي الربع الأول من القرن التاسع عشر تضاءل تصدير الصناعات العثمانية،ولكن الدولة قامت ببناء صناعات حديثة في نصف القرن التالي رغم الآثار السلبية التي تركتها معاهدات التجارة الحرة ابتداء من سنة 1838،ويصف المؤرخ كواترت الوضع الجديد بالقول إن “تاريخ الصناعة العثمانية في القرن التاسع عشر أكثر تعقيدا وإبهارا”مما توحي به روايات الاضمحلال،وإن انبعاثاً صناعياً تم بعد الصدمة الأولى التي نتجت عن منتجات الثورة الصناعية في النصف الأول من ذلك القرن و”إن التكيف الناشط والمستمر مع الظروف المتغيرة،وليس الانهيار،هو الخاصية المميزة للصناعة العثمانية في القرن التاسع عشر،بل إن الإنتاج في بعض القطاعات وصل إلى مستويات قياسية عالية في أوائل القرن العشرين”[135]،وينتقد الاتجاه التاريخي الذي يقصر مفهوم الصناعة على الصناعة الآلية على الطريقة الغربية،ويدعو إلى إنصاف المنظور الداخلي ويلفت النظر إلى أهمية الصناعة في المنازل والورش حيث جرت “أهم التغيرات في إنتاج النسيج العثماني”[136]،ويدعو شارل عيساوي إلى عدم المبالغة في تصوير تراجع هذه الصناعات التي كانت تزود السكان بمعظم متطلباتهم من السلع المصنعة[137]،ويلاحظ شوكت باموك أن صناعة النسيج العثمانية،سواء التقليدية أم الحديثة تطورت في الفترة1880-1914 وساهمت في كبح الاعتماد المتزايد على الخارج،وأن النسيج اليدوي توقف في هذه الفترة عن الاضمحلال بل تضاعف إنتاجه[138]،وينقل روجر أوين عن أحد المؤرخين المعاصرين أن صناعة النسيج السورية “أظهرت مقاومة ملحوظة،وظلت تجد من الوسائل ما تدافع به عن نفسها ضد منافسيها من الأجانب”وأن أي تراجع “كان يعقبه على الفور تقريباً انبعاث جديد”وأن “معظم من كتبوا عن مصر والأناضول يعترفون بأن إنتاج الأقمشة في القرى ظل مستمرا طوال القرن التاسع عشر”،ويعزو ذلك الصمود إلى عدم قدرة الآلات الأوروبية على محاكاة الأقمشة المصنوعة من الحرير والخيوط الفضية والذهبية وغيرها من الأنماط المحلية التي يفضلها الشرقيون،بالإضافة إلى قدرة المنتجين المحليين على تطوير أدواتهم والتكيف مع الإختراعات المحدثة في مجال عملهم[139].
                            ب-الصناعة الحديثة:
                            وفي أواسط القرن ظهر الحي الصناعي في استانبول واحتوى على مصانع آلية ومصانع لسبك المعادن وأخرى للغزل والنسيج والطباعة بالإضافة إلى حوض لبناء السفن ومصانع بارود،وامتد بناء المصانع خارج العاصمة وخطط لبناء المزيد منها[140]، ويرى المؤرخان شو أنه من المدهش جداً تمكن العثمانيين من تطوير صناعاتهم الوليدة رغم عوائق الامتيازات الأجنبية وتقدم الصناعات الأوروبية المنافسة[141]،وقد دعمت الدولة التوجهات الصناعية بتأليف لجنة الإصلاح الصناعي في الستينات وزيادة الضرائب على الواردات كما مر في سنة 1861-1862 ثم في سنة 1907،كما قدمت منذ سنة 1874 إعفاءات ضريبية للوازم المصانع وتخفيضات ضريبية على التجارة الداخلية لحساب المنتجات المحلية[142].
                            وفي الربع الأخير من القرن إلى قيام الحرب الأولى(1914)”زاد عدد المصانع العثمانية بسرعة كبيرة بفضل رأس المال الخاص”[143]،إذ لم يقبل الساسة والمفكرون العثمانيون أن تظل بلادهم متخلفة عن غيرها تزود الأجانب بالمواد الأولية وتشتري بضائعهم الجاهزة(منطق الدولة العظمى رغم التراجع)،وقامت في زمن السلطان عبد الحميد تطورات عديدة في عدة صناعات منها صناعة السلاح والقماش والخزف الصيني والآجر والقرميد والزجاج والجلود والورق والخيوط والسجاد والحرير[144]،ويصف كواترت وضع الصناعة منذ سنة 1870 بعودة الازدهار الصناعي[145]،وأن هذا “الانبعاث العظيم”حدث إلى جوار استيراد البضائع الأجنبية[146]الذي يفترض أن يكون كابحا للتطور الصناعي،وكانت المراكز الصناعية الرئيسة هي استانبول العاصمة وأضنة وبورصة في الأناضول وسالونيك في القسم الأوروبي من الدولة وبيروت وجبل لبنان ودمشق وحلب في القسم العربي[147].
                            وكانت الدولة العثمانية رغم الضعف الشامل الذي سرى في أوصالها في آخر أيامها تحاول مجاراة آخر الاختراعات الحديثة كي لا تكون مجرد مستهلك تابع،فقامت مثلا في سنة 1868 بإنشاء مصنع لأجهزة البرق الكهربائي(التلغراف)أثبتت منتجاته جودتها وتفوقها على الأجهزة الغربية في ملاءمة البيئة العثمانية[148]،بل إننا نجد تجارب لبناء الغواصات في بداية ظهورها[149]، وخططاً وضعت لصناعة الطائرات لما ظهر اختراعها[150]وهو أمر لو ظل مستمرا إلى اليوم ولم يقطع الغرب طريقنا لأصبحنا اليوم في مكان آخر،ولكن لم تتم هذه المحاولات لأن الدولة العثمانية كانت في النهاية ودول التجزئة التي خلفتها كانت عاجزة،المهم أن منطق الاستقلال عن الغرب كان يحكم مسيرة العثمانيين حتى اللحظة الأخيرة ولهذا وجه إليهم اللوم لعدم قيامهم بتصنيع الطائرات مثلا في حينها،فمن الآن يوجه اللوم لدول الاستقلال والتجزئة المجهرية لو تخلفت قروناً عن عصرها وهي ضعيفة ومهزومة وتابعة؟؟
                            الاستنتاج
                            عندما ظهر الضعف بوضوح في المجتمع الإسلامي زمن الدولة العثمانية ،استخدم الغرب لواء الإصلاح وفق نموذجه حجة لتبرير تدخلاته وتحقيق الربح على حساب هذا المجتمع الشرقي،وقد تمكن بهذه الأداة من القيام بعمليات هدم في البناء الاقتصادي لهذا المجتمع الذي تراجعت قوته الاقتصادية باتباع هذه الوصفة الخارجية،وحين كانت المبادئ لا تحقق الهدف المنشود كان الغرب يعامل الآخرين بغير ما يعامل ذاته ويطلب منهم ما لا يرضاه لنفسه بكل صفاقة وعدم حياء،ولهذا وجد أنصار التغريب في المجتمع الإسلامي أنفسهم بين خيارين:إما الخضوع لحاضر الغرب الذي يتضمن القبول بما لا يقبله الغربيون لأنفسهم،وهؤلاء كان مصيرهم الدخول في قفص الاحتلال الأجنبي المباشر مثل خديوات مصر،أما الخيار الثاني فهو الإصرار على تحقيق ما حققه الغرب لنفسه وفق نموذجه وهذا ما لم يكن مقبولاً عند الغربيين أنفسهم الذين تأمرهم مبادئهم بالربح والمنفعة وليس بمساعدة الآخرين لينافسوهم،ولهذا وصل الأمر بأصحاب هذا الخيار بالانتقال من الارتباط الفكري والسياسي الوثيق بالغرب الأوروبي إلى الانفصال السياسي الحاسم عنه وإعلان الحرب على أطماعه كما حدث لأتباع جمعية الاتحاد والترقي زمن الحرب الكبرى الأولى(1914-1918)بعدما نشئوا في الحضن الغربي.
                            وقد توفرت لمجتمعاتنا في ظل المجال العثماني الواسع والموحد قدرة كبيرة على مقاومة معاول الهدم الاقتصادي الخارجي،لأن أي مجال واسع كهذا يفرض على ولاة أمره وسكانه منطق الدولة العظمى التي لا تقبل بالتبعية،ولهذا بذلت الدولة العثمانية جهوداً كبرى كي لا تكون أقل من بقية الدول العظمى وتمكنت بواسطة أشكال المقاومة الاقتصادية المختلفة-رغم الضعف والتراجع-من تحقيق ما لا تجرؤ على التفكير فيه دول الاستقلال والتجزئة التي قامت على أنقاضها ومنها تركيا الحديثة أيضاً التي لم يتمكن ثوارها المتغربون من إعادة شيء من عظمتها العثمانية على الرغم من سيرهم الحثيث في طريق التغريب وقبلوا بموقع الذيل للغرب كبقية دول التجزئة، والتي يحكمها جميعا منطق الضعف والاستكانة والتبعية الذيلية لمن هم أقوى منها نتيجة التزام هذه الدول جميعها بالقيود الاستعمارية التي فرضت عليها حدود الهويات الإقليمية بعجزها الظاهر عن القيام بواجبات الاستقلال الحقيقي كإطعام أنفسها أو حماية وجودها أو كفاية حاجات مواطنيها نتيجة محدودية إمكاناتها الجغرافية أو السكانية أو الاقتصادية، وذلك لابتعادها عن الهوية الحضارية الإسلامية بامتدادها الجامع الذي يوفر كل هذه الموارد لأتباعه دون الحاجة إلى الاعتماد على الآخرين لاسيما الأعداء منهم.
                            ولا أمل لبلادنا بمقاومة معاول الهدم الاقتصادي والإفادة الحقيقية من إمكاناتها المهدرة إلا بالعودة إلى تكوين مجال موحد جامع يتمكن من الوقوف في زمرة الأقوياء ويتصدى لأطماعهم في نفس الوقت.


                            الهوامش
                            ________________________________________

                            [1]-دونالد كواترت،الدولة العثمانية 1700-1922 م،مكتبة العبيكان،الرياض،2004،ترجمة:أيمن أرمنازي،ص155-157.
                            [2]-مجموعة من المستشرقين،دائرة المعارف الإسلامية،دار الشعب،القاهرة،1969،ج2ص162-163 و195.
                            [3]-Charles Issawi, An Economic History of the Middle East and North Africa, Routledge, London, 2010, p. 1.
                            Sevket Pamuk, The Ottoman Empire and European capitalism, 1820-1913, Cambridge University Press, 1987, p. 199.
                            [4]-د.خالد زيادة،تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا،معهد الإنماء العربي،بيروت،1983،ص80.
                            [5]-عادل مناع،تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918،مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت،1999،ص165 و168.
                            [6]-دائرة المعارف الإسلامية،ج10ص79.
                            [7]-ز.ي.هرشلاغ،مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط،دار الحقيقة،بيروت،1973،ترجمة:مصطفى الحسيني،ص71.
                            [8]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت(تحرير)،التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية،دار المدار الإسلامي،بيروت،ترجمة:د.قاسم عبده قاسم،ج2ص497.
                            [9] -عادل مناع،ص206.
                            [10]-نفس المرجع،ص494-495.
                            [11]-لوتسكي،تاريخ الأقطار العربية الحديث،دار الفارابي،بيروت،2007،ص345-346.وأيضا:
                            -هرشلاغ،ص45.
                            [12]-دائرة المعارف الإسلامية،ج10ص83.
                            [13]-قيس جواد العزاوي،الدولة العثمانية:قراءة جديدة لعوامل الانحطاط،الدار العربية للعلوم،بيروت،ومركز دراسات الإسلام والعالم،فلوريدا،1994،ص70.
                            [14]-Resat Kasaba, The Ottoman Empire and the World Economy: The Nineteenth Century, State University of New York, Albany, 1988, p.56.
                            [15]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ص493.
                            [16]-أحمد صلاح الملا،جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة:رشيد رضا ومجلة المنار 1898-1935،دار الكتب والوثائق القومية،القاهرة،2008،ص20.
                            [17]-إدهم إلدم ودانيال غوفمان وبروس ماسترز،المدينة العثمانية بين الشرق والغرب:حلب-إزمير-إسطنبول،مكتبة العبيكان،الرياض،2004،ترجمة:د. رلى ذبيان،ص381-382.
                            [18]-منير شفيق،الإسلام وتحديات الإنحطاط المعاصر،دار طه للنشر،لندن،1983،ص72.
                            [19]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص580.
                            [20]-Resat Kasaba, pp. 54-56.
                            [21]-Charles Issawi, p.62.
                            وأيضا:
                            -Sevket Pamuk, pp. 67-68.
                            وأيضا:
                            -Resat Kasaba, p. 6.
                            [22]-Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, History of the Ottoman Empire and Modern Turkey, Cambridge University Press, 2002, Vol. 2, p. 236.
                            [23]-Charles Issawi, pp. 176-177.
                            [24]-نفس المرجع،ص178.
                            [25]-إدريس الناصر رانسي،العلاقات العثمانية-الأوروبية في القرن السادس عشر،دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت،2007،ص265.
                            [26]-نفس المرجع،ص261 و357.
                            [27]-قيس جواد العزاوي،ص65 و69.
                            [28]-ز.ي.هرشلاغ،ص53.
                            [29]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص580. وأيضا
                            Sevket Pamuk,p. 11.
                            [30]-Resat Kasaba, p. 41.
                            [31]-نفس المرجع،ص52.
                            [32]-نفس المرجع،ص52.
                            [33]-روجر أوين،الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي1800-1914،مؤسسة الأبحاث العربية،بيروت،1990،ترجمة:سامي الرزاز،ص134.
                            [34]-Charles Issawi, p. 35.
                            [35]-Sevket Pamuk, p. 20.
                            [36]-ز.ي.هرشلاغ،ص119.
                            [37]-Encyclopedia Britannica, 15th Edition,1987, Vol. 2, p. 832, (capitulation).
                            [38] -Sevket Pamuk, pp. 18,131.
                            [39] -نفس المرجع،ص57.
                            [40]-Resat Kasaba, p. 53.
                            [41]-نفس المرجع،ص111.
                            [42]-نفس المرجع،ص112.
                            [43]-دونالد كواترت،ص144-145.
                            [44]-د.جورج قرم،التبعية الاقتصادية:مأزق الاستدانة في العالم الثالث في المنظار التاريخي،دار الطليعة،بيروت،1982،ص54.
                            [45]-نفس المرجع،ص51-53.
                            [46]-Charles Issawi, p.66.
                            [47]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص562.
                            [48]-Sevket Pamuk, pp. 68-69.
                            [49]-لوتسكي،ص347.
                            [50]-شارل عيساوي،التاريخ الإقتصادي للهلال الخصيب 1800-1914،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1990،ترجمة:د.رءوف عباس حامد،ص346-347. وأيضا:
                            ز.ي.هرشلاغ،ص100. وأيضا:
                            خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص561. وأيضا:
                            Charles Issawi, p. 55.
                            [51]-ز.ي.هرشلاغ،ص68.
                            [52]-Charles Issawi, p. 60.
                            [53]-د.جورج قرم،ص54.
                            [54] -Sevket Pamuk, p.71.
                            [55]-نفس المرجع،ص69.
                            [56]-عادل مناع،ص194-195.
                            [57]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص566.
                            [58]-Charles Issawi, p. 60.
                            [59]-روجر أوين،ص89-90.وأيضا:
                            -ز.ي.هرشلاغ،ص53.
                            [60]-ز.ي.هرشلاغ،ص53.
                            [61]-صوفي بيسيس،الغرب والآخرون:قصة هيمنة،دار العالم الثالث،القاهرة،2002،ترجمة:نبيل سعد،ص196.
                            [62]-جيرار بن سوسان وجورج لابيكا(تحرير)،معجم الماركسية النقدي،دار محمد علي للنشر،صفاقس،ودار الفارابي،بيروت،2003،ترجمة جماعية،ص62.
                            [63]-إريك هوبزباوم،عصر رأس المال(1848-1875)،المنظمة العربية للترجمة،بيروت،2008،ترجمة:د.فايز الصياغ،ص239.
                            [64]- Resat Kasaba, p. 56.
                            [65]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص496-497.
                            [66]-جستن مكارثي،الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين(1821-1922)،قدمس للنشر والتوزيع،دمشق،2005،ترجمة:فريد الغزي،ص23-28.
                            [67]-السلطان عبد الحميد الثاني،مذكراتي السياسية،مؤسسة الرسالة،بيروت،1979،ص96.
                            [68]-جستن مكارثي،ص27.
                            [69]-إريك هوبزباوم،ص239 و243.
                            [70]-Sevket Pamuk, pp. 4-7, 102, 132-133, 142.
                            [71]- Donald Quataert, Social Disintegration and Popular Resistance in Ottoman Empire, 1881-1908, New York University Press, 1983, pp. 150-151.
                            [72]-نفس المرجع،ص11.
                            [73]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص583.
                            [74]-شارل عيساوي،ص204.
                            [75]-Donald Quataert, Ottoman manufacturing in the age of the Industrial Revolution, Cambridge University Press, 2002, p.4.
                            [76]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص582.
                            [77]-نفس المرجع،ص493.
                            [78]-نفس المرجع،ص493-494.
                            [79]-دونالد كواترت،ص231-238.
                            [80]-ز.ي.هرشلاغ،ص104.
                            [81]-دونالد كواترت،ص234.
                            [82]-درجة الانكشاف التجاري وهي نسبة الصادرات والواردت إلى مجموع الناتج المحلي الإجمال من مؤشرات الاستقلال والتبعية،راجع:الدكتور إبراهيم العيسوي،قياس التبعية في الوطن العربي،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1989،ص43-44 و176.
                            [83]-Sevket Pamuk, p. 52.
                            [84]-نفس المرجع،ص52 و85.
                            [85]-Charles Issawi, p. 241.
                            [86]-الدكتور نادر فرجاني،هدر الإمكانية:بحث في مدى تقدم الشعب العربي نحو غاياته،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1980،ص82.
                            [87]-الدكتور يوسف عبد الله صايغ،الاقتصاد العربي:إنجازات الماضي واحتمالات المستقبل،دار الطليعة،بيروت،1983،ص116 و121.
                            [88]-ابراهيم العيسوي،ص22.
                            [89]-الدكتور يوسف عبد الله صايغ،ص117.
                            [90]-الياس توما،التطورات الاقتصادية والسياسية في الوطن العربي منذ سنة 1950،مؤسسة الكويت للتقدم العلمي،الكويت،1987،تعريب وتحرير:عبد الوهاب الأمين،ص17.
                            [91]-إبراهيم العيسوي،ص21.
                            [92]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص507.
                            [93]-نفس المرجع،ص591.
                            [94]-Donald Quataert, 1983, p. 8.
                            [95]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص614-615.
                            [96]- Sevket Pamuk, p. 144.
                            [97]-نفس المرجع،ص135.
                            [98]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ص639.
                            [99]-Sevket Pamuk, p.152.
                            [100]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ص499.
                            [101]-روجر أوين،ص136.
                            [102]-إريك وولف،أوروبا ومن لا تاريخ لهم،المنظمة العربية للترجمة،بيروت،2004،ترجمة:فاضل جتكر،ص406.
                            [103]-الدكتور ماهر الشريف،تاريخ فلسطين الاقتصادي-الاجتماعي،دار ابن خلدون،بيروت،1985،ص124.
                            [104]-الدكتور سالم توفيق النجفي،الأمن الغذائي العربي،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،2011،ص23-24.
                            [105]-نفس المرجع،ص24.
                            [106]-الدكتور رمزي زكي،الاقتصاد العربي تحت الحصار،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1989،ص30.
                            [107]-د.محمود عبد الفضيل،النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية،عدد 16 من سلسلة عالم المعرفة،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،الكويت،إبريل 1979،ص176(نسخة على القرص المدمج).
                            [108]-Shaw& Shaw, p. 223.
                            [109]-روجر أوين،اللورد كرومر:الإمبريالي والحاكم الاستعماري،المجلس الأعلى للثقافة،القاهرة،2005،ترجمة:رءوف عباس،ص169.
                            [110]-تيودور رتشتين،تاريخ المسألة المصرية1875-1910،لجنة التأليف والترجمة والنشر،القاهرة،1950،ترجمة:عبد الحميد العبادي ومحمد بدران،ص11.
                            [111]-Shaw& Shaw, p. 222.
                            [112]-Donald Quataert, 1983, pp. 13-40.
                            [113]-دائرة المعارف الإسلامية،ج2ص201.
                            [114]-تيودور رتشتين،ص54-55.
                            [115]-نفس المرجع،ص104.
                            [116]-ز.ي.هرشلاغ،ص69.
                            [117]-لوتسكي،ص397.
                            [118]-Jonathan S. McMurray, Distant Ties: Germany, the Ottoman Empire, and the Construction of the Baghdad Railway, Praeger, London, 2001, p. 1.
                            [119]-Sevket Pamuk, p. 71.
                            [120]-إبراهيم العيسوي،ص195.
                            [121]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص642-648.
                            [122]-نفس المرجع،ص638.
                            [123]-منير شفيق،ص72.
                            [124]-بيري أندرسون،دولة الشرق الإستبدادية،مؤسسة الأبحاث العربية،بيروت،1983،ترجمة:بديع عمر نظمي،ص13-22.وأيضا:
                            -Charles Issawi, pp. 136-137.
                            [125]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص 641-642.
                            [126]-دونالد كواترت،ص247.
                            [127] -Sevket Pamuk, p. 102.
                            وأيضا:
                            -Resat Kasaba, p. 72.
                            [128] -Donald Quataert, 1983, p. 59.
                            [129] -مايكل أورين،القوة والإيمان والخيال:أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم،كلمة،أبو ظبي،وكلمات عربية للترجمة والنشر،القاهرة،2008،ترجمة:آسر حطيبة،ص227.
                            [130]-Jonathan S. McMurray, pp. 10, 67.
                            [131] -السلطان عبد الحميد الثاني،ص130.
                            [132] -دونالد كواترت،ص217.
                            [133]-عبد الرحمن الرافعي،عصر إسماعيل،دار المعارف،القاهرة،1987،ج2ص263-265.
                            [134]-روجر أوين،1990،ص69.
                            [135]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص668.
                            [136]-نفس المرجع،ص689 و719.
                            [137]-Charles Issawi, pp. 151-152.
                            [138]-Sevket Pamuk, p. 13.
                            وأيضا:
                            -روجر أوين،1990،ص293.
                            [139] -روجر أوين،1990،ص135-137.
                            [140]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص681.
                            [141]-Shaw& Shaw, p. 122.
                            [142]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص684.
                            [143]-نفس المرجع،ص684.
                            [144]-Shaw& Shaw, p. 236.
                            [145]-خليل إينالجيك ودونالد كواترت،ج2ص698.
                            [146]-نفس المرجع،ص699.
                            [147]-نفس المرجع،ص685.
                            [148]-Bahri Ata, The Transfer of Telegraph Technology to the Ottoman Empire in the 19thCentury, Bogazici University, 1997, pp. 109-112.
                            (نسخة من شبكة الإنترنت)
                            [149]-الدكتور محمد حرب(تقديم وترجمة)،مذكرات السلطان عبد الحميد،دار القلم،دمشق،1991،ص165.وأيضا:
                            -عمر فاروق يلماز،السلطان عبد الحميد خان الثاني بالوثائق،دار نشر عثمانلي،استانبول،1999،ترجمة:طارق عبد الجليل السيد،ص183.
                            [150]-أكمل الدين إحسان أوغلي(إشراف)،الدولة العثمانية تاريخ وحضارة،مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية،استانبول،1999،ترجمة:صالح سعداوي،ج1ص429(الأستاذ الدكتورعبد القادر أوزجان،الباب الرابع:النظم العسكرية العثمانية،الفصل الثالث:بداية الملاحة الجوية عند العثمانيين).


                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #59
                              الصـــرّة الهمايونية

                              الصـــرّة الهمايونية

                              مُساعدات التّونسيين إلى الحرَمين الشّريفين







                              ربما يعرف النّاس اليوم أنّ “الصّرة الهمايونية”، وهي المسَاعدات التي تُرسل إلى الحرمين الشريفين مع كل موسم حجّ كانت تذهب بشكل منتظم من المدن الكبرى؛ مثل اسطنبول وبغداد ودمشق والقاهرة إلى مكة والمدينة، لكنّ القليل منهم يعرف أن تونس كذلك كانت تُرسل مُساعدات سنويّة بمناسبة الحجّ لتوزع على الأشراف والسّادة وغيرهم من الفقراء المجاورين في مكة المكرمة والمدينة المنورة . وقد أنشئ لذلك في تونس وقفٌ خاص سميّ باسم “وقف الحرمين الشريفين”. وقبل موسم الحج بأشهر ينطلق موكب الصّرة من المغرب الأقصى عبر تونس ثم القاهرة ليلتقي في الشام بالمواكب الأخرى القادمة من بقاع العالم الإسلامي الأخرى في موكب بهيج.
                              فقد أثبت التاريخ أن الصُّرة كانت موجودة في عهد الدولة الحفصيّة وأكثر من اهتم بها السلطان أبو فارس عبد العزيز الذي تولى ملك تونس سنة 796 هـ/1394م. فقد بلغ من أمره أنه كان يُوشّحها ويزينها بالحليّ تقربا لآل البيت وإكراما لجيران النبي عليه الصلاة والسلام. وتواصل إرسال الصرّة مع الدولة المراديّة، وكان من أكرمهم وأسبقهم في ذلك الميدان الأمير حمودة باشا المرادي صاحب الجامع المشهور باسمه المسمى بـ”جامع الأفراح”لكثرة ما كان يُعقد فيه من عقود الزّواج. وقد نسج ملوك البيت الحسيني على منوال من تقدّمهم من الحفصيين والمراديين. فكان حمودة باشا بن علي يتولى بنفسه حفظ مال الوقف الرّاجع للحرمين الشريفين ويرى في ذلك خدمة لحرم الله ورسوله.
                              يُروى أن أحد وزرائه وهو يوسف خوجه اضطر لصرف مبلغ من المال في مصلحة الدّولة، فطلب منه سُلفةً من مال الحرمين الشريفين لمدة عشرة أيام، فرد عليه بالقول: “سألتك بالله أن تُزيل هذا الخاطر من فكرك، وارجعْ في هذه المصلحةِ التي أقْدَمتْكَ على مدّ عينيْك إلى مال الحرمين الشريفين، وذلك أهوَنُ عليّ من مسّ أرزاق أهل مكة والمدينة”، فكفَّ الوزيرُ عن ذلك.
                              وكانوا يختارون أفضل أهل العلم لتوزيعه على مستحقيه، كالشيخ العالم إبراهيم الرّياحي أو من أعيان أهل البلاد المعروفين بالثروة والعفة والدين. وممن حمل الصرة إلى الحجاز العلامة الشيخ محمد النّيفر في عام 1851م م، وفي العصور المتأخرة تشرّف بحملها المدرس الشيخ أحمد جمال الدين في سنة 1885م. كما نيطَ بتبليغها الفقيه الشيخ أحمد زروق . وفي عام 1892م م، أي بعد الاحتلال الفرنسي بقليل وقع إرسالها بحوالة تجارية يقع تصريفها نقودا ذهبية بمرسى جدة على يد قنصل فرنسا. ثم بعد ذلك تمّ ترتيب إرسال الصرة من جديد بواسطة أحد العلماء مثلما كان من قبل . وفي عام 1916م م أي أثناء الحرب العالمية الأولى تم إرسالها بواسطة الشاذلي العُقبي ومفتي الرّكب الفقيه محمد الجودي مفتي القيروان، وكان يومئذ أمير مكة هو الشريف حسين بن علي.
                              وكان مقدار الصّرة في القديم يختلف بالزّيادة والنّقص حسب مداخيل أوقاف الحرمين الشريفين. وفي عهد الوزير المصلح خير الدين باشا جعل لها مبلغا قارا قيمته ثمانون ألف ريال، أي خمسُون ألف فرنك فرنسي في السنة، تقسّم قسمين نصفها للحرم المكي والنصف الآخر لأهالي الحرم المدني. وعلى هذا النظام سرى العمل حتى سنة 1935مم، ثم في سنة 1936م ارتفعت قيمتها بمقدار الخمس.
                              ويُودّع ركب الصّرة بموكب فخم يحضره الباي والوزراء ورجال الدولة وكبار موظفي الأوقاف، ومن ضمنهم وكيل الحرمين الشريفين، وبيده صندوق المال المقصود توجيهه للحجاز، فيأذن الباي بإحضار الرّسول المكلف بتبليغ الأمانة، ويدفعها له بنفسه مصحوبة بمكتوب خطي من الباي إلى ملك البلاد العربية قائلا له: “هذه أمانة الله ورسوله تُبلّغ لأهلها إن شاء الله بواسطتك” ، فيتسلمها الرّسول في ذلك المشهد العظيم، ويشكر الله على تلك النعمة، ويدعو للباي وينطلق في رحلته.
                              وكانت أركاب الحج في القديم بالشّمال الإفريقي تنضمّ لبعضها بعضا، وتقصد الحجاز على طريق البرّ، وكان غُدوّها عام ورواحُها عام حسب ما يُروى. فيخرج الركب من طنجة فالصّحراء الجزائرية، ثم واد ريغ ثم نفزاوة. ومن هناك يسير الركب إلى قابس، وهنالك يلتحق به حجاج الدّيار التّونسية. ومن قابس يقصدون طرابلس فبرقة فالاسكندرية فمصر فالشام، وهناك تنضم لها الأركاب القادمة من اسطنبول وبغداد ثم تتوجه نحو الحجاز في موكب مهيب.
                              والجدير بالذكر أن الدولة العثمانية لم تتخلَّ عن إرسال الصرة السلطانية حتى في أصعب أيامها اقتصاديا وسياسيا. فخلال الحرب العالمية الأولى في عام 1915 تم إرسال 107 حقائب تحتوي على 24 ألف ليرة و847 قرشا إلى أهل مكة، إلى جانب 197 حقيبة تشتمل على 32 ألف ليرة و882 قرشا مع حقيبة أخرى إلى أهل المدينة المنورة.
                              وعندما قام “الشريف حسين” بثورة في العام التالي انفصلت الأراضي المقدسة عن الدولة العثمانية، ورغم ذلك أصدر السلطان “وحيد الدين” مرسوما بإرسال “صرة كالماضي تُنفق على أهل مكة والمدينة وعربان الحجاز”. وكانت آخر صرة في عام 1917 حيث أرسلت عبر الشام في أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن عندما انتهت الحرب بهزيمة الدولة العثمانية عادت القافلة أدراجها إلى إستانبول، ومن ثم كانت نهاية قوافل المحمل الشريف أو ما عرف بمواكب الصرة.

                              أما في تونس، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية توقّف إرسال الصرة ، ودام ذلك 15 عاما حتى كاد يُنسى ذكرُها بين التونسيين، إلا أن المستحقين لها بالحجاز لم ينسوها وكرّروا طلبها من الحكومة التونسية، فتدخل في الأمر ملك البلاد العربية عبد العزيز بن سعود فاستجابت له تونس. ورغم الضائقة المالية المحيطة بجمعية الأوقاف فقد حصل الاتفاق بين الجانبين على توجيه الصرة على قاعدتها الأصلية، أي إرسال مبلغ سنوي قيمته خمسون ألف ريال في العام. وقد أكبر الملك هذه الخطوة في باي تونس وأهدى له حزاما مصنوعا من الذّهب من أستار الكعبة الشّريفة.



                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #60
                                “إرهاب” عشار خمير …. ذريعة فرنسا لاحتلال تونس





                                لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية حديثا باحتلال العراق وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين من النّاس بحجة البحث عن الأسلحة الكيمياوية ، ولكنها دمرت العراق ولم تعثر علي شيء. وقامت كذلك بغزو أفغانستان بحجة ملاحقة الإرهابيين، وقامت فرنسا بإرسال أعداد كبيرة من جنودها إلى مالي بذريعة التصدي للإرهاب وحماية أمن فرنسا، والذريعة نفسها استخدمتها في غزو البلاد التونسية واحتلالها قبل 130 عاما.
                                وبالرغم من تأكيد فرنسا أنها لا تنوي على الإطلاق البقاء في تونس بل ستكتفي بـ”تأديب المخرّبين” من عشار خمير فقد مكثت في التراب التونسي أكثر من 80 عاما.
                                منذ وقت طويل كانت المناوشات لا تتوقف بين القبائل الجزائرية والقبائل التونسية القاطنة في المناطق الحدودية في جهة الشمال الغربي من البلاد التونسية بشكل خاص. وكانت المنازعات التي تنشب بين الطرفين تُحل بطرق سلمية من خلال تدخل وجهاء القبائل وكبرائها أو من خلال تدخل السلطات المركزية في تونس. ولم يكن الأمر خطيرًا بحيث يستدعي تدخلا عسكريا بآلاف الجنود وعشرات المركبات والبواخر.

                                كانت فرنسا تنتظر الفرصة المناسبة لكي يكون تدخلها في تونس مقبولا محلّيا ودوليّا، فلقد كانت الخطة قد وُضعت منذ مؤتمر برلين (13 جوان-13 جويلية 1878م ) واتفقت فيه الدول الكبرى على اقتسام أراضي الدولة العثمانية، وتوزيع الكعكة فيما بينها. وفي هذا المؤتمر أعطيت الوعود لفرنسا بأن الطريق أصبح سالكا إلى باردو، وأن “تفّاحة تونس قد نضجت وحان قطافها” على حد قول أحد المسؤولين الألمان في ذلك الوقت.
                                “فساد”، “تعصب”، “شغب” أو “إرهاب” بالتعبير المستخدم اليوم هي الذريعة التي رأتها فرنسا مناسبة لكي تبدأ في أخذ نصيبها من الكعكة المتفق عليها.
                                ظلت الحكومة الفرنسية تردد بأن الأعمال التي تمارسها عشائر خمير الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية لا يمكن السكوت عليها، ولابد من معاقبة هذه العشائر. وفي هذا السياق قال رئيس الحكومة الفرنسية “جُول فـري” أمام مجلس النواب “نحن عازمون على معاقبة المجرمين ومنع تكرار ما يقومون به من أعمال، وحكومة الجمهورية لا نية لها في الاحتلال، لكننا سوف نمضي إلى النهاية في حفظ أمن الجزائر، ونفعل كل ما يلزم لتحقيق ذلك”.

                                وبتاريخ 30 و 31 من شهر مارس سنة 1881م وقعت مصادمات بين عشائر خمير وبعض القوات الفرنسية، وسقط قتلى وجرحى من القوات الفرنسية، وهو ما اعتبرته فرنسا إهانة لها ومسّا من كبريائها. وقد اعترف رئيس الحكومة الفرنسية بذلك أمام السياسيين الفرنسيين في أحد الاجتماعات وقال” في الـ30 و الـ31 من شهر مارس وقعت مواجهات على الحدود التونسية الجزائرية بين العساكر الفرنسيين ومجموعات من هذه العشيرة، وقُتل من جانبنا خمسة أفراد وجُرح خمسة آخرون. كما حدثت خسائر بين أنصارنا من العشائر الجزائرية. وهذا وضع لا يمكن تحمله على الإطلاق. ومن أجل معاقبة هؤلاء الباغين تم تجهيز قوات كافية لذلك”. وبين رئيس الحكومة الفرنسية أن الهجوم الذي وقع يوم 30 من مارس تم التصدي له ، لكن الهجوم الذي وقع يوم 31 من مارس كان عنيفا وشارك فيه ما بين 400 و 500 شخص، وقد كان بمثابة حرب حقيقية، واستمرت المعركة نحو 11 ساعة.
                                وقد كشفت لنا التقارير التي كانت تنشرها الصحف الأوروبية وتقوم الصحف العثمانية بترجمتها بكل تفصيل كيف تسارعت الأحداث وبدأت القوات الفرنسية في الهجوم على البلاد التونسية من أربع جهات رئيسة هي طبرقة وبنزرت والكاف ووادي مجردة أي جهة غارالدّماء حاليا والتي كانت تسمّى قبل ذلك “الرّقبة”.
                                وقد ذكرت التلغرافات التي كانت تصل من الجزائر إلى فرنسا واسطنبول تفاصيل الهجوم. ففي تلغراف بتاريخ 26 أفريل سنة 1881م أوردته صحيفة “وقت” العثمانية الصادرة في اسطنبول بالتاريخ نفسه جاء فيه “بالأمس قصف الفرنسيون طبرقة بالمدافع، وقد هُدمت القلعة الموجودة هناك بالكامل. ويُنتظر أن يتمّ إنزال عساكر هناك هذا الصباح إلى الجزيرة المذكورة، كما أنّ العساكر الذين يقودهم الجنرال لوجيرو قاموا بمحاصرة مدينة الكاف داخل التّراب التونسي”. من جهة الكاف وطبرقة لم تواجه القوات الفرنسية أية صعوبات أو مقاومة بينما كانت المقاومة شرسة مع القبائل الواقعة في جهة وادي مجردة ، وقد ذكر ذلك التلغراف الوارد من عنابة الجزائرية بتاريخ 27 أفريل س1881م حيث جاء فيه” إن الفيلق الثالث التابع للقوات الفرنسية استولى على الميناء الواقع قبالة طبرقة ، ولقد شوهد أن أتباع عشائر خمير مدعومين بعناصر من الجيش التونسي تصدوا بقوة لقوات الجيش الفرنسي، أما القوات التي يقودها الجنرال لوجيرو فقد دخلت مدينة الكاف دون أية مقاومة”. وبتاريخ السادس من شهر ماي نزلت في بنزرت حشود عسكرية فرنسية قوامها عشرة آلاف جندي. وتوالى إرسال الحشود يوما بعد يوم، ليتضح بعد ذلك أن الهدف هو قصر باردو وليس ردع عشائر خمير كما زُعم من قبل. وبدأت القوات الفرنسية في التقدم إلى أن وصلت إلى تونس العاصمة. وبتاريخ 12 ماي كان قصر الباي بباردو محاصرا من كل الجهات، ودُخل على والي تونس محمد الصادق باي في قصره لتُعرض عليه من القائد العسكري الفرنسي والقنصل الفرنسي بتونس روسْطان اتفاقية جاهزة تقضي بإدخال تونس تحت الاحتلال الفرنسي، وزُعم أنها حماية. وأُمهل الباي بضع ساعات لكي يطلع ثم يوقع عليها دون نقاش.
                                وواصلت القوات الفرنسية بعد هذا التاريخ التهام ما تبقى من أراضي البلاد التونسية، ووُوجهت بمقاومة متفاونة بين منطقة وأخرى لكن أعنفها كان في القيروان وصفاقس وقابس وغيرها من المناطق.
                                لم تكن التأكيدات التي سبقت الاحتلال بأن الهدف يقتصر على ردع عشائر خمير سوى ذريعة لكي يبدأ المخطط الكبير الذي تم رسمه مع الدول الكبرى.
                                هذا السيناريو هو نفسه أو ما يشبهه ينفذ اليوم في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي من قبل قوى استعمارية تظهر بمظهر من يُدافع عن حقوق الإنسان وعن الحريّة والديمقراطية. فحتى يكون الاستعمار مقبولا لابد أن يُلبس لباسا براقا خادعا للناظرين. أما الأهداف الحقيقية فتبقى طي الكتمان ولا تُعرف إلا من قبل فئة محدودة من ذوي الوعي والنباهة، أو بعد مضيّ وقت كاف تترسخ فيه أقدام الغزاة على الأرض، وحينئذ لا ينفع حذر. وما غزو مالي منّا ببعيد.




                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X