إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدولة العثمانية مالها وما عليها بحيادية وموضوعية

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صباحو
    رد
    معلومة تاريخية


    قد يستغرب البعض كثرة عدد أبناء السلاطين العثمانيين، لكن هناك من السلاطين من حطم الرقم القياسي في عدد الأولاد وهو السلطان مراد الثالث.

    وتشير السجلات ان للسلطان مراد الثالث من الأولاد (102) شهزاده (أمير)، لكن أكثرهم مات صغيرا ولم يبلغ الـ 17 من عمره عدا ابنه الأكبر محمد الثالث الذي خلفه على العرش.
    تجدر الإشارة أن ظاهرة قتل الأمراء أبناء السلاطين وهم في عمر المهد كانت موجودة في القرنين السابع عشر والثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، وكانت حوادث القتل تحدث بتحريض من نساء الحرملك الملئ بالدسائس والمؤامرات؛ خوفاً من أن يشبَّ الأمير ويخلف أباه على العرش ويفوت الفرصة على أخوته الأمراء.

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    عبد الحميد وصحيح البخاري




    اهتم السلطان عبد الحميد الثاني بصحيح البخاري وقد قرأه بنفسه لا لفهمه فحسب، بل للتوسل به والدعاء أيضاً؛ ويروى أنه في معركة جناق قلعة عام 1915م كان يداوم على قراءة صحيح البخاري خلال الحرب توسلاً به الى النصر.


    وتشير الروايات ان السلطان عبد الحميد حمل إجازة في صحيح البخاري، ونشرت في عهده أصح طبعة لصحيح البخاري وهذه النسخة تعرف في مدونات كتب الحديث باسم نشر عبد الحميد. وكان السلطان يأمر بنسخ صحيح البخاري وتوزيعه على الأمة المحمدية مجاناً.


    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    لمسات الجمال في شواهد القبور العثمانية




    إن لم تكن تفهم لغة شواهد القبور العثمانية عند دخولك إلى المقبرة، فلن ترى سوى أعمدة من الرخام متشابهة. ولكن ما إن تتفحص هذه الشواهد بدقة حتى ترى أن لكل منها سمة تميزها عن الأخرى. فإن لكل شاهد غطاء أو قلنسوة مختلفة. فهناك إشارات عديدة كل منها تدل على صفة من صفات الشخص المتوفى. وهذه القبور وشواهدها -بالنسبة لمن يفهم لسانها- مراقد لأشخاص من مهن ومشارب مختلفة. لأنك حيثما التفت رأيت سمات أشخاص مألوفين عندك، فتجد أشخاصاً من جميع المهن والمشارب والطبقات الاجتماعية يرقدون هناك.

    الشاهد وجنس الراقد

    يدل الشكل الخارجي لشاهد القبر وأنواع الزينة الموجودة عليه على جنس الراقد؛ فبينما يكون على شاهد الرجل ما يشبه القبعة أو العمامة، فإنّ شاهد قبر المرأة مزين بإكليل من الزهر. وهذه الزينات محفورة على شكل “مزهرية” أو على شكل زهور مختلفة كزهور السوسن وزهرة النجمة أو النرجس أو القرنفل أو الشقائق أو الفوشية أو الزنبق أو أزهار الخوخ أو اللوز أو مع شكل أغصان لشجيرات هذه الزهور.


    وعلى أشكال هذه الزهور نرى فناً رفيعاً يهتم بالعديد من التفاصيل، فكأن كل زهرة على هذه النصب والشواهد الحجرية تريد أن تقول شيئاً بلسان حالها لزائر المقبرة؛ فمثلا نرى في كثير من هذه الأماكن نقش زوج من الزنبق بخمس أوراق وكأنها يد ضارعة ممتدة للدعاء. وفي عهد “لَاله” (الزنبق)(1) تحولت هذه الزنابق إلى أشكال مجسمة، فأصبحت تحفر بثلاثة أبعاد. وبمرور الوقت بدأت هذه الزهور ترسم ضمن زهرية أو أصيص الزهور. ونرى زينة الزهور موجودة إلى حد مّا على شواهد قبور الرجال. إذ كان شيخ الإسلام يضع زهرة أو وردة على طرف عمامته الكبيرة، وكان الكاتب يضع ريشة على عمامته. وبعد انتشار الطربوش استمر تزيين أطراف غطاء الرأس فكان أسفل الطربوش يزين بصور الزهور. فانعكس هذا الاهتمام بالجمال وامتد حتى إلى القبور وإلى شواهدها فنتجت ألوان من الجمال المثير للإعجاب.

    الشاهد ومهنة الراحل
    وكما أن الأشكال والرموز المنقوشة على القبور تشير إلى جنس الراقد، فإنها تشير إلى مهنته أيضاً. فإن كان بحاراً فلا بد من وجود إشارة أو رمز أو شكل حول مهنته هذه على شاهد قبره. فقد يكون الرمز صورة ساريةٍ أو شراع أو مرساة أو شارة البحرية العثمانية… وهناك لحود بحارين تشبه السفن وتحاط جوانبها بحبال غليظة أو بسلاسل حديدية تستعمل في السفن.


    وأما إن كان المتوفى كاتباً ويعيش على قلمه فلا بد أن تجد إشارة ترمز إلى هذا، مثل شكل لفائف الورق أو ريش كتابة أو قلم من القصب. وإن كان رساماً فتجد شارة الريشة أو المَلْوَن. وإن كان عسكرياً فسترى علىشاهد قبره إشارة إلى مهنته إما سيفاً أو مدفعاً أو خنجراً أو قذيفة مدفع أو منظاراً مقرباً. وأما الضباط الذين وصلوا إلى رتب عالية في الجيش فهناك تفاصيل كثيرة على شواهد قبورهم، من صور لأسلحة، إذ يمكن القول، إنها تشكل مخزن ذخيرة حربية. ولا توضع هذه الصور والأشكال بشكل عشوائي، بل حول شارة الدولة العثمانية وحول طبل الحرب، حيث تنزاص حول الشارة صور المدفع والسيف والكنانة وصَوْلجان الحرب والبوق… والأسلحة المختارة في هذا الطراز من التزيين تكون مما كان المتوفى يستعمله عندما كان حيًّا. كما تتم الإشارة إلى رتبته العسكرية على جانبي شاهد القبر.
    كثيراً ما كان العسكري يختار شارة الدولة العثمانية لتزيين شاهد قبره. وقد وضعت شارة الدولة العثمانية لأول مرة في عهد السلطان سليم الثالث. ونظراً لكون هذه الشارة تَحمل -إلى جانب الرموز العسكرية- رموزاً دينية ووطنية، فقد أحبها الشعب وتبناها.. لذا استعملت هذه الشارة بشكل كبير في تزيين شواهد القبور وبخاصة في العهود التي تلت عهد السلطان سليم الثالث. ووضعت تحت شارة الدولة العثمانية الأوسمة والميداليات التي حصل عليها المتوفى. فالعديد من شواهد باشوات الدولة العثمانية مزينة بوسام المجيدي أو الحميدي.

    الشاهد ومشرب المتوفى
    وهناك بعض الأشكال والرموز في شاهد القبر تشير إلى مشرب المتوفى. فإن كان مولوياً يعمل في الزاوية حفرعلى شاهد قبره شكل عمامة مولوية، أما المنتسب الاعتيادي فيكتفى بحفر سكة مولوية على شاهد قبره. وإن كان من مريدي الطريقة القادرية فنجد على الشاهد زخرفة تسمى “زهرة القادرية”. وتتغير الزخارف المحيطة بالشكل الرئيسي حسب فروع هذه الطرق الصوفية. فمثلا يُرمز للفرع الرومي للقادرية بشكل تاج ذي ثمانية رؤوس في وسطه زهرة الطريقة القادرية. وفي شاهد مريد لفرع آخر من هذه الطريقة نجد نجمة ذات ثماني عشرة زاوية. وقد تحفر هذه النجمة عند شواهد بعضهم ضمن تاج حوله عمامة. أما على شواهد أتباع الطريقة “البَيرامية” الذين كانوا يلبسون قلنسوة سداسية فنجد شكل هذه القلنسوة. بينما نجد على شواهد أتباع الطريقةالنقشبندية تاجاً ذا أهداب. وأما أتباع الطريقة السنبلية التي أسسها الشيخ “سنبل سنان” فتحفر على شواهد قبورهم شكل السنبلة كرمز لطريقتهم الصوفية. ولا يقتصر التعريف بمشرب الراقد برموز طريقته الصوفية، بل أيضاً بالأشياء التي كان أتباع تلك الطريقة يكثرون من استعمالها. فنجد مثلاً في شواهد قبور أتباع الطريقة البكتاشية أشكال الكشكول(2) والفأس وحجر التسليم(3) ذي اثنتي عشرة زاوية.


    غربيون تأثروا بالشواهد

    عند الولوج إلى مقبرة عثمانية لا يداخل الإنسان أي ضيق أو اكتئاب، لأن الرموز المختلفة والزخارف المتنوعة على كل شاهد من شواهدها، تُطْلع الإنسان على معان عميقة وتبين له الوجه الجميل للموت. وهذا الجمال المثير جلب انتباه الأجانب مثلما جلب انتباهنا. فنرى أن العديد من السياح الأجانب الذين زاروا الدولة العثمانية تأثروا بمنظر قبورها حيث نرى السائح “أدموندو أميك” الذي زار هذه البلاد قبل مئات السنين يقول:
    “حول الجامع، تحت ظلال الأشجار الباسقة، بين الأزهار المتنوعة المتلونة، ارتفعت أضرحة السلاطين والوزراء وكبار رجال القصر. ارتفعت الأضرحة الرخامية التي زُينت بالنقوش البديعة المجسمة. إنها مدينة أضرحة أخاذة، ساد الهدوء فيها واحتضن البياض تربتها وأورف شجرها وأظل.. أو إنها حي أرستقراطي قد لفه جمال أخروي حزين وألقى في قلب الزائر أحاسيس التوقير والاحترام والمهابة. هنا في حديقة المقبرة ترى الأكاليل الخضراء المتدلية بشكل باقات، والجدران البيضاء التي ترتفع عليها أغصان أشجار الخرنوب والبلوط والرياحين، وتدخل من مشبّكات الضريح الحديدية المزخرفة ومن نوافذها القوسية الشكل ضمن حُزَم ناعمة من نور الشمس حيث تتلون هذه القبور الرخامية بالظلال الخضراء للأشجار. لا تجد في أي مكان آخر في إسطنبول مثل هذه الأناقة والرقة للفن الإسلامي الذي يُجمّل صورة الموت ويجعلك تتأمله دون خوف. لذا فهذا الضريح الجميل الأنيق هو في الوقت نفسه حديقة وقصر ومعبد يجعلك تردد الأدعية من جهة، وتبتسم ابتسامة حزن وأسى من جهة أخرى”.


    ويقول أحد الغربيين المشهورين المختصين بالمقابر العثمانية إن التجول في هذه المقابر يعد من أكثر الأمور إثارة ويضيف: “عندما أتسلق الطريق نحو مقبرة أبي أيوب الأنصاري أحس وكأنني قد اكتشفت قمة لم يكتشفها أحد قبلي في جبال هملايا” .ولم يقتصر هذا الإعجاب على هذين الباحثين، فهناك العديد من الكتاب والسياح الأجانب منهم “بارلت” و”سباتير” و”لوتي” و”باردو” و”نرفال” وغيرهم تأثروا بعمق من هذه المقابر وذكروها بإعجاب في كتبهم.
    والحقيقة أن شواهد القبور العثمانية لم تكن أبداً مجرد أحجار تعطي معلومات عن هوية الشخص المتوفى، بل كانت تشير إلى مستوى الرسم البديع والفن الرفيع اللذين أنجزهما العثمانيون منذ قرون، ولم يكن الغرب هو وحده الذي أوجد هذا الفن كما يدعي.

    الشاهد وأشكال معبرة

    ولم يتم الاكتفاء هنا برسم العناصر والمواد فقط، بل تم تحميلها بمعانٍ عميقة. فمثلاً إن أهم شيء يمكن عمله للميت هو الدعاء له. وهذا الدعاء نجده قد تحول إلى شيء مادي ملموس معروض لأنظار جميع زوار المقبرة. وإن أهم دعاء للميت وأكثره شيوعاً هو “جعل الله قبره روضة من رياض الجنة”. وإذا ما أمعنا النظر في شواهد القبور العثمانية رأينا أن الدعاء قد انقلب إلى رسوم وأشكال. فأصحاب هذا الفن قد نجحوا في ترجمة الدعاء برسمهم فواكه الجنة على الشاهد. فلسان حالهم يقول: “لقد نحتنا هذه الفواكه على شاهد قبر المتوفى داعين الله أن يهبها إياه في الجنة”. ومن ثم نرى أن الفواكه التي ذكرت في القرآن الكريم نحتت على هذه الشواهد، لاسيما التمر، والنخيل المثقلة بهذا التمر وعادة ما تغطي أشكال ونقوش سعف النخل سطح الشاهد وتنتشر فيه بأكمله. وفي القسم الأسفل من الشاهد تتدلى عذوق النخل وسعفها. فنرى في العديد من الشواهد، الأشكال والنقوش لعناقيد العنب والنخل والتمر والرمان وأشجار الزيتون. فأمام هذا الفن وهذه الزخارف لا نملك إلا سؤال الله تعالى أن يرزق صاحب هذا القبر هذه الثمار ويطعمه منها.


    ومن أكثرما نحت على الشواهد شجرة السرو. وذلك لحكَم دقيقة مثل كونها شجرة دائمة الخضرة في الصيف والشتاء، ولها عطر خاص بها.
    وبسبب هذا العطر لا تقربها الحشرات ولا تتكاثر فيها. كما أنها بقامتها المستقيمة أصبحت في نظر البعض رمزاً لحرف الألف الذي هو الحرف الأول من كلمة الجلالة “الله”، كما أنها ترمز إلى التوحيد، وبقامتها المديدة والمستقيمة ترمز إلى الاستقامة والحقيقة أيضاً.
    ومن أكثر الأشكال التي تلفت أنظارنا على الشواهد هو القنديل. وقد نحت بأشكال متعددة بلغت الأربعين. وكل هذه القناديل تبدو معلقة بسلسلة حديدية. تُربط هذه السلسلة بفم القنديل تارة، وبالحلقات الثلاث الموجودة في جانبه تارة أخرى. والمقصود من رسم القنديل على شاهد القبر هو التنوير، أي التنوير الإلهي لقبر المتوفى. وأحياناً ينقش اسمالجلالة على القنديل.
    ومن الأشكال الأخرى التي تجلب النظر في شواهد القبور هي نقش الخنجر. فالخنجر هو السلاح المستعمل في القتال القريب، وله نصل مقوس أو مستقيم، وهو سلاح حاد الطرف يوضع في قراب محمول على جانب الإنسان. وفي شواهد القبور العثمانية المفتوحة يرسم الخنجر على جانب اللحد. وفي القبور المغلقة يرسم فوق اللحد. وصور الخنجر وأشكالها واحدة، فرأس قبضة الخنجر يكون مروحي الشكل، أما القبضة نفسها فمنتظمة قليلاً. وترسم الخناجر وهي في جرابها، مما يعني أن صاحب الخنجر قد مات. وينتهي الخنجر بنهاية منحنية، ويتجه الجزء الحاد منه نحو قدم صاحب القبر.
    أكثر الرسوم والنقوش والزينات التي تأخذ محلها في شواهد القبور العثمانية، هي القبور التي لها لحود. ففيها نرى أن أوجه اللحد تكون كلها مغطاة بهذه النقوش وكأنها حديقة من الأزهار والورود.

    وأحياناً نجد في القسم الأمامي أو الوسطي من لحد القبر زخرفةَ وردة على جانبيها مزهريتان فيهما الورود وأزهارالنجمية أو الزنابق والقرنفل. وفي بعض اللحود نشاهد نقوش حراشف السمك في إطار يلتف حول الجزء العلوي من اللحد أو نقوش زهرة اللوتس (النيلوفر). وفي اللحود الحجرية نرى في قسم الرأس والقدم نقوشاً لشموس نصفية مقسمة إلى شرائح تقترن بشاهد القبر. وتوجد عادة في داخل نقش الشمس في القسم العلوي بعض الكتابات. ويتصل القسم العلوي للّحد على صورة سقف مثلث الشكل. وعادة ما يتزين القسم العلوي من اللحد بنقوش وأنواع من الزينات، بحيث يبدو وكأنه قماش مزين.
    وقد شيدت القبور اللحدية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ولكن يمكن مشاهدة قبر قديم ذي لحد في مقبرة أبي أيوب الأنصاري في قبر بنت السلطان أحمد الثالث الأميرة “صالحة”، حيث نرى النقوش على جميع أوجه اللحد بشكل أعمدة صغيرة متصلة بعضها ببعض بالأقواس. وفي وسط كل قوس نرى وجود صدَفة مَحار. وفي بعض لحود القبور نرى نقوشاً لأعمدة على شكل الساعة الرملية. وتغطى الرموز الموجودة على وجوه بعض اللحود بنقوش لأوراق الحرشف البري. كما تغطي أشكال هذه الأوراق جهة القدم وجهة الرأس في بعض اللحود. وتوجد أحياناً مشكاة في الأوجه الضيقة من اللحد. أما نقوش القمر والنجمة المجسمة والموجودة فوق كل مشكاة وبين الأعمدة المنقوشة فيها، فتعود في معظمها إلى ما بعد عهد المشروطية الثانية.
    ولما كان الغرض من شواهد القبور هو تعريف صاحب القبر إلى الأحياء، وطلب قراءة الفاتحة على روحه، فإن أوجه اللحود المتوجهة إلى الطريق تكون أكثر زينة لجلب الأنظار إليها. لذا فإن الرموز الخاصة توضع عادة على الجانب المطل على الطريق.
    لا يمكن إيفاء حق وصف الزينات والنقوش لهذه المقابر التاريخية التي هي بمثابة متاحف مفتوحة عامة لفن الرخام والتي جلبت أنظار العالم بأكمله. ومن يفهم لغة هذه النقوش والرموز فسيجد في كل شكل وفي كل نقشة معلومة حول صاحب القبر. إن كل شاهد قبر يقول بلسان حاله “إن الموت ليس عدماً، وهو يحمل معاني دقيقة وعميقة”، ثم يعرض هذه المعاني بفن رفيع ونقش بديع تتمتع به الأنظار وتستروح القلوب.

    المصدر: مجلة حراء
    * الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي



    الهوامش
    (1) عهد لاله (1718-1730م): وهو عهد اهتم فيه الخاصة والعامة في الدولة العثمانية بزرع زهرة الزنبق التي تدعى في التركية لاله. (المترجم)
    (2) الكشكول: وعاء من قشرة جوز الهند كان الدراويش يستعملونه كوعاء أكل وكان يدعى آنذاك “وعاء الفقير”. (المترجم)
    (3) حجر التسليم: حجر على شكل نجمة ذات اثنتي عشرة زاوية كان دراويش البكتاشية يحملونه في أعناقهم. (المترجم)

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    الأمير سليمان ومعلمه



    ولد السلطان سليمان القانوني في يوم الإثنين المصادف 27 من نيسان 1495م في مدينة “طرابزون”…. والده هو السلطان “سليم الأول” ووالدته هي: “حفصة خاتون” تلقى تربيته الأولى على يد والدته، وعلى يد جدته –أم والدته- (جُلبهار – خاتون)، وعندما بلغ السابعة من عمره، أخذته والدته إلى جده السلطان “بايزيد الثاني” في “اسطنبول”؛ لتتم تربيته وتنشئته هناك، فعينوا له العالم “خير الدين خضر أفندي” لهذه المهمة، فدرس عليه العلوم الإسلامية و التاريخ و الأدب، كما بدأ يتعلم الفروسية، فنون القتال.
    ولكن كان عادة آل عثمان، أن يتعلم كل أمير صنعة يدوية كذلك، فاختار للأمير “سليمان” صنعة صياغة الذهب، وعين له أحد الماهرين في هذه الصنعة لتعليمه.
    ولكن الأمير لم يكن يحب هذه الصنعة، بل كان يميل إلى دروس التاريخ، وإلى ركوب الفرس، فكان يهمل هذه الصنعة، ولا يلتفت إليها، وكان معلمه يضيق صدراً من إهمال الأمير، ويخشى أن يلام هو، أو أن يُعاقب إن لم يتقن الأمير هذه الصنعة، وفي يوم من الأيام غضب عليه المعلم، وحلف أن يضربه بالعصا ألف ضربه على رجليه، إن لم يهتم بتعلم هذه الصنعة، وبقي على عناده.
    وعندما لم ينفع هذا التهديد أيضا سقط في يد معلمه، إذ لم يكن في وسعه أن يضرب الأمير ألف ضربه عصا. كما أن الأمير غضب على معلمه، وخاف منه، فأسرع إلى والدته يستجير بها، ويطلب منها تبديل هذا المعلم قائلاً لها:
    - لقد حلف أن يضربني ألف عصا… قولي لجدي السلطان أن يبدله فأنا لا أحبه.

    كانت “حفصة خاتون” امرأة عاقلة، تعرف قدر المعلمين، فاستدعت إليها المعلم، ورجت منه أن يصفح عن ابنها، وأعطت له العشرات من الليرات الذهبية.
    خرج المعلم من عندها واستدعى إليه الأمير، وأمره أن يجلس، فجلس فوضع في حجره تلك الليرات الذهبية، وقال له:
    - أريد منك أن تذيب هذه الليرات الذهبية، وأن تعمل منها خمسمائة عود دقيق جداً؛ ذلك لأن المعلم خطرت له قصة أيوب – عليه السلام – فرأى فيها حلاً للوفاء بقسمه.

    نفذ الأمير طلب معلمه، وناوله في اليوم التالي الأعواد الذهبية فجعلها المعلم حزمة واحدة، ثم قال للأمير:
    - سأوفي بقسمي، فإنك لا تزال مهملاً … نم على ظهرك، وناولني قدميك. اتسعت عينا الأمير الصغير من الخوف، ولكنه نفذ ما طلبه المعلم الذي ضرب أخمص قدميه بهذه الحزمة ضربتين خفيفتين.

    وهكذا وفّى المعلم بقسمه، واستفاد الأمير “سليمان” من هذا الدرس فاهتم بهذه الصنعة، حتى قيل: إنه أصبح من أمهر الصياغ آنذاك.


    المصدر: روائع من التاريخ العثماني – أورخان محمد علي

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    تونس بين عهد الأمان واسترضاء الأجانب




    كانت تونس وهي ولاية عربية اسلامية تابعة اسميا للسيادة العثمانية؛ أول إقليم عربيفي العالم الإسلامي أخذ بالنظام بالدستوري الذي أعلنه الباي محمد الصادق في يناير 1861 ونفذه في 26 ابريل 1861.
    وقبل اعلان النظام الدستوري في تونس فقد وقعت العديد من الأزمات التي كان لها أثر بالغ في اعلان الدستور والذي كان بضغوط من القوى العالمية آنذاك المتمثلة ببريطانيا وفرنسا. فقد كانت الأوضاع في تونس متردية وازدادت ترديا في عهود البايات أحمد (1837-1855)، ومحمد الثاني (1855-1859)، ومحمد الصادق (1859-1882)، بسبب سياسة الإسراف الشديد نتيجة إدخالهم المظاهر الشكلية للحضارة الأوروبية، واهتمامهم المظهري بالجيش بتغيير ملابس الجنود وجعلهم يتخذون الزي الأوروبي: وشراء سفن بخارية تركها أحمد باي راسية في الميناء الحديث الذي أعده لها في بورتو فارينا حتى تلفت أخشباها من قلة استخدامها، وأسهم هذا الباي في حرب القرم بإرسال قوة تتكون من 14 ألف جندي تونسي انضمت الى القوات العثمانية.
    أما محمد باي فكان منهمكا في مذاته وتشير الروايات أنه كان له حريم يضم 1200 سيدة وأبنية من القصور الفخمة. وأدخل بعض مشروعات نافعة ولكنها لم تكن إنتاجية مثل إدخال الطباعة العربية الحرفية، وجلب مياه غوزان إلى مدينة تونس والمرسى. وقد تطلب تنفيذ هذه المشروعات وغيرها نفقات لم يكن في مقدور البلاد تحملها، مما دعا الحكومة الى استحداث ضرائب جديدة على الصادرات والواردات، وفرض ضريبة على المبيعات والمشتريات، واحتكرت الحكومة الملح والصابون والدخان والجلد. وقد ألحقت هذه الإجراءات الشعور بالظلم والإذلال لدى المواطنين. ومع ذلك اضطرت الحكومة الى عقد قروض أجنبية أولا من بعض التجار الفرنسين والإيطاليين والبريطانيين وكان من بينهم عدد كبير من اليهود.
    وتراكمت الديون على الحكومة, وقد تدخل قناصل الدول الأوروبية لإقناع محمد باي بإصدار بيان أو اعلان يمنح غير المسلمين في نيابته حقوقاً تكفل لهم الأمان على أرواحهم والحفاظ على ممتلكاتهم وسائر مصالحهم وأشاروا عليه أن يستلهم في هذا الإعلان بما جاء في “خطي همايوني” الذي أصدره السلطان عبد المجيد الأول سنة 1856، ولكن لم يستجب محمد باي لمطالب القناصل الى أن واقع حادث كان له أثر كبير بعد ذلك.
    ففي سنة 1857 صدم يهودي بعربته غلاماً مسلماً فقتله وحكم على اليهودي بالإعدام . ويقول بعض الباحثين رواية أخرى أن يهودياً سب مسلماً في دينه فنُفذ فيه حكم الإعدام. وثارت ثائرة المسلمين على ما اقترفه اليهودي على الرغم من اعدامه وتوعدوا غير المسلمين بالإعتداء عليهم مما أثار قلق بعض الدول الأوروبية الكبرى، وبخاصة فرنسا وبريطانيا، وأرادت أن تصطنع من هذا الحادث أزمة سياسية تتيح لها مزيداً من التدخل في شؤون تونس. ومن ثم أرسلت هذه الدول تعليمات الى قناصلها في تونس ليحتجوا على تهديد أرواح ومصالح رعاياها. وزادت الحكومة الفرنسية على هذه التعليمات أمرين: أنها طلبت من قنصلها روش ليون أن يقرأ هذه التعليمات على الباي أحمد، وأرسلت بعض وحدات من اسطولها إلى تونس في 22 أغسطس – 20 سبتمبر 1857. وتباحث الباي محمد مع وزرائه ومستشاريه، واستقر الرأي على اصدار هذا البيان الذي عرف باسم عهد الأمان، وأعلن في 9 سبتمبر 1857 في حفل كبير شهده الوزراء وأعيان البلاد وقناصل الدول وقائد الأسطول الفرنسي وجمع من المستوطنين وهو يتكون من مقدمة وإحدى عشرة مادة.
    عهد الأمان
    تشير مقدمة عهد الأمان التي أعلن الباي محمد الثاني باي تونس الى وجوب الإهتداء بأحكام الشريعة الغراء تأسيسا على أن الإسلام هو الدين الرسمي للنيابة وأن الباي والسكان مسلمون، وأن سلطنة الإسلام، أي الدولة العثمانية، تؤكد الأمان لرعاياها وتراه من الحقوق المرعية. وفي مواد العهد اكد الباي محمد ضمان الأمان التام لجميع السكان بغض النظر عن جنسياتهم وأجناسهم، ومساواة الجميع في مسائل الضرائب والرسوم الجمركية، وتقرير الحرية في مزاولة التجارة وجميع مجالات العمل وشراء العقارات والأراضي الزراعية على أن ينفذ المستوطنون في مسائل العمل وتملك العقارات القوانين القائمة.

    ونظم عهد الأمان مسألة التجنيد بحيث لا يظل المجند في الخدمة أكثر من مدة معينة حتى له الزمن اللازم لتدبير معيشته ومعيشة اسرته. ويلاحظ في عهد الأمان أن فيه مزجاً بين الإتجاه الإسلامي والإتجاه الأوروبي العصري بالنسبة الى ذلك الوقت، وأن بعض مواده مقتبسة من خطي جلخانة الذي أصدره السلطان عبد المجيد الأول في سنة 1839. وفي ذات الوقت أعلن الباي محمد عن عزمه إصدار دستور. ثم أدخلت تباعا إصلاحات كان من بينها إنشاء مجلس بلدي في مدينة تونس يشترك في عضويته أعضاء الجاليات الأجنبية ومن التونسيين. وبدء في وضع مشروع دستور واشترك في وضعه قنصل فرنسا وكان يجيد العربية. ومات الباي محمد قبل إنجازه. ولما خلفه أخوه الصادق محمد في 24 سبتمبر 1859 استؤنف العمل في إعداد الدستور.
    وكان من بين اهداف إصدار الدستور إرضاء الأجانب. وانتهز الباي محمد الصادق فرصة زيارة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث لـ ألجزائر فقدم له نسخة باللغة الفرنسية من الدستور في أثناء زيارته ليحوز تقدير الإمبراطور الذي وافق عليه وأعلنه في حفل رسمي رائع في يناير 1861.
    وقد استمر هذا الدستور معمولا به حتى قامت ثورة داخلية في تونس بزعامة علي بن غادام سنة 1864 فأوقف العمل به، ثم جاء الغزو العسكري الفرنسي لتونس سنة 1881 وفرض الحماية الفرنسية عليها فعصف بالدستور ..

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    شجاعة السلطان عبد الحميد الثانـي


    السلطان عبد الحميد الثاني هو السلطان الرابع والثلاثون في دولة آل عثمان. جاء إلى الحكم في ظروف صعبة جدًّا؛ فالدولة كانت على حافة الانهيار جراء ضعفها الداخلي اقتصاديا وعسكريا وعلميا، ومن جراء الخطر الخارجي الذي كان يتمثل في اجتماع الدول القوية (مثل إنكلترة وروسيا وفرنسا والنمسا) عليها، ومحاولة كل منها ابتلاع قطع من أراضيها الواسعة الممتدة على ثلاث قارات. في مثل هذه الظروف القاسية استطاع هذا السلطان المحافظةَ على الدولة العثمانية ثلاثا وثلاثين سنة (1876-1909م) بأقل الخسائر، وحال دون انهيارها، وقام بحملة كبيرة في ساحة التعليم وبناء المدارس والكليات. ولكن من جاء بعده من الاتحاديين فتّتوا الدولة العثمانية وبعْثروا أشلاءها في عشر سنوات فقط.


    كان عبقريا في السياسة وفي إدارة الدولة حتى قال جمال الدين الأفغاني وهو يصف سياسة السلطان عبد الحميد: “إن السلطان عبد الحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة، خصوصا في تسخير جليسه. ولا عجب، إذ رأيناه يذلل ما يقوم لملكه من الصعاب من دول الغرب ويخرج المناوئ له من حضرته راضيا عنه وعن سيرته وسيره، مقتنعا بحجته”، و”رأيته يعلم من دقائق الأمور السياسية ومرامي الدول الغربية وهو معدّ لكل هوة تطرأ على الملك مخرجا وسلّما. وأعظم ما أدهشني ما أعد من خفي الوسائل وأمضى العوامل كي لا تتفق أوروبا على عمل خطير في الممالك العثمانية، ويريها عيانا محسوسا أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن إلا بخراب الممالك الأوروبية بأسرها”.
    تعرض هذا السلطان العظيم إلى العديد من الافتراءات الظالمة من قبل أعدائه؛ من أهمها أنه “كان سلطانا ظالما قتل العديد من خصومه”، و”كان كثير الوساوس وعلى خوف دائم على حياته وعلى عرشه، لذا قام ببث العيون والجواسيس في طول البلاد وعرضها”. وسنتناول في مقالنا هذا تهمة الجبن. أما أنه بث العيون والجواسيس، فنقول لمن لم يدقق التاريخ العثماني ولا سيما في أدواره الأخيرة إن إسطنبول عاصمةَ الدولة العثمانية كانت تعجّ آنذاك بجواسيس الدول الكبرى، وقد نجحت هذه الدول في تدبير المؤامرات والانقلابات حتى في القصر السلطاني. مثلا استطاعت إنكلترة وفرنسا تدبير انقلاب على السلطان عبد العزيز (عمّ السلطان عبد الحميد). لذا كان من الطبيعي قيام السلطان عبد الحميد بتشكيل مؤسسة استخبارية تقاوم وتناضل ضد الألاعيب والمؤامرات التي كانت هذه الدول الكبرى تدبرها ضد الدولة العثمانية. هل كان المتوقع من هذا السلطان أن يترك دولته في مهب الريح طعمة للمؤامرات؟!
    المدقق لحياة السلطان عبد الحميد يتوصل إلى أن هذا السلطان كان شجاعا رابط الجأش أمام المخاطر التي كانت تطير بألباب الرجال. أي يتوصل إلى عكس تهمة الجبن التي حاول أعداؤه إلصاقها به..

    ويكفي أن نورد هنا حادثتين تاريخيتين في هذا الصدد:


    1-حادثة الزلزال الكبير
    لنَنْقل وصفًا لهذا الزلزال الذي سجّل في التاريخ التركي تحت اسم “الزلزال الكبير” (6 محرم 1312هـ – 10/7/1893م) من المؤرخ التركي حامي دانشماند، يقول: “إن هذا الزلزال الهائل الذي كان متوجهًا من الجنوب إلى الشمال والذي استمر دقيقة واحدة تقريبًا –كما ذكرت جريدة “ترجمان الحقيقة” في نسختها الصادرة في اليوم الثاني للزلزال- قد أدّى إلى تلف وتخريبات كبيرة، فقد تهدم كثير من الجوامع والمنائر والمدارس ومراكز الشرطة وأرصفة الموانئ والمباني الرسمية والخانات(1) والدكاكين والبيوت، كما أصبحت بنايات كثيرة معرضة للسقوط وخطرة على الناس، لذلك فقد هدمت من قِبل الحكومة. وكان معظم الذين ماتوا في هذه الحادثة هم الذين بقوا تحت الأنقاض؛ فمثلا في منطقة الـ”سراجخانة” قُتل خمسة أطفال من طلاب مدرسة ابتدائية، كما مات بعض المارة عندما سقط عليهم جدار. وكان عدد الجرحى أكثر من عدد القتلى، وقد نُقلوا مباشرة إلى المستشفيات للعلاج. وكلّف السلطان فورًا –بوساطة ياوَرِِِه- وزارةَ الداخلية ورئاسة البلدية ورئاسة الصحّة بإبداء المعونة والمساعدة الفورية، وبفتح سجل بجمع التبرعات حيث بلغ مجموع ما جمع من التبرّعات في خمسة أشهر وتسعة عشر يومًا (أي حتى 29 من جمادى الآخر المصادف ليوم الجمعة 28/12) 82874 ليرة ذهبية عثمانية، علمًا بأن القسم الأعظم من هذا المبلغ دفع من قِبل السلطان عبد الحميد”.(2)


    ويصف شاهد آخر هذا الزلزال، وهو الشاعر التركي المعروف عبد الحق حامد، فيقول: “كنت آنذاك على باخرة “الشركة الخيرية”، وبعد أن اجتازت الباخرة “بشكتاش”(3) واقتربتْ من الجسر، رأينا فجأة منظرًا غريبًا كاد يفقدنا عقولنا!.. كانت البيوت تتهدم والسقوف تنهار والمنائر تهوى وتتحطم… لم نكن ندري ما الأمر، وأخيرًا صاح أحدهم: إنه الزلزال. عند ذلك توضّحت لنا المسألة؛ كان الزلزال عنيفًا إلى درجةٍ حسبنا أن القيامة قد قامت”.(4)
    في ذلك اليوم كان السلطان عبد الحميد في قصر “يِلْدِز” جالسًا في صالون استقبال المهنّئين بالعيد تحت “ثريا” تزن عدة أطنان، يستقبل المهنئين من السفراء وحوله كبار الضبّاط والوزراء ورجال الدولة… وفجأة وقع الزلزال العنيف وبدأ الناس يتراكضون وعمت الفوضى كل مكان. حتى إن الضبّاط تراكضوا إلى النوافذ القريبة يكسرون الزجاج بأعقاب أحذيتهم العسكرية لكي يُلقوا بأنفسهم إلى الحديقة، وبدأت الثريّا الكبيرة المعلقة في السقف تتأرجح بقوة وعنف كبندول الساعة.
    كان السلطان الشخص الوحيد المتمالك لأعصابه، إذ لم يقم ولم يتحرك من مكانه بل بقي هادئًا وقورًا الوقار اللائق بخليفة المسلمين، تتحرك شفتاه بتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم.
    هذا المشهد الهائل الذي لم يتمالك معه الضباط –الذين خاضوا الحروب وواجهوا الموت فيها- من ضبط أنفسهم فاستسلموا للهرب للنجاة بأنفسهم.. لم يهتزّ السلطان ولم يفقد أعصابه أمام هذا المشهد، بل واجهه بأعصاب ثابتة وبرباطة جأش عجيب.


    2- حادثة القنبلة
    في 21/7/1905م حدثت محاولة لاغتيال السلطان، وذلك بوضع 80 كغم من المتفجرات مع 20 كغم من قطع الحديد في مركبة أُوقفتْ في فناء الجامع الذي كان يصلي فيه السلطان أيام الجمع، ووقّتت القنبلة بحيث تنفجر في الوقت الذي يخرج فيه السلطان من الجامع. وقد تأخر السلطان في الخروج قليلًا، فانفجرت القنبلة –والسلطان بعدُ في المسجد- مُحْدثة دويًّا هائلًا تردد صداه من أقصى إسطنبول إلى أقصاها. قُتل في هذا الانفجار 26 شخصًا وجُرح 58 ونفقت ما يقارب العشرين من الخيول. في هذا الموقف الرهيب الذي ساد فيه الهَرْج والمرْج وتراكض الضبّاط والجنود والناس خوفًا وهلعًا يريدون النجاة بأنفسهم، بقي السلطان هادئًا وساكنًا، ثم مشى –بعد أن أصدر بعض الأوامر- إلى عربته حيث قادَها بنفسه بين هتاف الناس له.


    جرَتْ هذه المحاولة بعدما أيقن الأرْمن بأن السلطان عبد الحميد لن يطبّق البند الوارد في معاهدة “برلين” –التي اضطر السلطان على التوقيع عليها- حول الامتيازات والمؤسسات الضرورية التي طلبتها الدول الأوروبية الكبرى من الدولة العثمانية لتأسيس حكم ذاتي مستقل للأرمن مع أنهم كانوا أقلّية في الدولة العثمانية.
    كانت خطة الأرمن هي اغتيال السلطان أولاً ثم نسف مقر الحكومة العثمانية، أي نسف الباب العالي وجسْر غَلَطَة والبنك العثماني وسفارات بعض الدول الأوروبية في إسطنبول لإشاعة فوضى كبيرة فيها لفسح المجال لتدخل الدول الأوروبية.
    كان القائم بهذه المحاولة –التي وضعت تفاصيلها في مدينة “صوفيا”- أرمنيًا من منظمة “طشناق” من باكو اسمه “كريستوفر ميكاليان”، حيث قام كريستوفر لتنفيذ العملية بالاتصال مع فوضوي بلجيكي مختص بصنع القنابل الموقوتة اسمه “أدوارد جوريس”. وقد صنعت العربة التي وضعت فيها المتفجرات في الخارج، وأدخلت أجزاؤها إلى إسطنبول قطعة قطعة ومن أماكن متفرقة.
    وبعد الحادثة تم القبض على أدوارد جوريس وعلى بعض أعوانه، وقد اعترف في المحكمة التي حضرها السفير البلجيكي أيضا بأنه قام بهذه العملية، وحكم عليه بالإعدام. ومع أنه حاول الانتحار في سجنه إلا أنه لم يفلح. أما السلطان “الظالم!” فقد عفا عنه وأمر بإخراجه خارج الحدود، لأنه لم يكن يرغب في توقيع عقوبة الإعدام على أحد.(5)
    يصف “الأميرال هنري وودس” في مذكراته هذه الحادثة فيقول: “لم أكن بعيدًا عن السلطان.. في هذه الأثناء فرْقع دوي كصوت عدة مدافع، واهتزّت الأرض تحت قدمي وكأنها تريد الإطاحة بي، ذهلت من رباطة جأش السلطان، وفجأة شاهدت العديد من الأشخاص الذين هرْولوا داخل جامع “يِلدِز” والدماء تنـزف من وجوههم وأياديهم، حسبت لأول وهلة أن قنبلة يدوية ألقيَت على السلطان، ولكنني عندما نظرت إلى فناء الجامع الذي كان السلطان يركّز نظره عليه، ارتعشتُ من الدهشة؛ كان الفناء كأنه ساحة حرب دمرتها المدافع، فهناك تناثرت أجساد الخيول وقطع الأخشاب والعربات التي تمزقت شرّ ممزق وأجساد السائسين المساكين الراقدة دون حياة… وعلى بُعد مترين لاحظت جاويشًا يحاول تغطية جسد ضابط كبير خر صريعًا بإحدى الشظايا.
    وما إن سُمع الدوي حتّى أسرعت كوكبة من الفرسان إلى مكان الحادثة وبأيديهم السيوف المشهرة، ولكنها قفلت راجعة عندما تلقّى آمرها إشارة السلطان بالرجوع. وبعد قليل عرف الجميع مدنيّين وعسكريين بأن السلطان سليمٌ معافًى، فلم يتمالكوا أنفسهم –أتراكًا وأجانب، مدنيين وعسكريين- من الفرح وبدأوا بالهتاف “عاش السلطان، عاش السلطان” وانشغل عبد الحميد مدة دقيقة أو دقيقتَين بإعطاء الأوامر لبعض كبار الضباط، ثم توجه إلى عربته بكل هدوء ورباطة جأش. وكعادته فإنه قادها بنفسه، وكانت تقاطيع وجهه في غاية الهدوء. وهكذا ترك الجامع وذهب إلى القصر. وأصيبت إحدى المتفرجات،(6) كما جرح كثير من المتفرجين بسبب تناثر عظام الخيول الموجودة في مكان الحادث. وسقط فخذ حصان أمام المكان المخصص للسفراء كما تحطم زجاج ساعة برج القصر، وفتحت فتحات كبيرة في أعلى الجامع، وتحطم زجاج نوافذه مما أدى إلى جرح الكثيرين، كما تضرر داخلُ المسجد بشكل كبير”.(7)
    يقول رئيس الكتاب “تَحسين باشا” في مذكراته بعد شرح الحادثة: “ماذا شعر السلطان آنذاك؟ لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال، ولكن لا يستطيع أحد الإنكار بأنه أبدى شجاعة خارقة… ولم يُظهر أي نوع من أنواع الانفعال، أو الخوف، واكتفى بسؤال: ماذا هناك؟. وعندما اقترب من عربته ورأى الاضطراب والهلع هتف بهم بصوته الجهوري: “لا تخافوا!.. لا تخافوا!”.(8)
    وقد نظم أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة،(9) مهنّئا الخليفة الذي نجا من الموت بعد إلقاء قذيفة عليه، في سبتمبر 1905م، قال فيها:
    نَجاة
    هنيئًا أميرَ المؤمنين، فإنما
    نجاتك للدين الحنيف نجاةُ
    هنيئًا لطه، والكتابِ، وأمةٍ
    بقاؤك إبقاءٌ لها وحياة
    أخذتَ على الأقدار عهدًا ومَوثقًا
    فلستَ الذي ترقى إليه أذاةُ
    ومَن يك في بُرد النبي وثوبه
    تجُزْه إلى أعدائه الرَّمَياتُ
    يكاد يسير البيتُ شكرًا لربّه
    إليك، ويسعى هاتفًا عرفاتُ
    وتستوهبُ الصفحَ المساجدُ خُشّعًا
    وتبسُط راحَ التوبةِ الجُمُعاتُ
    وتَستَغفِرُ الأَرضُ الخَصيبُ وَما جَنَتْ
    وَلَكِن سَقاها قاتِلونَ جُناةُ
    وَتُثني مِنَ الجَرحَى عَلَيكَ جِراحُهُمْ
    وَتَأتي مِنَ القَتلى لَكَ الدَعَواتُ
    ضَحِكتَ مِنَ الأَهوالِ ثُمَّ بَكَيتَهُمْ
    بِدَمعٍ جَرَت في إِثرِهِ الرَحَماتُ
    تُثابُ بِغاليهِ وَتُجزى بِطُهرِهِ
    إِلى البَعثِ أَشْلاءٌ لَهُمْ وَرُفاتُ
    وَما كُنتَ تُحييهِمْ فَكِلهُمْ لِرَبِّهِمْ
    فَما ماتَ قَومٌ في سَبيلِكَ ماتوا
    رمَتهم بسَهم الغدر عند صلاتهم
    عصابةُ شرٍّ للصلاة عُداةُ
    تَبرَّأ عيسى منهمُ وصِحابِه
    أأتباعُ عيسى ذي الحَنان جُفاةُ؟
    يُعادونَ دِينًا، لا يعادون دَولةً
    لقَد كذِبَت دَعوى لهم وشَكاةُ
    وَلا خَيرَ في الدُنيا وَلا في حُقوقِها
    إِذا قيلَ طُلّابُ الحُقوقِ بُغاةُ
    بأي فؤادٍ تَلتقي الهَولَ ثابتًا
    وما لقلوب العالَمِين ثباتُ؟
    إذا زُلزلت من حولك الأرضُ، رادَها
    وَقارُك حتى تَسكُن الجنباتُ
    وَإِن خَرَجَت نارٌ فَكانَت جَهَنَّمًا
    تُغَذَّى بِأَجسادِ الوَرى وَتُقاتُ
    وَتَرتَجُّ مِنها لُجَّةٌ وَمَدينَةٌ
    وَتَصلى نَواحٍ حَرَّها وَجِهاتُ
    تَمَشَّيتَ في بُردِ الخَليلِ فَخُضتَها
    سَلامًا وَبَرْدًا حَولَكَ الغَمَراتُ
    وَسِرتَ وَمِلءُ الأَرضِ حولَك أَدرُعٌ
    وَدِرعُكَ قَلبٌ خاشِعٌ وَصَلاةُ
    ضَحوكًا وَأَصنافُ المَنايا عَوابِسٌ
    وَقورًا وَأَنواعُ الحُتوفِ طُغاةُ
    يَحوطُكَ إِن خانَ الحُماةَ انتِباهُهُمْ
    مَلائِكُ مِن عِندِ الإِلَهِ حُماةُ
    تُشيرُ بِوَجهٍ أَحمَدِيٍّ مُنَوِّرٍ
    عُيونُ البَرايا فيهِ مُنحَسِراتُ
    يُحَيِّي الرَّعايا وَالقَضاءُ مُهَلِّلٌ
    يُحَيّيهِ وَالأَقدارُ مُعتَذِراتُ
    نَجاتُكَ نُعمى لِلإِلَهِ سَنِيَّةٌ
    لَها فيكَ شُكرٌ واجِبٌ وَزَكاةُ
    فَصَيِّرْ أَميرَ المُؤمِنينَ ثَناءَها
    مَآثِرَ تُحْيِي الأَرضَ وَهْيَ مَواتُ
    إِذا لَم يَفُتنا مِن وُجودِكَ فائِتٌ
    فَلَيسَ لآمالِ النُفوسِ فَواتُ
    بَلَوناكَ يَقظانَ الصَّوارِمِ وَالقَنا
    إِذا ضَيَّعَ الصيدَ المُلوكَ سُباتُ
    سَهِرتَ وَلَذَّ النَّومُ وَهْوَ مَنِيَّةٌ
    رَعايا تَوَلاّها الهَوى وَرُعاةُ
    فَلَولاكَ مُلكُ المُسلِمينَ مُضَيَّعٌ
    وَلَولاكَ شَملُ المُسلِمينَ شَتاتُ
    لَقَد ذَهَبَت راياتُهُمْ غَيرَ رايَةٍ
    لَها النَصرُ وَسْمٌ وَالفُتوحُ شِياتُ
    تَظَلُّ عَلى الأَيّامِ غَرّاءَ حُرَّةً
    مُحَجَّلَةً في ظِلِّها الغَزَواتُ
    حَنيفِيَّةٌ قَد عَزَّها وَأَعَزَّها
    ثَلاثونَ مَلْكًا فاتِحونَ غُزاةُ
    حَماها وَأَسماها عَلى الدَّهرِ مِنهُمُ
    مُلوكٌ عَلى أَملاكِهِ سَرَواتُ
    غَمائِمُ في مَحْلِ السِّنينِ هَواطِلٌ
    مَصابيحُ في لَيلِ الشُّكوكِ هُداةُ
    تَهادَت سَلامًا في ذَراكَ مَطيفَةً
    لَها رَغَباتُ الخَلقِ وَالرَّهَباتُ
    تَموتُ سِباعُ الجَوِّ غَرثى حِيالَها
    وَتَحيا نُفوسُ الخَلقِ وَالمُهَجاتُ
    سَنَنتَ اعتِدالَ الدَّهرِ في أَمرِ أَهلِهِ
    فَباتَ رَضِيًّا في ذَراكَ وَباتوا
    فَأَنتَ غَمامٌ وَالزَّمانُ خَميلَةٌ
    وَأَنتَ سِنانٌ وَالزَّمانُ قَناةُ
    وَأَنتَ مِلاكُ السِّلمِ إِنْ مادَ رُكنُهُ
    وَأَشفَقَ قُوّامٌ عَلَيهِ ثِقاتُ
    أَكانَ لِهَذا الأَمرِ غَيرُكَ صالِحٌ
    وَقَد هَوَّنَتهُ عِندَكَ السَّنَواتُ
    وَمَن يَسُسِ الدُّنيا ثَلاثينَ حِجَّةً
    تُعِنهُ عَلَيها حِكمَةٌ وَأَناةُ
    مَلَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ ابنَ هانِئٍ
    بِفَضلٍ لَهُ الأَلبابُ مُمتَلَكاتُ
    وَمازِلتُ حَسّانَ المَقامِ وَلَم تَزَل
    تَليني وَتَسري مِنكَ لِي النَّفَحاتُ
    زَهِدتُ الَّذي في راحَتَيكَ وَشاقَني
    جَوائِزُ عِندَ اللهِ مُبتَغَياتُ
    وَمَن كانَ مِثلي أَحمَدَ الوَقتِ لَم تَجُز
    عَلَيهِ وَلَو مِن مِثلِكَ الصَّدَقاتُ
    وَلي دُرَرُ الأَخلاقِ في المَدحِ وَالهَوى
    وَلِلمُـتَـنَـبّي دُرَّةٌ وَحَصاةُ
    نَجَت أُمَّةٌ لَمّا نَجَوتَ وَدُورِكَتْ
    بِلادٌ وَطالَت لِلـسَريرِ حَياةُ
    وَصينَ جَلالُ المُلكِ وَامتَدَّ عِزُّهُ
    وَدامَ عَلَيهِ الحُسنُ وَالحَسَناتُ
    وَأُمِّنَ في شَرقِ البِلادِ وَغَربِها
    يَتامى عَلى أَقواتِهِم وَعُفاةُ
    سَلامِيَ عَن هَذا المَقامِ مُقَصِّرٌ
    عَلَيكَ سَلامُ اللهِ وَالبَرَكاتُ





    المصدر: مجلة حراء – بقلم أورخان محمد علي
    الهوامش
    (1) جمع خان: وهي البنايات التي كانت تستعمل كفنادق آنذاك.
    (2) İzahlı Osmanlı Tarihi Kronolojisi, s.331.
    (3) بشكتاش: منطقة في إسطنبول مشرفة على البسفور.
    (4) Ulu Hakan Abdülhamid Han, s.311.
    (5) Belgelerle Sultan Abdulhamid, s.117-124.
    (6) كانت هناك أمكنة مخصصة للزوار وللأجانب وللسفراء، يشاهدون منها مراسيم صلاة الجمعة أي ما كان يسمى آنذاك بمراسيم الـ”سلامْلك”.
    (7) Büyük Türkiye Tarihi, 7/191-192.
    (8) İzahlı Osmanlı Tarihi Kronolojisi, s.349.
    (9) الشوقيات، لأحمد شوقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/80-82.

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    محاولة اغتيال السلطان سليم الأول في مصر من قبل أحد الأمراء المماليك!!


    بعد دخول السلطان سليم الأول مصر وتمكنه من سلطان المماليك طومان بيه وشنقه على باب زويله، غضب أحد الأمراء المماليك ومنهم الأمير قانصوه العادلي وعزم على الإنتقام من السلطان سليم وقتله ثأراً على ضياع ملك قومه، وننقل لكم ماذكره أحمد الرمال في كتاب تاريخ السلطان سليم الأول:


    ومن غريب ما جرى أن الأمير قانصوه العادلي لما سمع بشنق السلطان طومانباي وقتل الأمير شريك كان عليه ذلك اليوم من أشأم الأيام، وهجر الطعام والمنام.
    ثم حدث نفسه بأن يتحيل بحيلة على قتل السلطان سليم. فسهر ذات ليلة وهو متفكر فيما يفعله وكيف يتوصل اليه الى ما أراد. فدبر في نفسه أن يلبس مثل العرب ويأخذ معه جماعه من أهل القوة، وينزل الى مركب ليلاً ويسير بها الى تحت المقياس، ويجعل له سلم تسليم، ويصعد عليه وينزل الى داخل المقياس ويقتل السلطان سليماً ويأخذ بثأر قومه.
    ثم إنه فعل ذلك حتى وصل الى الطيارة التي فوق المقياس، وهو محل السلطان، فوجد الحرس مستيقظين وسمع حديثهم. فكَمَن في محل وقال في نفسه: أصبر لهم إلى أن يناموا.
    فلما سكت حسهم ظن أنهم قد ناموا وكانوا يتناوبون الحرس بالساعات.
    فقام ومشى الى أن قرب منهم ففطنوا به ورأوه بالعين، فقاموا اليه يتصايحون بالسيوف مسرعين في طلبه، فرجع هارباً الى الموضع الذي جاء منه، وفي سلم التسليم، فما ساعة الا ان رمى نفسه من فوق الشراريف الى البحر، وارتخى في التيار.

    وتبعته جماعته بالقارب فحصلوه وهو عائم، فأطلعوه وانحدروا به ولم يبلغ مقصوده.
    وأما السلطان سليم فإنه قام مرعوباً من يومه لما سمع الضجة، وطلّ من أعلى القصر ونظره وهو عائم في الماء. فأمرهم بالرمي عليه بالبندق فلم يصبه شئ من ذلك، الا ان وصل الى ساحل بولاق وبقي مقهوراً، لأنه لم يبلغ مقصوده.
    أرسل السلطان الى خير بك وقال له: لا بد وأن تأتيني بخبر هذا الرجل الذي خاطر بنفسه وجاءني في الليل ليقتلني.
    فاستقص خيربك فقيل له: هذا الأمير قانصوه العادلي.
    فلما أخبر السلطان به قال له: لا بد وأن تأتيني به.
    فقال له يبرز أمرك بالأمان، فلعل أن يطيع ويدخل في يدنا، فخلف السلطان أيماناً مغلظة أنه إن قابله بالأمان فعليه أمان الله ورسوله، والخائن يخون الله تعالى.
    فأرسل له خيربك من استعطف بخاطره وقال له: إن السلطان قد ندم على ما فعل من طومانباي وشريك، وما كان قصد السلطان شيئاً من ذلك، وإنما عنادهم هو الذي أوجب ذلك، فإنهم لو أطاعوه من الأول وجعلوا السكة والخطبة باسمه لكفّ عنهم ورجع الى بلاده وأبقاهم على بلادهم، ولكن جرى القلم بما به الإله حكم، وقد تم الأمر، وما بقي لا شر ولا حر، والأولى والأحسن أن تقابل السلطان وتأمن على نفسك ومالك وعيالك.
    فلما سمع الأمير قانصوه العادلي ذلك الكلام طاب خاطره للمقابلة، وقال في نفسه: أما الموت فلا بد منه، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره. فتوكل على الله وسلّم أمره لله وقدم خير بك ليلاً.
    فلما أجتمع خيربك تلقاه بأحسن ملتقى، وقال له: ما بقي كلام، وقد مضى ما مضى.وتكلم معه كلاماً كثيراً وضمن له من السلطان الأمان وأعلمه بأن السلطان لا يخالف خيربك في شئ من ذلك.
    ولما طلع النهار ركب خيربك وقانصوه العادلي وذهبا الى السلطان سليم، فلما وقف بين يديه نظر اليه وتأمله وقال له: ما اسمك؟
    فقال له: اسمي قانصوه العادلي.
    فقال: أنت الذي جئتني في الليل وأنا في المقياس؟
    قال: نعم.

    قال: صف لي كيف صنعت؟
    فوصف له جميع ما صنعه.
    فقال له السلطان: لأي شئ فعلت ذلك؟
    قال له قانصوه العادلي: أما تدري ما صنعت أنت وما فعلت في سلطاننا، وما أهلكت من عساكرنا، وما أخربت من ديارنا، وما يتّمت أطفالنا وما هتكت من حريمنا. وما أخذت من أموالنا، وما فعلت معنا من فعل لم يفعله أحد من قبلك ونحن مسلمون مؤمنون موحدون حماة الدين، ونقرأ كلام رب العالمين، سُنِيون، فما ذنبنا؟
    قال له السلطان سليم: ياقانصوه، والله ما كان هذا في خاطري من الأول، ولا كان قصدي شيئا من ذلك أبدا، إلا أن ملككم الذي هو قانصوه الغوري لما أرسلت له وكاتبته وأنا ذاهب الى قتال القزلباش الرافضي (يقصد الصفويين) أرسل لي جواباً ناقصاً وأغلظ فيه عليّ، ثم أرسلت له ثانياً لما أن بلغني منه ما كان يفعله بالناس من المضاررات والقتل في الأمراء والأعيان، فقلت له: كف عن ذلك وأنصف الناس من بعضهم، فإن كل من كان خادما للحرمين الشريفين لا يكون الا عادلاً منصفاً عاملاً بالكتاب والسنة، متمسكاً بالشريعة، فأرسل لي جواباً بأنه قادم بأشراره، فتوجهت اليه وجردت عليه، وقد نصرني الله تعالى عليه ورمى كيده في نحره، وانظر كيف ألقى الله تعالى فيكم الفتنة، كيف كنتم تخونون بعضكم وتفسدون، فكان ذلك سببا لزوال ملككم، ولكن هذا ليس بقدرتي ولا بقدرتكم، ولكن هذا بتقدير الله تعالى، وقد تم الأمر على ذلك، ولكن ياقانصوه قد عطف الله قلبي عليك، وقد أمّنتك على نفسك ومالك وعيالك، ولا بقي يحصل لك مني أذية أبداً.
    فقبل الأرض ودعا للسلطان واعتذر له بأنه ما جاء في تلك الليلة الا لشدة ما حصل له من القهر، ثم إن السلطان خيّره في أن يقيم في مصر معززاً مكرماً أو يذهب معه إلى بلاده.
    فاختار الذهاب معه وأمر السلطان سليم عسكره بإكرامه.

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    “اللغة العربية تزيد ارتباطنا بالعرب” .. موقف السلطان عبد الحميد الثاني من اللغة العربية


    كان السلطان عبد الحميد الثاني يرى منذ أن تولى الحكم ضرورة اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية لـ الدولة العثمانية. وفي هذا يقول: (اللغة العربية لغة جميلة. ليتنا كنا اتخذناها لغة رسمية للدولة من قبل. لقد اقترحت على خير باشا -التونسي- عندما كان صدراً أعظم أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية، لكن سعيد باشا كبير أمناء القصر اعترض على اقتراحي هذا. وقال: إذا عرّبنا الدولة فلن يبقى –للعنصر التركي- شئ بعد ذلك. كان سعيد باشا رجلاً فارغاً، وكلامه كان كلاما فارغا. ما دخل هذه المسألة بالعنصر التركي؟! المسألة غير هذه تماماً هذه مسألة، وتلك مسألة أخرى، اتخاذنا للغة العربية لغة رسمية للدولة من شأنه –على الأقل- أن يزيد ارتباطنا بالعرب).

    إن السلطان عبد الحميد كان يشكو وخصوصاً في بداية حكمه من أن الوزراء وأمناء القصر السلطاني، كانوا يختلفون عنه في التفكير، وأنهم متأثرون بالغرب وبالأفكار القومية والغربية وكانوا يشكلون ضغطا على القصر، سواء في عهد والده السلطان عبد المجيد الأول، وفي عهد عمه السلطان عبد العزيز، أو في عهده هو. ولم يقتصر الأمر معارضة اقتراح السلطان عبد الحميد بتعريب الدولة العثمانية على الوزراء المتأثرين بالغرب فقط: بل تعداه الى معارضة من بعض علماء الدين.
    إن من الأخطاء التي وقعت فيها الدولة العثمانية عدم تعريب الدولة وشعبها بلغة القرآن الكريم والشرع الحكيم.
    يقول الأستاذ سيد قطب: (ولو تصورنا أن دولة الخلافة قد استعربت، وتكلمت اللغة العربية التي نزل بها هذا الدين فلا شك أن عوامل الوحدة داخل الدولة كانت تصبح أقوى وأقدر على مقاومة عبث العابثين، فضلاً عما يتيحه تعلم اللغة العربية من المعرفة الصحيحة بحقائق هذا الدين من مصادره المباشره: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما كان الحكام والعامة كلاهما في حاجة اليه، على الرغم من كل ما ترجم الى التركية وما ألف أصلاً بالتركية حول هذا الدين).

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    الإحتلال الفرنسي لنيابة تونس العثمانية


    كانت فرنسا ترى بتونس منطقة قريبة من الجزائر المستعمرة الخاضعة لها وكما تحققت فرنسا من النوايا الإيطالية بإحتلال تونس اعتزمت فرنسا ان تسبقها باحتلال تونس.


    وقد ذكر المؤرخين في كواليس مؤتمر برلين عام 1878 أن بريطانيا لوّحت الى فرنسا عدم ممانعتها على أن تمتد فرنسا نفوذها على تونس، ولوحت فرنسا الى ايطاليا بعدم ممانعتها على مد نفوذها الى طرابلس الغرب، وفي نفس الوقت كانت فرنسا تعلم بأطماع إيطاليا في تونس ايضاً، ودعم المستشار البروسي بسمارك فرنسا احتلال تونس لتنشغل عن المطالبة بالزاس واللورين، وليوقع بين فرنسا وإيطاليا على احتلال تونس. غير أن هذه العروض لم تدرج في مقررات المؤتمر وبقيت سرية.
    بقي البحث عن سبب مباشر للعدوان على تونس، فادعت فرنسا أن عشائر الكرومر التونسية هاجمت الأراضي الجزائرية، ومن المهم تأديبهم، وتذرعت به فرنسا لإحتلال تونس وضمنت موافقة الدول الأوروبية المنافسة لها. وفي عام 1881 دخلت فرنسا الأراضي التونسية بقوة قوامها 30 ألف جندي ثم عززت قواتها شيئا فشيئا واتجهت نحو العاصمة وحاصرت قصر الباي محمد الصادق وأجبرته على توقيع معاهدة “باردو” في 12 مايو 1881 وافق بموجبها على الإحتلال بدعوى إعادة النظام والأمن، وإقامة مقيم فرنسي الى جواره يشرف على تنفيذ أحكام المعاهدة، ووسيط بين فرنسا وتونس في حل جميع القضايا، وتعهد الباي بعدم عقد أية معاهدات ذات صبغة دولية دون إعلام فرنسا، وبذلك اعتمدت فرنسا في تونس نظام الحماية لإقناع المعارضة الدولية بأنها لم تقض على كيان الدولة المحمية وإرضاء المعارضة الداخلية في فرنسا بأن نفقات الحماية ستقع على عاتق الدولة المحمية وليست الحامية.
    اندلعت الثورة الشعبية في تونس ضد الفرنسيين في الجنوب والقيروان وامتد للساحل الجنوبي، واحتلو صفاقس وعُدّ الباي خائناً لتوقيعه المعاهدة ونادوا علي ابن خليفة أحد زعماء القبائل أميراً عليهم، ورأت فرنسا ضرورة إخماد الثورة، وأرسلت أسطولها الى صفاقس ودمرت الميناء بالكامل وحشدت جيشاً كبيراً في الجزائر وهاجمت مدن تونس (العاصمة) والقيروان ولجأ الثوار إلى طرابلس الغرب، ودخل الفرنسيون الى القيروان وفرضوا على الباي الجديد معاهدة المرسى عام 1883 لتشرف على الأمور العامة في تونس. مما حدا بإيطاليا للإعتراض على عمل فرنسا بشدة.
    وأخيراً يقول أمير البيان شكيب ارسلان حول ذلك: ثار بعض الأهالي والجند التونسي بقيادة علي ابن خليفة، ولكن لعدم تكافؤ القوتين انتهت الثورة بتغلب الفرنسيين، كما حصل في الجزائر من قبل، ولو لم تحتل فرنسا بلدة الجزائر، لم تكن لتستولي على المغرب الأوسط كله العمالات الثلاث: الجزائر، ووهران، وقسنطينة.
    ثم إنه بقيت فرنسا خمسين سنة تقاتل أهل الجزائر حتى أدخلتهم في الطاعة، فلما انتهت منهم، بدأت تفكر في الإستيلاء على تونس، ولما انتهت من خطب تونس، بدأت تفكر في الإستيلاء على المغرب الأقصى.
    ولما رأت ايطاليا أن فرنسا استأثرت بهذه الممالك الثلاث من دونها اعترضت على فرنسا من جهة، واعترضت على انكلترا من جهة أخرى، وقالت لهما: إنكما تقاسمتما قارة أفريقيا، فمصر والسودان لإنجلترا، وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وأواسط أفريقيا لفرنسا، ولم تدعا لإيطاليا شيئا.

    فاتفقت هذه الدول الثلاث على أن تكون لإيطاليا ولاية طرابلس الغرب مع برقة، ومن هنا جاءت حرب طرابلس، وهكذا الإستعمار سلسلة آخذُ بعضها برقاب بعض، ومن تساهل في أمر ملكه في البداية خوفاً من شر أعظم، فإنه لا يلبث أن يقع في شر أعظم من الذي تفاداه.

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    “اللنبي” و “غورو” أعلاناها حرب صليبية




    يسجل التاريخ مواقف للحروب التي شنها الأوروبيين في البلاد الإسلامية بحيث يعتبرونها حروب صليبية؛ يقول باتيرسون سميث في كتابه “حياة المسيح الشعبية” باءت الحروب الصليبية بالفشل، لكن حادثا خطيرا وقع بعد ذلك، حينما بعثت انجلترا بحملتها الصليبية الثامنة، ففازت هذه المرة. إن حملة اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة.
    لذلك نشرت الصحف البريطانية صور اللنبي، وكتبت تحتها عبارته المشهورة التي قالها عندما دخل الى القدس في 9 ديسمبر 1917 لأول مرة منذ أكتوبر 1187:
    اليوم انتهت الحروب الصليبية

    ونشرت هذه الصحف خبرا آخر يبين أن هذا الموقف ليس موقف اللنبي وحده بل موقف السياسة الإنجليزية كلها، قالت الصحف:
    هنأ لويد جورج وزير الخارجية البريطاني الجنرال اللنبي في البرلمان البريطاني، لإحرازه النصر في آخر حملة من الحروب الصليبية، التي سماها لويد جورج الحرب الصليبية الثامنة.

    كما يسجل التاريخ موقفا آخر للفرنسيين دليلا على صليبية حروبهم
    فالجنرال غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق في 24 يوليو 1920 توجه فورا الى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وركله بقدمه وقال له:
    ها قد عدنا يا صلاح الدين
    الصورة: الجنرال الإنجليزي اللنبي يدخل القدس


    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    عمود المقياس بين السلطان سليم والمعري





    يقال أن السلطان سليم الأول كتب بيدِه على عمود المقياس الذي على شاطئ النيل بـ مصر هذين البيتين:


    الملكُ لله مَنْ يظفر بنيل غنىً
    يردده حقاً ويضمن بعده الدركا

    لو كان لي أو لغيري قدرُ أُنملةٍ
    فوق التراب لكان الأمر مشتركا

    وقد ظن بعض المؤرخين أن هذين البيتين هما من نظمه، لأنه كان شاعراً بليغا بـ العربية و التركية و الفارسية، ولكننا وجدنا هذين البيتين في “لزوميات المعري”، فيكون السلطان قد استشهد بهما.
    الجدير بالذكر السلطان سليم كان يكتب اشعاره تحت اسم مستعار “سليمي” ونشر ديوانه عام 1904 م بأمر من القيصر الألماني فيلهم الثاني وقدمه هدية لـ السلطان عبد الحميد الثاني.


    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    خليفة المسلمين “عبد الحميد” يكسر بُعد المسافات والسياسات ويصل الى الصين




    اتخذ السلطان عبد الحميد الثاني خطوة استراتيجية عندما أعلن أكثر من مرة التزامه بمشروع الجامعة الإسلامية الذي مكنه من دخول أكثر من منطقة في العالم، وكانت بكين هدفه هذه المرة رغم بعد المسافات والسياسات.
    كلف السلطان عام 1901 أحد أهم أعوانه، أنور باشا، بترؤس هيئة رفيعة المستوى لزيارة الصين للالتقاء بقياداتها أولا والتعرف على أحوال المسلمين واحتياجاتهم هناك. وكان له ما أراد عندما عاد رئيس الوفد بعد رحلته التي استغرقت عدة أشهر وأقلقت البعثات الدبلوماسية الغربية العاملة في الصين، فتسابقت على الرصد والتتبع وكتابة التقارير السرية حول أبعاد هذا التحرك العثماني الأخير، مخافة أن يكون له بعد عسكري استراتيجي يقوي الدولة ويوسع رقعة علاقاتها.
    وخرجت الصحافة في اسطنبول بخبر مفاده أن عددا من مسلمين الصين متحمسون، يحبون العلم ويرغبون الإستفادة من المعارف الإسلامية، وأن لديهم مؤسسات تعليمية ومدارس، وأن في بكين وحدها 38 مسجداً وجامعاً، يؤدي المسلمون فيها الصلاة، ويدعون فيها لخليفة المسلمين السلطان عبد الحميد الثاني، وأن خطبة الجمعة في مساجد وجوامع بكين تقرأ باللغة العربية، ثم تترجم الى اللغة الصينية، وأن الدعاء للسلطان عبد الحميد بصفته خليفة المسلمين لا يقتصر على بكين فقط، بل ويمتد إلى كل مساجد الصين وجوامعها.
    وعلم أنور باشا أن هيئة رفيعة من رجال الدين المسلمين في الصين تريد أن تزور إسطنبول للتقدم بطلباتها واحتياجاتها هناك، وكان في مقدمتها إنشاء كلية للعلوم الدينية في كاشفار تجمع الأقلية المسلمة في الصين وتوحدها. وكان لها ما أرادت عندما قرر عبد الحميد تمويل بناء جامعة إسلامية أطلق عليها اسم المدرسة الحميدية.
    في عام 1908 تأسست في بكين –عاصمة الصين- جامعة أطلق عليها المسلمون الصينيون (دار العلوم الحميدية) نسبة الى السلطان الخليفة عبد الحميد الثاني، أو بتعبير السفير الفرنسي في اسطنبول اسم (الجامعة الحميدية في بكين)، وذلك في تقريره له إلى وزارة الخارجية خارجيته في باريس.
    وقد حضر افتتاح هذه الجامعة، الآلاف من المسلمين الصينيين. وحضره أيضا مفتي المسلمين في بكين، والكثير من علماء المسلمين هناك.
    وفي مراسم الإفتتاح، ألقيت الخطبة باللغة العربية، ودعا الخطيب للسلطان الخليفة. وقام مفتي بكين بترجمة الخطبة والدعاء إلى اللغة الصينية. وبكى أغلب المسلمين الحاضرين بكاءً حاراً بدافع فرحتهم وإن مسلمي الصين مترابطون فيما بينهم ترابطاً واضحاً برباط الدين المتين وإن إيراد الخطبة باللغة العربية لغة المسلمين الدينية، ورفع علم الدولة العثمانية على باب هذه الجامعة، قد أثر تأثيراً بالغاً في هؤلاء الناس الطيبي القلب، وحرك الدموع في أعينهم.
    وضمت الجامعة مكتبة جمعت مئات الكتب الدينية في الحديث والتفسير والشريعة التي حملها إلى هناك كبار العلماء وأساتذة العلوم الدينية الذين خدموا لسنوات طويلة في المكان.

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    بين مصطفى كمال وآل عثمان غيرة أم حقد!!



    كان الخليفة عبد المجيد رجلاً مهذباً مثقفاً كما يليق بسلالة بني عثمان، وقد أصبح في نظر الأتراك الصلة الحية بالتراث والتاريخ العثماني الإسلامي، وكانت جماهير اسطنبول تهرع لإلقاء نظره عليه وتحيته كل جمعة وهو في طريقه لأداء الفريضة، وكان الخليفة مدركاً تمام الإدراك مكانة منصبه السامية، وعراقة السلالة التي ينتمي إليها، فكان مرة يرتدي عماة محمد الفاتح وثانية يتقلد سيف السلطان سليمان القانوني.
    استشاط مصطفى كمال أتاتورك غيظاً فما كان يطيق أن يرى أو يسمع عن محبة الناس وتعلقهم بآل عثمان وبالخلافة والسلطنة، فمنع الخليفة من الخروج للصلاة ثم خفض مخصصاته للنصف وحكم مصطفى كمال البلاد بالحديد والنار، وضمن تأييد الدول العظمى لسياسته التعسفية.
    دعا مصطفى كمال الجمعية التأسيسية إلى اجتماع في 3 مارس 1924م، وكان على ثقة تامة من أحداً في الجمعية التأسيسية لن يجرؤ على معارضته، وطرح على الجمعية مشروع بإلغاء الخلافة التي أسماها “هذا الورم من القرون الوسطى” وقد أجيز القرار الذي شمل نفي الخليفة في اليوم التالي دون مناقشة، وانطفأت على يد مصطفى كمال شعلة الخلافة التي كان المسلمون طيلة القرون يستمدون من بقائها رمز وحدتهم واستمرار كيانهم.
    لقد كان مصطفى كمال ينفذ مخططاً مرسوماً مرسوماً له في المعاهدات التي عقدت مع الدول الغربية، فقد فرضت معاهدة لوزان سنة 1923م على تركيا فقبلت شروط الصلح والمعروفة بشرط كرزون الأربع “وهو رئيس الوفد الإنجليزي في مؤتمر لوزان” وهي:
    1- قطع كل صلة لتركيا بالإسلام.
    2- إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاءً تاماً.
    3- إخراج الخليفة وأنصار الخلافة والإسلام من البلاد ومصادرة أموال الخليفة.
    4- اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم.


    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    خليفة المسلمين “عبد الحميد” ومحاربة سفور المرأة




    قام خليفة المسلمين السلطان عبد الحميد الثاني بمحاربة سفور المرأة في الدولة العثمانية، وهاجم تسرب أخلاق الغرب، إلى بعض النساء العثمانيات، ففي صحف اسطنبول في 3 أكتوبر 1883 ظهر بيان حكومي موجه إلى الشعب يعكس وجهة نظر السلطان في رداء المرأة.


    يقول هذا البيان: (إن بعض النساء اللائي يخرجن إلى الشوراع في الأوقات الأخيرة، يرتدين ملابس مخالفة للشرع. وإن السلطان قد أبلغ الحكومة بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة. كما أبلغ السلطان الحكومة أيضا بضرورة عودة النساء إلى ارتداء الحجاب الشرعي الكامل بالنقاب إذا خرجن إلى الشوارع). وبناءً على هذا فقد اجتمع مجلس الوزراء واتخذ القرارات التالية:
    - تعطى مهله شهر واحد يمنع بعده سير النساء في الشوراع إلا إذا ارتدين الحجاب الإسلامي القديم. وينبغي أن يكون هذا الحجاب خالياً من كل زينة ومن كل تطريز.
    - يُلغى ارتداء النساء النقاب المصنوع من القماش الخفيف أو الشفاف. وبالتالي ضرورة العودة إلى النقاب الشرعي الذي لا يبين خطوط الوجه.
    - على الشرطة – بعد مضي شهر على نشر هذا البيان – ضمان تطبيق ما جاء فيه من قرارات بشكل حاسم، وعلى قوات الضبطية التعاون مع الشرطة في هذا.
    - صدّق السلطان على هذا البيان بقراراته الحكومية.
    - ينشر هذا البيان في الصحف ويعلق في الشوارع.
    وفي اليوم التالي لنشر هذا البيان، أي 4 أكتوبر قالت جريدة (وَقِتْ) الصادرة في اسطنبول: (إن المجتمع العثماني عموماً يصوِّب هذا القرار ويراه نافعاً).

    اترك تعليق:


  • صباحو
    رد
    مراسم تقليد السيف





    مراسم تقليد السيف أي وضع السيف في خصر السلطان تشبه مراسم وضع التاج على رأس الملك في الدول الأوروبية. وهي مراسم تدل على السلطة والمقدرة، فلم تكن علامة السلطة في السلاطين العثمانيين التاج، ولكن علامة السلطة هو تقليد سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جامع أبي أيوب الأنصاري. فقد جرت العادة أن تتم مراسم البيعة في أول يوم جلوس السلطان على عرشه، أما تقليد السيف فيتم تأخير مرسمi لعدة أيام بعد تولي العرش.
    تجدر الإشارة أن هناك عدة مواقف لتقليد السيف فمثلا السلطان مراد الخامس لم يحضر تقليد السيف بسبب الإضطرابات العصبية التي اصابته وأدت الى خلعه عن العرش فيما بعد، وهناك موقف آخر للسلطان محمد وحيد الدين فقد تقلد السيف في 31 أغسطس 1918 وكان المفروض ان يقلده السيف كالعادة شيخ المولوية الموجود في قونية عبد الحليم أفندي. لكن وحيد الدين لم ينسى البرقية التي أرسلها الشيخ الى أخيه السلطان عبد الحميد الثاني بعد خلعه عن العرش التي قال فيها: “إنك لا تستحق السيف الذي حمله أجدادك”. ولذلك رفض وحيد الدين أن يقلده أحد شيوخ المولوية السيف.
    كان موجودا في ذلك الوقت أحمد الشريف السنوسي الذي حضر اسطنبول من ليبيا، بقصد ضمان التأثير على العالم العربي من خلال فرمان “الجهاد الأكبر” الذي أُعلن استجابة لدعوة السلطان محمد رشاد في الحرب العالمية الأولى. ولما توفي السلطان محمد رشاد ظل السنوسي في اسطنبول، لحين ارساله الى الخارج لهذا الهدف. فقرر وحيد الدين أن يقوم الشيخ السنوسي بتقليده السيف. وبعد تقليده السيف قرأ السلطان الفاتحة لصاحب المقام، ثم تلقى التهنئة من الحاضرين. وقام بتقبيل السيف الذي تقلده، ووضعه على رأسه، ثم أعاده إلى الكرسي، وتركه ثم عاد الى قصره.

    اترك تعليق:

يعمل...
X