إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    “حريم السلطان”… والسّلطان المُفترى عليه




    مسلسل “حريم السّلطان” يــروي قصة السّلطان العثماني سليمان القانوني الذي حكم بين سنتي 1520 و1566م. ويتحدث عن التّأثير الطاغي لإحدى الجواري واسمها “خرم” على السّلطان. وفي النسخة العربية من المسلسل تظهر الجارية باسم “هُيام”، وبسببها حدثت كوارث كبيرة من بينها قتله لابنه مصطفى بدون وجه حقّ. هذا المسلسل دخل كلّ بيت عربي تقريبًا، وشدّ إليه أنظار ملايين المشاهدين، وتميز ببراعة عالية في التّمثيل والتّصوير. وقدّم المسلسلُ سليمان القانوني محبّا للشّهوات والنّساء الملّذات، أكثر أوقاته بين الحريم في القصر. وترك تأثيرًا واضحا على المشاهد، فلم يعد يرى فيه سوى شخص محب للّهو منقطع عن هموم شعبه، وضاعت صورته الحقيقية التي يعرفها عنه المؤرخون وكثير من المستشرقين من الشّجاعة والعدل والتّقوى. هذه الصورة شوهت جانبا كبيرا من حياة هذا السّلطان الذي كان يسميه العالم الغربي “السلطان العظيم” و”الفخم” و”الكبير” Grand Le ، Le magnifique.

    كاتبة السّيناريو : كتابات المُسْتشرقين مصدرُنا

    بعد بثّ عدد من حلقات هذا المسلسل في “قناة”D التّركية قُدّمت نحو 30 ألف شكوى من مواطنين ومثقفين إلى المحاكم التّركية تطالب بوقف بث المسلسل لأنّه يشوّه جانبا كبيرًا من تاريخهم، وانتقده رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقال “إنّ السّلطان سليمان القانوني قد أمضى 30 عاما على صهوة الخيل، وأنا أدين مُنتجي هذا المسلسل وأصحاب التّلفزيون الذي يبثّه”.


    سلط المسلسل الضوء على علاقة الحبّ التي جمعت السّلطان وإحدى جواريه التي تصبح لاحقا زوجته، وذات نفوذ واسع في حياته والدولة العثمانية بأكملها. وقد أرادت روكسلان الروسية في المراجع الغربية، أو خُرّم في المراجع التّركية و هُيام في المسلسل التّركي المدبلج إلى العربية “حريم السلطان” تمهيد الطريق لابنها سليم ليتولى وراثة أبيه في الحكم فيما بعد، فاشتغلت بالدّسائس وساعدها الصدر الأعظم رستم باشا على ذلك ، فانتهز الأخير فرصة سفر ابن السلطان مصطفى في إحدى الحملات العسكرية إلى بلاد فارس، وكاتب السّلطان سليمان يخبره أن ابنه يريد أن يثور عليه، فانطلت الحيلة على الخليفة الذي سافر من فوره إلى معسكر الجيش في بلاد فارس متظاهرًا بقيادة الجيش بنفسه واستدعى ابنه إلى خيمته وقتله فور دخوله إليها. وكان للسّلطان ابن آخر يُدعى جهانكير توفّي بعد مقتل أخيه مصطفى بوقت قليل حزنا كمدًا.
    في أثناء تصوير هذه الأحداث يظهر السّلطان سليمان ضعيفا أمام النّساء، غير قادر على التّحكم في دواليب الدولة. ويركز المسلسل على الحياة الخاصّة داخل قصر السلطان، وتظهر النساء في ملابس فاخرة وغير محتشمة. ويتساءل المرء ما هي المصادر التي اعتمدت عليها مِرال أوكاي كاتبة السيناريو لكي يتم تصوير حياة السلطان الخاصة بهذه الدقة وبهذا التفصيل؟ وما هو الهدف من تركيز المنتجين على هذا الجزء من حياة السّلطان؟
    تقول كاتبة السيناريو بخصوص رأيها في المسلسل “في تلك الفترة، أي فترة حكم السلطان سليمان، كانت هناك سفارتان رسميّتان لدولتين كبيرتين في اسطنبول هما سفارة البندقية وسفارة مملكة بولنْدا. وكانت هناك علاقات بين السّفراء والقصر العثماني، وهي بمثابة ويكيليكس اليوم. وفي تلك الفترة كانت التّقارير تُرسل إلى البندقية وقصر الملك حول القصر والحياة اليومية للسّلطان. ثم إنّ هذه التقارير تم نشرها خارج الدّولة العثمانية. وتوجد لها ترجمات إلى اللغة التركية، وانطلاقا من هذه التّقارير نقرأ التّاريخ. وبما أنّ التاريخ لا يكتبه إلا الرجال فإن المعلومات الموجودة تتركز أكثر حول الرجل، أما المرأة فهي توجد داخل صندوق مغلق، ولا نطلّ عن عالمها إلا عبر ما يقولُه عنها المستشرقون”.
    وفي ضوء هذه التوضيحات يمكن أن نبدي الملاحظات التالية:
    - كاتبة السيناريو مِرال أوكاي بِعملها هذا تدّعي أنّها تُنير النّاس بما هو مجهول من تاريخ الدّولة العثمانية، وتُلقي الضوء على المناطق التي لم يصل إليها المؤرخون والكتاب، وتُخرج إلى العلن ما كان مستورا على طريقة ويكيليكس.

    - تجعل ما كتبه المستشرقون والغربيون الذين كانوا يتربصون بالدولة الدائر ويبحثون لها عن كل فرصة للنيل منها والإيقاع بها مصدرها في ما أنتجته من عمل.
    - لم تجد ضمن كبار مؤرخي تركيا وعلماء التاريخ فيها المشهورين سوى دنيز أسَمانْلي وأورخان أفينجو العلمانيّيْن المغموريْن ليكونَا مُستشاريْن لها في هذا العمل التلفزيوني الخطير. فلماذا لم تستعن بأساتذة مرموقين عالميا مثل خليل إينالجيك، ومباهات كوتوك أوغلو، و إدريس بوسطان، وإلبار أرطايلي، وفريدون أمجان وغيرهم؟ أم أنّ هؤلاء لا يقبلون أن يكونوا مستشارين لعمل يُزيف التّاريخ ويشوّه سيرة أجدادهم العظام؟

    - الواضح أن مرال أوكاي قد أنتجت هذا المسلسل لا من وجهة نظر تركيّ يعتزّ بتاريخه وأمجاده بل من وجهة نظر استشراقية، ثم قدمت علمها هذا لملايين المشاهدين من الأتراك والعرب وهي تزعم أنها تكشف الغطاء عن حقائق تاريخية كانت مستورة.
    - كاتبة السيناريو ومنتجو الفلم والقناة التي بثّت المسلسل مسكونون بهاجس الرّبح التّجاري والمكاسب المادّية، ومدى قدرة المسلسل على جذب أكبر قدر من شريحة المجتمع والمتمثلة أساسا في الشباب، هؤلاء الشباب الذين تستهويهم المشاهد الجذّابة والوجوه الحسنة وقصص الهوى، والمغامرات الدراميّة. وتحت وطأة هذه الهواجس دِيست بالأقدام مناقب هذا السّلطان العظيم وامتلأ المسلسل بوقائع وأحداث لا تعدو أن تكون كذبًا وبهتانًا.
    حقيقة شخصية السّلطان سليمان:
    السلطان سليمان القانوني هو عاشر السلاطين العثمانيين ومن أكثرهم شهرةً، توسعت الدولة في عهده لتُصبح مساحتُها ضعف ما كانت عليه في عهد من كان قبله. و يقول عنه المستشرق أورطالون “لو قمنا بترتيب ما قام به السّلطان سليمان القانوني حسب أهميته، وضعنا في الأسفل حُروبه وفوقها الآثار التي خلفها، أمّا في الأعلى فنضع المؤسسات العلمية والحقوقية التي أسّسها”. فلم يكن السّلطان سليمان متميزا بين السّلاطين فحسب بل كان من أمجد الحكام في العالم بأسره، لذا نرى العالم الغربي يلقبه بأعظم الألقاب تقديرا له. كان شاعرا يكتب الشعر باسم مستعار هو “محبي”. ولكونه اشترك في 13 حملة حربية كبيرة فقد لقب بـ”الغازي” .


    وكان يُدعى “سليمان شاه”. ارتقى عرش السّلطنة وعمره 26 عاما، وبقي سلطانا لمدة 46 عاما أي حتى عام 1566م. كانت مساحة الدّولة العثمانية في عهد والده سليم 6.5 كلم مربع، أنا في عهده فقد وصلت إلى 15 مليون كلم مربع. وكان عهده عهدا زاهرًا، توسعت فيه حدود الدولة العثمانية. كما شمل الازدهار جميع مناحي الحياة السّياسية والعلمية والثقافية والقانونية والمالية حتى بلغت في زمنه ذروتها. وأظهر السّلطان سليمان مقدرة فائقة عندما قام بتوسيع قوانين التشكيلات الإدارية الموضوعة في عهد السّلطان الفاتح وإجراء بعض التغييرات فيها. فقد وصلت جميع البُنى السّياسية والاجتماعية والاقتصادية والعدلية للدولة إلى الذروة في هذا العهد، والشيء نفسه من ناحية التشكيلات الإدارية للمقاطعات والأقاليم، فقد بلغت درجة عالية من الدقة والتنظيم. ومن بين رجال الدّولة الذين ساهموا في الوصول بالدّولة إلى الذّروة في هذا العهد نذكر الصدور العظام (رؤساء الحكومة)؛ بيري محمد باشا و لطفي باشا وصوكللو محمد باشا، ومن بين شيوخ الإسلام المعروفين نذكر ؛ زنبيللي علي أفندي وكمال باشا زاده و جوي زاده وبالأخص شيخ الإسلام أبو السعود أفندي. وكان السّلطان سليمان تقيا ورعًا لا ينفذ أمرا إلا باستشارة العلماء وأخذ الفتوى منهم. ولعل هذه القصة القصيرة تكشف لنا عن هذا الجانب المُشرق في شخصيّة هذا السلطان وتكذّب ما يُلصقه به المُغرضون من صفات لا تليق به:
    أخبر موظفو القصر السّلطان سليمان القانوني باستيلاء النّمل على جذوع الأشجار في قصر طوب قابي، وبعد استشارة أهل الخبرة خلص الأمر إلى دَهن جذوعِها بالجِير.. ولكن لم يكن من عادة السّلطان أن يُقدم على أمرٍ دون الحصول على فتوى من شيخ الإسلام.. فذهب إلى أبي السّعود أفندي بنفسه يطلب منه الفتوى، فلم يجده في مقامه فكتَب له رسالة شعرية يقول فيها:
    إذا دبّ النمل على الشجرِ
    فهل في قتله من ضررِ؟
    فأجابه الشيخ حال رؤيته الرّسالة بنفس الأسلوب قائلاً: إذا نُصِب ميزانُ العدل غدًا
    يأخذ النمل حقه بلا خجلِ.

    وهكذا كان دأب السّلطان سليمان، إذ لم ينفّذ أمرًا إلا بفتوى من شيخ الإسلام أو من الهيئة العليا للعلماء في الدولة العثمانية. تُوفي السّلطان في معركة “زيكتور” أثناء سفره إلى فيينا، فعادوا بجثمانه إلى إسطنبول، وأثناء التّشييع وجدوا أنه قد أوصى بوضع صندوق معه في القبر، فتحيّر العلماء وظنوا أنه مليء بالمال فلم يجيزوا إتلافه تحت التراب وقرروا فتحه، أخذتهم الدّهشة عندما رأوا أن الصّندوق كان ممتلئًا بفتاوى العلماء، فراح الشيخ أبو السعود يبكي قائلاً: لقد أنقذتَ نفسك يا سُليمان، فأيّ سماء تظلنا وأي أرض تُقِلّنا إن كنا مخطئين في ما أصدرنا من فتاوى؟!


    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

    تعليق


    • #62
      خير الدين التونسي … رئيسا للوزراء في حكومة السّلطنة العثمانية




      يجدر بالشّعوب المخلصة لأبنائها أن تتذكر في كل فترة أمجاد كبار رجالها ومبدعيها ومصلحيها ومفكريها وغيرهم. هذا التذكر يُعد اعترافًا بالجميل لهؤلاء العظام الذين تركوا بصماتهم جلية في جانب من جوانب الحياة أو في كثير من مجالات الحياة. وخير الدّين باشا التونسي، وإن كان شركسي الأصل حسب أكثر الأقوال إلا أن نشأته في تونس والفترة الطويلة التي قضاها في خدمة البلاد جعلت منه تونسيّا أكثر من كثير ممن يزعمون الانتساب إليها بينما لم تر منهم البلاد سوى البلاء.
      أغلب التّونسيين يعرفون منجزات خير الدين باشا وإصلاحاته العسكرية والعلمية والسياسية في مرحلة وجوده في تونس، لكن القليل منهم فقط ربما يعرف أنه ترقى في المناصب السّياسية حتى اختاره السلطان عبد الحميد الثاني رئيسا للوزراء (صدر أعظم) على رأس الحكومة العثمانية في أحلك الظّروف وأصعب الأوقات بالنسبة إلى الدولة.
      ترجح أغلب الروايات أن مولد خير الدين التونسي كان ما بين عامي 1820 و 1825 م. وتشير أغلب المصادر التركية إلى أن أصله شركسي، وخير الدين نفسه يذكر أنه شركسي. اشتراه والي تونس أحمد باي، وسرعان ما اكتسب ثقته وثقة الوزير الأكبر مصطفى خزندار. أنشأ المدرسة الحربية في باردو، وأدخل تعليم اللغة الفرنسية للاطلاع على المؤلفات والتقنيات العسكرية الحديثة. ثم ارتقى خير الدين بسرعة في الرتب العسكرية، وتم اختياره لمرافة أحمد باي في زيارته لفرنسا في عام 1846م. وبين سنتي 1873 و 1877 عين وزيرا أكبر في الحكومة التونسية. وبعد أن دخلت البلاد التونسية في أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة وكثرت ضده المؤامرات خصوصا من مصطفى بن إسماعيل المقرب من الباي، فضل الاستقالة من وظائفه السياسية في تونس. وفي هذه الأثناء وصلته دعوة من السلطان عبد الحميد الثاني للإقامة في اسطنبول. استقبل خير الدين باشا من قبل رئيس الديوان حمدي باشا ومدير مكتب الديوان علي فؤاد بك، وخصص له جناح في قصر دولمه باغجه لإقامته.
      لم يمض وقت طويل حتى تم تعيينه بتاريخ 30 سبتمبر سنة 1878م وزيرا وعضوا في مجلس الأعيان في الوقت نفسه. وخصص له راتب بالعملة المجيدية ما مقداره 10 آلاف ريال تونسي. وفي مقابلة مع الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) صفوت باشا نقل إليه قلقه من وجوده في اسطنبول بينما أسرته لا تزال في تونس، وتخوفه كذلك من ثقل المهمة التي كُلّف بها بينما لا يزال غير مطلع على دواليب الحكم في الباب العالي. إلا أنّ السلطان عبد الحميد تمسك بتعيينه في وظائف عليا في الدولة. وفي خطاب رسمي صادر عن الصدارة إلى والي تونس جاء فيه ما يلي “نظرا إلى الخبرة الإدارية والمعلومات الواسعة التي يتمتع بها حضرة صاحب السّعادة خير الدين، أحد أهم رجالات الإدارة في الحكومة التونسية، فقد صدرت الإرادة السلطانية بالاستفادة من إمكانياته ويتم نقله من إدارة الولاية إلى الخدمة في دار السعادة باسطنبول” (الأرشيف العثماني، Y.EE 33/1241).
      وفي تلك الأثناء تم تشكيل “لجنة الإصلاحات المالية” بتاريخ 30 أكتوبر سنة 1878م، وعين خير الدين رئيسا لها، إلى جانب وجود فرنسيين وبريطانيين إضافة إلى بعض الموظفين من الإدارة العثمانية معه في هذه اللجنة. ومهمة هذه اللجنة هي إعداد خطة للإصلاحات في المجال المالي. واستمر في عمله في رئاسة اللجنة لمدة شهر واحد، ليعين رئيسا للوزراء بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1878م.
      ومن أجل جلب أفراد عائلته من تونس إلى اسطنبول أمر السلطان عبد الحميد بتخصيص سفينة تابعة للدولة لهذا الغرض، ووهب السلطان خير الدين باشا وعائلته منتجعا ساحيا يقع على ضفاف البوسفور تم شراؤه من ممتلكات الخزينة الخاصة.
      بعد مجيء عائلته من تونس بيوم واحد تم استدعاؤه من قبل السلطان إلى القصر حيث تم إخباره بعزل صفوت باشا من منصبه وتعيينه في منصب الصدارة العظمى، فأبدى خير الدين التماسا بإعفائه من هذه المسؤولية إلا أن طلبه لم يُقابل بالموافقة.
      لم يكن خير الدين يجيد التركية عندما قدم إلى اسطنبول، ولا توجد معلومات حول معرفته بالتركية في تونس، ولذلك كان يكتب اللوائح والمكاتبات باللغة العربية ويعرضها على القصر وعلى الديوان بالعربية كذلك، أما حديثه مع السياسيين فكان إما بالعربية أو بالفرنسية.
      عند شروع خير الدين في ممارسة مهمته في رئاسة الوزراء كان السلطان عبد الحميد الثاني قد أكمل سنتين على العرش، ولكن في هذه الفترة القصيرة وقعت أحداث جسام مثل الحرب ضد صربيا والجبل الأسود، وأحداث البوسنة والهرسك إضافة إلى عقد مؤتمر اسطنبول وصدور أول دستور عثماني وافتتاح أول مجلس نيابي وكذلك اندلاع الحرب الروسية – العثمانية، ثم إلغاء المجلس النيابي. كما تم في هذه الفترة عقد اتفاقية مع انكلترا ضمت بموجبها قبرص إلى ممتلكاتها بتاريخ 4 جوان 1878م، وعقد اتفاقيتي استيفانوس (3 مارس 1878) وبرلين (13 جويلية 1878). وبموجب هذه الاتفاقيات فقدت الدولة العثمانية أجزاء شاسعة من أراض كانت تحت سيطرتها. وكانت فترة خير الدين باشا مليئة بالمشاكل والمسؤوليات الناجمة عن عقد معاهدة برلين، هذه المعاهدة التي وقعت فيها تفاهمات سرية لاقتسام أجزاء واسعة من الدولة العثمانية. حيث تبين في فترات لاحقة أن فرنسا خططت للسيطرة على تونس، وانكلترا وضعت عينها على مصر، في حين بدأت إيطاليا في البحث عن الطرق المناسبة لاحتلال طرابلس الغرب. بينما لم تبد ألمانيا أية معارضة لهذا المخطط الذي بدأ تنفيذه بعد سنوات قليلة فقط.
      قابل خير الدين التونسي عددا من السفراء، وقد أبدى السفير الفرنسي باسطنبول “فورنيي” استياءه وعدم ارتياحه لتعيين خير الدين باشا رئيسا للوزراء لأن هذه الخطوة سوف تعرقل مخططات فرنسا في الاستيلاء على تونس والتي بدأت منذ مؤتمر برلين، فقد كان يعرف ميول خير الدين العثمانية ودفاعه عن بقاء تونس ولاية عثمانية.
      اقترح خير الدين إنشاء مؤسسة تراقب مؤسسة الخلافة وتحاسبها، فقوبل اقتراحه بالرفض من قبل السلطان عبد الحميد، كما رفض السلطان فكرة إصدار دستور ثان وإنشاء مجلس نيابي لأن الظروف لم تكن تسمح بذلك حسب نظره. كل هذه الاعتبارات وغيرها حالت دون تنفيذ خير الدين لأفكاره الإصلاحية ووجد نفسه في طريق مسدود.
      لقد بذل خير الدين ما في وسعه خلال الثمانية شهور التي شغل فيها منصب الصدر الأعظم، وحاول تحقيق النجاح في هذه المهمة المحاطة بالأشواك في ظروف قاسية واستثنائية بكل معاني الكلمة. وكان من أهم ميزاته عدم الانقياد التام لإرادة السلطان والحفاظ على هيبة منصب الصدر الأعظم.
      بعد عزله من منصب الصدر الأعظم لم يتم إبعاده من اسطنبول كما فُعل بكثير ممن قبله، وشاع كلام بقرب تعيينه واليا على طرابلس الغرب (ليبيا) أو سفيرا في باريس. ولكن ذلك لم يحدث، فالمؤكد أن السلطان عبد الحميد رغب في بقائه في اسطنبول كي لا يفتح على نفسه بابا للمشاكل من ناحية ولكي يستفيد من خبراته مستقبلا عند الحاجة. واستمر صرف راتبه, وبالفعل قدم خير الدين باشا للسلطان الكثير من اللوائح الإصلاحية وغيرها من الاستشارات إلى أن توفي في عام 1890م.
      لقد اهتم كثير من الباحثين الأتراك اليوم بخير الدين باشا التونسي، ومنحوه المكانة التي يستحقها كسياسي ومفكر وعسكريّ محنك، وأُلفت بشأنه الكثير من الرسائل الجامعية والبحوث الأكاديمية من أهمها كتاب للبروفيسور المتخصص في تاريخ شمال أفريقيا “أتيلا جتين”. وهو اليوم يمثل همزة وصل حقيقية بين الشّعب التونسي والتّــركي ففضله على البلدين كان كبيرًا وهو حيّ، وفضله لا يزالا كبيرًا وجسده تحت الثّرى.



      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

      تعليق


      • #63
        عندما منع الاحتلال الفرنسي الجزائريين والتونسيين من الحج



        علاقة التونسيين بالجزائريين علاقة متجذرة ومتشابكة لها أبعاد كثيرة، تتمثل في العروبة والإسلام والجيرة والتاريخ المشترك. فعندما ابتليت الجزائر بالاحتلال الفرنسي في الثلث الأول من القرن التاسع عشر وتحديدا في عام 1830 م امتد هذا البلاء ليصل إلى تونس بعد 50 عاما. وما عانى منه الجزائريون من ويلات عانى منه التونسيون كذلك، وقد مست هذه الممارسات الاستعمارية أقدس ما لدى الشعبين التونسي والجزائري وهي الشعائر الدينية ، ومن بينها منع الناس من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
        وما يظهر اليوم إلى النور من وثائق يكشف لنا هذه الصفحات السوداء من تاريخ الاحتلال الفرنسي للمنطقة.

        لقد كشفت لنا إحدى الشكاوى التي عثرنا عليها في الأرشيف العثماني باسطنبول مؤرخة بتاريخ 20 جوان سنة 1892م مرسلة من قبل أهالي الجزائر وقعها عنهم بالنيابة الحاج محمد بن منصور، وتم رفعها إلى الباب العالي في اسطنبول حجم التضييق على كل ما له علاقة بالإسلام في الجزائر. فقد جاء في الشكوى “أنه بعد الاستيلاء على الجزائر من قبل الحكومة الفرنسية تم منع الأهالي المسلمين من عقد الزواج على الطريقة الإسلامية، ومُنع الطلاق، وأُغلقت المدارس الإسلامية، ومُنع تحصيل العلوم الإسلامية، وتم تحويل التعليم ليصبح باللغة الفرنسية، وأجبر الناس على إضافة لقب إلى الأسماء الإسلامية على طريقة المسيحيين،. ومع أن الأهالي معفيّون من الخدمة العسكرية فقد تم تكوين قوات عسكرية تتكون من 300 ألف من الأهالي الجزائريين قسرًا وجبرًا. هذا بالإضافة إلى مُعاملات وتكاليف أخرى مخالفة للديانة الإسلامية”. وهذه المعلومات أكدها وزير الخارجية العثماني في تقريره المقدم إلى رئاسة الوزراء في الباب العالي بتاريخ 22 شعبان سنة 1314هـ الموافق لـ 22 جانفي 1897م (الأرشيف العثماني، وثيقة رقم Y. A. HUS , 365/29).
        فقد شملت التضييقات جميع مناحي الحياة ، والهدف منها على ما يبدو هو طمس الهوية للمسلمين في بلاد الجزائر، إلى الحد الذي يتم فيه تغيير اللغة والدين والعادات والتقاليد وتغيير الأسماء. إنها عملية قاسية تسعى إلى فرنسة المجتمع الجزائري. وهذا يتنافي تماما مع ما تعلنه السلطات الفرنسية من شعارات عند دخولها إلى الجزائر وتونس وهو إدخال أنوار حرية ونشر الحضارة والقضاء على الجهل.
        ولم تكتف السلطات الفرنسية بهذه الممارسات بل إنها أصدرت قرارا بمنع المسلمين في الجزائر وتونس والسنغال والمناطق الخاضعة لسلطاتها من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، بل وعملت على إقناع الدول الأخرى التي يوجد فيها رعايا مسلمون لتنفيذ الإجراءات نفسها.
        إننا اليوم ونحن نعرض هذه المعلومات نحاول إلقاء الضوء على فترة مهمة من التاريخ المشترك للشعبين الجزائري والتونسي في مواجهتمهما لاحتلال ترك جروحه الغائرة في الذاكرة المشتركة حتى اليوم؛ قتل مئات الآلاف من الأبرياء في البلدين ولانزال نرى تدخلات هذا البلد نفسه في شؤوت البلدين ومحاولة إحباط محاولات التحرر الحقيقية من نير التخلف والاستبداد، وإجهاض تجارب الثورة والديمقراطية. وإلى حد اليوم لم نسمع من فرنسا اعتذارا واحدا عما ارتكبته في حق هذه الشعوب من مظالم. وما لم يحدث ذلك فالأكيد أن هذه الشعوب سوف تبقى تنظر إليها بعين الريبة والشك، ولن تصدق كثيرا ما يقوله السياسيون الفرنسيون من أنها تدعم الحرية والديمقراطية في هذه البلدان، خصوصا عندما ترى أن الأحداث القريبة لا تؤيد هذا الكلام. فبالأمس القريب رأينا كيف وقفت فرنسا بقوة إلى جانب النظام التونسي المنهار قبل لحظات من سقوطه في جانفي 2011، وعبرت عن دعمها له ووقوفها إلى جانبه. إننا من هذا المنطلق نريد أن تبقى الذاكرة حية لدى الأجيال الجديدة لتدرك أن الحرية أغلى مكسب وأن التفريط فيها يمكن أن يقود إلى المهانة والذل والمعاناة تماما كما عانى أجدادنا الأولون.


        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

        تعليق


        • #64
          “قرية التّوانسة” في تركيا: شاهد على عُمق العلاقات بين البَلدين

          العلاقات التّركية التّونسية علاقات ضاربة في أعماق التّاريخ، وممتدة في واقعنا اليوم. فقد فتح الأتراك العثمانيون تونس عام 1574م، وظلت تونس ولاية عثمانية إلى حدود عام 1881م تاريخ الاستيلاء الفرنسي على تونس. ويمكن القول إن الكثير، إذا لم نقل إن أغلب التونسيين لا يعرفون إلا النّزر القليل من المعلومات عن الوُجود التّونسي في تركيا، وعن دور التّونسيين في الحركة العلمية والدّعوية والنضالية مع إخوانهم الأتراك ضد القوى الاستعماريّة في أحقاب مختلفة.
          “قرية التوانسة” تقف اليوم شاهدا حيّا على عمق هذه العلاقات وعلى الدّور الكبير والفعال الذي قام به التّونسيون أثناء الحرب العثمانيّة الرّوسية المعروفة بحرب القِرِمْ سنة 1854م. فما هي هذه القرية؟ ولماذا سمّيت بهذا الاسم؟ وما هي قصتها؟
          توجد قرية التّوانسة، أو (Tunuslar köyü) حسب ما تنطق تُنطق باللّغة التّركية في ولاية قَسْطَمُوني في شمال وسط تركيا الواقعة على سواحل البحر الأسود. وتبعد عن مركز الولاية مسافة 59 كلم. ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 1150 م. ويسكن بها نحو 50 شخصًا حسب إحصائية صادرة في عام 2012م.
          وسكّان هذه القرية هم من بين التّونسيين الذين شاركوا في حرب القرم، وهي الحرب التي اندلعت بين روسيا والسّلطنة العثمانية بتاريخ 28 مارس عام 1853 م، واستمرت حتى 1856 م. ودخلت بريطانيا وفرنسا الحرب إلى جانب الدّولة العثمانية في 1854 م التي كان قد أصابها الضّعف، ثم لحقتها مملكة سردينيا التي أصبحت فيما بعد (1861م) مملكة إيطاليا. والسّبب الرئيس في إشعالها هي الأطماع الإقليمية لرُوسيا على حساب الدّولة العثمانية، وخاصة في شبه جزيرة القِرِم التي كانت مسرح المعارك والمواجهات. وانتهت الحرب في 30 مارس 1856 م بتوقيع اتفاقية باريس, وهزيمة الرّوس هزيمة فادحة.
          كانت تونس قد ساهمت في الحرب بنحو 20 ألف جندي يقودهم الجنرال رشيد، إحساسا منها بأهمية هذه الحرب التي تستهدف المسلمين وأراضيهم والقضاء على دولتهم. وشارك إلى جانب التونسيين متطوعون من طرابلس الغرب (ليبيا) ومن المغرب الأقصى، ومن مصر ومن الجزيرة العربية و الشّام، ومن مناطق مختلفة من الدّولة. وقد سَقط في الحرب من الجانب العثماني نحو 400 ألف ما بين قتيل وجريح. واستشهد من الجنود التونسيين عدد كبير، ومن نجا منهم رجع قسم منهم إلى تونس، وقسم آخر فضّل البقاء فمنحهم السّلطان العثماني قطعة أرض في ولاية قسطموني ليسكنوا فيها، فسميت القرية باسمهم، وهي إلى اليوم بهذا الاسم. وما يزال التونسيون القاطنون في هذه القرية يحافظون على العادات التّونسية في المأكل والملبس، وسيمَا وُجوههم تتحدّث عن هويّتهم العربيّة التّونسية. ومن بين القادة التونسيين قائد يسمّى محمد التّونسي، استشهد أثناء الحرب ودُفن في هذا المكان. والنّاس في هذه القرية يعرفونه باسم محمّد التونسي. وبالقرب من هذه القرية تم في عام 2003 إنشاء شِشْمة (سبيل) الصّداقة التّونسية التّركية” بحضور عدد كبير من التّونسيين والأتراك.
          هذا نموذج واحد من بين عشرات النّماذج والشواهد على صلابة الروابط بين الشعبين التونسي والتركي. ويمكننا أن نذكر مثل هذا في المجالات السياسية والعلمية والتجارية وغيرها. فللتونسي حضور كبير في الذاكرة التّركية القديمة والمعاصرة. فعندما أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة تأثّر به بورقيبة واعتبره الأب الرّوحي، وسار على طريقه في كثير من الإصلاحات التي أنجزها بعد الاستقلال. وتونس اليوم أصبحت أشهر من نار على علم في تركيا بعد الثورة التي غيرت وجه تونس ووجه المنطقة ككلّ.
          لكن ما يُؤسف له أن هناك بعض الأطراف في تونس، عن قصد أو عن قصد تسعى إلى تخريب هذه العلاقات الطيبة بين البلدين، وبين الشّعبين من أجل تحقيق أهداف سياسية ضيّقة لا تراعي المصالح العليا للبلاد. والمفترض أن هذه الحسابات لا يمكن أن تحجب عنا حقيقة أن الشّعبين التّونسي والتّركي تربطهما قواسم كثيرة مشتركة ماضيا وحاضرا ومستقبلا.


          تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

          قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
          "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
          وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

          تعليق


          • #65
            السلطان سليم.. الخادم الأمين






            قبل سفره إلى الشرق زار السلطان سليم الأول (1512-1520) مسجد الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري في إسطنبول… صلى ركعتين ثم دعا ربه راجيًا النصر وجمعَ شمل الأمة… وبعد ذلك ولّى وجهه نحو منطقة أسكدار لقيادة الجيش… تحرك الجيش العثماني في 5 يونيو/حزيران 1516 من أسكدار… كان يمر من الأراضي الغنية بالحدائق والبساتين، والزاخرة بشتى أنواع الفواكه والثمرات… ولما وصل الجيش إلى منطقة “كَبْزة” -التي تبعد عن إسطنبول بستين (60) كيلومتر تقريبًا- وحط رحاله واستقر، هجس في قلب السلطان سليم هَمٌّ ووقع في خلده أمرٌ… فدعا آغا الإنكشاريين على الفور وأمره بأن يفتش خروجَ وأكياسَ الجنود كافة ليتحقق من أمرٍ هو: هل جنى الجنود فاكهة من هذه البساتين دون إذن أصحابها أم لا!؟ فذهب الآغا على الفور وشرع مع أعوانه بتفتيش الجنود واحدًا واحدًا، ثم بتفتيش الأشجار كذلك واحدة واحدة… ولكنه لم يعثر على شيء قط. وعندما أخبر السلطان بالأمر، افترّ ثغره عن ابتسامة، رفع يديه إلى السماء وراح يدعو قائلاً: “أحمدك اللهم أنْ وهبتني جيشًا يبتغي مرضاتك، لا يأكل الحرام ولا يغتصب الأموال”.
            ثم التفت إلى آغا الإنكشاريين وقال: “يا آغا! لو أني وجدتُ جنديًّا واحدًا قام بقطف ثمرة دون رضى صاحبها، لما ترددتُ في العدول عن سفري هذا، ولما تأخَّرتُ لحظة واحدة بالعودة إلى حيث أتيتُ”.
            ثم أردف قائلاً: “يا آغا! إنه من المستحيل أن تُفتح البلاد بجيش يأكل الحرام ويغتصب أموال الناس”.


            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

            تعليق


            • #66
              دروس الحضرة السلطانية





              عندما كان السلاطين العثمانيون منذ قيام الدولة العثمانية ينتشرون في الأرض فاتحين، كانوا يولون اهتمامًا كبيرًا للأنشطة العلمية والثقافية، ففتحوا المدارس، واستقطبوا كبار علماء العصور المتتابعة إلى إسطنبول، وأنشأوا المكتبات، وهيأوا الأوساط التي تخرِّج العلماء وتنتج العلوم.


              رتب السلاطين العثمانيون في قصورهم مجالس العلم يتعرفون من خلالها إلى دنيا العلوم، ويظهرون بها احترامهم للعلماء… وبفضل هذه المجالس، تهيأت أرضية حوار جميل بين العلماء والسلاطين، وعلى هذه الأرضية قامت مشروعات إيجابية عظيمة على مستوى الدولة. فقد أمر السلطان محمد الفاتح -على سبيل المثال- بإنشاء مدارس “الصحن الثماني” -وهي ثمانية مدارس، أربعةٌ في شمال جامع الفاتح، وأربعةٌ في جنوبه- ينتسب إليه الطلاب بعد إتمامهم المراحل الابتدائية والمتوسطة والمرحلة التحضيرية. فهي بمثابة التعليم العالي والجامعات في يومنا الحالي. وقد استند السلطان الفاتح في ذلك، على أفكار علماء عصره المرموقين “مُلاّ خُسْرَوْ” و”علي قُوشْجُو” اللذين وضعا مفردات مناهجها التعليمية. وبقيت هذه المؤسسة (الصحن الثماني) من أشهر المراكز العلمية في عصر الفاتح وما تلاه من العصور العثمانية.

              التطور التاريخي لدروس الحضرة السلطانية
              كانت الدولة العثمانية تقوم بتنظيم فعاليات كثيرة خلال شهر رمضان المبارك، لاكتساب المزيد من فيوضات هذا الشهر وبركاته. والسلاطين بدورهم كانوا يستغلون أيام شهر رمضان وينظمون الدروس الخاصة بها للعلماء. ومن الأمور الطريفة والمثيرة للاهتمام “دروس الحضرة السلطانية” التي عُقِدتْ في شهر رمضان المبارك بشكل خاص بين العلماء والسلاطين. وهذه الدروس -وإن لم يحمل عنها تاريخُنا المعلومات المفصلة والكافية- سواء من حيث محتواها أو من حيث قيمتها المعنوية والروحية، فإنها كانت بلا شك صفحة مهمة في الحياة الثقافية العثمانية.


              استمرت دروس الحضرة السلطانية حتى منتصف القرن الثامن عشر عبر مراحل عدة، فلئن كانت هناك بعض المجالس العلمية التي كان يحضرها السلطان محمد الفاتح بنفسه، والدروس التي يحضرها السلطان محمد الرابع بين صلاتي المغرب والعشاء، ويلقيها شيخه “أحمد واني أفندي” وشيخ الإسلام “يحيى أفندي”، فإنها لم تكن مستمرة بانتظام ولم تكتسب البداية النموذجية المنتظمة لدروس الحضرة حتى عهد السلطان أحمد الثالث، حيث قام الصدر الأعظم “داماد إبراهيم باشا النَّوشَهِرْلي” عام 1724م بتنظيمها من جديد، إذ بدأ يدعو في شهر رمضان المبارك إلى قصره العلماء المشهورين لإلقاء الدروس في تفسير القرآن الكريم. وفي عام 1728م حضر إحدى هذه الدروس الرمضانية السلطانُ “أحمد الثالث” ونجله الشاهزادة “مصطفى الثالث”، ويروى أنه جرى
              إحداث دروس الحضرة بحضورهما وتأثرهما.


              وربما تَزامُن هذه الدروس التي رتبها “إبراهيم باشا” مع “عهد اللاّلة” له دلالته ومغزاه، فهذا العهد -كما تذكره كتبنا التاريخية- كان عهد ترف وبذخ، إذ بدأت تضعف فيه معنويات رجال الدولة التي كانت عند سابقيهم، ولذلك دخلت دروس الحضرة في بنية البرامج الرسمية للدولة بدءًا من شهر رمضان الثاني (28 نيسان 1759) بعد تولي السلطان مصطفى الثالث العرش (1757-1774). وكان السلطان مصطفى الثالث مشهورًا بالزهد والورع، كما كان يبدي حساسية شديدة في الأمور التي تخص الدين؛ فإذا أدرك قرارًا من القرارات التي اتخِذتْ أنه مخالفًا للشرع، فسرعان ما كان يسحبه ويعدّله وفقًا للأوامر الدينية، أو بعبارة أخرى كان حريصًا على تجسيد الصواب في الحياة. وتتحدث الوثيقة التي سجلها كاتب سرّه، أن السلطان مصطفى الثالث كان يحرص على صلوات الجماعة وعلى الأخص صلاة الفجر، وكان يحضر دروس التفسير التي تعقد بعدها في قصره بانتظام.

              مَن يحضر دروس الحضرة السلطانية؟
              العالم الذي يقدم الدرس في دروس الحضرة السلطانية كان يسمى بـ”المقرِّر”، أما العلماء الذين يستمعون الدرس ثم يوجِّهون الأسئلة فكانوا يسمّون بـ “المخاطَب”. انطلقتْ هذه الدروس في عهودها الأولى، بخمسة مخاطبين لكل مقرِّر، وبمرور الأيام والأزمنة بلغ عدد هؤلاء إلى خمسة عشر مخاطبًا. وفي أول درس من دروس الحضرة الذي تم عقده في عهد السلطان مصطفى الثالث في شهر رمضان من عام 1759م، كان المقرِّر هو أمين الفتوى “أبو بكر أفندي”، وكان “نبيل محمد أفندي” وشيخ القصر “حميدي محمد أفندي” ومفتش شيخ الإسلام “إدريس أفندي” و”مُزَلَّف محمد أفندي” و”إسماعيل أفندي القونوي” هم المخاطبون.

              “اختيار أعضاء دروس الحضرة السلطانية


              قبل شهر رمضان المبارك كان يجري حصر أسماء العلماء المرشحين للدروس وتوزيعهم في مجموعات، ويتشكل لكل درسٍ هيئة خاصة. وقد كان عدد العلماء المختارين لدروس الحضرة في عام 1775م سبعين عالمًا، بينما وصل هذا العدد في 1767م إلى 126 عالمًا. يتم اختيار هذه الهيئات من قبل شيوخ الإسلام، حيث يتم اختيار المقررِّين والمخاطَبين بعناية فائقة، ثم تظهر في الأوامر والمذكرات السلطانية المرسلة إلى المشيخة الإسلامية، فيتم التأكيد على اللياقة والمراتب العلمية والمميزات الشخصية. ولا يستطيع السلطان أو شيخ الإسلام أن يعيّن شخصًا مقرِّرًا أو مخاطَبًا ما لم يكن متمتعًا بهذه الأوصاف. وبعد اختيار هذه الهيئات يتم تقديمها إلى السلطان من أجل التصديق.
              “أوقات دروس الحضرة السلطانية وأماكنها


              كان السلطان يعيِّن بنفسه الأماكن التي ستقام فيها دروس الحضرة. وقد عُقدت هذه الدروس لفترة طويلة في “طوب قابي” في أقسام؛ قصر سَبَتْجِيلار، وقصر صوفا، وقصر روان، وقصر إِنْجِيلي، قصر يالي، وقاعة الختان. وفيما بعد انتقلت دروس الحضرة السلطانية في عهود السلاطين عبد العزيز، ومحمد رشاد، وعبد المجيد إلى قصر “دولمه بقجه” وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إلى قصر “يِلْدِز”.
              أما أوقات الدروس في شهر رمضان المبارك، فقد اختلفت تبعًا لاختلاف السلاطين؛ فكانت تجري في بعض الأحيان بين الظهر والعصر، وفي بعض الأحيان بين العصر والمغرب، وكانت على العموم تمتد لساعتين، ولا تتوقف إلا يوم الجمعة من العشر الأول.

              محتوى دروس الحضرة السلطانية
              تحضر الهيئة المختارة إلى الدرس يتقدمهم المقرِّر، ثم المخاطبون حسب القدم. يتم استقبال الهيئة والسلطان مع مرافقيه وقوفًا، وهذا السلوك يبيّن مدى الاحترام والتقدير لأهل العلم في الدولة العثمانية، ويندر رؤيته في دول أخرى. بعد مراسم الاستقبال، يجلس السلطان والحضور جميعًا، كلٌّ في مجلسه المحدد له. يجلس المقرِّر والمخاطَبون والحضور لفرشٍ أعدت لهم خصيصًا، كما يجلس السلاطين كالمستمعين الآخرين على ركبهم لا على عروشهم، وينصتون وأيديهم على ركبهم.


              تتم العناية بإعداد دروس الحضرة السلطانية بشكل خاص باعتبارها جزءًا من تقاليد القصر، فالفرش المخيطة من أقمشة خاصة، ومناضد القراءة المحفورة، والألبسة الخاصة للحضور، وكل التفاصيل الدقيقة، يتم الوقوف عندها في عرض رائع للمدنية العثمانية بكل صفائها.
              تبدأ دروس الحضرة بدرس التفسير؛ فيبدأ المقرِّر بتلاوة الآيات، ثم يتم تفسير الآيات من قبل المقرِّر، ثم يتناوب المخاطبون بعرض أفكارهم حول الآيات. ويجتنبون الجدال والاستطرادات غير الضرورية في هذه المجالس العلمية والدروس التي تجري في حضرة السلطان. ومن جانب آخر تتركز العناية لتأمين الوسط الذي يبدي فيه المشاركون آراءهم في راحة تامة، حيث كان في عهد السلطان سليم الثالث (1807م) كان يتكلم بنفسه مع العلماء المشاركين، ويطلب منهم أن يعبّروا عن آرائهم في راحة تامة. يبلغ الدرس نهايته بإشارة من السلطان، فيتلو المقرِّر دعاء الختام. هذا وقد جرت العادة أن يمنح السلطان عطية للمقرِّر والمخاطبين.
              كانت دروس التفسير تقرأ عادة من كتاب “أنوار التنزيل وأسرار التأويل” لـ”القاضي البيضاوي” (توفي عام 1285م)، وتدريس هذا الكتاب الموجز المتوسط في حجمه لأعوام طويلة في المدارس العثمانية، يدل على قيمة هذا الكتاب.

              كان تفسير قوله تعالى من سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ الدرس الأول في عهد السلطان مصطفى الثالث.
              لم تكن دروس الحضرة السلطانية تلتزم في التفسير ترتيبًا معينًا لآيات القرآن الكريم حتى إذا كان شهر رمضان عام 1785م، بدأ التفسير بسورة الفاتحة واستمر وفق ترتيب السور في القرآن الكريم. فعلى سبيل المثال، بدأ تفسير سورة الإسراء المكونة من 111 آية في شهر رمضان المبارك عام 1755م واستمر حتى عام 1778م، وسورة الفتح المكونة من 29 آية اكتمل تفسيرها ما بين عامي (1779-1784م)، وسورة الفاتحة في عامي (1785م) و(1786م)، وابتدأ تفسير سورة البقرة من عام 1787م واستمر تفسير 30 آية منها طيلة خمس سنوات حتى رمضان 1791م. واستمرت دروس التفسير المرتبة حتى شهر رمضان من 1923م، وتوقفت عند تفسير الآية 31 من سورة النحل في الجزء الرابع عشر: ﴿
              جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ﴾، وبتفسير هذه الآية توقفت دروس الحضرة السلطانية الرمضانية تمامًا.

              لم تقتصر الدروس في المجتمعات العثمانية على قصور السلاطين، فقد استلهم وجهاء المجتمع العثماني دروس الحضرة السلطانية التي يعقدها السلطان في قصره، فنظموا أمثال هذه الدروس في قصورهم وبيوتهم، بل وفي المقاهي أيضًا، وأقيمت دروس الفقه، يتعلم الناس فيها أمور دينهم.
              وكان الخليفة السلطان عبد المجيد، آخر من نظم دروس الحضرة السلطانية في قصره في “دولمه بقجه” في شهر رمضان عام 1923م، وبإزالة الخلافة في 3 آذار 1924م اختفت دروس الحضرة السلطانية وغابت عن مسرح التاريخ.
              ـــــــــــــــــــــــــــــ
              المصدر مجلة حراء
              (*) الترجمة عن التركية: مصطفى حمزة.



              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

              تعليق


              • #67
                بصمات عثمانية على الأقصى الشريف



                القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة. مسرح النبوات وزهرة المدائن وموضع أنظار البشر منذ أقدم العصور.
                تاريخ بناء القدس يعود إلى اسم بانيها وهو إيلياء بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام -إيلياء أحد أسماء القدس- وقيل إن “مليك صادق” أحد ملوك اليبوسيين -وهم أشهر قبائل الكنعانيين- أول من اختط وبنى مدينة القدس وذلك سنة (3000 ق.م) والتي سميت بـ”يبوس”. وقد عرف “مليك صادق” بالتقوى وحب السلام حتى أُطلق عليه “ملك السلام”، ومن هنا جاء اسم مدينة “سالم” أو “شالم” أو “أور شالم” بمعنى دع شالم يؤسس، أو مدينة سالم. وبالتالي فإن أورشليم كان اسماً معروفا وموجودا قبل أن يغتصب الإسرائيليون هذه المدينة من أيدي أصحابها اليبوسيين. وسماها الإسرائيليون أيضا “صهيون” نسبة لجبل في فلسطين، وقد غلب على المدينة اسم “القدس”.


                الدور التمهيدي في العمارة العثمانية
                وقسَّم العلماء تاريخ العمارة الإسلامية العثمانية إلى أدوار واضحة المعالم أعقبت الدور التمهيدي. أما الدور التمهيدي فيعُم الفترة الزمنية السابقة على أيام السلطان “أورخان” الذي تسلطن (1325م). ويشمل الدور التمهيدي المنشآت التي أنشأها الأمير “أَرطغرل بن سليمان شاه” (1198-1281)، حيث امتدت في زمنه رقعة الإمارة العثمانية بالفتوحات من مدينة “أَسْكِيشَهِر” إلى “كُوتَاهْيا”. وبعد وفاته حكم الإمارة ابنه عثمان الأول (1258-1326)، حيث اتخذ من المدينة الجديدة “يَنِي شَهِرْ” عاصمة للدولة العثمانية. وتطورت العمارة الإسلامية العثمانية في “يني شهر”، ثم مرّت بأدوار عدة فشكل عهد أرطغرل وخليفته عثمان الأول مرحلة الدور المعماري العثماني التمهيدي الذي استمر حتى نهاية عهد عثمان الأول.


                وبعد وفاة السلطان عثمان الأول خلفه ولده السلطان “أورخان”. فبدأ دور معماري جديد، فتطورت العمارة الإسلامية العثمانية حين فُتحت مدينة “بورصة”، فاتخذها السلطان أورخان عاصمة للدولة العثمانية بعد العاصمة الأولى في مدينة “يني شهر”. ثم فتح السلطان أورخان مدينة “إِزْنيك” المسماة “نيقيا المقدسة” عند الروم. واستطاع السيطرة على سواحل البحر الأسود وبحر مرمرة.
                ومع امتداد السلطنة العثمانية إلى المدن المفتوحة اتسع نطاق العمارة الإسلامية، وازدهرت فنونها، وأصبحت مدينة بورصة نموذجا رائعا للمدينة الإسلامية بكل مكوناتها المتطورة. وبعدما حقق السلطان أورخان انتصاراته في آسيا، قرر التوجه غربا نحو أوروبا لمتابعة الفتوحات، ونشر الحضارة الإسلامية بكل ما فيها من حسنات تحقق المصالح الإنسانية وتدفع المفاسد، حيث حقق آماله بفتح مدن الضفة الغربية لمضيق الدردنيل الذي يصل بين بحر مرمرة شمالا وبحر إيجة جنوبا.

                القدس في ظل الدولة العثمانية
                أبدى العثمانيون عناية فائقة بتطوير مدينة القدس، ابتداء بالتعميرات الضخمة التي أنجزها السلطان سليمان القانوني وانتهاء بالمباني التي شُيدت في عصر السلطان عبد الحميد الثاني. ورغم محاولات بعض المؤرخين طمس هذه الحقيقة فإنّ تلك المنشآت ما زالت قائمة حتى اليوم.


                إن أقدم معلم تاريخي في القدس الشريف هو أسوار المدينة التاريخية التي تم بناؤها من قبل السلطان سليمان القانوني عام (1526م)، ويليها الأوقاف والمؤسسات الخيرية التي بنيت في أماكن مختلفة من القدس وأبرزها الوقف الخيري “خاصكي سلطان” أو “التكية”. وهي من أعظم المؤسسات الخيرية في القدس والتي قامت بإنشائها زوجة السلطان سليمان القانوني. والتكية تقدم الطعام لفقراء القدس والمحتاجين إلى يومنا هذا، حيث تقع على طريق الواد وفي الزقاق الممتد بين خان الزيت وعقبة التكية حيث تكية خاصكي سلطان كما عرفها أهالي فلسطين والقدس من مئات السنين.
                في أول شهر كانون الأول من عام (1517م) وصل السلطان العثماني سليم الأول أسوار القدس ولم تكن هناك مقاومة. وخرج العلماء للقاء السلطان وأهدوه مفاتيح الأقصى وقبة الصخرة، فقفز السلطان سليم من على فرسه وسجد سجدتين ثم قال: “الحمد لله الذي جعلني خادما لحرم أولى القبلتين”.

                وتعتبر فترة السلطان سليمان القانوني نجل السلطان سليم الأول، الفترة الذهبية بالنسبة لأسوار القدس، حيث أمر هذا السلطان بإعادة بناء أسوار المدينة من جديد. وكانت تلك خطة طموحة استلزمت مهارة عالية ونفقات باهظة. ولم يقم العثمانيون ببناء استحكامات معقدة كتلك سوى في أماكن قليلة أخرى. وبلغ طول السور الذي ما زال موجودا إلى الآن ميلين بارتفاع قرابة أربعين قدما. وأحاط المدينة إحاطة تامة وكان به أربعة وثلاثون برجا وسبع بوابات. وحينما انتهى بناء السور عام (1541م) أصبحت القدس محصنة لأول مرة منذ أكثر من ثلاثمائة عام.
                وأنفق سليمان القانوني أيضا مبالغ كبيرة في نظام المياه بالمدينة فبنيت ست نافورات جميلة وشقت القنوات والبحيرات، وتم تجديد بحيرة السلطان جنوب غربي المدينة وأصلحت قنواتها. وشهدت المدينة أزدهارا جديدا حيث تم تطوير الأسواق وتوسيعها.
                وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر تم تحويل القدس إداريا إلى متصرفية وضمت إليها “نابلس” و”غزة”، لزيادة عدد سكانها ولأهميتها الدينية. وكانت سلطة قاضي القدس ذات مدى متسع يشمل المناطق من غزة إلى حيفا.
                لم يهمل السلطان سليمان الحرم فرممه بالفسيفساء خاصة الجزء الأعلى من الحائط الخارجي لقبة الصخرة وغلف الجزء الأسفل بالرخام. وتمت تغطية قبة السلسلة بزخارف جميلة. كما بنى سليمان القانوني نافورة بديعة للوضوء في الفناء الأمامي للمسجد الأقصى وكما أيد بناء أوقاف الحرم وبعض المدارس. وتنازل السلطان عن حقه في رسوم دخول الحجاج لصالح تمويل قراءة القرآن في قبة الصخرة لمدة عام واحد. وأصبحت الأوقاف التي تم إصلاحها مصدر عمل ودخل للأعمال الخيرية. وأنشأت زوجة السلطان القانوني تكية في القدس عام (1551م)، ومجمعا كبيرا يشمل مسجدا ورباطا ومدرسة وخانا ومطبخا يخدم طلبة العلم والمتصوفين والفقراء ويقدم لهم وجبات طعام مجانية. وقد شملت أوقاف التكية عدة قرى حتى وصلت منطقة رام الله.
                فقد تم إعادة ترميم قبة الصخرة في عهد السلطان محمد الثالث والسلطان أحمد الأول والسلطان مصطفى الأول. وأصدر السلاطين فرمانات عديدة خاصة بالأماكن المقدسة. وكان الباشاوات ملزمين بحفظ النظام في منطقة الحرم والتأكد من سلامة الأماكن الدينية ونظافتها. وكانت الوقف تستغل في عائدات أعمال الصيانة وكانت الحكومة أيضا على استعداد لاقتسام النفقات إذا استدعى الأمر. وظلت المدينة في القرن السابع عشر تستحوذ على الإعجاب. وساد الأمن والسلام في كل أرجاء بلاد القدس الشريف. وقد زار الرحالة التركي “أوليا جلبي” القدس عام (1648م) ووجد -كما قال- أن هناك ثمانمائة إمام وواعظ يعملون في الحرم والمدارس المجاورة ويتقاضون مرتبات، وكان هناك أيضا خمسون مؤذنا وعدد كبير من مرتلي القرآن الكريم، كما وجد أن الزائرين المسلمين ما زالوا يسيرون مواكبهم حول الحرم ويؤدون الصلاة في المواقع المختلفة. وقال إن أروقة الحرم امتلأت بالدراويش من الهند وفارس وآسيا الصغرى، حيث كانوا يرتلون القرآن طوال الليل ويعقدون حلقات الذكر ويتغنون بأسماء الله الحسنى على ضوء مصابيح الزيت الوامضة المتواجدة على طول الممرات ذات الأعمدة. وبعد صلاة الفجر كانت تعقد حلقات الذكر مرة أخرى في مسجد المغاربة في الركن الجنوبي الغربي من الحرم. وكان هناك خمسمائة جندي تحت إمرة باشا القدس وكانت أهم مهامهم الرئيسية مرافقة قافلة الحج الذاهبة من دمشق إلى مكة المكرمة كل عام.
                وقد نصّبت الدولة العثمانية على القدس حكاما من أهلها مما زاد في الاهتمام بتعميرها وترميم ما تلف من مساجدها وخاصة المسجد الأقصى وقد تم تعيين أربعة مفتين.
                وخافظت القدس في العهد العثماني على مكانتها المرموقة وظلت مركز جذب للمتصوفين والعلماء. والجدير بالذكر أنه كان عدد العلماء في المدينة في القرن الثامن عشر أكبر من عددهم في القرن السابع عشر كما اقتنى بعض العلماء مكتبات خاصة مهمة.
                القدس وفن العمارة الإسلامية
                العمارة الإسلامية في القدس هي امتدادٌ للعمارة الإسلامية العثمانية، والعمارة العثمانية حلقة مهمة من حلقات العمارة الإسلامية عموما. نشأت العمارة الإسلامية -زمنيا- مع الهجرة النبوية وبناء المسجد النبوي في المدينة المنورة، وتمتد حتى العصر الراهن، كما أن للعمارة الإسلامية امتدادا جغرافيا واسعا يمتد من بلاد الملايو والبنغال وتايلاند والفيليبين شرقا إلى الأندلس غربا وهذا الامتداد قديم.
                وفي العصر الراهن تنتشر المنشآت الإسلامية في كافة أنحاء المعمورة. ولكن وجود بعض المنشآت لا ينمّ عن هوية إسلامية ما لم ترافقها العادات والأذواق والثقافات الإسلامية. بدأ نشوء المدن الإسلامية ببناء المسجد وما يحيط به من مساكن ومنشآت؛ كالقلعة وسبيل الماء والحمام والقناطر والجسور والمدارس والبيمارستانات والخانات والأسواق.


                أصبحت المدينة الإسلامية مميزة المعالم، واضحة الهوية بعد الهجرة النبوية، ثم تكاملت في عهود الخلفاء الراشدين، وازدهرت العمارة الإسلامية في عهد الأمويين حيث استفاد البناؤون المسلمون من التطور العمراني الرومي البيزنطي، وتجلى ذلك المزج بين الفنّ المعماري الإسلامي والفن المعماري البيزنطي في الجامع الأموي بمدينة دمشق، والجامع الأموي بمدينة حلب، وقبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس. ثم تطورت الفنون المعمارية الإسلامية في عهد العباسيين حيث انتشرت المدارس النظامية التي شيدها الوزير نظام الملك السلجوقي، ثم شُيدت المدرسة المستنصرية في بغداد في بداية القرن السابع الهجري، فبلغت بغداد آنذاك درجة رفيعة معبرة عن محتويات العاصمة الإسلامية التي استفادت من المؤثرات المعمارية البيزنطية والساسانية والسلجوقية والهندية.

                وبعد ذلك انتقلت عاصمة الخلافة العباسية إلى القاهرة التي أصبحت رمز العاصمة الإسلامية، واستمرت على تلك الحال حتى فتحها السلطان سليم الأول ونقل عاصمة الخلافة الإسلامية إلى مدينة إسطنبول سنة (1517م). فتطور فن العمارة الإسلامية العثمانية حيث جمع بين فنون العمارة الإفريقية والآسيوية والأوروبية، وتطورت العمارة الإسلامية العثمانية في شكل متلازم مع تطور الدولة العثمانية واتسع نطاقها مع اتساع رقعة الدولة العثمانية.
                ____________
                المصدر مجلة حراء / أحمد مروات



                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                تعليق


                • #68
                  الاحتلال الفرنسي لتونس واحتضان ليبيا لأكثر من 200 ألف مهاجر تونسي




                  بعد ثورة الشّعب الليبي على نظام العقيد معمر القذافــــي سنة 2011 لجأت إلى تونس حشود كبيرة من المواطنين اللّيبيين فاق عددهم الـ500 ألف شخص ما بين رجال وأطفالونساء وشيوخ. وقدمت العائلات التّونسية جميع أنواع الدّعم لإخوانهم الليبيين، وآووهم في بيوتهم، واعتبروا ذلك واجبًا لا منّة. وقد أشادت المنظمات الدّولية بكرم الشّعب التّونسي وحسن استقباله لضيوفه. والحقيقة أن العلاقات بين الشعبين الليبي والتونسي ترجع إلى عقود طويلة من الزّمن، وهي راسخة عبر التّاريخ.
                  وقد كشفت لنا إحدى الوثائق النادرة التي عثرنا عليها في الأرشيف العثماني التابع لرئاسة الوزراء باسطنبول (وثيقة رقم: BOA, Y. PRK. KOM, 3/42) حقائق مهمة عن الأعداد الهائلة من التونسيين الذين احتضنتهم ليبيا، والدّعم الذي قدمه لهم الشّعب الليبي على إثر الهجوم الفرنسي على البلاد التونسية واحتلالها في عام 1881م. فقد رفض عدد كبير من التّونسيّين الخضوع لإملاءات المحتل الفرنسي ما أجبرهم على اللّجوء إلى الأراضي الليبية. وهذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين تكشف في الوقت نفسه القسوة الهائلة التي تعامل بها المحتل الفرنسي مع الأهالي في تونس من جميع المناطق والقبائل.
                  فقد بلغ عدد المهاجرين من قبيلة ورغمة وحدها 80 ألف شخص من بينهم 20 ألف مسلح، أما المهاجرون من قبيلة الهمامة فكان عددهم 52 ألف شخص، بينهم 15 ألف من المسلّحين. وبلغ عدد المهاجرين من قبيلة جلاص 20 ألف شخص من بينهم 5 آلاف مسلح، بينما بلغ عدد المهاجرين من قبائل سيدي تليل وماجر والمرازيق ونفات 10 آلاف شخص من كل قبيلة من بينهم عدد هام من المسلحين. وكان عدد المهاجرين من قبائل سيدي عبيد والفراشيش والسواسي 5 آلاف شخص من كل قبيلة. وتوزّع بقية المهاجرين بنسب متفاوتة بين قبائل دريد وبني يزيد والمثاليث وأولاد سعيد وأولاد عيار وغيرها من القبائل الأخرى. وبلغ العدد الجملي للمهاجرين أكثر من 230 ألف شخص، من بينهم نحو 50 ألف من المسلّحين.

                  إذن فما قام به الشعب التونسي إبان الثّورة الليبية هو رد لجميل سابق يعود لأكثر من 130 عاما مضت. وهذا يجسد عمق العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وهناك وثائق أخرى كثيرة يزخر بها الأرشيف العثماني تبين الغضب والحسرة التي عمت الأهالي في ليبيا والعلماء هناك على إثر الغزو الفرنسي لتونس. والمطلوب اليوم من جامعاتنا في تونس وفي ليبيا كذلك ومن مراكز البحوث الاهتمام بهذه المصادر في تاريخ البلدين، وإلقاء الضوء على ما تحتوي عليه من حقائق غاية في الأهمية، وليس الاقتصار على مصادر فرنسية وإيطالية وغربية كثيرًا ما شوّهت تاريخنا ودسّت فيه كما هائلا من السّموم.


                  تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                  قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                  "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                  وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                  تعليق


                  • #69
                    المعماري سنان والهندسة الصوتية


                    عمل المعماري العثماني “سنان” على تطوير أنظمةٍ، تحقِّق له التجانس في توزيع الأمواج الصوتية وتمكّنه من الحصول على الرنين الأمثل في آثاره.
                    فمن أجل الحصول على الطاقة الصوتية والرنين المطلوب، قام المعماري “سنان” باستخدام نظام “تجويف المِرْنان الصوتي” (Resonator)؛ حيث وضع جرّات صغيرة داخل القبة وزوايا المسجد، ووجه فُتَحَ هذه الجرّات نحو فضاء المسجد.

                    هذا وقد تعود الدراسة الأولى في أوروبا في فهم نظام “مرنان”، إلى العالم الألماني “هيلمهولتز” في عام 1862، وقد تم تناول هذا النظام كظاهرة عام 1953 من قبَل الفيزيائي “إنغراند”، أي بعد 400 عام من “سنان”. أثبت “إنغراند” علميًّا، أن المرنان يعكس موجة معينة من الترددات الصوتية، ويمتص الأخرى، الأمر الذي يُكسب القبة ميزة توزيع الصوت بوضوح إلى كافة جنبات المنشأة. وهذا إن دل فإنما يدل على تعمّق المعماري “سنان” في علوم الأنظمة الصوتية وإدراكه لها.
                    إن جامع “شاه زاده محمد” الذي بلغت مساحته الداخلية 50 ألف متر مكعب، هو أول مسجد ضخم بناه المعماري سنان، حيث تم إنتاج الطاقة الصوتية في هذا المسجد عبر مجموعة من المؤذنين في محفل مخصص لهم. وإذا ما أمعنا النظر في مخططات جامع السليمانية بإسطنبول -ثاني المساجد الكبرى التي بناها- الذي بلغت مساحته الداخلية 110 ألف متر مكعب، يتبيّن لنا أنه أدرك عدم كفاية الطاقة الصوتية في جامع “شاه زاده محمد” وحاول تقويتها بالطرق الطبيعية؛ حيث قام بتوسيع محفل المؤذنين، ووضعه بجوار قدم الفيل الكائن في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد، بالإضافة إلى وضع شرفة للمؤذنين بجور كل قدم من أقدام الفيل الثلاثة المتبقية، وذلك من أجل الحصول على طاقة صوتية عالية. ولكنه وضع بالحسبان أن فروق الطَّور في الأمواج الصوتية الصادرة من المواقع المختلفة، ورنين الصوت الزائد، ربما يؤدي إلى صعوبة في فهم الصوت وتلقّي تردداته المنخفضة. لذلك عمل سنان في جامع السليمية على توضيح الصوت؛ حيث وحّد الأصوات فوضع محفل المؤذنين تحت القبة مباشرة، فاستطاع بذلك توصيل الطاقة الصوتية إلى فُتَح الجرّات الصغيرة الموضوعة في القبة، وتوزيعها بصفاء ووضوح إلى حرم المسجد، وبذلك تحقق المنال.

                    _________________
                    المصدر مجلة حراء / ابراهيم يوجه داغ



                    تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                    قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                    "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                    وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                    تعليق


                    • #70

                      رجل من صناع التاريخ، أورخان غازي




                      هو “أورخان بن عثمان الغازي” ثاني أبناء الأمير “عثمان” مؤسس الدولة العثمانية، وهو ثاني سلاطين آل عثمان. وُلد في الأول من المحرم 687هـ، 6 من فبراير 1288م، وكان أبوه “عثمان” حريصا على إعداده لتولي المسؤولية ومهام الحكم. فكان كثيرا ما يعهد إليه بقيادة الجيوش التي يرسلها لفتح بلاد الروم، كما حدث في سنة (717هـ، 1217م) عندما أرسله لحصار مدينة “بورصة” (مدينة في آسيا الصغرى)، فحاصر أورخان القلاع المحيطة بها، وظل محاصرا لها قرابة عشر سنوات، ولما تأكد حاكمها أنها أصبحت في قبضة أورخان سلَّمها إليه، فدخلها دون قتال سنة (726هـ، 1325م)، ولم يتعرض أورخان لأهلها بسوء مما جعل حاكمها يعلن إسلامه، فمنحه أورخان لقب “بك”.
                      ولم يكد أورخان يتمُّ فتح مدينة “بورصة” حتى استدعاه والده الذي كان على فراش الموت ولم يلبث أن فارق الحياة بعد أن أوصى له بالحكم من بعده في 2 من رمضان 726هـ، 2 من أغسطس 1325م وأوصاه وصيَّة تاريخية جاء فيها:
                      “يا بني!.. أَحِط من أطاعك بالإعزاز، أنعم على الجنود.. لا يَغُرَّنك الشيطان بجندك ومالك.. إياك أن تبتعد عن أهل الشريعة. يا بني!.. إنك تعلم أن غايتنا الأسمى هي إرضاء رب العالمين..وبالجهاد يعلو نور ديننا الحنيف، وترفرف راياته في كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله جل جلاله. يا بني!.. اعلم أننا لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحرب شهوةً في الحكم أو سيطرة أفراد.. فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت.. وهذا يا ولدي ما أنت أهل له”.

                      ولم يعارض “علاء الدين، الابن الأكبر لعثمان غازي هذه الوصية، بل قبلها مقدما الصالح العام على الصالح الخاص، بالإضافة إلى أنه كان يميل إلى العزلة ودراسة الفقه، في حين اتصف أورخان بالشجاعة والإقدام.
                      ولقد نفذ السلطان أورخان وصية والده أحسن تنفيذ؛ أقام أول جامعة إسلامية في الدولة، وأول جيش نظامي. وعندما تولى السلطة نقل مقر الحكومة إلى مدينة “بورصة” الشهيرة لحسن موقعها، وجعلها عاصمة لدولته، وبنى بها جامعا ومدرسة وتكية يقدم فيها الطعام للفقراء والغرباء، كما ولى أخاه “علاء الدين” الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء). فاختص “علاء الدين” بتدبير الأمور الداخلية، وتفرغ أورخان للفتوحات الخارجية، وبهذا يُعد “علاء الدين” أول وزير في تاريخ الدولة العثمانية. فأمر بضرب النقود الفضية باسم أورخان، وكان أحد وجهي العملة يحمل عبارة “خلَّد الله ملكه”، والوجه الآخر يحمل اسم الأمير.
                      وفيما يتعلق بتنظيم الجيش، فقد حرص السلطان أورخان في بادئ الأمر على تأليف جيش من الأتراك أنفسهم، وكانت الدولة تدفع لهم الرواتب، ولكن هذه الخدمة العسكرية -التي لم يكن للأتراك عهد بها من قبل- حملت الناس على المغالاة في مطالبهم، فاقترح “جاندرلي” –الذي يعرف بـ”قَرَهْ خليل”، وهو أحد قواد الجيش– إحياء التشريع الإسلامي الذي يقضي بأن يحتفظ بيت مال المسلمين بخمس الغنائم، وعزل الأولاد من أسرى الحرب، وتربيتهم تربية إسلامية خالصة تحثهم على الجهاد في سبيل الله. فوافق السلطان أورخان على هذا الاقتراح، وأعجب به، ودعا إلى تنفيذه، وإعداد هذا الجيش الجديد.
                      وأما مدة حكم أورخان فتنقسم إلى فترتين؛ الأولى من سنة (726هـ، 1325م إلى سنة 743هـ، 1342م). وفيها اهتم بتوطيد دعائم الحكم العثماني في “آسيا الصغرى”، وإنشاء الجيش الجديد “الإنكشاري”، وتأسيس الدولة. والثانية من سنة (743هـ، 1342م إلى سنة وفاته 761هـ، 1359م). وكان يستعد فيها لتثبيت قدمه في “شبه جزيرة تراقيا”، و”مقدونيا”، ونشر سلطانه على أرض أوروبا. وقد تمكن أورخان أيضا من فتح “جزيرة بيثنيا”، وقلعتي “سمندرة” و”آيدوس”، وهما قلعتان إستراتيجيتان تحرسان الطريق الحربي الواصل بين “القسطنطينية” – عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك و”نقومكيدية” التي فتحها أورخان في سنة (727هـ، 1326م). ثم تمكن من فتح بلاد “قره سي” في سنة (736هـ، 1335م)، وكانت معاملته الطيبة لأهل هذه المدن سببا في اعتناقهم الإسلام.
                      ولمَّا اتسع ملك الدولة العثمانية، تفرَّغ أورخان لترتيب البلاد وتنظيمها، وسنَّ القوانين اللازمة لاستتباب الأمن، وانتشار العمران في أنحاء الدولة العثمانية كافة. وعندما زار الرحَّالة المعروف “ابن بطوطة” بلاد الأناضول في فترة حكم السلطان أورخان وقابله هناك، قال عنه: “إنه أكبر ملوك التركمان، وأكثرهم مالا وبلادا وعسكرا، وإن له من الحصون ما يقارب مائة حصن، يتفقدها ويقيم بكل حصن أياما لإصلاح شؤونه”.
                      وبفتح إمارة “قره سي” اقترب أورخان من الإمارات الأوربية التابعة للإمبراطورية البيزنطية، فدخلت مدن الثغور البحرية في طاعته صيانة لتجارتها، كما استنجد الإمبراطور البيزنطي “جان باليولوج” بالسلطان أورخان، وأرسل إليه سنة (756هـ، 1355م) يطلب إليه الدعم والمساعدة لصد غارات ملك الصرب “إستيفان دوشان” الذي أصبح يهدد “القسطنطينية” نفسها. فأجاب أورخان طلبه، وأرسل إليه جيشا كبيرا. لكن “دوشان” ملك الصرب عاجلته المنية، فعاد العثمانيون من حيث أتوا دون قتال.
                      ولمَّا تيقن العثمانيون -بعد عبورهم للشاطئ الأوربي- من حالة الضعف والانحلال التي حلَّت بالإمبراطورية البيزنطية، شرع أورخان في تجهيز الكتائب سرا، لاجتياز البحر وفتح بعض النقاط على الشاطئ الأوربي، لتكون مركزا لأعمال العثمانيين في أوروبا. وفي سنة (758هـ، 1357م) أمر السلطان أورخان ابنه سليمان بعبور مضيق “الدردنيل”، وكان معه أربعون من أشجع جنوده، فتمكنوا من الاستيلاء على ما كان بها من السفن والقوارب، وعادوا بها إلى الضفة الشرقية، حيث حشدوا فيها 30 ألف جندي، تمكنوا من دخول مدينة “تزنب”. كما ساعدتهم الظروف على فتح مدينة “غاليبولى” -التي تبعد عن القسطنطينية بحوالي (86.5) ميلاً- إثر زلزال أصاب المدينة، فدخلها العثمانيون، وفتحوا عدة مدن أخرى، منها “أبسالا”، و”ردوستو”، وبنوا العديد من المساجد.
                      وتوفي الأمير “سليمان” سنة (760هـ، 1359م)، وفي العام التالي (761هـ، 1360م) توفي السلطان أورخان، والذي يُعَدُّ أول سلطان عثماني امتد ملكه إلى داخل أوروبا. وكانت مدة ملكه خمسا وثلاثين سنة. وكان رحمه الله ملكا جليلا، ذا أخلاق حسنة وسيرة طيبة وكرم وافر… عمل على استقرار الدولة العثمانية بفتوحاته الجديدة وتنظيماته العديدة، وحرص كل الحرص على تنفيذ وصية والده عثمان مؤسس الدولة العثمانية. ودُفِن في مدينة “بورصة” عاصمة الدولة العثمانية، وتولَّى بعده ابنه السلطان مراد الأول.


                      __________________
                      أ.د. الصفصافي أحمد القطوري | جامعة عين شمس – مصر.



                      تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                      قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                      "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                      وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                      تعليق


                      • #71
                        مأساة الأندلس وموقف العثمانيين


                        هناك أسئلة حائرة تجول في أذهان العديد من المثقفين في العالم العربي حول التاريخ العثماني ومن أهمها سؤال: “لماذا لم تقم الدولة العثمانية بمساعدة مسلمي الأندلس عندما داهمهم الخطر الإسباني الماحق؟ ألم يكن في وسع الدولة العثمانية -وهي في أوج قوتها- الحيلولة دون وقوع تلك المأساة المروعة لمسلمي الأندلس. لنتناول هذا الموضوع بإيجاز.

                        من المعلوم لدى الجميع أن تفرق المسلمين في الأندلس إلى دول طوائف أضعفهم، وأن العديد من حكام هذه الدول الصغيرة بدؤوا يستعينون بالإسبان ضد الحكام الآخرين من المسلمين، وهكذا بدأت القصة الأليمة لأفول شمس الإسلام من سماء الأندلس. وبينما كان المسلمون غارقين في خضم الفرقة والشتات، خطا الإسبان خطوة مهمة في مضمار الوحدة عندما تزوّج “فرديناند” ملك أراغون من “إيزابيلا” ملكة قشتالة، وأصبح الهم الوحيد للأسبان القضاء على آخر دولة إسلامية في الأندلس وهي دولة بني الأحمر في غرناطة والتي كان يحكمها آنذاك أبو عبد الله محمد وامتدت مدة حكمه عشر سنوات (1482 – 1492م).

                        العثمانيون والانتصار للأندلس
                        والحقيقة أنه كان من المتوقع انتهاء حكم مسلمي الأندلس قبل هذا التاريخ بمئات الأعوام لولا المساعدات الخارجية التي كانت تأتيهم من الدول الإسلامية في شمالي أفريقيا. فقد قامت دولة “المرابطين” بنجدتهم ضد “ألفونصو” السادس ملك قشتالة، ثم جاءت مساعدات دولة “الموحدين” بعد ذلك وبقيت أسرة الموحدين في الأندلس حتى انتصار ألفونصو الثامن عليها في معركة “نافاس دي طولوسا”.


                        ولكن الوضع تغير في أواخر عمر دولة بني الأحمر في غرناطة، فلم تكن هناك دول إسلامية قوية في شمالي أفريقيا، بل دول ضعيفة، وفي أحيان كثيرة دول متعاونة مع الإسبان والفرنسيين مثل دولة بني حفص في تونس والمرينيّين في المغرب. كما قام الأسبان بسد مضيق جبل طارق ليمنعوا وصول أي نجدة من مسلمي شمالي أفريقيا إلى الأندلس. فلم يبق أمام مسلمي الأندلس سوى الاستنجاد بأقوى دولتين إسلاميتين آنذاك وهما الدولة العثمانية في آسيا الصغرى، ودولة المماليك في مصر، فأرسلوا وفدا لكل منهما طلبا لنجدتهم.

                        الوفد الأندلسي في إسطنبول

                        وصل الوفد الأندلسي إلى “إسطنبول” عاصمة الدولة العثمانية التي كان على رأسها السلطان بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح، وقام رئيس الوفد بتسليم رسالة استغاثة مؤثرة حفظها التاريخ من مسلمي الأندلس إلى السلطان، نُورِد هنا مقدّمتها:
                        “الحضرة العلية وصل الله سعادتها، وأعلى كلمتها، ومهّد أقطارها، وأعزّ أنصارها، وأذلّ عُداتها. حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، وسلطان الإسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإسلام، وناصر دين نبينا محمد عليه السلام، مُحيي العدل، ومنصف المظلوم ممن ظلم، ملِك العرب والعجم، والترك والديلم، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، ملك البرّين، وسلطان البحرين، حامي الذِّمار، وقامع الكفار، مولانا وعمدتنا، وكَهفنا وغيثنا، لا زال ملكه موفور الأنصار، مقرونا بالانتصار، مخلّد المآثر والآثار، مشهور المعالي والفخار، مستأثّرا من الحسنات بما يضاعف الأجر الجزيل، في الدار الآخرة والثناء الجميل، والنصر في هذه الدار، ولا برحت عزماته العليّة مختصة بفضائل الجهاد، ومجردة على أعداء الدين من بأسها، ما يروي صدور السفح والصفاح، وألسنة السلاح بَاذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد، سالكة سبيل الفائزين برضا الله وطاعته يوم يقوم الأشهاد”.


                        وكان هناك مع هذه الرسالة أبيات طويلة من شعر مؤثر للشاعر أبي البقاء صالح بن شريف يصف مأساة المسلمين في الأندلس وغدر الأعداء بهم:
                        سلام عليكم من عبيد تخلّفوا
                        بأَندلسٍ بالغرب في أرض غربة
                        أحاط بهم بحرٌ من الردم زاخر
                        وبحر عميق ذو ظلام ولجة
                        سلام عليكم من عبيد أصابهم
                        مصاب عظيم يا لها من مصيبة
                        سلام عليكم من شيوخ تمزّقت
                        شيوخهمُ بالنتف من بعد عزة
                        سلام عليكم من وجوهٍ تكشفت
                        على جملة الأعلاج من بعد سُترة
                        سلام عليكم من بنات عواتِق
                        يسوقهم اللبّاط قَهرا لخلوة
                        سلام عليكم من عجائز أُكرهت
                        على أكل خنـزير ولحم جيفة
                        وبعد هذه المقدمة المؤثرة تشرح القصيدة غدر الأعداء الإسبان وكيف يقومون بتنصير المسلمين قهرا وجبرا وكيف أن المسلمين جاهدوا ولكنهم قلة أمام جموع الأعداء:
                        غُدرنا ونُصِّرنا وبُدّل ديننا
                        ظُلمنا وعوملنا بكل قبيحة
                        وكنا على دين النبي محمد
                        نقاتل عمال الصليب بنية
                        ونلقى أمورًا في الجهاد عظيمة
                        بقتل وأسر ثم جوع وقلة
                        فجاءت علينا الروم من كل جانب
                        بجد وعزم من خيول وعدة
                        فكنا بطول الدهر نلقى جموعهم
                        فنقتل فيها فرقة بعد فرقة
                        وفرسانها تزداد في كل ساعة
                        وفرساننا في حال نقص وقلة
                        فلما ضعفنا خيموا في بلادنا
                        ومالوا علينا بلدة بعد بلدة
                        وجاءوا بأنفاظ عظام كثيرة
                        تهدم أسوار البلاد المنيعة
                        وشدوا عليها الحصار بقوة
                        شهورا وأياما بجد وعزمة
                        فلما تفانت خيلنا ورجالنا
                        ولم نر من إخوننا من إغاثة
                        وقلت لنا الأقوات واشتد حالنا
                        أحطناهمُ بالكره خوف الفضيحة
                        وخوفا على أبنائنا وبناتنا
                        من ان يؤسروا أو يقتلوا شر قتلة
                        على أن نكون مثل من كان قبلنا
                        من الدجن من أهل البلاد القديمة

                        ثم يقول الشاعر بأنهم أصبحوا ضحية الغدر وعدم الوفاء بالوعود والبنود التي بلغت خمسة وخمسين بندا في عقود الصلح، من أنهم سيستمرون في إقامة شعائرهم الإسلامية بكل حرية، ولكنهم عندما دخلوا تحت حكمهم نسوا تلك الوعود والعهود وتركوا المسلمين أمام خيارين لا ثالث لهما فإما التنصر أو القتل.
                        ثم يستغيث الشاعر بسلطان الدولة العثمانية، ويعقد آماله عليه:
                        فها نحن يا مولاي نشكو إليكم
                        فهذا الذي نلناه من شر فرقة
                        عسى ديننا يبقى لنا وصلاتنا
                        كما عاهدونا قبل نقض العزيمة
                        وإلا فيجلونا جميعًا عن أرضهم
                        بأموالنا للغرب دار الأحبة
                        فأنتم بحمد الله خير ملوكنا
                        وعزتكم تعلو على كل عزة
                        وثم سلام الله قلت ورحمة
                        عليكم مدى الأيام في كل ساعة

                        دعا السلطان بايزيد الثاني الصدر الأعظم والوزراء والقواد إلى مجلس اجتماع طارئ لبحث الموقف وما الذي تستطيع الدولة العثمانية تقديمه في تلك الظروف.
                        بحث المشاركون في المجلس الظروف التي تمر بها الدولة العثمانية آنذاك، ونوع ومدى المساعدة التي تستطيع الدولة تقديمها لمسلمي الأندلس. ولسوء حظ مسلمي الأندلس فقد كانت الدولة العثمانية تمر بظروف قاسية جدًّا، كما كان بعد المسافة، وعدم وجود طريق برّي مباشر إليها يزيد من حدة المشكلة ويعقدها.


                        الظروف الصعبة للدولة العثمانية
                        نستعرض هنا باختصار شديد الظروف الصعبة التي كانت تعيشها الدولة العثمانية آنذاك:


                        العثمانيون والمماليك
                        كانت الدولة العثمانية آنذاك في حرب مع دولة المماليك في مصر، بسبب نزاعات بدأت من عهد السلطان محمد الفاتح (والد السلطان بايزيد الثاني). فقد عرض السلطان محمد الفاتح على أشرف سيف الدين حاكم دولة المماليك في مصر (الذي كانت مملكة الحجاز ونَجد تحت سيطرته) قيام الدولة العثمانية بتعمير وإصلاح قنوات الماء في الحجاز دون مقابل تيسيرا للحجاج، فقوبل برفض فظ من قبله. ومما زاد من التوتر بين الدولتين قيام المماليك بفرض ضريبة على الحجاج العثمانيين. وفي عهد السلطان بايزيد الثاني أبدى المماليك رغبتهم في ضم منطقة “جُوقُورْ أُوَه” العثمانية إلى الأراضي السورية التي كانت تحت حكمهم. كما حدثت مشاكل أخرى بين الدولتين لا نتطرق إليها هنا. والخلاصة أن الوفد عندما جاء إلى السلطان كانت الجيوش العثمانية في حرب مع جيوش المماليك التي تقدمت فعلا إلى منطقة “جوقور أوه”.


                        مشكلة الأمير “جَمْ”
                        كانت الدولة العثمانية تعيش مشكلة الأمير “جَمْ” (الأخ الأصغر للسلطان بايزيد) الذي شق عصا الطاعة على أخيه السلطان مطالبا بالعرش لنفسه. وحدثت معارك بين الأخوين انتهت بانتصار السلطان بايزيد وهرب الأمير جَمْ إلى مصر حيث استقبل من قبل حاكم مصر بحفاوة، وكان هذا عاملا مضافا لزيادة التوتر بين البلدين مما أدّى إلى إشعال فتيل الحرب بينهما. ولم تقف مشكلة الأمير جَمْ بإحداث التوتر بين هاتين الدولتين بل إن الأمير جم عندما أسر من قبل القراصنة وهو على ظهر سفينة وتمّ بيعه إلى البابا، أصبح ورقة تهديد في يد الدول الأوروبية والبابا ضد الدولة العثمانية، وأدى إلى توتر العلاقات بين الدول الأوروبية وبين الدولة العثمانية، وإلى تحالف صليبي جديد من البابا “جويلس الثاني” وفرنسا والمجر وجمهورية البندقية ضد الدولة العثمانية مما حدا بالدولة العثمانية إلى تركيز اهتمامها على الخطر القادم إليها من أوروبا.


                        خطورة الدولة الصفوية
                        كانت الدولة الصفوية تحاول نشر المذهب الشيعي في الأناضول وترسل المئات والآلاف من شباب التركمان الشيعة -بعد تدريبهم- إلى الأناضول لهذا الغرض. وكانت نتيجة هذه الجهود حدوث حركات عصيان مسلّحة قادها الشيخ جُنَيد أولا ومن بعده ابنه حيدر، أي كانت هناك قلاقل كبيرة في الأناضول، ولم تتخلص الدولة العثمانية من هذه القلاقل ومن خطر الدولة الصفوية إلا في عهد السلطان سليم (ابن السلطان بايزيد الثاني).


                        إذن فالدولة العثمانية كانت في ضائقة شديدة وكانت في حرب فعلية مع المماليك من جهة، وفي مشاكل كبيرة مع الدول الأوروبية حيث نرى أنه بعد سنوات قليلة اضطرت الدولة العثمانية لإعلان الحرب على المجر وعلى بولندة. كما اتفقت بولندة والمجر وليتوانيا ضد الدولة العثمانية وأعلنت عليها الحرب، كما كانت تعاني من وجود قلاقل وحركات تمرد وعصيان في الداخل. لا نريد الخروج عن الموضوع وإيراد تفاصيل جانبية، ولكن كان من الضروري إلقاء نظرة على وضع الدولة العثمانية آنذاك.

                        “بايزيد” يفعل ما يستطيع
                        بعد دراسة لكافة الظروف الداخلية والخارجية قرر السلطان بايزيد إرسال قوة بحرية تحت قيادة “كمال رَئِيس” على وجه السرعة. كان ذلك في عام 892هـ/ 1487م. أي قبل سقوط غرناطة بخمس سنوات. وكانت الدولة العثمانية بعملها هذا تعلن الحرب على عدة دول مسيحية في أوروبا؛ كانت تعلن الحرب على قسطاليا وعلى آراغون وعلى نابولي وعلى صقلية وعلى البندقية؛ أي أن الدولة العثمانية على الرغم من مشاكلها الكثيرة -التي ذكرنا أهمها- كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي مدت يد العون لمسلمي الأندلس على قدر طاقتها، ودخلت من أجلهم في حالة حرب مع دول عدة؛ بينما توقّفت عن ذلك الدول الإسلامية الموجودة في شمالي أفريقيا والتي كان بإمكانها من الناحية الجغرافية مسلمي الأندلس كالدولة الحفصية في تونس والدولة الوطاسية في المغرب.


                        قام “كمال رَئيس” بضرب سواحل جزر جاربا ومالطا وصقلية وساردونيا وكورسيكا، ثم ضرب سواحل إيطاليا ثم سواحل إسبانيا، وهدم العديد من القلاع والحصون المشرفة على البحر في هذه السواحل. وقام أحيانا بإنزال جنوده في بعض السواحل لهدم تلك القلاع. ولكنه لم يكن يستطيع البقاء طويلا، لأن الحرب البحرية لا تكفي للاستيلاء على المدن ولاسيما المدن الداخلية البعيدة عن البحر، فلا بد من مشاركة القوات البرية التي تستطيع التوغل في الداخل وتثبيت وإدامة السيطرة على المدن المفتوحة. ولم يكن هذا ممكنا آنذاك، لبُعد الشقة بين الأندلس وبين الدولة العثمانية وكذلك بين مصر والأندلس. ولو صرفت الدولة العثمانية كل طاقتها وحاولت الوصول بَرّا إلى الأندلس (وهذا ما لا يتوقعه عاقل) لكان عليها محاربة العديد من الدول الأوروبية لعشرات الأعوام. هذا علما بأن الدول الأوروبية كانت قد قطعت كل صلة لمسلمي الأندلس مع البحر الأبيض المتوسط، كما سدّوا مضيق جبل طارق ليمنعوا وصول أي نجدة إليهم من الدول الإسلامية. وقام “كمال رئيس” بقصف بعض سواحل تونس بسبب كون الدولة الحفصية الحاكمة في تونس في حلف مع الأسبان ومع فرنسا ضد إخوانهم من مسلمي الأندلس.
                        وكم كان من المؤسف أن هذه القوة البحرية العثمانية اضطرت أخيرًا إلى مواجهة الدولة الحفصية في تونس لكونها تقوم بمساعدة الفرنسيين. ولكون الدولة العثمانية في حرب مع المماليك فقد وقعت هذه القوة البحرية بين نارين، لذا لم تؤد هجمات هذه القوة البحرية إلى نتائج ملموسة. وفي عام 897هـ/ 1492م استسلمت مدينة غرناطة وانتهى حكم المسلمين في الأندلس. ولكن هذه القوة البحرية قامت بنقل ما يقارب من 300 ألف من المسلمين التاركين بيوتهم والهائمين على وجوههم من الأندلس، إلى المغرب وإلى الجزائر.
                        أما الوفد الأندلسي الثاني المرسل إلى دولة المماليك في مصر فلم يحصل على أي نتيجة أيضا حيث إن مصر بعيدة عن الأندلس، ويحتاج إنقاذ هؤلاء المسلمين إلى قوة برية. كما كانت في حرب مع الدولة العثمانية كما ذكرنا.
                        كان الأشرف سيف الدين قايتباي (1468- 1496م) هو الذي يحكم دولة المماليك آنذاك، فلم يجد وسيلة لنصرة مسلمي الأندلس سوى إرسال وفود إلى البابا وإلى الأسبان ليقول لهم أن هناك العديد من المسيحيين يعيشون في مصر وفي سورية وأنهم يتمتعون بكامل حرياتهم الدينية ولا يتعرض لهم أحد، وليحذرهم بأنه سيقوم بقتل جميع المسيحيين وإجبارهم على اعتناق الإسلام إن قام الأسبان بقتل المسلمين أو إجبارهم على التنصر. ولم يهتم الأسبان ولا البابا بهذا التحذير الذي عدوه مجرد تخويف لأنهم يعلمون أن الدين الإسلامي يمنع إكراه أحد على ترك دينه. وقد ادعى الأسبان لوفد مصر أن المسلمين تنصروا بملء إرادتهم ولم يجبرهم أحد على هذا. وجاءوا بشهود زور تم تهديدهم وتخويفهم فشهدوا بذلك.
                        وقد سجل أبو البقاء في شعره هذه الحادثة وذكر أسماء المدن التي عذب أو أحرق أهلها أو ذبحوا بالسيف قائلاً:
                        فسل وحرا عن أهلها كيف أصبحوا
                        أسارى وقتلى تحت ذل ومِهنة
                        وسل بلفيقا عن قضية أمرها
                        لقد مُزقوا بالسيف من بعد حسرة
                        وضيافة بالسيف مزق أهلها
                        كذا فعلوا أيضا بأهل البشرة
                        وأندرش بالنار أحرق أهلها
                        بجامعهم صاروا جميعا كفحمة


                        وهكذا بقي مسلمو الأندلس وحدهم في الميدان وتجرعوا الآلام وبادت دولتهم الزاهرة جزاء تفرقهم إلى طوائف عديدة. فجرّوا على أهاليهم وبلدهم تلك النهاية المروعة التي ستبقى من أكثر المآسي المروعة في التاريخ الإنساني.
                        _____________
                        أورخان محمد علي | كاتب وباحث تركي.



                        تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                        قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                        "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                        وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                        تعليق


                        • #72
                          ومما يزهدني في أرض أندلـسٍ *** أسمـاءُ معتمـدٍ فيها ومعتضـد
                          ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
                          لا تذكر الاندلس الا واستذكر هذين البيتين .. فهذه الالقاب هي من فرقتهم وجرت عليهم الماّسي والويلات ..
                          اخي بالفعل موضوعك جميل واثناء القراءة في الكثير من الاحيان اندمج في الموضوع وحين اخرج احس بانني كنت في عالم وزمن اّخر .. ولولا مخافتي ان افسد الموضوع بكثرة التعليقات لكان لي على كل سطر تعليق ..
                          [CENTER][SIZE=6][COLOR=#ff0000][FONT=microsoft sans serif]قدماء[/FONT][/COLOR][/SIZE]
                          [/CENTER]

                          [COLOR=#40e0d0][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][RIGHT]"[COLOR=#ff0000]ركني الحاني ومغناي الشفيق
                          [/COLOR][/RIGHT]
                          [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE][/COLOR][SIZE=4][SIZE=5][SIZE=6][SIZE=4][LEFT][COLOR=#ff0000]وظلال الخلد للعاني الطليح[/COLOR][/LEFT]
                          [RIGHT][COLOR=#ff0000]علم الله لقد طال الطريـــــــــق [/COLOR][/RIGHT]
                          [LEFT][COLOR=#ff0000]وأنا جئتك كيما استريــــــح[/COLOR][COLOR=#40e0d0]"[/COLOR][/LEFT]
                          [/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE]

                          تعليق


                          • #73
                            المشاركة الأصلية بواسطة التركي مشاهدة المشاركة
                            ومما يزهدني في أرض أندلـسٍ *** أسمـاءُ معتمـدٍ فيها ومعتضـد
                            ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
                            لا تذكر الاندلس الا واستذكر هذين البيتين .. فهذه الالقاب هي من فرقتهم وجرت عليهم الماّسي والويلات ..
                            اخي بالفعل موضوعك جميل واثناء القراءة في الكثير من الاحيان اندمج في الموضوع وحين اخرج احس بانني كنت في عالم وزمن اّخر .. ولولا مخافتي ان افسد الموضوع بكثرة التعليقات لكان لي على كل سطر تعليق ..
                            حياك الله اخي الفاضل
                            وجزيل الشكر متابعتك الدائمة للموضوع

                            تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                            قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                            "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                            وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                            تعليق


                            • #74
                              الوقف العثماني

                              الأوقاف والخدمات العامة

                              أُسست الأوقاف في التاريخ الإسلامي، من أجل تقديم الخدمات المختلفة إلى الإنسان والأحياء الأخرى من الحيوانات. وكانت مؤسسات الأوقاف -بلا شك- واحدةً من العناصر المؤثرة التي استطاعت الارتقاء بأنماط العيش وتأمين الحاجات الاجتماعية للناس الذين يعيشون في ظل الدولة العثمانية حتى في مناطقها النائية.
                              وإذا ما تأملنا في مفهوم الوَقْفِ لدى الدولة العثمانية، نجد أنه مزيج من الشرقي الممتد من حضارة الأيغور إلى السلاجقة، والغربي الممتد من الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية البيزنطية. فقد ورثت الدولة العثمانية هذا الميراث الممتزج الديناميكي، وطورته وصبغته بقيمها وثقافتها الدينية.
                              لقد لعبت هذه المؤسسات القانونية، دورًا هامًّا في تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية لدى الدولة العثمانية والبلدان الإسلامية كافة. يقوم النظام الوَقْفي على فعالياتٍ مؤسساتيّة قانونية، للرعاية الاجتماعية التي تضمن اسمترارية المجتمع. وبهذا المعنى، فإن فعاليات الأوقاف التي نشطت في الدولة السلجوقية والعثمانية، نمت نموًّا كبيرًا بتأثير الحقوق والأحكام الإسلامية.
                              ويعتبر “أورخان غازي” ثاني سلاطين الدولة العثمانية، هو أول مَن أسس نظام الأوقاف التي نمت بشكل منسجم بالنمو الاقتصادي والسياسي للدولة. وعندما أمر أورخان غازي ببناء أول مدرسة عثمانية في إزنيك، أوقف لها من الأموال غير المنقولة (العقارات) لتسد حاجاتها من المصاريف والنفقات. واقتدت بها أوقافٌ أخرى قامت لأغراض مختلفة، كتقديم الأموال لليتامى، وللأرامل، وللغارمين المدينين، وكتوزيع الخضار والفاهكة للمواطنين، وكرعاية الكبار العاجزين كقوّاد القوارب والحمّالين، وكتأمين إرضاع الأطفال، وتجهيز البنات للزواج، وتأمين بَدَلَ الأواني والصحاف التي يكسرها الخدَم لكي لا يتعرضوا للعقاب من أسيادهم، وكإطعام الطيور، وشراء الألعاب للأطفال، وتأمين حاجيات المسافرين، والإنفاق على طلبة العلم وتأمين الإقامة لهم، وتأمين العمل للعاطلين، وكذلك التدريب المهني، ومؤازرة المفلسين والمدينين، وتزويج الشباب، وحماية الحيوانات، وتأمين نظافة الطرقات… بالإضافة إلى تأسيس أوقاف تمويلية لشق قنوات المياه، وإنشاء القناطر، وبناء سبُل المياه، وحفر الآبار، وبناء المدارس والخانات والحمامات والجوامع والطرق والأرصفة والجسور… وبتمويلٍ من الأوقاف قامت المشافي بتقديم خدماتها للمحتاجين، وتقاضى الأطباء أجورهم منها، ويجري في هذه المشافي علاج المرضى من غير تمييزٍ في لون أو عرق أو دين، ويجري كذلك تأمين الأطباء، كما يتم تقديم الدواء مجانًا إن لزم الأمر، وتقديم وجبة أو وجبتين من الطعام يوميًّا في العمارات لأبناء السبيل والمسافرين والفقراء والمساكين.

                              مؤسسة الأوقاف والاقتصاد العثماني

                              النظام الاقتصادي في الدولة العثمانية -إلى جانب الإقطاع الذي ورثته من الدول الإسلامية المتلاحقة- كان يقوم على مؤسسات الفتوة والآخية التي تعتمد على العدالة في أساسها. كان الاقتصاد العثماني يعتمد بنسة كبيرة على الزراعة، الأمر الذي أكسب أنظمة الأراضي مكانة متميزة ضمن البنى الاقتصادية العثمانية. ونظام الأراضي هذا، كان يتمثل بنظام التيمار؛ وهو نظام يتم من خلاله استخدام الأراضي من قبل الرعايا مقابل الوفاء ببعض الالتزامات كتوريد عُشْر المحصول لصاحب التيمار، ودفع الضرائب المقررة. كما كان أصحاب التيمار بالمقابل، ملزمين بتقديم الجنود إلى الجيش أثناء الحرب، وذلك بما يتناسب مع حجم محصول تيمارهم. ظل التيمار قائمًا كوسيلة اقتصادية للقوة العسكرية العثمانية، إذ لم تقم الدولة بجمع الموارد الزراعية في مركز واحد، إنما أعطتها لسباهية التيمار (الفرسان) لتتمكن من تأمين جنودها أثناء الحرب من جانب، ومن تأمين مواردها الزراعية أثناء السِّلم من جانب آخر، وهذا وفّر لها نظامًا ديناميكيًّا حركيًّا بلا شك.

                              في القرن السادس عشر، كانت نسبة 20% من الأراضي تدخل ضمن نظام الأوقاف لدى الدولة العثمانية، وكان حوالي 15% من موارد الدخل للأوقاف تتكون من الأسهم المقبوضة من واردات الدولة. ففي هذه الحقبة، كانت واردات الأوقاف تشكل 12% من بين الواردات العامة. وقد ازدادت هذه النسبة فيما بعد لتبلغ 20%، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن واردات أراضي الأوقاف فقط هي الداخلة في حسابات النسب السابقة. هذا وقد وصلت نسبة رجال الدولة الذين قاموا بتأسيس الأوقاف في القرن التاسع عشر إلى 42%، ونسبة 16% من العلماء، و9% من أصحاب الطرق الصوفية، و2% من أصحاب الحرف والصناعات، و11% من أصحاب مختلفي المهن، و18% من النساء.
                              ونظام التمويل الذي تقوم عليه الأوقاف آنذاك، يملك دورًا مهمًّا في خدمات الثقافة والتعليم والصحة والبنية التحتية وأشغال المرافق العامة والخدمات الدينية والاجتماعية، علاوةً على المساهمة في تأمين التمويل والبنية التحتية اللازمة للضمان الاجتماعي، والعمل الخيري في مختلف الميادين. ففي تركيا اليوم -مثلاً- يبلغ الإنفاق الإجمالي على الصحة، والتعليم، والضمان الاجتماعي، والفعاليات الدينية، والخدمات العامة، (100) مليار ليرة تركية! وهذا الرقم الذي يعدّ عبئًا ثقيلاً على ميزانية الدولة في عصرنا، كانت الأوقاف تقوم بحمله لوحدها في العهد العثماني.

                              الأوقاف والخدمات العامة

                              كانت الأوقاف تلعب دورًا مهمًّا في الإعمار والإسكان إبان العهد العثماني. فالخدمات العامة التي تتلقاها المدن، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، والخدمات التعليمية، والدينية، وكل الحاجات الاجتماعية، كانت تلبى من قبل مؤسسات الأوقاف.

                              لقد تم دعم الأوقاف عن طريق مصدرين أساسيين: الأول هو المؤسسات الوَقْفِيّة القائمة على مصادر الدولة، وهي على الأغلب أوقاف يقوم بتأسيسها رجال الدولة وعلى رأسهم السلطان وأبناء آل عثمان. والميزة الأساسية لهذه الأوقاف، تكمن في تحويل جزء من الأموال المخصصة للبيروقراطيين من قبل الدولة، واستخدامها في الأنشطة الوَقْفيَّة الخاصة. ونرى أن تشكيل المؤسسات الوقفية التي تستمر في عطاءاتها حول سد الاحتياجات الدينية والعلمية والصحية والثقافية للمدن، أصبحت تقليدًا متّبعًا بين رجالات الدولة. والمصدر الثاني لنظام الأوقاف، يشمل أوقاف المواطنين العثمانيين الأخيار، الذين يبتغون مرضاة الله، ويسعون وراء الأعمال الصالحة التي تفيد الشعب والمجتمع. وهذه الأوقاف وإن كانت صغيرة الحجم من حيث التمويل، فإنها لعبت دورًا كبيرًا لصالح الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
                              وعليه فإن هذا النوع من نظام الأوقاف الخيرية، الذي أبدى تطورًا مستمرًّا في العهد العثماني، شكّل عنصرًا مهمًّا في تمويل الخدمات، وساهم في نمو المدن العثمانية وازدهارها. ومن ثم أدت هذه الأوقاف مهمّة كبيرة في ارتفاع مستوى المعيشة ومن ثم الحياة الاقتصادية والاجتماعية في كافة أرجاء الأراضي العثمانية.
                              إذن، تمتعت الأوقاف بمكانة رفيعة مرموقة لدى الدولة العثمانية، وأصبحت جزءًا أساسيًّا من حضارتها. إذ أقامت الخانات التجارية الوقفية، والأسواق لكافة الأمتعة والسلع؛ من أقمشة ومجوهرات وأسلحة… وشيدت القصور الوقفية العديدة على الطرق بين المدن والمناطق لتحط القوافل التجارية وقوافل المسافرين رحالها، وتستريح وتأمن شرَّ الأشقياء وقطاع الطرق… علاوةً على أن هذه الأوقاف، ساهمت في تطور الفنون الجميلة كالخط والتذهيب والزخرفة والأبرو (فن الرسم على الماء) وتجليد الكتب، حيث كانت سببًا لآثار فنية عالية المستوى. كما أن للأوقاف أهمية كبيرة أيضًا، في مجال اللغة والثقافة والتاريخ والقانون وحتى في الفولوكلور.
                              باختصار، لم تترك الأوقاف لدى الدولة العثمانية، ميدانًا من الميادين الاجتماعية، ولا أرضًا من الأراضي العثمانية، إلا ودخلتها وقدمت الخدمات لأهلها. وبفضل هذه الأوقاف، استمرت خدمات التعليم، والصحة، والخدمات الدينية، والثقافية، من غير خلل أو تقصير، حتى في فترات المِحَن والأزمات الداخلية والخارجية للدولة.
                              ومما يجدر ذكره، أن الأوقاف التي تقدم الخدمات الثقافية والاجتماعية للمجتمع اليوم، والتي تتبناها الدول وتقوم هي بإدارتها وتمويلها، كانت تؤسَّس وتُدار وتموَّل من قبل أشخاص عاديين في العهد العثماني! ومن الصعب جدًّا، أن نجد اليوم دولة من الدول، يقوم أفرادها باستقلال ذاتي بتمويل الخدمات العامة، كما كانت الحال في الدولة العثمانية.


                              _______________
                              نعمان ترك أوغلو | كاتب وباحث تركي.
                              مؤسسة الأوقاف والاقتصاد العثماني


                              تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                              قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                              "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                              وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                              تعليق


                              • #75
                                مراكز النشاط الاقتصادي في الدولة العثمانية

                                إن شبّهنا الدولة بجسم مخلوق حي، فإن بقاء هذا الحي مرتبط بعمل أجهزته المختلفة مثل الجهاز التنفسي وجهاز الدوران، وجهاز الإفراغ…الخ، بالإضافة إلى توفر الشروط الضرورية الأخرى. فإن نظرنا إلى الدولة العثمانية من هذه الزاوية، نجد أنها لم تنشغل فقط بالحياة الدينية وبالأمور العسكرية والحربية وبالتعليم والتربية فقط، بل كانت تملك تقاليد تجارية ومؤسسات تجارية عريقة. وطوال أكثر من ستة قرون لم ينشغل المسؤولون عن إدارة الدولة بالحياة الدينية وبناء القلاع والحصون والثكنات العسكرية والمدارس والجوامع فقط، بل برزوا أيضاً في وضع تقاليد عريقة للتجارة وللمؤسسات التجارية، فبنوا المراكز التجارية والخانات والأسواق الكبيرة ومراكز كبيرة على الطرق الرئيسية للتجارة لاستراحة المسافرين والتجار والقوافل. وذلك لتشجيع التجارة وتوسيعها وفتح الأبواب أمامها. وكان هناك مراكز تُجمع فيها البضائع التجارية في الدولة العثمانية الواسعة الأرجاء وتقوّم قيمها وتُثبت أسعارها، أي كانت تعمل عمل البورصة في أيامنا الحالية. وكان يطلق على هذه المراكز التجارية اسم “بَدَسْتان” (bedesten).
                                تأسست هذه المراكز أولا في مدينة “بورصه” وفي “أدرنه” ثم انتشرت منهما إلى أرجاء الدولة العثمانية. يأتي “بدَسْت” بمعنى “السوق، والبورصة، والمركز التجاري”. ويأتي جذر هذه الكلمة من العربية والفارسية من كلمة “بازِستان”، أي المكان الذي تُباع وتُشترى فيه الأقمشة. كما أطلق على “بَدَست” اسم “قيصرية” أحيانا، ومعناها “داخل القلعة”. كانت “بَدَسْتَانْ”، مركز التجارة بين المدن وكذلك بين الدول، كما كانت بمثابة المراكز التجارية في المدن، فتعد من أهم الأبنية في كل بلدة.



                                التجارة الدولية
                                كانت التجارة الدولية في القرن الرابع عشر بيد البرتغاليين والجنويّين (البنادقة). وكانت البضائع الثمينة تتجمع في الموانئ، حيث تتم التجارة فيها عن طريق النقل البحري بواسطة السفن. كانت الدولة العثمانية على وعي بأن ازدهار التجارة في أي بلد يساعد على ازدهار ذلك البلد، وتخلفها يعني تخلف ذلك البلد. لذا قامت بإحياء طريق الحرير التاريخي، وأمّنت بذلك تحول التجارة إلى الطريق البري مرة أخرى. لذا بنت الخانات -أي الفنادق- ومراكز التجارة على الطرق التجارية المهمة. وأنشأت هذه المراكز في داخل المدن أيضاً. واستطاعت الدولة -بتحقيقها الأمن والأمان للتجارة والتجار في أراضيها الواسعة وتيسير سبل التجارة أمامهم- السيطرة على التجارة الدولية بدءً من القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر.


                                البدستانات تختلف عن الخانات وعن “كَرْوان سَرايْ” (وهي أبنية محمية ومقامة على الطرق الرئيسية لاستقبال القوافل). فقد استعملت الخانات بدءً من القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر لتأمين حاجات المسافرين والتجار. وأطلق اسم “بَدَسْتان” في هذا العهد على هذه الخانات أيضاً. ولكن اقتصر اسم الـ”بدستان” في القرنين الخامس عشر والسادس عشر (عهد نضوج الدولة) في جميع المدن الكبرى على مراكز البورصة والتجارة فقط، واقتصرت الخانات على أماكن استراحة المسافرين.

                                “بَدَسْتان” والعمارة
                                كما قلنا فإن الـ”بدستان” كانت مباني تجارية ظهرت عند ظهور الدولة العثمانية وتوسعها. ولم يكن فنها المعماري يشبه مثيلاته في حضارات الأناضول وفي الحضارة البيزنطية القديمة، كما لم يكن يشبه “القيصرية” وهي الأسواق المفتوحة وغير المسقفة والتي كانت موجودة في جنوبي شرق الأناضول؛ بل كانت تحمل السمة المعمارية للمدن “العثمانية-التركية” مثلما كانت المراكز والمباني الدينية والتجارية الأخرى الكبيرة (كجوامع السلاطين الكبرى) تحمل سمتها الخاص بها. كانت هذه المباني تحتل مركز المدينة وترمز إلى أنها مدن عثمانية.


                                كانت الـ”بدستان” في الدولة العثمانية مربعة أو مستطيلة الشكل. لها قبب مغطاة بالرصاص، وتنقسم إلى أجزاء وأقسام لتكون صالحة لأفضل استخدام واستعمال، ولها جدران سميكة من الحجر، وترتفع في وسط المدينة وكأنها حصن أو قلعة، وتشرف بأبراجها على المدينة من عل، ويمكن رؤيتها من بعيد والتعرف عليها. كان لها في العادة باب أو بابان، وأحياناً أربعة أبواب رئيسية. وكانت مفتوحة على الشارع أو الشوارع الرئيسية للمدينة. كانت الـ”بدستان” مقسمة من الداخل إلى 4-20 قسما مربع الشكل، ولكل قسم قبة فوقه. ويدخل الضوء من نوافذ صغيرة موجودة في أعلى الجدران. وفي خارج بناية الـ”بدستان” تلتصق جدران الدكاكين بها، كما تنتظم الدكاكين ومحلات العمل على جانبي الطريق الخارج من الـ”بدستان”. كما توجد حول هذا المجمع دكاكين مربعة أو مستطيلة الشكل.
                                تكون مداخل الـ”بدستان” في العادة مرتفعة وفخمة، كمداخل المعابد، وجدرانها الحجرية مزينة بأشكال فنية وزخارف. أبوابها من الحديد أو من خشب الأبنوس ومزخرفة كذلك بزخارف حديدية أو خشبية. ودكاكينها مصانة جيدًّا. والبناية تحتوي على دكاكين وعلى المخازن العائدة لها. وقبابها مغطاة بالرصاص لحفظ البناية من تسرب مياه الأمطار والثلوج. لذا فإن بنايات الـ”بدستان” كانت تحمل طابعًا عثمانيّاً متميزاً. ولكونها مبنية من الحجر كانت أيضاً رمز المتانة والقوة والعمر الطويل.
                                وفي الخانات كانت السلالم موجودة على يمين ويسار المدخل مباشرة وتؤدي إلى الطابق الثاني بـ(20-30) درجة. وفي القسم الأمامي من الطابق العلوي يوجد “رَواق”، وفي القسم الخلفي توجد حوانيت أو متاجر. وبينما تغطي القبب أعلى الرواق تكون سقوف الحوانيت على شكل أقواس وقناطر. وكل حانوت عبارة عن غرفة واحدة. أما الحوانيت في الأركان فيكون كل منها عبارة عن غرفتين أو ثلاث غرف. ويوجد أيضاً رواق أمام المتاجر في الطابق الأرضي. وتحت هذه الحوانيت والمتاجر، توجد مخازن لخزن البضائع. وفي هذه المخازن توجد صناديق حديد تحفظ فيها الأمتعة الثمينة. ويذكر “أَوْلِيا جلبي” الإصطبلات الملحقة بهذه “الخانات”، حيث تستريح فيها الحيوانات التي تحمل البضائعَ والناسَ في القوافل. والإصطبل الموجود في “قوزاخان” في مدينة “بورصه” يعد أنموذجاً لإصطبل الجمال، حيث استعمل القسم العلوي منه لاستراحة المسافرين ولخزن البضائع. وتوجد مواقد في غرف الطابق العلوي، وترتفع المداخن من جانب القبب. وتوجد ميضأة في وسط باحة الخانات، وفي المؤخرة يوجد مسجد.
                                مبادئ عمل مراكز الـ”بدستان”
                                كما توجد حاليا قواعد ومبادئ معينة في المراكز التجارية وفي البورصات وفي المناطق الصناعية التعاونية حددتْها القوانين، كذلك كانت لمراكز الـ”بدستان” في الدولة العثمانية قواعد يجب العمل بها. فهي تؤسس أولاً إما بفرمان من السلطان أو بأمر من وزير. وعندما يتم بناؤها تصبح مركز جذب للتجار الأغنياء الذين يرغبون بالتعامل في مراكز تجارية آمنة. ويقول المؤرخ التركي المعروف “خليل إنالجيك”: “كان من القواعد المعروفة أن الـ”بدستان” تعد مركزا للتجارة في المدينة، وكذلك مركزاً للتجارة بين الأمم.” لذا نرى أن أسواق الـ”بدستان” ومراكزها في الدولة العثمانية كانت طوال مئات السنين محلاًّ لزيارة آلاف التجار القادمين من إيران والهند وأوروبا، ومحل تعارفهم ولقائهم وإقامتهم، ومحل بيعهم وشرائهم. وقد أنشأ السلطان محمد الفاتح بفرمان منه، “بدستان إسطنبول” والسوق المحيطة بها بعد الفتح مباشرة، لتكون مركزاً تجاريا كبيراً وآمنا على طريق الأناضول – الروملي ولمدينة إسطنبول كذلك، حيث استطاعت هذه السوق استيعاب الفعاليات التجارية الكبيرة آنذاك.


                                ومع أن جزءً من إيجار الـ”بدستان” والخانات كان يذهب إلى باني هذه البنايات، إلا أن الجزء الأعظم منه كان يصرف لبناء الجوامع والمدارس الدينية والكليات ومراكز توزيع الأطعمة مجانًا للفقراء، أي كان يصرف لأعمال البر والخير. فقد صرف إيجار الـ”بدستان” التي شيدها السلطان “محمد جلَبي”، في مدينة أدرنه عام 1418م، لتعمير جامع “أسكي جامع”، وإيجارُ الـ”بدستان” التي شيدها السلطان محمد الفاتح وكذلك إيجار سوق “قبالي جارشي” للصرف على أياصوفيا التي حوّلها من كنيسة إلى جامع. وصرف إيجار الـ”بدستان” التي شيدها السلطان بايزيد الثاني في مدينة بورصه لتعمير جوامع إسطنبول ومراكز مساعدة الفقراء.
                                التجارة والنشاط الاجتماعي
                                لم يفصل العثمانيون الحياة التجارية عن الساحات الأخرى للحياة. واستفادوا في تأسيسهم هذا التوازن بين مناحي الحياة من خزين التجارب الإسلامية الطويلة الأمد، والتي بدأت من عهد المدينة المنورة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واستمرت طوال عصور عديدة وفي بلدان إسلامية متعددة.


                                كان التجار في العهد العثماني على نوعين: التجار المتجولون، والتجار المقيمون في المدن. فكانت مباني الـ”بدستان” محل عمل التجار المقيمين في المدن ومركزاً لتعيين أسعار البضائع أيضاً، أي كانت تعمل عمل البورصة الحالية. كما كانت دائرة لاستيفاء الضرائب. وكان الموظفون الرسميون الذين يعيّنون الأسعار ويستوفون الضرائب يقيمون هنا. لذا لم يكن يسمح بزيادة الأسعار خارج الحد المعقول، أي لم يكونوا يسمحون بالتعامل بـ”السوق السوداء”.
                                كانت كل “بدستان” تشكل نواة الأسواق الكبيرة. وكانت جميع أنواع السلع والبضائع تباع وتشترى فيها مثل أسواق “سوبر ماركت” في أيامنا الحالية. كان بعض هذه المراكز التجارية مراكز لأنواع معينة من البضائع ولمنتوجات أصحاب مهن معينة. مثلا هناك مركز للصياغة، أو لبيع السجاجيد أو الأقمشة أو البهارات أو الكتب أو للعطارين، وكان يوجد حولها بياعو الحاجيات اليومية من الأغذية كالفواكه والخضروات والطحين والملح…الخ. أو من أنواع الوقود كالحطب والفحم.. أو من المواد الخام كالدهون والزيوت والأصباغ.. وكذلك كان أصحاب الحرف الأخرى كالخياطين وأصحاب المطاعم وصناع الخزف..الخ، يزاولون نشاطهم هنا. كما كانت هذه الأسواق تضم الأماكن الضرورية لحاجات الناس كالمساجد وأماكن الوضوء وأماكن القراءة والمقاهي والحلاقين والحمامات…الخ.
                                كان أصحاب الحرف المختلفة يعملون في الـ”بدستان” كعائلة واحدة، وكانت لهم منظمات ذات تقاليد عريقة ومستقرة مثل نقابة “الأخوة” (Ahîlik). ولم يكن يؤخذ إلى هذه النقابة من أصحاب المهن من لم يمر بمرحلة التدريب والتعليم التي تتدرج من مرحلة المتعلم الناشئ أو العامل المبتدئ إلى المتدرب إلى المعلم (المحترف). كان يتم تعليم الشباب المبتدئين الحرف المختلفة في ظل تدريب وتعليم يأخذ بنظر الاعتبار التدريب المهني والتجاري مع الحرص على ترسيخ مفاهيم أخلاقية أهمّها أن يكون كل منهم إنساناً محبًّا للخير وجاراً حسن الخلق، أي يتلقون تدريباً وتعليماً أخلاقيا أيضاً. وكان يتم ترقية هؤلاء الشباب من صنف “المبتدئ” إلى صنف “المتدرب”، ثم إلى صنف “الأستاذ” أو “الأسطة” بالتعبير السائد آنذاك في مراسيم احتفالية. وهكذا كانت “بدستان” تنشئ كادرها وتحافظ عليه.


                                كانت للـ”بدستان” أربع وظائف مهمة:
                                1-تعيين أسعار البضائع.
                                2-فرض الضرائب على البضائع واستيفائها.
                                3-خزن البضائع والسلع الغالية والثمينة العائدة للدولة أو للتجار، مثل الذهب والمجوهرات والأقمشة الغالية، والوثائق المهمة، حيث كانت هذه البضائع تحت ضمان الدولة، فتخزن بشكل آمن، ثم تعرض للبيع.
                                4-كونها مقرًّا للتجار المحليّين، حيث كانوا يقومون بأنشطتهم التجارية، ومنها كانت تنطلق قوافلهم إلى البلدان الأخرى.


                                كان لكل “بدستان” سَريّةُ أَمنٍ خاصة بها، وشخص مؤتمن. وكانت الأموال المفقودة (أي الأموال التي فقدها أصحابها) تبقى عنده مدة معينة. فإن لم يظهر صاحبها تسلم لبيت المال. كما كانت تودع عنده أموال اليتامى حتى يبلغوا سن الرشد. كما كانت الـ”بدستان” تقوم بوظائف شبيهة بوظائف البورصة التجارية في أيامنا الحالية (بورصة القطن أو بورصة الزبيب مثلاً).
                                كانت الـ”بدستان” في بعض المدن مركز عمل التجار الذين يقومون بتجارة الأقمشة الثمينة. وكان كل منهم يملك فرمانًا من السلطان وأمرًا من القاضي كضمان وتأييد له عند قيامه بهذه التجارة. وكانت أي تجارة سِرّيّة تجرى خارج الـ”بدستان” تُعد تجارة غير قانونية ومنافسة غير شريفة بالنسبة للتجار الموجودين في الـ”بدستان” الذين يدفعون الضرائب بانتظام. فمثلاً، حدث في عام 1609م، أن طرق سمع تجار “بدستان” أن بضائع معينة (مثل العطور) تباع سراً في منطقة “غلطة” إلى العطارين، فتقدموا بالشكوى إلى السلطان وتمت معالجة الأمر. أما سيطرة تجار الأقمشة الذين هم أحد عناصر الاقتصاد المضبوط رسميًّا، فقد استمرت حتى أواسط القرن السادس عشر، حيث صدر قرار بالسماح لتجارة الأقمشة خارج الـ”بدستان” ما لم يكن هناك قرار من الحكومة بالمنع.
                                نعتقد أنه من المفيد إجراء تحليل مقارن بين الـ”بدستان” التي كانت تحتلّ مكانًا مرموقًا في الحياة التجارية في الدولة العثمانية، وبين المراكز التجارية الحالية. فهذا مفيد، ليس من الناحية التاريخية فقط، بل من الناحية التجارية والاجتماعية كذلك. فمن ناحية، هناك فائدة في ضبط الفعاليات التجارية ومراقبتها، وأن تكون هذه الفعاليات على أساس مشروع وتُراعى فيها الحقوق؛ ومن ناحية أخرى، فإن عدم السماح للشخص بالعمل التجاري (إن لم يكن أهلا له ولم يدرّب بعد عليه) أيضاً من الأمور التي يجب مراعاتها.
                                ______________________
                                (*) الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.





                                تعريف بأسماء مشايخ هيئة كبار العلماء بالسعودية وطرق التواصل معهم

                                قَالَ الشَيْخْ الأَلَبْانِيِ رَحِمَهُ الله:
                                "طَالِبُ الَحَقِ يَكْفيِهِ دَلِيلْ، وَ صَاحِبُ الَهوَى لا يَكْفِيهِ ألَفَ دَلِيلْ ،الجَاهِلً يُعَلّْمْ وَ صَاحِبُ الهَوَى لَيْسَ لنَا عَلَيهِ سَبِيلْ"
                                وقال :التحدث والتخاطب مع الجن بدعة عصرية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X